أولا : تطبيق حد الردة على الأقباط
1 ـ يتضح عداء الوهابيين السلفيين والاخوان للأقباط فى كل أحداث ما يسمى بالفتنة الطائفية ، وفيما يظهر فى تصريحات قادتهم ودعاتهم ، ومن خلال نشر ثقافة التعصب بين عوام المسلمين إذ أصبحوا يترصدون أى معالم لبناء كنيسة أو إصلاحها فيثورون ، وأحيانا بلا إنتظار تحريض من شيخ سلفى . بدأت ثقافة الكراهية ضد الأقباط مع بداية توغل الفكر الوهابى فى عصر السادات ، وخلال أربعين عاما تجذّرت وتسيّدت وسمّمت المناخ العام فى مصر ، وبالطبع قابلها الأقباط بتعصب مقابل . ثم ظهر إنصهار المصريين جميعا فى بوتقة الثورة ضد مبارك ، ولم يستمر هذا طويلا إذ إختطف الوهابيون الثورة ووصلوا للحكم ، وجاء دستورهم ينذر بإمكانية قتل الأقباط جميعا بشريعة السلف ، تحت شعارات حد الردة وتطبيق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
2 ـ على إن الظروف المحلية والاقليمية والدولية قد تجعل من المتعذّر تطبيق الشريعة السلفية فى مصر بما ينتج عنه ( تطهير دينى ) بقتل الأقباط جميعا . ولا أعتقد أن هذا القتل العام للأقباط يشغل أولوية للوهابيين المصريين خصوصا من الاخوان ، لأنّ عيون الاخوان بالذات هى على ثروات الأقباط ، أى يهمهم سلب أموال الأقباط ، مع بقاء الأقباط تحت السيطرة يتمتع الإخوان بإذلالهم . وبالتالى يكون تطبيق حد الردة والأمر بالمعروف لابتزاز الأقباط ، وهذا بالطبع يستلزم قتل بضعة ألاف قبطى كل حين وهدم عشرات الكنائس ـ فى عصر تمكين الاخوان و(أخونة الدولة ) . وبالقتل والهدم يعيش الأقباط تحت إبتزاز مستمر بحيث لا يحتاج الوهابيون الى تطبيق شريعتهم فى فرض الجزية على الأقباط ، لأن ضريبة البقاء على قيد الحياة ستكون أكثر فائدة للوهابيين من فرض الجزية على رءوس الأقباط .
3 ـ وصياغة المادة المشئومة فى تفسير الشريعة المراد تطبيقها بأنه من مذاهب أهل السنة والجماعة تعطى الحرية للوهابيين فى إختيار ما يناسبهم فى التعامل مع الأقباط ، كما إن لديهم من طرق الاجتهاد أو(الإحتيال ) ما يمكنهم من إبتزاز الأقباط وتطبيق حد الردّة عليهم ، خصوصا مع أخونة الدولة والتمكين .
ثانيا : كيفية تطبيق حد الردة على الأقباط
قد يرتفع حاجب الدهشة لدى القارىء ، إذ يظن أن حد الردة يطارد المسلمين فقط ولا علاقة له بالأقباط . ولكن أساطين الاخوان والسلفيين سيجعلون ذلك ممكنا لأن الفيصل فى تطبيق حد الردة على الأقباط يستلزم وجود شهود وقضاة من السلفيين ، مع أخونة الدولة بحيث تتم ملاحقة الأقباط بحد الردة . ونعطى أمثلة :
1 ـ الأخ ( حنّا ) ثرى جدا ، وقد أعلنوا موته . يذهب إثنان من الشهود ( العدول ) للقاضى السلفى يقسمان أن الأخ ( حنّا ) كان مسلما يكتم إيمانه أو إنه نطق أمامهما بالشهادتين ، أى مات مسلما . وبالتالى فإنه وفقا للشريعة السّنية عموما فإن الكافر لا يجوز له أن يرث المسلم . وبهذا تتم مصادرة ثروة الأخ ( حنّا ) وحرمان أولاده منها لتؤول الى بيت المال ( السلفى ) .
