صاحب رواية "الكفار" لمحيط : كنت أظن الإخوان أكثر مكرا .. والتدين المغشوش يغلف حياتنا
الإثنين 2013/3/18 5:27 م
-
كلما ازداد الانغلاق على الطقوس .. تبلدت القلوب
-
الغرب يدعم إسرائيل والفساد والتعذيب ثم يدعو لحقوق الإنسان!
-
ترويج الأحاديث الموضوعة أكبر تشويه للإسلام
-
الكاتب لمحيط : باب الله مفتوح للمسلمين بلا كهنة ولا وسيط
كتبت – شيماء عيسى
من هم "الكفار" الذين يخبر عنهم الأديب المصري الشاب أسامة يسين في روايته الأولى الصادرة عن دار "هيباتيا ؟! .. ربما يصدق حدسك منذ تمسك بالصفحات الأولى ، حين تقر بأنك تقرأ لنجل المفكر البارز عبدالجواد يسين، والذي يندرج تحت لواء "التنويريين الإسلاميين" بحسب اصطلاح الكثيرين، فلا عجب أن يشابه الابن أباه ويخرج على المجتمع شاهرا كلمته التي ترفض ما ينظر إليه بأنه تدينا مغشوشا كرس للطقوس على حساب القلب والروح التي باتت خاوية لدى كثير ممن يصفون أنفسهم بالمتدينين؛ فتراه ينتقد الساعين للسلطة بغير حق والذين يسفكون الدماء البريئة باسم الله أو الذين يدلسون على الناس بالأوهام وهم في الواقع يقومون بأكبر خدمة لأعداء الإسلام.
يجسد الشيخ "حسن عبدالعظيم" ما يطلق عليه النقاد برأس الحكمة في الرواية حسبما أراد كاتبها، فهو صاحب ماضٍ قديم مع العمل الجهادي حتى أنه كان أميرا لإحدى التنظيمات الحركية، لكنه يتخلى فيما بعد عن أفكاره حين يقر بأن كثيرا من الأخطاء ارتكبت "بنية صالحة" في حق الأبرياء.
في حياته اللاحقة ينفتح الرجل على الحياة بغير تشدد ويسعى لأن يقول كلمته بأن الله جعل هناك مطلقات لا يجوز التشكيك فيها، لكنه أيضا أوجد مقيدات وهي شرائع وتفسيرات واجتهادات يمكن التفكير فيها وصحتها . وهو ينظر للتدين لا باعتباره نصوصا متراكمة كما حمل أتباع اليهودية على عاتقهم فلم تزدهم نصوصهم غير غلظة في القلب، ولكن التدين هو صلة مستمرة بالخالق وتفكر في خلقه وتسامح مع الآخر المختلف حتى عقائديا.
أما الراوي (البطل) فهو شاب مصري باحث في العلوم الإسلامية ، يجد الطريق أمامه مفتوحا لأحد المراكز الغربية التي تؤسس مقرا لها بالقاهرة، وتزعم أنها تهدف لنشر الحوار والتسامح بين أتباع الديانات لنبذ العنف، بينما هي في الحقيقة، التي ستتضح له لاحقا، تسعى لتكريس الأدوات الغربية لبقاء دولة إسرائيل وتقوية شوكتها في المنطقة .
وقبل أن نتناول المنظمة والشباب الذين انضموا لها، وكانوا أبطالا لرواية "الكفار" ، سنتابع مسيرة البطل، الذي يظل مشوشا بين عالم يتمناه وعالم يعيشه ، فهو يرى صديقه "عمار" نجل الجهادي المعتقل "طه عبدالتواب" يتحول لرجل متشدد لا يفكر إلا بتكفير السلطة ولا يمكنه مقارعة المخالفين له بالحجة، بل إنه ينزلق فيما بعد من الدعوة للشعوذة باسم الدين، عبر ترويج أنه يخرج الجن من الجسد ويشفي الأمراض باستخدام "العلاج الرباني"!
ويمنى البطل بصدمة قوية في أخيه وأسرته، لقد عاد الأخ الأكبر "محمد" لتوه من دولة النفط ، مصطحبا زوجته ونجله "عبدالله" ، لكن الإبن سينتحر في القاهرة بعد أن يخضع لعلاج لشذوذه، وسيكون ذلك كما ترسم ملامح الرواية نهاية لحياته المتشددة السابقة ..
