أولا : تنويعات حول حد الردة وقتل الناس جميعا :
1 ـ نبدأ هنا من حيث إنتهينا فى المقال السابق ، وهو أنه مع ( أخونة الدستور والقوانين ) ليؤسس شريعة الحنابلة التيمية الوهابية ، ومع أخونة القضاء ليعيد إنتاج النظام القضائى السّنى فى العصور الوسطى فإنّ تطبيق الحدود سيتم بقاض شرعى وشهود رسميين من داخل الاخوان والسلفيين بكل أطيافهم . ولقد فضح الاعلام تكفيرهم للمجتمع كله، بل وهم فى داخلهم مختلفون ومتشاكسون ، ومن السهل فى أى جدل بينهم أن يسرع بعضهم الى تكفير البعض . وحين يتم تقنين حد الردة فمن السهل على صاحب السلطان أن يستخدمه ضد خصومه ويحكم بقتلهم ، ولا يستلزم الأمر سوى ( شاهدي عدل )على رأيهم ، ويأخذ القاضى بشهادتهما ويحكم بالقتل ، هكذا بكل بساطة: شاهدا عدل وقاض شرعى وقتل بحدّ الردة.وهنا إمكانية قتل الناس جميعا بما فيهم د . محمد البرادعى !.
2 ـ وفى التعليم الثانوى الأزهرى درسنا فى الفقه الشافعى ( المعتدل بالنسبة للفقه الحنبلى ) وفى كتاب ( الإقناع فى حلّ ألفاظ أبى شجاع ) تعريف ( الردّة). فالردّة هى:( قول كفر أو فعل كفر أو إعتقاد كفر ).أى من نطق كفرا أو فعل كفرا أو إعتقد كفرا فهو مرتد مباح الدم . وطبقا لمفهوم حديثهم المزعوم ( من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ) وطبقا للتطبيق الحنبلى لهذا الحديث فى العصر العباسى فقد إستباح غوغاء الحنابلة قتل طائفة المعتزلة ، واستباحوا قتل الامام الطبرى صبرا فى داخل بيته وهدموا بيته فوقه ومنعوا دفنه لولا تدخل السلطة العباسية . هؤلاء هم (السلف الصالح ) للسلفية الوهابية اليوم ، ويسير على نهجهم أتباع حازم إبن الأمريكية؛ أى لدينا نوعان من تطبيق حد الردة على الأفراد وعلى والجماهير : قتل من يخالف الحنابلة بسيف الشرع ـ على حد تعبيرهم ـ بواسطة الحاكم ، وأيضا بواسطة القائمين بتطبيق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لو كانت معهم السلطة.
3 ـ والتطبيق الواقعى الراهن فى عصرنا وفى ( مصرنا ) يعنى أن يأتى إثنان من الشهود أمام قاضى الشرع السّنى يتهمان د . محمد البرادعى بالردة ، فيعطيه القاضى فرصة للتوبة تتوقف حسب رأى القاضى ومزاجه ، وللقاضى أن يحكم بقتل د . البرادعى بلا إستتابة أصلا . أما عن التطبيق العام على الجمهورفهم يعلنون كفر الجميع : العلمانيين والصوفية والشيعة والبهائيين ورافضى تطبيق الشريعة ( السنية الحنبلية الوهابية ) بل وتكفير الأغلبية الصامتة الساكتة عن قول الحق ، وبالتالى لا يستلزم الأمر سوى ربط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالجهاد أى القتال وفق ما قاله ابن تيمية ليسهل تطبيق مفهوم الردة على الجميع ، فكل من قال كفرا أو فعل كفرا أوإعتقد كفرا هو مباح الدم لكل من يقدر على قتله. ولا عقوبة على هذا القاتل لأن المرتد مباح الدم للجميع . وفى أقصى تقدير ومع وجود قانون مدنى فهذا القاتل للمرتد ـ كما أفتى الشيخ الغزالى فى دفاعه عن قاتل د فرج فودة ـ قد ( إفتأت على السلطة )، أى قام بتنفيذ الشرع بيده طالما أن السلطة ترفض تطبيق الشرع.
