أولا :
1 ـ ( عمّار ) تلميذ فاشل خائب ، ألحقته أمّه ( أم عمّار ) فى حلقة دروس خصوصية لعلّ وعسى . ذهبت ( أم عمّار ) للمدرس تسأل عن حال ابنها ( عمّار ) . المدرس رآها شابة جميلة فطمع فيها ، قال لها : ( لا فائدة فى الولد عمّار . تصورى إننى لكى أحثه على المذاكرة قلت له : إن لم ينصلح حالك سأفعل بأمك الفحشاء .!!). أسرعت ( أم عمّار) تقول:( أؤكد لك يا استاذ إنه لن ينصلح حاله إلا بذلك ).!!. المدرس إشتهى أم عمّار ، وجعل حجته إصلاح حال ( عمّار) ، و( أم عمّار ) إشتهت المدرس ، وزعمت أن هدفها إصلاح حال (عمّار ). (عمّار ) يملك إصلاح نفسه بدون أن تفتح أمّه ساقيها للمدرس. الحلّ فى يد (عمّار ) . لو شاء (عمّار ) أن يظل فاشلا خائبا فستظل (أم عمار ) مركوبة للمدرس ، أما لو شاء أن يصلح حاله بنفسه فستنتهى تلك العلاقة الآثمة التى تجمع ( أم عمّار ) بالمدرس .
2 ـ هى قصّة وهمية بالطبع . والمقصود بها تصوير علاقة مصر بأمريكا . (عمّار ) هو الشعب المصرى ، و ( أم عمّار) هى جماعة الاخوان التى تحكم الآن مصر . أما ( المدرس ) فهو السياسة الأمريكية . السياسة الأمريكية تريد لمصر الاستقرار الذى يحقق المصالح الأمريكية . وترى الاستقرار فى أن تتجمع كل السلطات فى يد حاكم مستبد يسهل التعامل معه ، وكلما كان هذا المستبد معزولا إشتد إلتصاقه بأمريكا وإزداد لها إنبطاحا . السياسة الأمريكية لا تتعامل مع الشعب المصرى ولا يعنيها بأى حال ، إنما يعنيها الحاكم الفرد ، وهى تظل تؤيده وتسانده طالما يخدمها ويحقق أغراضها ، ليس مهما أن يحبها و يتولّه فى غرامها ، المهم أن يخدم مصالحها . وأمريكا لم تجد رئيسا مصريا يعشقها مثل السادات الذى قدّم لها مقدما كل ما تحلم به دون أن تطلب ، بدءا من طرد الخبراء السوفيت ، ونهاية بتسليمه بأنها تملك 99% من أوراق اللعبة ، واستبقى لنفسه لا شىء . فعل هذا بشهامة أولاد البلد معتقدا أنهم سيكافئونه فلم يأخذ منهم مقابلا . ومع ذلك أستمر عاشقا لأمريكا التى لم تعطه شيئا هاما . إمتصّته كالليمونة ثم إذا لم يبق منه شىء ألقته فى الزبالة . عندما أصبح عبئا عليها أسرعت وجهزت مبارك بديلا ودربته على أن يكون رئيسا قبل شهور من مقتل السادات . وجاء مبارك فكان خادما مطيعا لأمريكا. ومع إنه كان ( جلفا ) فى حديثه مع الرؤساء الأمريكان إلا إن أمريكا تمسكت به بزعم الاستقرار ، وظلت الى جانبه ضد الشعب المصرى وثورته الى أن إتّضح جليا حتمية سقوطه .
3 ـ سقط مبارك بثورة شعبية ، ولكن أمريكا لم ولن تضع عينها على الشعب المصرى ، لأن سياستها لا تعرف أن تتعامل إلا مع مستبد يحكم هذا الشعب المصرى . ومهما تجاهد المنظمات الأمريكية العاملة فى الدعوة للديمقراطية والحرية فهذه المنظمات الأمريكية تعبّر عن القيم الأمريكية العليا التى آمن بها وجاهد فى سبيلها الآباء المؤسسون للدولة الأمريكية. ولكن فى القرن العشرين بدأت أمريكا سياسة تخالف مبادئها ، إذ أخذت تتحوّل الى قوة عظمى تسعى الى أن ترث الامبراطورية البريطانية العجوز وتنهج نهجها فى انه ( ليس لها اصدقاء دائمون ولكن لها مصالح دائمة ) ، من وقتها بدأت وإتسعت الفجوة بين المبادىء الأمريكية والسياسة الأمريكية التى لا تعترف بالمبادىء ولكن بالمصالح . وفقا لهذه المصالح تتعامل أمريكا مع الشعوب فى أوربا واليابان ، فهذه الشعوب هى التى تحكم نفسها بنفسها ضمن منظومة الديمقراطية كالشعب الأمريكى ، ولكنها تتعامل مع المستبد فى العالم الثالث ، وتحرص على بقائه حرصا على مصالحها ، ولكن تحت حجة الاستقرار .
