د. رشدى سعيد يتحدث لـ «المصري اليوم»حول «اتفاقية النيل»: إثيوبيا أصل الأزمة ومفتاح الحل

في الثلاثاء ٢٥ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

رشدى سعيد يتحدث لـ «المصري اليوم»حول «اتفاقية النيل»: إثيوبيا أصل الأزمة ومفتاح الحل

  حوار   منى ياسين    ٢٥/ ٥/ ٢٠١٠

 
رشدى سعيد يتحدث إلى «المصرى اليوم»

إذا ذكر نهر النيل فلابد أن يذكر د.رشدى سعيد، وإذا ثار الجدل حول أزمة فى منابع النيل فلابد أن يقول الرجل الذى أفنى جزءا كبيرا من عمره الذى تجاوز التسعين كلمته، فهو صاحب أهم الدراسات عن نهر النيل، وصاحب دراسات مهمة فى علوم المياه والرى إلى جانب أنه عالم الجيولوجيا الأشهر فى مصر، الذى تخصص فى جيولوجية مصر بالتحديد، وأصدر كتابا بهذا الاسم أصبح مرجعا معترفا به على المستويين المحلى والعالمى.

ويُعد من أبرز خبراء الرى وأحد العارفين بأسرار نهر النيل، وله كتب ومقالات عديدة حول التعدين والرى والزراعة فى مصر والمنطقة العربية، حيث شغل منصب أستاذ بجامعة القاهرة فى الفترة من ١٩٥٠ ـ ١٩٦٨، وتولى إدارة مؤسسة التعدين والأبحاث الجيولوجية فى الفترة من ١٩٦٨ – ١٩٧٧، ساهم فى الاكتشافات التعدينية التى مكنت مصر من التغلب على ما فقدته بعد احتلال سيناء، ثم قدم استقالته من إدارة المؤسسة.

كرمه الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر فى عام ١٩٦٢، حيث سلمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وحصل على جائزة الريادة لعام ٢٠٠٣ من الجمعية الأمريكية لجيولوجيى البترول، تقديرا لأعماله العلمية فى مجال جيولوجيا مصر والشرق الأوسط، التى وصفتها بأنها فتحت آفاقا جديدة لتطبيق هذا العلم فى مجال البحث عن البترول فى المنطقة.. «المصرى اليوم» التقت د.رشدى سعيد صاحب أهم دراسة عن نهر النيل وجيولوجية مصر فى واشنطن أثناء مشاركته فى مؤتمر تحالف المصريين الأمريكيين، وكان معه هذا الحوار..

■ ملف النيل.. ما تعليقك على أزمة حوض النيل المثارة حالياً؟

ـ إن أزمة حوض النيل تعد إحدى كبرى الأزمات التى تقابلها مصر، فهى أزمة كبيرة جداً وليست صغيرة أبداً، وعلى مصر أن تهتم بها اهتماماً كبيراً، ففى عام ١٩٥٩ أى منذ ٥٠ سنة وقعت اتفاقية لتوزيع مياه النيل ولم تثر أزمة بين معظم الدول ومصر والسودان، خاصة بعد بناء السد العالى، لأنهما الدولتان الوحيدتان فى حوض النيل، اللتان كانتا فى هذا التوقيت فى حاجة إلى المياه، فيما كانت باقى دول الحوض الأخرى تعتمد على الأمطار والمياه الجوفية،

حيث كان عدد سكانها قليلاً، أما الآن فالوضع تغير.. وأريد أن أفرد وأقول إن إثيوبيا لها مشكلة كبيرة جداً مع مصر وحلها سيكون عسيرا، لأننا عندما وقعنا اتفاقية عام ١٩٥٩ قمنا بتقسيم كل المياه القادمة من إثيوبيا من النيل الأزرق بين مصر والسودان ولم نعط لبلد المنبع أى نقطة مياه،

وبالتالى كان هناك اعتراض على الاتفاقية من جانب البنك الدولى وإثيوبيا بالطبع، لكن فى ذلك الوقت كان عدد سكان إثيوبيا أقل والحاجة إلى المياه أقل، فلم تكن المشكلة واضحة المعالم والآن إثيوبيا فى حاجة إلى المياه، وبتقول «إنتو بتاخدوا كل الميه بتاعتى وأنا عايزه بقى نصيبى فى هذه المياه..