4 ـ ونقول إن تفسير ( قول كفر ) ليس مجرد أن تسبّ الدين ـ وهى عادة سيئة منتشرة ـ أو أن تسبّ رب العزة صراحة، ولكن قول الكفر هو حسبما يراه كل فريق وكل مذهب ، فلو قلت ( إننى حرّ الارادة ) فأنت كافر من ( القدرية ) حسب الشريعة السّنية . ولو قلت إن الاستواء على العرش بالنسبة لله جل وعلا يعنى تمام تحكمه فى الملك والملكوت فأنت عند الحنابلة كافر لأنهم يؤمنون بالاستواء الحسى لله جل وعلا على العرش ، وكذا لو خالفتهم فى رؤية الله وفى الشفاعة .. أنت كافر فى كل قول تخالفهم فيه ، أى الكفر يشمل كل قول يخالف رأى الحنابلة خصوصا والسنيين عموما ، وكذلك كل ( فعل ) وكل ( إعتقاد ) . وبالتالى فمن الممكن تطبيق حد الردة بقتل المصريين المسلمين جميعا ، بل وحتى من داخل السلفيين أنفسهم لأنّه فى أى جدال بينهم يتسارعون الى التكفير ، والفائز هو صاحب السلطة والسلطان . وتخيل المأساة لو كانت السلطة بيد أتباع حازم أو الجماعة الاسلامية أو الجهاد، وبقية التنظيمات الارهابية ، ما ظهر منها وما بطن .!
ثانيا : تطبيق قتل الناس جميعا وفق المادة 220 من دستور مرسى
1 ـ نعود الى المادة (220) من دستور مرسى : (مبادىء الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنه والجماعة )، وهى تعطى للإخوان والسلفية حرية الإنتقاء حسب الهوى من (مذاهب أهل السنه والجماعة ) . هكذا دون تحديد ، أى لهم أن يختاروا من 10 مليون حكم فقهى من (مذاهب أهل السنه والجماعة ) ما تهوى أنفسهم . وهم بالطبع أجهل الناس بالفقه السّنى ومذاهبه والاختلافات القائمة فيه والتى توجد فى الكتاب الواحد بل ربما فى الصفحة الواحدة ، ولقد تعلمنا فى الأزهر تكرار عبارة ( إختلف فيها العلماء ) فى كل صفحة فى كتب الفقه التى درسناها ، لأنه فى داخل المذهب الشافعى يختلفون فى كل صغيرة وكبيرة. هذا عدا الاختلافات بين المذاهب الأربعة . ومن هنا أراحوا وإستراحوا بقولهم إنّ ( خلاف الفقهاء رحمة ) ، وما هو برحمة ، ولكنه فرصة لصاحب الهوى أن يختار ما يشاء من أقوال الفقهاء ، وهؤلاء الفقهاء بشر وليسوا آلهة ، وليست أقوالهم شرع الله جل وعلا . ولكن التضليل السّنى يجعل أقوالهم المضحكة و المتناقضة شريعة الاهية كما لو أن رب العزة قد إختار هؤلاء الفقهاء ـ وعددهم بألالاف ـ ليختلفوا فى كل شىء ، ثم يكون أختلافهم رحمة ويكون تشريعهم المختلف فيه تشريعا الاهيا .. تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا. .!!
2 ـ على أنّ واضع المادة (220) سيئة الذّكر وسيئة السّمعة لا يريد أن يغرق فى مستنقع الخلاف المذهبى والفقهى التراثى ، فكيف له أن يُحيط علما بتلك الكتب ، وكيف له أن يحدد وينتقى منها ما يشاء ، فقد تعددت واختلفت حسب المذاهب الأربعة وفى داخل كل مذهب فى عصر الاجتهاد ( من القرن الثالث الى القرن الخامس فى العصر العباسى ) ثم تكاثرت كثرة هائلة فى عصور التقليد ،( المملوكى والعثمانى ) حيث عكف اللاحقون على شرح ما كتب السابقون ، ثم تلخيص الشرح ، ثم شرح المختصرات ، ثم تحويل المختصرات الى متون ، ثم إعادة شرح المتون ، وهكذا فى ظل تخلّف عقلى مهين صحونا منه على ضجيج حملة نابليون ، ثم يريد السلفيون إرجاعنا اليه .