نعود لمركز دراسات الأديان بالشرق الأوسط، لنجد مديره "مستر داكنون" وهو يحتقر تخلف العرب ويمجد إسرائيل، ويسعى لنشر الباحثين لجلب معلومات أشبه بالمخابراتية لصالح أطراف غربية، وتقف على النقيض منه "جوليا" وهي وإن كانت يهودية ماجنة خلقيا لكنها كانت صادقة تماما مع نفسها من البداية حين اعترفت للبطل بأن أمريكا منشأها والغرب بشكل عام يروجون لحقوق الإنسان والديمقراطية بينما يدعمون الحكام القمعيين العرب ويدعمونهم بأحدث أساليب تعذيب الناشطين .. حتى في علاقتها بإسرائيل كانت جوليا تعترف بأن تنشأتها جرت على النظر إليها باعتبارها أرض المعاد والدولة التي بواسطتها يتحقق العهد القديم لليهودية وبالتالي فكل ما تقوم به من جرائم مباحا ببركة الإله !
عن طريق "هوانغ" وهي باحثة صينية بالمركز، يبرز المؤلف نقطة محورية في الخط الفكري لروايته ؛ إذ أنها عادة تستشهد بأحاديث منسوبة للرسول "صلى الله عليه وسلم" تحمل مضامينا تنتهك حقوق الإنسان، كذلك الذي يقول أنه يحق للزوج على زوجته أن تلعق ما يفرزه منخاره! أو حين يصطدم الباحث المصري بمن يواجهه بالمركز بأن ديننا يجعل طاعة الحاكم واجبة وإن "نهب أموالنا وضرب ظهورنا"! في مخالفة صريحة للآية الكريمة "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" ويسعى الباحث جاهدا للرد على كل ذلك .
وهناك مرويات يؤمن الكثيرون بأنها صحيحة بينما هي منافية للعقل والنقل من القرآن نفسه ، مثل تلك التي تدعي أن الرسول جاز فيه السحر ! أو أن سيدنا عمر بن الخطاب قد هجر اليهود قسرا من الجزيرة العربية لبيت المقدس !
بالطبع ونتيجة تعرض بطل الرواية لتلك المرويات الضعيفة يتعرض لوصمه من قبل الإعلام الديني أو بعض أتباع التيارات الدينية بأنه "تافه" و"معاد للدين" ، لكنه يقف عنيدا أمام كل ذلك . يقف ومعه الشيخ حسن يردان على "نور الدين" الملحد المغربي الذي غدر بصديقته "غادة" بعد الإيقاع بها جسديا، وادعى أن الدين تخدير للشعوب، فيجيب الشيخ حسن بأن الدين بريء من القتل باسمه والأمر يتعلق دائما بطريقة تفسيرك للنصوص وفهمها واستعدادك للخير أو للشر .
تنشأ في طيات الرواية علاقة حب بين الفتى المسيحي "مينا" والفتاة المسلمة "سلوى" والذان يضطران لترك بعضهما قبل التورط في زواج تجرمه الديانتان، لكن هناك مغزى ما أهم وهو اتجاه سلوى للتشدد الديني بديلا عن الطريق القويم وهو ما يعيدها لحالة أسوأ مما سبقتها، فتقبل على الانتحار!
وهناك إشارة أخرى دالة يحملها "أكرم" الشاب الإخواني صديق البطل، والذي ما إن يتذكر حياته القائمة على "السمع والطاعة" يتعثر في الدفاع عن الإسلام السياسي الذي يركز على الكراسي ويتغافل عن القيم!..
يمكن أن يوجه اللوم لـ"أسامة يسين" كونه اتخذ أشكالا من التدين المصري وركز فقط على خروقاتها، فمشهد مولد الحسين بالتأكيد يحمل جوانبا خيرة كثيرة وليست مجرد رقصا ماجنا أو أذكار يتلوها سكارى! كما أن التيارات الإسلامية فدت دماء المسلمين في بلدان كثيرة محتلة عبر مقاومة مشروعة، وبالطبع لسنا في معرض للدفاع عن أية تنظيمات إرهابية بالداخل والخارج..
أيضا، هناك ربط معتاد في الروايات الجديدة بين التشدد الديني والهوس الجنسي ! ويستعين الكاتب للإشارة لذلك بالواقع والأساطير من كهنة المعابد.
على جانب آخر ، استدعى المؤلف التراث بمهارة فائقة ، فالبطل عادة ما ينفصل عن واقعه ويذهب لزمن ما بعد الفتنة الكبرى، حين تقاتل أتباع ثوبان بن شعث بن بلتعة مع أتباع رضوان البعجري على حكم القبائل وسالت الدماء "باسم الله" وكأنه يقول : ما أشبه اليوم بالبارحة .. وأحيانا يعود الراوي لزمن سيدنا سليمان "عليه السلام" أي لمرحلة سحيقة في الزمان، ونجده واقفا أمام هيكله يدعو لنفسه بروح طاهرة تتخلص من رداء الجسد ..