2 ـ الأخ ( حنّا ) لا يزال حيا يرزق . ومعه ثروته الطائلة . يذهب اليه الشاهدان يعرضان عليه الاسلام ، وسواء وافق أم رفض فسيذهبان الى القاضى يقسمان له أن الأخ ( حنّا ) قد نطق بالشهادتين وأصبح مسلما . بهذا يكون الأخ ( حنّا ) أمام أمر واقع ، فقد إعتمد القاضى دخوله فى الإسلام وأصبح الأخ ( حنّا ) مسلما . لو إعترض الأخ ( حنّا ) فقد أصبح مرتدا حلال الدم . وبالطبع يمكن إبتزاز الأخ ( حنّا ) لينجو من هذا المأزق بأن يدفع المعلوم .
3 ـ الأخ ( حنّا ) ليس غنيا أو فقيرا ، ولكن له زوجة فاتنة رائعة الجمال يطمع فيها السلفيون . يأتى الشاهدان الى القاضى السلفى يقسمان بأن زوجة الأخ ( حنّا ) قد نطقت أمامهما بالشهادتين ، فيحكم القاضى باسلامها ، وبالتالى لا يكون أمامها إلّا أن تذعن وتصبح مسلمة ، وهنا يتم فورا التفريق بينها وبين زوجها الأخ ( حنّا ) وتصبح حلالا يتزوجها من يشاء من السلفيين . وإمّا أن ترفض وتصمم على دينها ، وحينئذ تكون قد إرتدت بعد اسلامها ، ويتم تطبيق حد الردة عليها .
4 ـ ( أسلمة القاصرات المسيحيات ) من أبرز ( الجهاد السلفى ) وكانوا ولا يزالون يمارسونه بالتحايل خلال عصر مبارك . مع أخونة الدولة والتمكين ستكون أسلمة القاصرات المسيحيات بندا أساسيا يمكن به القضاء على المسيحية بدون مذابح هائلة وقتل عام للأقباط . وحد الردة هو السلاح الماضى فى أسلمة الأقباط . لن يكون الأمر محتاجا لشاب سلفى وسيم يخدع الفتاة القبطية بالحب والغرام ويغنّى لها أغانى عبد الحليم حافظ . يكفى إرهابها بحد الردة وإعلان اسلامها فى المحكمة ، وينتهى الأمر .
5 ـ هل تذكرون قصة السيدة ( وفاء قسطنطين )والتى قيل أنها أشهرت اسلامها وثارت فتنة سلفية لتحريرها ممّا قيل أنها فى سجون الكنيسة ؟ .ليست هى الحالة الوحيدة كما نعلم ، ولكنها تحولت الى قضية رأى عام بفعل السلفيين الذى نادوا بالجهاد العام لتحرير ( الأخت المسلمة ) .! هذا بينما تندّر دعاتهم على فتاة مسلمة محجبة ثورية من المتظاهرات إنتهك جند مبارك حرمة جسدها وقاموا بتعريتها فى ميدان التحرير.!! ..فى عصر الأخونة والتمكين سيتم إنتهاك حرمة المسلمات وضربهن فى الشوارع علنا إذا جرؤن على نقد الاخوان والسلفية ، أما بالنسبة للزوجات القبطيات فسيكون سهلا إختطاف أى زوجة قبطية والزعم بأنها مسلمة . ولن يجرؤ زوجها وكل أقباط العالم على تحريرها ..
6 ـ وهناك أمثلة كثيرة للتحايل .. وهناك جانب كبير وهائل فى الفقه السّنى يحمل إسم ( فقه الحيل ) ، كان يتم به التحايل على التشريعات الاسلامية . وسيزدهر تطبيقه على الأقباط .
