1: مقدمة لابد منها..
القرآن الكريم هو رسالة الله تعالى للبشرية جمعاء, وهو قوله تعالى الذي صاغه بنفس آلية مخاطبة البشر حتى يُنتفى عنه الغموض و لا يكون للناس حجة على الله والرسول, وفهمه يكون متناسباً مع الحمولة المعرفية والعلمية والنضج الفكري والحضاري لكل جيل, لذلك جاء القرآن الكريم معزز بأوامر التدبر والتعقل والتفكر في آيات كتاب الله المسطور ( القرآن) وآيات كتاب الله المنشور (الكون).
إلا أنه يجب التمييز بين مصطلحات عالم الشهادة أو العالم المادي المحسوس أو العالم الذي تجتمع فيه المتناقضات ومصطلحات العالم الفوق مادي المنزه عن الإدراك والتشبيه والتمثيل والتصوير..
فعندما نقرأ في القرآن الكريم مثلاً [ يد الله فوق أيديهم ] الفتح-10 فلا يجب إسقاط مفهوم اليد البشرية المنتمية للعالم المادي المحسوس, على الله تعالى المنزه عن التشبيه والإدراك الذي [ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ], وإنما المفهوم هنا يكون معنوي فقط, فالمعروف أن اليد البشرية تُحدث أفعال مثل البسط والقبض والبطش والغفران والعهود... وهذه المفاهيم الغير مادية نسقطها بشكل مطلق على الله تعالى لتتناسب مع طلاقته التي تتجلى في الوجود, بمعنى [ يد الله فوق أيديهم ] أي بسط الله وقبضه وبطشه ورحمته وعهده.. فوق بسط و قبض وبطش ورحمة وعهد العالمين..
أي نقوم بدراسة الوجود الغيبي بالأفعال التي يحدثها الوجود الحسي كمفاهيم معنوية مستقلة عن الزمان والمكان لتتناسب و طلاقة هذا العالم الغيبي.
لذلك لا يمكن دراسة الوجود الغيبي بمعزل عن الوجود الحسي, وأي نتيجة خارج القياس تخالف نتائجها الواقع الحسي فلا تعدوا أن تكون إلا محض خرافة, فالإنسان هو خليفة الله تعالى على الأرض و هو الذي مُيز بملكة التعقل على سائر الخلق, وبالتالي لا يمكن لعلم الله تعالى وشرعه أن يأتي فوق القدرات الذهنية والعقلية للإنسان وهو الممتحن على الأرض بهذه المَلَكة, و إلا لكانت رسالة التكليف لا معنى لها في الوجود.
2: مفهوم النفخ
جاء لفظ النفخ في القرآن الكريم مقترناً بفعل الإنسان في آيتين فقط على مساحة النص القرآني:
يقول تعالى [ آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا]-الكهف-92 و بما أن النفخ هنا جاء متعلقاً بالبشر فحتماً مفهومه سيكون مادياً, و هو الدفع بالهواء إلى الأمام سواء عن طريق جهاز أو عن طريق الفم, والفعل الذي أحدثه هذا النفخ في هذه الحالة هو تغير فجائي من ماهية زُبر الحديد إلى ماهية نار.
ونفس الأمر مع هذه الآية الكريمة [ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ]-آل عمران-49
النفخ هنا جاء متعلقاً بعيسى عليه السلام ( فأنفخ فيه) الذي عاش هو الآخر على العالم المادي المحسوس, فحتماً مفهومه سيكون مادياً وهو الدفع بالهواء إلى الأمام, و الفعل الناتج في هذه الحالة هو تغير فجائي من ماهية هيئة الطائر الطينية إلى ماهية طائر حي.
بصفة عامة:
النفخ كمفهوم مادي هو الدفع بالهواء إلى الأمام, والفعل الناتج عنه هو تغير فجائي في ماهية الشيء المنفوخ والذي يعتبر القيمة المعنوية المطلقة والمجردة عن الزمان والمكان والذي به ندرس الوجود الغيبي المرتبط بفعل النفخ على مساحة النص القرآني بالكامل.
وعلى سبيل المثال لا الحصر:
يقول تعالى [ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ]-الأنبياء-91
وبما أن النفخ هنا يعود على الله تعالى ( فنفخنا فيها ) فحتماً مفهومه سيكون معنوياً, وهو تغير فجائي في ماهية فرج مريم عليها السلام, من اللاحمل إلى حمل والذي نتج عنه خروج عيسى عليه السلام إلى الوجود.