4 ـ وتعرف السياسة الأمريكية أن الاخوان عدو لدود ، ولكن تعرف ايضا أنه ليس فى السياسة عواطف بل مصالح ، وطالما يستطيع العدو الاخوانى تحقيق مصالحها فلا بأس به . وتعرف السياسة الأمريكية أن الاخوان لا عهد لهم ولا ذمة ولا يمكن الوثوق بهم ، ولكن تعرف ايضا أن الاخوان فى أزمتهم السياسية وفشلهم ومحاصرتهم فى الشارع المصرى فسيكونون اطوع لأمريكا لأنها الملاذ الآمن لهم . ولهذا راهنت أمريكا على الاخوان قبل وصلهم للسلطة ، وهى التى أوصلتهم للسلطة بالضغط على المجلس العسكرى الذى كان وضعه مؤقتا بطبيعته ، فعملت أمريكا على أن يرثه الاخوان بتزوير نتائج الانتخابات ، ليصل الاخوان ليكونوا أكثر ضعفا وأكثر لها طاعة .
5 ـ نعود الى الست ( أم عمّار ) و( المدرس ) و (عمّار )، ( فالسياسة الأمريكية / المدرس ) تمارس العُهر السياسى والفحشاء مع ( جماعة الاخوان / أم عمّار ) على حساب (عمّار / الشعب المصرى) ، وبزعم الاستقرار الذى هو مصلحة ( عمّار / الشعب المصرى ) فى نظرهم . وقلنا إن القرار هو فى يد (عمّار / الشعب المصرى) . لو شاء أن يصلح حاله بنفسه ويمسك بيده مصيره فسيتخلّص من العار ، عار الفُحش السياسى الحاصل الآن . ولكن كيف ؟ بسرعة اسقاط حكم الاخوان ، وسرعة تنصيب البديل .
6 ـ البديل هو النظام العلمانى . بالعلمانية خرجت أوربا من تخلف العصور الوسطى، وأقامت الدولة الحديثة ،وعرفت الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية الدينية ، واقتربت من حقائق الاسلام ودولته الحقيقية المدنية العلمانية . فالاسلام فى حقيقته دين علمانى ، فليس فيه سلطة دينية ، وليس فيه إكراه فى الدين ، وهو ضد الاستبداد والفرعونية . والعلمانية المؤمنة هى التى تطبق تعاليم الاسلام القرآنية وبدون الحاجة الى الاستدلال بالنصوص القرآنية ـ فى حرية الدين وحقوق الانسان والعدل والحرية السياسية والمساءلة لولاة الأمور واستمداد السلطة من الأمة . العلمانية الاسلامية تجعل دور الدولة فى خدمة الفرد ،وتضمن حريته السياسية ، وحقه فى العدل وتحرره من الظلم والخوف ، وتضمن له حرية الفكر والدين ، وتجعل العلاقة بين الانسان وربه علاقة خاصة لا مجال لأحد أن يتدخل فيها . فى العلمانية الاسلامية ليست وظيفة الدولة إدخال الناس للجنة لأن الهداية مسئولية شخصية ومن اهتدى فقد اهتدى لنفسه ومن ضل فقد ضل على نفسه. وقال جل وعلا لخاتم المرسلين ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص ). لذا قال الفقهاء المستنيرون إن هدف الشريعة هو حفظ حقوق العباد ( فى الحياة والمال والشرف والعدل والأمن ..الخ )، أما حق الله جل وعلا من الايمان به وحده وعبادته وحده فهو مؤجل ليوم القيامة ليحكم فيه رب العزة بين الناس فيما هم فيه يختلفون. لا مجال فى الاسلام لعقوبات تخص الاعتقاد والتفكير مثل اسطورة حد الردة وقتل المرتد وقتل تارك الصلاة . وبالتالى ينحصر الخلاف حول ما ينفع الناس فى دنياهم ، ويتأسّس التنافس السياسي على قاعدة المساواة بين الفرقاء ، فلا يحتكر فريق لنفسه حق التحدث باسم الله كذبا وبهتانا ، ويتعالى بهذا الزعم على بقية الفرقاء . هذا إفتراء على الله جل وعلا لأنه جل وعلا لم يقل إنه أختار هذا الفريق ليتكلم باسمه من دون الناس . وهذا أيضا ظلم للناس وامتطاء لظهورهم باسم الدين .
7 ـ وهذا الاصلاح يتوقف على نضال الشعب المصرى واستمرارية ثورته حتى يتخلص من سيطرة الاخوان ومن سيطرة العسكر معا . ومصر الان تجتاز فترة مخاض ، ولكن مهما طال النضال فستنتصر الثورة المصرية لأن الشعب المصرى قد ودّع عهد الخوف ، وطالما انه هو الذى أزاح مبارك بعد 30 عاما وأتى بمرسى فمن السهل عليه أن يزيح مرسى ، وهو لم يكمل بعدُ عاما من رياسته. من السهل على الشعب المصرى أن يحقّق ذلك رغم أنف السياسة الأمريكية . وعندما يمسك الشعب المصرى مصيره بيده مثل الشعوب القوية فى الغرب فلن يكون صنع القرار المصرى فى أمريكا بل ستضطر السياسة الأمريكية للإنتظار متلهّفة على قرار الشعب المصرى من خلال مؤسّساته التشريعية والقضائية والتنفيذية .
أخيرا :
1 ـ الى متى يظل (عمّار) تائها ؟ والى متى تظل ( الجماعة / أم عمّار ) ترفع ساقيها تئنّ وتتحشرج و ( تشكر ) تحت ضغط المدرس ؟ والى متى يظل المدرس يركب ( الجماعة / أم عمّار ) رايح جاى .؟!!
2 ـ الاجابة ليست عند (الجماعة ) بل عند الشعب المصرى .!!