ثالثا : قتل الأقباط خارج حد الردة وخارج الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
داخل التشريع السنى مبررات كثيرة فى قتل الأقباط خارج حد الردة وخارج الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . نعطى منها أمثلة :
1 ـ هناك أحكام بالقتل يمكن تطبيقها على كل مصرى مهما كان دينه ، منها الفتوى المشهورة بحق الامام ( أى الحاكم فى الدولة الدينية ) بقتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين . وعموما فإن حق الامام فى القتل السياسى مكفول دون أدنى مساءلة . بل جرى تطبيقه دون تسويغ تشريعى وقبل تصنيف الفقه السّنى ، إذ كان من حق الخليفة بل الوالى التابع له قتل من يشاء . وهذا ما كان يتم تطبيقه فى الدولة الأموية ( هل تذكرون الحجّاج بن يوسف ؟ ) والعباسية (هل تذكرون السيّاف مسرور فى عهد هارون الرشيد ؟) والمملوكية والعثمانية . وظل هذا ساريا ، ولا يزال ساريا فى الدولة السعودية فيقول أمير سعودى : ( الشرع شرعنا والسيف سيفنا ولا يجرح سيفنا لحمنا ).!! من المضحك أن الجبرتى أخذته الدهشة حين رأى الفرنسيين يعقدون محاكمة لسليمان الحلبى قاتل قائدهم كليبر ، ويقوم محام فرنسى بالدفاع عنه . والجبرتى عاش كما عاش مئات المؤرخين قبله من العصر الأموى الى العصر العثمانى وهم يرون حق الوالى فى قتل من يشاء بمجرد كلمة . وبعد خروج الفرنسيين وتحكم الوالى (محمد على ) عادت الأمور الى نصابها فكان (محمد على) يقول على من يريد قتله ( جرّوه ) فيسحبونه ليلقى فى النيل . أى إنّه بعودة حكم ( الإمام الوهابى ) فى الدولة الدينية الإخوانية وبتمكينها سيكون من حق الامام أن يقتل من يشاء بسيف الشرع . والأقباط هم أقرب الناس الى قلب الإمام بطبيعة الحال ، أو هم الأقرب الى سيف شرعه . !
2 ـ هناك قواعد تشريعية صيغت فى أحاديث تشجع على قتل الفرد غير المسلم بزعم أن القاتل المسلم لا عليه من قصاص إذا قتل غير مسلم ، وسبق البخارى بهذا الإفك فى زعمه وجود ورقة مكتوب فيها عن النبى عدة أحاديث . ولقد إحتفل ابن تيمية بحديث البخارى هذا وردده كثيرا فى فتاويه ، يقول : ( وهذا كما في الصحيح أنه قيل لعلى رضي الله عنه: هل ترك عندكم رسولالله صلى الله عليه وسلم شيئا؟ وفي لفظ: هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليهوسلم شيئا لم يعهده إلى الناس؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهمايؤتيه الله عبدا في كتابه، وما في هذه الصحيفة: وفيها العقل، وفكاك الأسير، وألايقتل مسلم بكافر.)، أى لاقصاص على المسلم لو قتل قبطيا . والتشريع بأنّه ( لا يُقتل مسلم بكافر ) هو من أساسيات التشريع السّنى ، يتفق فى هذا الحنبلى والمعتدل . أى كما أنه من حق الامام قتل من يشاء من ( الرعية ) فإنّ من حق الفرد المسلم قتل من يشاء من الأقباط دون عقاب . على ان التشريع السّنى يتسامح ويفرض أحيانا الدية لأهل القتيل القبطى ، وهى بالمناسبة نصف دية القتيل المسلم . وهذا هو رأى ابن حنبل . والتطبيق التشريعى هنا فى عصر الأخونة والتمكين سيكون بشعا . يستطيع السلفى ( المجاهد ) قتل من يشاء من الأقباط دون عقوبة ، ولو تسامح القاضى السلفى وحكم على القاتل بدفع ( نصف الدية ) فمن السهل إبتزاز أقباط آخرين لدفع أضعاف أضعاف المطلوب ، بل يمكن إرغام أهل القتيل بالتنازل عن الدية وإلّا فحد الردة ينتظرهم .