خدى بالك إن مصر والسودان معتمدين اعتمادا يكاد يكون كاملا على النيل الأزرق»، فـ ٨٥% من احتياجاتنا من المياه نحصل عليها منه، بينما تأتى البقية من الهضبة الاستوائية بنسبة ١٥% وهذه النسبة قليلة مما يشير إلى قلة مشاكلنا مع دول الهضبة الاستوائية عن مشاكلنا مع إثيوبيا لأنها مياه محدودة والطلب عليها كثير من مصر والسودان وإثيوبيا..

فلابد أن ندبر شيئاً بحيث نعطى مياهاً لإثيوبيا مما سيؤثر على حصة مصر والسودان منها، وهو ما ذكرته اتفاقية سنة ٥٩، ففيها بند يقول «عندما يظهر أن هناك طرفاً ثالثاً يطالب بالمياه سيجتمع الطرفان الموقعان وهما مصر والسودان للنظر فى طلبهما وذلك لاقتطاع جزء من حصتهما لإعطائها للدولة الثالثة»،

ولكننا تراجعنا الآن، فخمسون سنة مرت وعدد السكان زاد ومطالب مصر زادت والمياه أصبحت بالكاد تكفى مصر وإحنا مش قادرين نستغنى عن نقطة ميه فيها، ولكن إثيوبيا لها مطلب عادل تؤيده القوانين الدولية، ويؤيده المجتمع الدولى كله بما فيه البنك الدولى.

■ ما رأيك فى التصريحات الأخيرة للبنك الدولى بوضع تسعير لمياه النيل؟

ـ البنك الدولى يطالب بذلك من زمان ولكن السبب الحقيقى هو أنهم يقولون إن مصر تهدر كثيرا من المياه وأنها يجب أن تستخدم مياهها بكفاءة أكبر بحيث يمكنها الاستغناء عن بعض المياه وإعطاؤها لإثيوبيا، أما بالنسبة لموضوع تسعير المياه لا أعرف ما إذا كان هذا ممكناً أم لا، والبنك الدولى من أول ما مضينا الاتفاقية سنة ٥٩ وهو يقول إن الاتفاقية غير قانونية لأنها لا تعطى حصة من المياه لبلد المنبع، وبالتالى مشكلتنا الأساسية مع إثيوبيا وعلينا إذن إحداث نوع من التنظيم للمياه فإما نحدث تخفيضا فى حصتنا منها وهذا غير وارد والحكومة المصرية لن تقبل ذلك، أو أن نتفق مع إثيوبيا على أن ندبر لهم مياهاً من أجزاء أخرى من إثيوبيا مثل أن ننشئ لهم مشروعات على حسابنا أو نشترى المياه وطبعاً شراؤها عملية غير مقبولة.

■ هل توافق على تدخل البنك الدولى فى الأزمة القائمة بين دول حوض النيل؟

ـ أنا ضد تدخل أى وسيط بين دول حوض النيل وهذا كان ضمن السياسة المائية المعترف بها بعد منذ استقلال مصر، فلا أحد يدخل كوسيط بينى مثلا وبين أوغندا.. فالوساطة قد تفسد العلاقة وتدخل معاملات جديدة فى المعادلة، بحيث تدخل أوضاع جديدة أنت فى غنى عنها، متسائلا: لماذا لا يتم التفاوض مباشرة؟ فطول عمرنا منذ حصولنا على الاستقلال كانت سياستنا المائية تقول لا أدخل وسيطاً بينى وبين دول حوض النيل.