لغة الرواية أيضا، أمر يستحق التوقف أمامه، فالعبارات محكمة وحين يستدعي كاتبها التراث تكون وكأنها خرجت لتوها من أمهات الكتب العتيقة ما يكسب للرواية ثراء كبيرا، إضافة للوصف البارع الذي يتسم به قلم يسين، وفكرة التقطيع السينمائي للمشاهد فيبدو لك وكأنك تشاهد عملا دراميا كاملا ..
نقرأ من فقرات الرواية : ""إذا وشوشك القلب فصدقه فإنه لا يكذب ولا يهادن .. القلب يطلق صرخات فتستقبلها قلوب حائرة تبث لهيبها في فضاء مرتعد قاس يلتف حولها يلتمس الدفء . ثم يعود ليقول : اذا وشوشك القلب فكذبه فإنه متقلب " !
أما عنوان الرواية فسوف تدرك مغزاه جيدا حين تنطلق للنهاية، لترى شيخا كبيرا يغضبه ابنه الذي يعبث بأوراقه، بينما يسأله : "يا أبت على أي دين أنت ؟" فيقول : أنا المؤمن به .. الكافر بما آمنتم به !
حوار مع الكاتب
(... ) ؟
- دفعني لكتابة هذه العمل رؤية عامة لحال الشخصية المتدينة بصفة عامة والمتدين المسلم على وجه الخصوص، وجدت حالة أشبه بالإنفصام والحيرة، دفعتني لكتابة الرواية، وانتهيت منها قبيل الثورة لكن تمت مراجعتها وطبعها منذ شهرين تقريبا
(...)؟
- الواقع كان مليئا بالمشاهد التي عايشتها عيانا واختزنت في الذاكرة، منها على سبيل المثال واقعة استخراج الجني من الفتاة، وان تم معالجتها بشكل مغاير في الرواية حسب السياق الدرامي للأحداث، وكذلك وقائع الاعتقالات وما يتم فيها.
(...)؟
- بالتأكيد تأثرت بحياة والدي وتجربته وتم ذلك عبر النقاش والحوار المستمر، لكني أظن أن "الشيخ حسن" الملقب بالشيخ الوقور في الرواية ليس كما ذكرتم يجسد أبي، فهو لا يزال داخل البناء التديني التقليدي وإن كان على مشارف الخروج.
(...)؟
- نعم كل من يخرج يواجه بأساطين الفكر التقليدي أصحاب "وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثرهم لمهتدون" ..
(...) ؟
- تقولون بقسوة العمل على الجميع الصوفية والسلفية والجهاديين ، وأنا لم أتعمد ذلك، لكني ركزت ألا أنحاز أيضا لأي فريق منهم، ركزت على أن يكون المسلم مسلمًا حرًا متصلا بالله دون وصاية، ودون كهنوت يحجب عنه الرؤية... وهذا الأمر ربما يفتقده كل الفرق المذكورة بنسب معينة....
(....) ؟
- نعم برغم أن الرواية كتبت قبل الثورة لكنها تنبأت بحكم الإخوان ، وإن كنت أتوقع أن يكونوا أذكى من ذلك في أدائهم مع الشعب المصري وقت أن كنت أكتب الرواية، أو أن يكونوا أكثر "مكرا" من أن يقعوا في فخ الانعزالية الذي أوقعوا أنفسهم فيها، لكني فوجئت أنهم اختاروا أنفسهم فقط وباعوا الجميع.. وحين تعجلوا التمكن انكشفوا !
(....) ؟
- ليس صحيحا أنني هاجمت الصوفية على وجه الإطلاق، وإن كان "عمار" بالرواية اتهمهم بالمروق لكنه وجد "الشيخ الوقور" في مولد الحسين، وهو يمثل رجل الدين بالرواية .. هناك ملاحظة أن باب الصوفية الأكثر اتساعا الآن لدخول الغرب الإسلام ، لأنه يحوي البعد الروحي بقوة تحت وابل من الطقوس في غيره من التيارات ..
(...)؟
بخصوص التيارات الإسلامية على الساحة السياسية فهي لا تزال تعود بفكرها لماضي الفتوحات أو حتى فكرة الخروج على الحاكم، رغم أن الدين ينطلق من الفرد مباشرة إلى الله ولا يعوزه وساطة سلف أو كهنوت. وفي رأيي هم حتى الآن غير مؤهلين للعب دور جاد بالسياسة ربما لأنهم لم يمارسوها من قبل ..
(...)؟
- في نهاية الرواية قصدت أن الشاب حين صار شيخا فوجيء بابنه يعود للحالة التقليدية في التدين ويصبح سلفيا، وهي نظرة واقعية لم أقصد بها التشاؤم.
http://www.moheet.com/2013/03/18/%D9%81%D9%8A-
%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%B1-%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%AA%D8%A8%D8%B1%D8%A3-%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%85%D9%86-%D8%B3%D9%8A%D8%B1/