3 ـ حدث الخروج من هذا المستنقع الفقهى مع ظهور الوهابية وتجلياتها السياسية ( كالاخوان ) والجماعات الدعوية السلفية . بالتأثير السعودى الوهابى نهض فقهاء معاصرون لاستخلاص فقه معاصر من ذلك المستنقع الفقهى السّنى . وأبرز وأشهر أولئك الفقهاء : الشيخ سيد سابق فى كتابه ( فقه السّنة ) و الجزرى فى كتابه الضخم ( الفقه على المذاهب الأربعة ) وقد حرص على عرض أهم الخلافات فى المسألة الواحدة بين المذاهب ممّا سبّب تضخم كتابه ، والشيخ الوهابى ( أبو بكر الجزائرى ) الذى قام بإنتقاء ما يحلو له من مذاهب أهل السّنة والجماعة فى مجلد واحد بعنوان ( منهاج المسلم ) أى هذا هو منهاج المسلم ولا يوجد غيره .!!
4 ـ ونعتقد أن أنّ (واضع ) المادة(220) سيئة الذّكر وسيئة السّمعة قد ( وضع ) نصب عينيه كتاب ( فقه السّنة ) للشيخ سيد سابق ، فليس فيه الاستطراد فى الخلافات التراثية كما فى الكتاب الضخم ( الفقه على المذاهب الأربعة ) للجزرى الذى يثرثر بتلك الخلافات دون ترجيح بينها . كما أن كتاب ( منهاج المسلم ) لأبى بكر الجزائرى تنضح رؤيته الوهابية بطريقة تخرج عن المسحة المصرية التى يتميّز بها شيخ الإخوان سيد سابق . ثم يمتاز كتاب الشيخ سيد سابق بإعتدال مقارنة بكتاب أبى بكر الجزائرى ، ومنها أنّه يسمح أحيانا بذكر الفرق الأخرى حتى من الشيعة ، ثم إعتماده على الأحاديث مباشرة دون الإفراط فى ترديد الأحكام الفقهية التراثية ، مما أراحه من الاسراف فى ذكر للخلافات الفقهية ، ثم معاصرته وتحديثه للفقه السلفى بمنهج عصرى مع التمسك بالأصل لديهم وهو الأحاديث من كتب السّنة ( الصحاح ) لدى أهل السّنة والجماعة . ثم فى النهاية فالشيخ سيد سابق ( الأزهرى ) هو مفتى الاخوان المسلمين وشيخهم الأكبر ، ويكفى أن الذى كتب مقدمة كتاب ( فقه السّنة ) وأشاد به وبصاحبه هو الشيخ حسن البنّا نفسه . لذا نقول إن ماجاء فى كتاب ( فقه السنّة ) هو الدليل العملى الصالح عندهم لتطبيق مذاهب أهل السنه والجماعة وفق ما أشارت اليه المادة (220) من دستور مرسى : (مبادىء الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنه والجماعة ).
5 ـ فماذا يقوله شيخ الاخوان سيد سابق فى كتابه ( فقه السّنة ) عن حد الردة ؟
أجبنا على هذا السؤال من قبل فى كتابنا ( حدّ الردة ) الذى صدر عام 1993 ردا على إغتيال د فرج فودة ، وشهادة الشيخ الغزالى فى محاكمة قتلة فرج فودة والذى أفتى فيها بأن فرج فودة مرتد مستحق للقتل ، وأن قاتله ليس عليه مؤاخذة ، هو فقط ( إفتأت على الحاكم ). قلنا فى كتاب ( حد الردة ) وهو منشور هنا وفى موقعنا :
( وفى العصور التى ساد فيها الكهنوت السياسى والدينة كتب الفقهاء فى استتابة المرتد، ونقل ذلك عنهم الشيخ سيد سابق فى كتابه (فقه السنة) فيقول بوجوب استتابة المرتد، ولو تكررت ردته، ويمهله فترة زمنية ، يراجع فيها نفسه ، وتُفند وساوسه وتناقش فيها أفكاره. فإن عدل عن موقفه وبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام قبلت توبته وإلا أقيم عليه حد الردة وقُتل . ويقول (وقدر بعض العلماء هذه الفترة بثلاثة أيام، وترك بعضهم تقدير ذلك ، مع تكرير التوجيه والنقاش حتى يغلب على الظن أنه لن يعود إلى الإسلام، وحينئذ يقام عليه الحد ، وقيل يجب قتله فى الحال ).