3 ـ قتل أطفال الأقباط وارد ( ومستحب ) ، وسبق فى المقال السابق التعرض لتشريع ابن تيمية السّنى فى قتل الطفل ( الصائل ) أى المعتدى حتى لو لم ينتج عن إعتدائه قتل ،بل وقتل الطفل إذا خيف منه أن يكبر ويكون صائلا معتديا .!!. وإذا كان هذا تشريعا فى قتل الطفل المسلم فإن تطبيقه يكون أحبّ وأفضل و ( أجمل ) فى حالة الطفل القبطى . خصوصا وأن توقع الشّر المستقبلى من الأطفال الأقباط وارد ، والمثل المصرى يقول ( الباب اللى يأتى منه اريح سدّه واستريح ).!!
4 ـ ثم هل يجوز تطبيق عقوبة الرجم على المسلمين دون الأقباط ؟ لسنا هنا فى قوانين الأحوال الشخصية بل فى قانون العقوبات الذى يسرى على المصريين جميعا . وإذا كان ممكنا أن يأتى شهود أربعة من السلفيين يشهدون أمام القاضى السلفى بأنهم وجدوا فلانة مع فلان فى حالة زنا كامل ، وبالتالى يحكم القاضى عليهما بالرجم ، فإنّ من الممكن بل والمستحب أن يقال هذا على ( تريزة و دميانة ) طالما يتم تطبيقه على ( زينب وفاطمة ). ليس مهمّا هنا أن تكون ( تريزة ودميانة وزينب وفاطمة ) من الزوجات العفيفات الطاهرات الشريفات ، بل على العكس فإن طهرهن وعفتهن قد يكون هو المشجّع فى الكيد لهنّ ولأزواجهن لأننا هنا نتحدث عن أسوأ البشر وشرّ الناس ، وهم أظلم الناس وأكذب الناس كما سبق توضيحه فى المقال السابق ، ولو كان هذا الصنف المنحطّ من البشر هو الذى يحكم فإن الضحايا هم أشرف الناس وخير الناس .
5 ـ وهنا لا ننسى أيضا تشريع ( السبى ) وهو من أسس التشريع السّنى المناقض للاسلام ، ولسنا هنا فى مجال التفصيل لهذا ، ولكن نتذكّر هنا ( ثقافة الفتوحات ) والتى كتبنا فيها من قبل سلسلة مقالات هنا تم تجميعها فى كتاب منشور على موقعنا ( اهل القرآن ). ثقافة الفتوحات هذه هى المحرّك للعقيدة السلفية ، ومن خلالها ينظرون الى الأقباط وغير المسلمين يستحلون دماءهم وأموالهم ونساءهم . ولا يخجل الخطيب السلفى فى خطبة الجمعة من أن يجهر بالدعاء على ( أعداء الاسلام ) من نوعية قولهم : ( اللهم أنصرنا عليهم ..اللهم اجعل أموالهم ونساءهم غنيمة للمسلمين ) . والوهابيون فى تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة كانوا يستحلون مع السلب سبى النساء فى حربهم مع ( المسلمين ) المناوئين لهم . فإذا كان هذا السبى مباحا مع المسلمات فى الشريعة الوهابية فكيف بالقبطيات حين يحكم الوهابيون مصر بالأخونة والتمكين ؟ . أعتقد أن تشريع السبى سيتم تطبيقه بلا إعلان السبى . أى بفقه الحيل . أى استخدام الترهيب بحد الردة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وكل التشريعات التى تعطى الوهابيين سلطة التحكم . ويكون هذا مبررا لتطبيق السبى واقعيا دون الحاجة الى إعلانه وجلب الاستنكار عليهم منه . باختصار يتحول الاغتصاب الى سبى شرعى لن يقتصر على نساء الأقباط بل يشمل نساء المسلمين من غير الوهابيين أسوة بما كان يفعله وهابيو آل سعود . هذا ما ينتظر المرأة المصرية العفيفة فى ظل أخونة الدولة المصرية ..
أخيرا
وسيجرى ( السبى ) بتناغم مع (السلب )، أى سلب مال المصريين جميعا ، وهذا توفره للإخوان والسلفيين المادة 22 من دستور مرسى .
نراكم فى المقال القادم .