ونفس الأمر مع هذه الآية الكريمة [ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ]-الحجر-29وبما أن النفخ هنا أيضاً يعود على الله تعالى ( ونفخت فيه ) فحتماً مفهومه سيكون معنوياً, وهو تغير فجائي من ماهية صلصال إلى ماهية بشر, والسجود الملائكي هو الدليل على هذا التغير الفجائي بين هاتين الماهيتين.
3: مفهوم الصور
الصور من الجدر اللغوي ( ص, و, ر ) وجاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تحمل هذا الجدر والتي من بينها:
[ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ]-الانفطار-8
كلمة " صور " مؤنثها " صورة " وهي مرحلة من مراحل خلق الإنسان, فمن خلال هذه الآية الكريمة يتضح أن إنبات الإنسان وإخراجه إلى الوجود تطلب المرور بأربعة مراحل أساسية مرتبة زمنياً على هذا الشكل: مرحلة الخلق ثم مرحلة التسوية ثم مرحلة التعديل ثم مرحلة التصوير.
فمرحلة الخلق هي المرحلة البدئية الأولى للمخلوق الشيء الذي يفسر ارتباطها بالمادة الأم كالتراب, طين, ماء, صلصال, علقة, مضغة, نطفة.. والأدلة على ذلك كثيرة في القرآن الكريم منها:
[ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ]-الأنعام-2
[ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا]-الكهف-37
[ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ] المؤمنون-12
[ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ]- النور-45
[ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ]- الرحمن-14
[ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ]- الإنسان-2
[ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا]- غافر-67
بينما حين يتحدث المولى عز وجل على إنسان كامل (بأعضائه الحسية ) لا يستعمل أبدا كلمة " خلق " والدليل:
[ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ]- الكهف-37لم يقل تبارك وتعالى ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم خلقك رجلا ) !!فكلمة خلق ترتبط فقط مع المادة البدئية للمخلوق وبما أن الإنسان (رجل) يشمل الصورة التي تكونهاآليةأعضاءه الحسية ( الرجلين, القدمين, الرأس ...) فاستعمل ربنا تبارك وتعالى كلمة سواك , دليل آخر: يقول تعالى:[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ ]-الحج-5
فالله تعالى يستعمل كلمة خلق كلما تعلق الأمر بالمادة الأولية تراب – نطفة – علقة – مضغة – وبعد انتهاء تشكل الجنين بأعضائه الحسية ختم الله تعالى أطواره ب { نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا } ولم يقل نخلقكم طفلا, مما يدل مرة أخرى على أن كلمة خلق ترتبط بالمادة الأولية للمخلوق ولا ترتبط بآلية أعضاءه الحسية ..
مثال آخر: [ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ]-المؤمنون-14فكلمة خلق تظهر كلما ارتبط الأمر بالمادة الأولية, وعند تشكل الإنسان بأعضائه الحسية استعمل الله تعالى كلمة إنشاء { أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ } ولم يقل ( خلقناه خلقا آخر ) لأنه تحددت معالم الطفل بأعضائه الحسية ..
والأمثلة كثيرة جدا.. وسنختم بهذا المثال الواضح جدا يقول تعالى: [ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ] المؤمنون-78فعندما تعلق الأمر بالأعضاء الحسية البشرية كالسمع والبصر والأفئدة استعمل الله تعالى كلمة إنشاء {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ } ولم يقل تعالى هو الذي خلق لكم السمع والأبصار ..
إذاً مرحلة الخلق هي المرحلة التي تضم الماهية البدئية للمخلوق ومرحلة التصوير هي المرحلة التي تتشكل فيها هذه الماهية البدئية لتتحول إلى آليات أعضاء حسية لذلك يأتي هذا الجدر ليصف قدرة الله تعالى على تشكيل الإنسان كيف يشاء في رحم الأم [هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] آل عمران-6 وهذا التصوير من صفات الله العليا كالخالق والباري وهو المصور [هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى] –الحشر-24
ومنه الصور بصفة عامة هو البنية الخارجية للشيء أو آلية العناصر الحسية المكونة له.
4: النفخ في الصور
قلنا سابقاً أن النفخ كمفهوم معنوي هو تغير فجائي في ماهية الشيء المنفوخ, والصور هو البنية الخارجية للشيء أو آلية العناصر الحسية المكونة له.
إذاً النفخ في الصور هو إحداث تغير فجائي في ماهية البنية الخارجية و آلية العناصر الحسية المكونة للشيء المنفوخ.
