خطابات الرئيس والعك الكروي

سامح عسكر في الأحد ١٠ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الخَطَابة والتربية..وجهان لعُملة واحدة..فالخطيب هو بالأصل مُربّي..ومجال عمله سواء في الخَطَابة الدينية أو السياسية أو الاقتصادية يعتمد عليه آخرون في تثقيفهم وإثقالهم لأنواعٍ من الخِبرات..وأولى واجبات الخطيب أن تكون أقواله موافقة لأفعاله، هذا لئلا يقع تحت طائلة التناقض أو أن يراه الناس بصورة أقرب للسُخرية منها إلى الوقار والهيبة..فالخطيب بالدرجة الأولى هو صنف من صنوف القدوة التي يجب مراعاة هيئتها وطرائقها في الكلام جيداً قُبيل الاختيار،وأن يكون مُعظّماً لواجبات الفرد وحقوقه في محل خَطَابته..بمعنى أن الخطيب الديني يجب أن يؤسس للناس حقوقهم وواجباتهم في إطار الدين، والخطيب السياسي يجب أن يؤسس للناس حقوقهم وواجباتهم في إطار الدولة والوطن والعمل الإداري العام.

الرئيس مرسي ورغم كونه جديداً على ساحة الخطاب السياسي - في إطار الوطن- إلا أنه ليس معذوراً كي يفشل في مهامه الخَطابية، فالخَطَابة هي بالأصل حِرفة يمتهنها كل محب..وكم من خُطباء كانوا حُدثاء الأسنان أصبحوا عِظاما..حتى أن أهم العوامل التي تؤسس للخطيب الجيد وهو عامل.."الثقة"..وهذا العامل متوافر لديه كونه يتبع تياراً يقف ورائه بكل ما أوتى من قوة مادية وبلاغية ومعنوية..إذاً ليس له عُذر..لأن الإشكالية أصلاً في التركيبة الخُلقية والكلامية والثقافية للرجل..فهو لا يمتلك الكاريزما التي تؤهله لأن يكون خطيباً على مستوى عالٍ من الوعي والإلقاء، وزاد الطين بلّة أن الرجل ظهر وكأنه تابع لأناسٍ آخرون يدافع عنهم ويسهر على مصالحهم، وهؤلاء هم جزء من شعبه فخرجت تصريحاته وقراراته في هذا الإطار..لذلك فمن الطبيعي أن يغضب الآخرون..وأنا أستغرب أن الرجل يعاند نفسه والواقع لهذه الدرجة..فالرئيس الحقيقي هو الذي يأتمر بأمر الجميع وليس بأمر فئة على حساب أخرى، إلا لو كان يعتقد بإحدى اثنتين..أن تكون هذه الفئة -التي يدعمها- هي تمتلك الحقيقة المُطلقة.. أوأنه مجبورُ وملزَم على أداء ما يفعل..وأعتقد أن الحالتين متوفرتين لديه بشكلٍ كبير.

الرئيس مرسي لا يعي جيداً أنه يحكم مصر نتيجة لثورة شعبية أطاحت بنظام سياسي كامل، فمن المنطقي أن يعتبر ممن سبقوه في هذا المنصب، وأن كافة أسباب ومسببات الثورة هي لديه محل اهتمام ألا يقع في إحداها فتخور شعبيته ويقع في نفس مصير ممن سبقه..هذه الطبيعة الثورية تفرض عليه أن يواجه الظلم وأن يُعزز من الحريات ويحميها..ولو أن الرئيس يؤمن بأهمية القراءة لأحلته إلى كتاب.."العقد الاجتماعي"..للمفكر الأوروبي العظيم جان جاك روسو..أو إلى كتاب .."طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"..للمفكر العربي الكبير عبدالرحمن الكواكبي..فالكتاب الأول يؤسس لمعاني الحرية بين الحاكم والمحكوم ويكفيه ما وُصِفَ به أن مُلهم الثورة الفرنسية.. أما الكتاب الثاني فهو يؤسس لقاعدة معرفية ضد البطش والقهر والظلم..وفي كِلتا الحالتين فهذه الكتابات تصلح للاستعانة بها في بيئة ثورية "خالصة" كالبيئة المصرية.