■ إلى أين تذهب الأزمة بين دول حوض النيل الآن؟

ـ الأزمة تفاقمت خلال الخمسين سنة الماضية، فما بالك بحال مصر فى ٥٠ سنة قادمة، فهى عملية فظيعة جداً لأن عدد السكان يتزايد والمطالب على الماء كبيرة فى كل دول حوض النيل، وأحذر من أزمة حادة كبيرة ستواجه مصر خلال السنوات المقبلة بما يدعو لوجود رؤية جيدة لها.

■ ما ملامح هذه الأزمة القادمة؟

ـ تتمثل فى قلة المياه، فلن يجد المصريون المياه التى يروون بها الأرض ويشربون منها، وحقيقة أقول لكى لا أعرف ما هو مستقبل الأزمة.. ففى ظرف خمسين سنة من سنة ٥٩ إلى اليوم، عندما وقعت مصر والسودان الاتفاقية احتجت إثيوبيا ورغم ذلك قبلت الموضوع لأنها وقتها لم تكن محتاجة إلى المياه والآن هى محتاجة إليها، ولذلك أفكر فى ماذا سيحدث بعد خمسين سنة، وهو ما يحتم أن يكون لدى مصر رؤية لحسن استخدام المياه.

■ قلت فى تصريح إن إسرائيل تستعد لشراء مياه النيل من منطقة جنوب السودان بمباركة مصرية.. هل صدر عنك هذا التصريح؟

ـ لا يا أستاذة ده كان زمان دلوقت المشكلة مع إثيوبيا أكتر، لكن جنوب السودان لا يقدر أن يبيع المياه لإسرائيل إلا إذا وافقت مصر، وأشك كثيراً أن مصر ستقبل ذلك.. إنتى عارفة إن ترعة السلام معمولة لتوصيل المياه لإسرائيل من خلال أنفاق كافية علشان توصل الميه، لكن دلوقت الفكرة اتغيرت لأن كمية المياه قليلة، فالتفكير كان زمان إن كان عندك مياه كافية.

■ بالنسبة للموارد.. هل لدى مصر حسن استخدام لمواردها الطبيعية؟

ـ مصر أساءت استخدام الموارد الطبيعية أشد الإساءة لدرجة أنى أسميها «جريمة» ويكفى أن أقول لك إن الاستغلال السيئ لسواحل مصر فى تخصيصها للترفيه أو للسياحة يعد أكبر خطأ، لأن الامتداد الطبيعى والحقيقى لمصر موجود على السواحل البحرية، فمثلا الساحل ما بين الإسكندرية والسلوم طوله يكفى لإنشاء دولة كاملة، بالإضافة إلى جميع السواحل على البحرين الأحمر والمتوسط وخليج العقبة وخليج السويس..

كل هذه الأماكن كان من الممكن أن تكون امتداداً طبيعياً لمصر، بحيث تبنى عليها مصر الجديدة مصر المستقبل، لأن مصر ستعيش فى حدود ضيقة من المياه إذن لابد أن يكون لدينا على السواحل محطات لتحلية مياه البحر بحيث يقدر أن يعيش عليها الناس وتقدر تعمل امتدادات خارج مصر.. فهتروح فين مفيش غير السواحل وإنت الآن بعت السواحل للسياح فى البحر الأحمر وللبشوات بتوع مصر فى البحر المتوسط فى غرب الإسكندرية.. وهذا أسوأ تبديد للثروة فى مصر.

■ على ذكر سوء استغلال الموارد وسوء التخطيط.. السواحل كلها والساحل الشمالى مهددة بالغرق بسبب التغيرات المناخية وارتفاع مستوى منسوب البحر ورغم ذلك يتم إنشاء مشروعات سياحية مثل مارينا وغيرها؟

ـ لا نريد أن نبالغ فى ارتفاع مستوى سطح البحر، لأنه لن يزيد ارتفاعه على متر فى أى حال من الأحوال وسيكون أقل من ذلك حتى نهاية هذا القرن، رغم أنه سيكون له تأثير بشكل كبير جداً جداً على الدلتا حيث سيغرق مناطق كثيرة فيها، لكنه لن يحدث غرق كبير على الساحل الغربى إلا مناطق صغيرة وهو ما يمكن تفاديه بسهولة بقليل من التخطيط البسيط رغم صعوبة تحقيق ذلك فى منطقة الدلتا.