ومنه نفهم قول الله تعالى في كتابه الكريم [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ]-يس-51
أي يوم يحدث تغير فجائي في ماهية آلية العناصر المكونة للوجود الحسي من هذه الماهية التي نعيش عليها الآن إلى ماهية أخرى, وهذا التغير الفجائي سيعاد فيه تشكيل ماهية كوننا إلى ماهية أخرى بقوانين أخرى غير هذه التي نخضع لها في خضم الحياة الدنيا [ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ]-الروم-11, فالقوانين القديمة – الحالية - كلها تؤول إلى الزوال والهلاك بمرور الزمن (المادة), بينما القوانين الأخرى للماهية الأخرى بعد التغيير الفجائي هي قوانين أزلية سرمدية فوق الزمان والمكان (حية), كتحول ماهية هيئة الطائر الطينية ( مادة) إلى طائر حي (حياة).
وهذا التغير الفجائي هو الذي وصفه رب العزة في كتابه بالبغتة [ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً]-الأنعام-31 و [ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً] –الأعراف-187
والصور كما قلنا هو آلية العناصر الحسية المكونة للوجود الحسي بصفة عامة, ومن بين مظاهر هذا التغير الفجائي في هذه العناصر مثلاً نسف الجبال [ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا]-طه-105 و حدوث الزلازل [ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ]-الحج-1 وخسوف القمر [ وَخَسَفَ الْقَمَرُ]-القيامة-8- ثم اصطدامه بالشمس [ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ]- القيامة-9- ثم حدوث انشقاقات على بنيته [ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ]-القمر-1 و انهيار بنية الوجود [فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا]-الكهف-98 و ضهور سحب دخانية كثيفة في أرجاء الكون [ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ]-الدخان-10- مع العلم أن كل هذه الأحداث متقاربة جداً وتحدث في نفس الوقت وأفضل توصيف لها هو [ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ]-النحل-77
الكون خلق بالعلم والمنطق وفق مبدأ السبب والنتيجة, فحتماً نهايته ستكون بالعلم والمنطق وفق نفس المبدأ, والقوانين التي أخرجت الكون إلى الوجود هي نفس القوانين التي سيعاد تشكليها لتتناسب والكون الجديد لتتناسب أيضاً مع الهيئة الأخرى للإنسان الممتحن والذي به سيكمل مشواره الخالد في الوجود.
[ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ] –الأنبياء-104
أما السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه وهو لماذا رب العزة تبارك وتعالى لم يقل مثلاً ( يوم ينفخ في الخلق ) وجاء مكان الخلق الصور ؟
فكما قلنا سابقا كلمة الخلق ترتبط فقط بالمادة الأم للمخلوق (الماهية الأولى) بينما الذي سيحدث عند قيام الساعة هو تغير في بنية الخلق ( مظاهر الخلق) أما الماهية الأم للكون فقط سيعاد تشكيلها بطريقة تتناسب والقوانين الجديدة فالعلاقة بين الكون القديم الذي نمتحن فيه بالكون الجديد الأزلي هي علاقة تبادلية فقط مصداقاُ لقوله تعالى [ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ]-إبراهيم-48
أما التفاسير الخرافية التي نقرأ عنها في كتب التراث, فلا تعدوا أن تكون إلا فهم بدائي للنص المقدس, حيث اختلطت عليهم قوانين العالم الحسي بقوانين العالم الغيبي حينما قالوا أن " نفخ في الصور " يعني الدفع بالهواء في بوق كبير, رغم أن كلمة " نفخ " على مساحة النّص القرآني بأكمله جاءت نكرة, بينما كلمة " الصور " جاءت معرفة مما يدل على ما ذهبنا إليه وهو بنية العناصر التي تتجلى في الوجود كالجبال والشموس والأشجار وكل مظاهر الخلق المُعرفة للإنسان.
والخلط بين صفات العالم المادي و صفات العالم الغيبي يسقط فيه معظم النّاس وأغلبهم من المسلمين فهناك من لا يزال يعتقد أن الله في السماء ويمثله بالجالس على العرش يراقب مخلوقاته تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ويتناسون أنه في الأرض كذلك و هو معنا أينما كنا بل هو أقرب إلينا من حبل الوريد.
إنتهى
بقلم: ابراهيم ايت ابورك
ملاحظة:
الجزء الثاني من هذه المقالة البحثية ستتحدث عن ماهية الدابة التي تخرج من الأرض وتكلم النّاس.