وقد جعلوا السبب الموجب للاتهام بالردة مائعاً غير محدد يسهل تفسيره حسب الهوى، وهو إنكار المعلوم من الدين بالضرورة. (والمعلوم من الدين بالضرورة) مصطلح فقهى متأخر غير محدد وغير متفق عليه، ولم يعرفه عصر الرسول ولا عصر الخلفاء الراشدين، ولا توجد قائمة متفق عليها بذلك المعلوم من الدين بالضرورة فى القرآن، ولا توجد تلك القائمة بالمعلوم من الدين بالضرورة فى كتابات الفقهاء أنفسهم.. والدليل على ذلك أن كل فقيه يضع من عنده أمثلة للمعلوم من الدين بالضرورة، مجرد أمثلة قابلة للزيادة والنقصان، ومجرد قائمة تعبر عن رأى ذلك الفقيه وعصره ومستواه وعقليته . ..
والشيخ سيد سابق فى كتابه (فقه السنة) أورد أمثلة للمعلوم من الدين بالضرورة يعبر فيها عن آرائه وموقفه من بعض مظاهر حياتنا السياسية، يقول فى المرتد الذى ينكر المعلوم من الدين بالضرورة والذى يستحق القتل،(.. إنه يستحل المحرّم الذى أجمع المسلمون على تحريمه ، ويحرّم الحلال الذى أجمع المسلمون على حله، أو يسب النبى ويسب الدين، ويطعن فى الكتاب والسنة، ويترك الحكم بهما، ويفضل القوانين الوضعية عليهما، أو يدعى الوحى، أو يلقى المصحف فى القاذورات أو كتب الحديث مستهيناً بهما مستخفاً بهما..إلخ ).
لم يكن من بنود المعلوم من الدين بالضرورة فى العصور السابقة وفى كتابات الفقهاء السابقين الحكم بالكتاب والسنة أو الكلام على القوانين الوضعية، لأن تطبيق الشريعة لم يكن شعاراً سياسياً فى العصرين العباسى والمملوكى، أى أن الشيخ سيد سابق جاء بمعلوم جديد من الدين بالضرورة لم يعرفه الفقهاء السابقون، لأن عصر السيد سابق يموج بحركة علمانية تتخذ موقفاً معارضا من دعوة التيار الدينى لتطبيق الشريعة، وحينئذ نفهم لماذا يهددهم الشيخ بحد الردة لأنهم عنده أنكروا معلوماً من الدين بالضرورة، وهى فى الحقيقة قائمة تزيد وتنقص حسب الأحوال وحسب رأى كل فقيه وكل عصر، وتبدأ من الإلحاد والكفر لتشمل إلقاء كتب الحديث فى القاذورات كما قال الشيخ سيد سابق ، أو إلقاء كتب الفقه أيضاً ، كما يقول مؤلف كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) الذى يضيف أن البصاق على كتب الفقه أو تطليخها به من مسوغات الاتهام بالردة وبالتالى القتل، ( حتى لو كان البصاق طاهراً .!!).يعنى أن بعض الناس الذين جعلوا من الدين مملكة خاصة بهم يريدون أن يفرضوا به رأيهم وكتبهم على الناس، وإن أعرضوا هددوهم بمحاكم التفتيش والقتل .!
وليس عجيباً بعد هذا أن يتضمن المشروع المقدم لمجلس الشعب لتطبيق الشريعة الإسلامية حد الردة، ويضع تعريف حد الردة بأنه (إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة).. ويظل ذلك المفهوم المطاط سيفاً على رقبة كل من يخالف الفقهاء، إلا أن المشروع كان كريماً مع الضحايا فأعطى ثلاثين يوماً لاستتابة المرتد قبل قتله ، أو بمعنى آخر إعلان عبوديته للفقهاء والكهنوت ، وإلا فالقتل بتهمة الردة. !..