■ وماذا عن صحة القول بأن مصر من المتوقع أن تفقد ٨ مليارات متر مكعب سنوياً على مدار الـ ٢٠ سنة المقبلة؟

ـ هذا الرقم صحيح طبعاً، وهو يمثل نسبة الفاقد الذى يتم صرفه فى البحر المتوسط.. بالتأكيد نحن فى حاجة إلى ترشيد استخدامنا للمياه فى كل أمور الزراعة، بداية من إبطال زراعة المحاصيل التى تستهلك مياهاً أكثر مثل زراعة قصب السكر والأرز التى يمكن زراعتها فى الشمال لكن يجب ألا نقوم بزراعتها فى منطقة الدلتا.

■ هل لدينا حسن تخطيط بالنسبة لموضوع ترشيد استخدام المياه؟

ـ لابد أن نرشِّد استخدام المياه ومن السهل عمله وليس صعباً ولكن يحتاج حكومة رشيدة ولديها الكفاءة فى تحقيق ذلك.

■ ما تعليقك على موضوع تلوث مياه نهر النيل؟

ـ نهر النيل ملوث جدا، فـ ٩٠% من قرى مصر ليس لديها صرف صحى وبالتالى تصرف فى النهر، هذا إلى جانب المصانع التى أنشئت عليه وهذا خطأ، وكان لدى اقتراح بألا نبنى مصنعاً واحداً فى أرض وادى النيل.. عندنا الصحراء الكبرى نقدر أن نختار فيها بعض المناطق التى تصلح لإنشاء مدن صناعية جديدة بتخطيط طيب ونمدها بأنبوبة مياه صغيرة بحيث تسهل استخدامات الصناعة والناس الذين سيعملون فيها.

■ إذن لماذا لا توجد سيطرة من قبل الأجهزة الحكومية على هذا بوقف المصانع عن الصرف؟

ـ ما حدث أن الحكومة أرادت إرضاء الشعب شويه فوفرت لنسبة عالية من القرى فى مصر المياه، فالأسهل أن أوفر له ميه فى الحنفية بدلاً من توفير صرف صحى لأنه مكلف وغالى، لذلك النيل ملوث بشدة، فإلى وقت قريب منذ خمس سنوات تقريباً كانت ضاحية المعادى تصرف فى النيل.

■ خلال مؤتمر مستقبل الديمقراطية الذى عقد فى نيويورك أجمع المشاركون على أن مصر بلد طارد للعلماء ولا تشجعهم مما يدفعهم للسفر الى دول أوروبية وأمريكية ليجدوا المناخ المناسب الذى يقيم علمهم.. فما رأيك فى ذلك؟

ـ مصر بها مشكلة كبيرة جداً ليست مقصورة على البحث العلمى فقط وإنما على التعليم عموماً، يكاد الإنسان أن يقول أنه لا يوجد تعليم فى مصر.. خلاص انتهى، لو كان عندك ولاد، بياخدوا دروس خصوصية علشان التعليم ضعيف والمدارس لا تعمل والمدرسون لا يعملون والأحوال سيئة جداً فى التعليم، والجامعات والبحث العلمى فى حالة سيئة جداً، فأهم حاجة فى الجامعة أن تكون معهداً للبحث العلمى قبل أن تكون معهداً للتدريس، فالبحث العلمى جزء أساسى من التعليم الجامعى وإذا لم يكن لديك بحث علمى فلن يكن لديك بحث جامعة، هذا الى جانب عدم وجود إنفاق عليه ولا تنفق عليه الصناعة المصرية، لأننا ننقل كل شىء من الخارج.