أذكر أنني ومنذ عهد قريب كنت محباً وعاشقاً لمباريات كرة القدم وزميلاتها من كافة الألعاب الجماعية الأخرى والفردية، وأنني لم أعد أهتم بهم إلا بعد جريمة بور سعيد الكروية، بعدها انقطعت بشكل شبه تام عن الكُرة بل والرياضة بأكملها..كنت حينما أتابع مباراة مهمة وفاصلة أعرف أنني أمام حالة من اثنين..الأولى أن تجري المباراة بسخونة وحماس وأن أستمتع بالمشاهدة قدر استمتاعي بقراءة الفلسفة!..أما الحالة الثانية وهي أن تجري المباراة في ظل الحِرص الشديد لكِلا الفريقين -أو لأحدهما- فينتج عن هذا الفِعل خروج المباراة بشكل مُملّ عبر فواصل من العك الكروي لا تنقطع إلا عبر صافرة الحَكَم..في الحالة الأولى تكون دوافع اللاعبين أكثر تصميماً وانفتاحاً، وأن خوفهم وحِرصهم لا داعي له، حينها تفرض وقائع المباراة بأن يلعب الجميع للفوز فتخرج المباراة ممتعة.

أما الحالة الثانية فيكون الخوف والقلق فيها هو مصدر انبعاث هذه الذهنية والنفسية التي ظهر بها اللاعبون ..وهذا يحدث كنتيجة طبيعية لكمية القيود التي تفرضها الإدارة الفنية عليهم، فتكون النتيجة أن ينكمش كل فريق في نصف ملعبه وتدور معظم أحداث المباراة في وَسَط الملعب بعيداً عن تحقيق الأهداف..حينها لا يستمتع أيٍ من المشاهدين بالمباراة على عكس اللاعبين وإداراتهم الذين كانوا في انشغالٍ دائم بالخُطط والتكتيكات، فهؤلاء لا يهتمون بجَمال اللِعبة أكثر من اهتمامهم بالنتيجة..

في هذه الحالة أرى تشابهاً عجيباً بين هؤلاء اللاعبين وإداراتهم وبين الرئيس مرسي وإدارته فهؤلاء جميعاً يلعبون للنتائج بغض النظر عن رأي الجمهور، فالعقلية التي قيدت اللاعبين هي ذاتها العقلية التي قيدت الرئيس..إنها عقلية الخوف وهاجس الفشل والحِرص على السُمعة..يشفع للاعبين أنهم غير مسئولين إلا عن فريقهم..ولكن لا يشفع للرئيس وإدارته كونهم مسئولين عن الجميع داخل حدود الوطن.

وإذا كان الرئيس مرسي لا يُحسن الخِطاب ولكنه يضع قرارات مصيرية تتسبب في العادة بأزمات سياسية لا يُستحسن ظهورها في هذا التوقيت، فالعقلية الثورية بحاجة إلى التلاحم مع بعضها لا أن تتفكك فيصير حُلفاء الأمس أعداء اليوم..وإذا كان هناك من ضرورة لهذه النوعية من القرارات لصالح تكوين مؤسسات الدولة فلابد وأن تجري في ظلّ القانون..هذا القانون الذي يوفّر الحماية للجميع-قدر المُستطاع..وبتجاوز هذه القوانين لا تكون للدولة ولا لرموزها هيبة تُذكر، وأظن أن المُجتمع المصري الآن يعاني من هذه الحالة المُتردية، فالرئيس المصري هو أول من ضرب بأحكام القضاء عرض الحائط بعد الثورة.. وهو من سَمَح لميلشيات جماعة الإخوان بحصار تلك المحاكم..وهو أول من خرق القوانين بتعديه على السُلطة القَضائية بتعيين نائب عام ليس له سُلطة تعيينه..بل وهذا النائب مشكوك في أخلاقه ووطنيته بشكل كبير..

في الأخير هناك رابط بين صدور تلك القرارات –صاحبة الأزمة-وبين إمكانيات الرئيس من الناحية الخَطَابية..فالخطيب الجيد هو رجل اجتماعي صِرف، ولا أظن أن صفة التميز الاجتماعي متوفرة لدى رئيسنا.."الهُمام"..فالرجل منذ أن صعد لسُلّم المسئولية وهو في تخبطٍ تام ولا يُحسن معاملة الآخر في خطاباته بل وتعتريها مُصطلحات وألفاظ في منتهى السوقية والسخافة..فالإنسان الذي يبيع نفسه يسهل عليه بيع كرامة الآخرين، وأن تظل فقيراً حراً خيرُ لك من أن تُصبح غنياً عبدا..وإذا كان الرئيس مرسي لا يهتم لآراء الناس فيه فالشعب كذلك لا يهمه من يحكم بل يهمه ماذا سيُقدم له في النهاية.

اجمالي القراءات 6676