إلا أن خطورة الاتهام بإنكار المعلوم من الدين بالضرورة لا تتوقف على مجرد إنه اتهام مطاط وليس محدداً ببنود معينة معلومة للكافة لا تقبل الزيادة والنقصان والإضافة والحذف، ليس ذلك هو وجه الخطورة الوحيد
ولكن يضاف إليه أن مفردات الاتهام نفسها قابلة أيضاً للتفسير والتأويل والمطّ حسب الهوى . فالشيخ سيد سابق يقول مثلاً أن المرتد هو الذى يطعن فى الكتاب والسنة، وذلك اتهام مطاط فى حد ذاته ففى القرآن الكريم قضايا فكرية وكلامية اختلف فيها المسلمون ولا يزالون ، مثل قضية الاستواء على العرش ورؤية الله تعالى والقضاء والقدر . وكل فريق يستشهد بما يؤيد وجه نظره من القرآن وكل فريق يمكن أن يتهم الآخر بأنه يطعن فى الكتاب.وبالنسبة لمدلول السنة فإنه أكثر غموضاً، فأئمة الحديث كل منهم جمع وصحح من الأحاديث ما اعتبره سنة الرسول، وكلهم مختلفون، ثم جاء من بعدهم فكانوا أكثر اختلافاً ، وذلك يعطى كل فريق الحجة فى أن يتهم خصومه بأنهم يطعنون فى السنة، وبالتالى يقيم لهم محاكم التفتيش، وقد امتلأ تاريخ المسلمين فى العصرين العباسى والمملوكى بمئات من محاكم التفتيش والتكفير، وانغمست فيها السلطات الحاكمة حسب توجهاتها السياسية والفكرية ، وكان الفريق المسيطر يتهم غيره بالزندقة ويحاكمه ويدينه بهذه التهمة.
بل إن تلك الخصومات الفكرية بين المسلمين جعلتهم يرون تطبيق حد الردة على الزنديق دون إعطائه فرصة المحاكمة حتى لا يتمكن من الدفاع عن نفسه وتبيين حجته، أى يحرمونه من الاستتابة!!
ويقول كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) بقتل الزنديق بعد الإطلاع عليه بلا طلب توبة منه، وهو الذى كان يسمى منافقاً فى زمن النبى ولابد من قتله وإن تاب..!!
وقد يتصور القارئ أن ذلك الزنديق كافر ملحد لا يؤمن بالله ورسله وكتبه. ، كلا.. إنه مؤمن بالله وكتبه ورسله، ولكنه مفكر صاحب رأى، إلا أن خطأه الأعظم أن آراءه تخالف آراء أصحاب السطوة من الفقهاء، وتخالف ما اعتبروه عندهم هم معلوماً من الدين بالضرورة ، لذلك يستحق عندهم القتل حتى ولو تاب، ولأنه صاحب حجة ومعه الأدلة والبراهين فإن الكهنوت الفقهى يحرمه من المحاكمة التى يتفضل بها على المرتد الكافر العادى، والسبب أن المرتد العادى ليست لديه حجة يخشى منها الكهنوت الفقهى، أما من اتهموه بالزندقة فلديه الحجة والبرهان ، ولأنهم لا يستطيعون مواجهته بالحجة فى المحاكمة فلا داعى لمحاكمته ، والأفضل قتله سريعاً..