■ لا أقدر فى حديثى معك ألا أسألك عن رأيك فى الدكتور محمد البرادعى خاصة أنك قلت قبل ذلك أن رمسيس الثالث آخر حكومة صالحة؟

ـ رمسيس الثالث هو أحد أكبر الفراعنة فى مصر وبعده انحدرت مصر وأصبحت مستعمرة لمختلف الدول، حيث كانت مصر دولة غنية جداً فى وقت كان يعتمد فيه العالم على الزراعة، وإذا كانت الثروة تأتى من الزراعة إذن مصر كانت حينها أغنى بلد فى العالم لأنها دولة زراعية من الدرجة الأولى وإنتاجها عال، لذلك كانت درة من الدرر التى تسعى كل الإمبراطوريات للاستيلاء عليها منذ أن سقط رمسيس الثالث أحد أعظم فراعنة مصر.

■ بماذا تصف الوضع الحالى فى مصر؟

ـ الوضع الحالى فى مصر غير مقبول إطلاقاً، فلا يمكن لأى إنسان أن يقبله من كل وجهة، فعندما أذهب الى مصر لا أقدر أن أمشى فى الشارع من زحمة المرور إلى التعليم السيئ وأزمة القمامة فى الشوارع وغيرها.. يعنى كل حاجة تقريباً فى مصر باظت، ولا أرى فيها شيئاً جميلا سوى الــ«الكومبوندز» الخاصة بالأفراد الذين يعيشون فى مستوى اقتصادى عال.. وإذا تكلموا عن هذا الوضع سيقولون وجهة نظر أخرى مغايرة، ولكنى أتحدث عن وجهة نظر الشعب المصرى.

■ هل يمثل ظهور البرادعى أى أمل فى التغيير بالنسبة لك؟

ـ على كل حال هو عمل إثارة فى الجو وهذا شىء جيد وهناك حركة سياسية تجرى حالياً فى مصر والبرادعى نسمة هواء منعشة، ولذلك أنا مع حركة التغيير ومع أى تغيير فى مصر، لأن مصر محتاجة للتغيير دون شك، وأعتقد أنه لا يوجد أحد لا يريد التغيير فى البلد وإلا يكون راجل مش عايش فيه.

■ كيف تفكر فى مستقبل مصر؟

ـ لدينا موارد طبيعية فى مصر ولو أحسنا استخدامها ستصبح مصر من البلاد التى يستطيع شعبها أن يحيا حياة كريمة جدا؛ لأن مواردها ليست قليلة وأستطيع تلخيصها فى ثلاثة أشياء أهمها الحيز أو مساحة مصر؛ لأن مصر تاريخيا هى وادى النيل فقط، ولكن بها حدوداً كبيرة جدا تشكلها الصحارى المحيطة بها وهذه الصحارى لعبت دورا مهما فى تاريخ مصر القديم والحديث.وصحارى مصر كانت لها استخدامات كبيرة جدا وأهملت فقط وقت الاحتلال التركى، وبمراجعة تاريخ مصر نجد أن الصحارى لعبت دورا مهما جدا فى حياة مصر منذ أيام الفراعنة، حيث كان هناك اهتمام بالصحراء، التى كانت مصدرا لكثير من المعادن التى استغلت فى ذلك الوقت

وفى أيام الفراعنة كان هناك مسح علمى لموارد مصر المعدنية، خصوصا الذهب الذى يتواجد فى عروق المروى الموجودة كثيرا بجبال الصحراء الشرقية بالآلاف، حيث يتراوح حجمها بين ١٠ آلاف و١٢ ألف عرق.

وقلت قبل ذلك إن الحضارات القديمة هى من أحسنت استغلال صحارى مصر. وعندما جاء محمد على استعان بعدد من خبراء أوروبا حتى يستغلوا الصحارى ويستخرجوا الفحم الذى كان فى ذلك الوقت مصدر الطاقة الموجود فى العالم قبل ظهور البترول، واُكتشف عدد من المعادن وفُتحت مرة أخرى بعض مناجم الذهب والرصاص والزنك وبدأت بعض الصناعات وبدأت الحركة تدب فى الصحراء المصرية مرة أخرى.