ويقول الشيخ سيد سابق أن الزنديق هو ( الذى يعترف بالإسلام ظاهراً وباطناً )، إذن هو مؤمن بالقلب واللسان فكيف يكون زنديقاً؟ يقول الشيخ مستدركاً : "لكنه يفسر بعض ما ثبت من الدين بالضرورة بخلاف ما فسره الصحابة والتابعون وأجمعت عليه الأمة".أى هو زنديق لأنه اجتهد وجاء بآراء جديدة تخالف ما وجدنا عليه آباءنا وليس مهما إن معه الدليل، إنما المهم أن أدلته تخالف ( بزعمهم ) ما فسره الصحابة والتابعون وأجمعت عليه الأمة..ويقول الشيخ "وأن الشرع كما نصب القتل جزاءاً للارتداد ليكون مزجرة للمرتدين فكذلك نصب القتل للزندقة ليكون مزجرة للزنادقة وذبّا عن تاويل فاسد فى الدين لا يصح القول به، فكل من أنكر رؤية الله تعالى يوم القيامة أو أنكر عذاب القبر وسؤال منكر ونكير وأنكر الصراط والحساب ، سواء قال لا أثق بهؤلاء الرواة أو قال أثق بهم لكن الحديث مؤول ، ثم ذكر تأويلاً فاسداً لم يسمع من قبله ، فهو الزنديق، وقد اتفق جمهور المتأخرين من الحنفية والشافعية على قتل من يجرى هذا المجرى".. إنها قضايا خلافية، اختلف فيها المسلمون- ولا يزالون، اختلفت المعتزلة والحنابلة حول رؤية الله وخلق القرآن واختلف الجميع فى الشفاعة وعذاب القبر وسؤال القبر، وفى القضايا الخلافية يعزز كل فريق رأيه بتأويل الآيات ووضع الأحاديث ومهاجمة أدلة وبراهين الطرف الآخر.. وهكذا كان الجدل والمناظرات الفكرية فى عصر ازدهار الحركة الفكرية للمسلمين، فلما جاء عصر الجمود والتقليد أراح الفقهاء المتأخرون أنفسهم من عناء الجدل والبحث وأقاموا جدارا أسمه (المعلوم من الدين بالضرورة) ورفعوا سلاح التكفير والاتهام بالزندقة والقتل فى وجه كل من يحاول الاجتهاد والتفكير ، ونام الفقهاء المتأخرون تحت جدار المعلوم من الدين بالضرورة ولا يزالون نائمين . ) ... إنتهى النقل من كتابنا ( حد الردة ).
وهنا نجد الشيخ سيد سابق أكثر سماحة من أبى بكر الجزائرى وفقهاء الحنابلة الذين يؤيدون أبن تيمية فى أن الزنديق يجب قتله حال العثور عليه ، ويجب قتله بلا محاكمة ، ويجب قتله ولو تاب .. أى مقتول مقتول .. ياولدى ..!!
أخيرا :
1 ـ د . محمد البرادعى رمز مصرى عظيم ، وحُجّة فى القانون ، وهو رجل مسلم يفهم الاسلام على أنه دين الحرية والسلام والخير والعدل ،وأنّ الله جلّ وعلا بعث الرسول عليه السلام رحمة للعالمين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) أى ليس لقتل العالمين أو ارهاب العالمين. دعنا نتخيل أن د . محمد البرادعى قد قرأ لنا كتاب ( حد الردة ) و( اكذوبة حد الرجم ) و( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين ) و ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ) و ( الاسناد فى الحديث ) و ( التأويل ) وغيرها ، ولنتخيل أنه إستقى من ذلك ما نؤكده بأنه يجب أن تكون المواثيق الدولية لحقوق الانسان هى المصدر الرئيس للتشريع فى الدستور لأنها أقرب كتابة بشرية للشريعة الاسلامية القرآنية، أو على الأقل نتخيل أنه أعلن وجهة نظر قرآنية تخالف الفقه السّنى الحنبلى الذى يجعلونه شريعة إسلامية: ماذا سيفعل به الإخوان والسلفيون لو تمكنوا من إخونة الدولة ؟ سيجعلون د محمد البرادعى منكر سنّة مثلنا، وسيقتلونه بتهمة الزندقة تطبيقا للشريعة المعتدلة للشيخ سيد سابق القائل:(وقد اتفق جمهور المتأخرين من الحنفية والشافعية على قتل من يجرى هذا المجرى ).ولن يقيموا له محاكمة ولن يقبلوا له توبة لأنّ شريعة الحنابلة تقول بأن الزنديق يجب قتله حال العثور عليه ، ويجب قتله بلا محاكمة ، ويجب قتله ولو تاب ..
2 ـ هذا عن د . محمد البرادعى الشخصية الدولية المحترمة والحائز على ( نوبل )..أما عموم المسلمين ممّن يصلّون الفجر ويذهبون للمسجد وعموم الأقباط ، فحدّ الردة ينتظرهم بالقتل مع سبق الاصرار والترصّد .. انتظرونا فى المقال القادم .