■ قلت قبل ذلك فى ندوة لك بالقاهرة إن زراعة الصحراء وهم كبير.. كيف وهناك تجارب ناجحة فى هذا الصدد، وهذا الاتجاه يمثل أملا مع تناقص الأراضى الزراعية فى الدلتا؟

ـ قلت ذلك لأن الأرض الخصبة فى الوادى لن يتسنى تعويضها فى أى مكان آخر فى مصر، ومسألة زراعة الصحراء قلت إنها وهم لسببين: أولهما أن الأرض المحيطة بنهر النيل ليست بالمساحة الكبيرة حيث يحده من الناحية الشرقية جبل وناحية الغرب جبل آخر، والاتساعات بجواره قليلة جدا، حتى فى حالة وجودها فى أماكن مثل المنيا فلا يمكن الزراعة بها، لأنه لو حدث سيذهب صرفها للأراضى الزراعية الخصبة، وبالتالى تحدث خسائر كبيرة. والمكان الوحيد الذى يمكن زراعته هو شرق وغرب الدلتا وهذه المساحة محدودة مقدرة بمليون ونصف فدان فقط فى حين أن غرب الدلتا يتم عليه بناء مساكن ومدن سياحية.

كما أن هذه الأراضى ليست بخصوبة الأراضى القديمة لأنها مرتفعة وتحتاج لرفع المياه وهى عملية تحتاج لتكاليف كبيرة. أما المياه الجوفية فهى محدودة جدا، وفى عام ٥٩ كان هناك مشروع اسمه «تعمير الصحارى فى مصر»، وهو من المشاريع الجيدة جدا وكان هناك تجربة بديعة واخلاص حقيقى للوطن ومن ضمن الأشياء التى قاموا بها عمل دراسة علمية عن المياه فى الصحراء، ووجدوا اننا نستطيع استخراج مليار متر مكعب مياه فى السنة على أساس أن تنتهى هذه المياه كلها فى مائة عام.

وهذه الكمية تعتبر ١/٥٥ من المياه التى تأتى من نهر النيل، ونحن فى الوقت الحاضر نستغل هذه الكمية تقريبا منذ التسعينيات، ولكن هذا لا يعنى أنه ليست لدينا مشكلات فى زراعة الصحراء، ومن الأفضل الحفاظ على هذه المياه وبدلا من استخدامها فى الزراعة نستخدمها فى الصناعة؛ لأن مردود استخدام متر مكعب فى الصناعة عشرة أضعاف مردودها من الزراعة.

■ ما التحدى الرئيسى الذى تواجهه مصر؟

ـ المشكلة الكبرى فى مصر الآن أنه لابد من عمل مجتمع منتج؛ لأن المجتمع المنتج هو المجتمع الوحيد القادر على بناء مؤسسات صالحة غير فاسدة، وجزء من فساد المجتمعات الأوروبية وأمريكا، التى لم يكن بها فساد، أن المجتمع المنتج انتهى، فتاريخيا كل المجتمعات الصالحة حدثت وقت البناء والإنتاج، إنجلترا مثلا لم تبنى قضاء ومصلحة جمارك وضرائب سليمة إلا عندما كانت لديها صناعة واضطرت لأن تفعل هذا وإلا لما استطاعت بناء شىء.

ولذلك طالبت ومازلت أطالب بإقرار مشروع قومى لعمل مجتمع صناعى بمصر هو بناء مجتمع منتج، وإذا استطعنا إنجاز هذا فيمكننا بناء مصر، وأنا أثق فى أن شعب مصر سيستجيب لأنه يحتاج إلى مشروع قومى كبير للالتفاف حوله

اجمالي القراءات 5785