دستور الاخوان يؤسس دولة طالبان :
دستور مرسى : وإرهاصات تدمير الدولة المصرية بحجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ( 2 )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٤ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

1 ـ أذكر أنه بعد خروجى من السجن فى ديسمبر 1987 أن ضابط أمن الدولة الذى كان يستجوبنى سألنى عن رأيى فقلت  له : ( ما يحدث لى يذكرنى بما حدث فى موقعة الجمل بين الامام (على ) والثائرين عليه ( الزبير وطلحة والسيدة عائشة ) ، إذ قبل أن يبدأ القتال وقف رجل بين الجيشين يعظ الفريقين بالقرآن ، فجاءه سهم فقتله . فأنا ذلك الرجل الآن . أنا أدعوكم أنتم والارهابيين السنيين الى الاحتكام بالقرآن فتضعوننى فى السجن بينما يسعى المتطرفون لقتلى. وسيأتى وقت تواجهون فيه جيوش هؤلاء المتطرفين بعد أن ينجحوا فى تسميم عقول الشباب .! ).لعل هذا الضابط لا زال حيا ، وكنت أعرف أن استجوابى كان يتم تسجيله ليسمعه قادة أمن الدولة فى لاظوغلى وقتها . وكنت قبلها وفى أول كتاب نشرته عن ( السيد البدوى ) عام 1982 قد دعوت فى خاتمة الكتاب الى مناقشة الفكر السّنى حتى من خلال الفكر السّنى نفسه لانقاذ الشباب من التطرف وثقافة الارهاب الدينية  حتى لا يقوم الشباب المتدين بهذه الأحاديث بقتال الدولة ، وحدث هذا فعلا بعدها بعشر سنين . ثم أقمت ندوة اسبوعية فى مركز ابن خلدون باسم (رواق ابن خلدون ) ، واستمرت من مطلع عام 1996 الى أن تم إغلاق المركز فى يونية 2000، وكان شعار الرواق هو ( حتى لا تقفز مصر فى الظلام ) .. ومصر الآن تقفز فى الظلام . فى مؤلفاتى من كتب ومقالات تنبأت بما سيحدث وحذّرت مقدما ، منها سلسلة مقالات منشورة هنا عن الأمر بالمعروف فى الاسلام ، والتحذير من حرب أهلية قادمة . وقبلها سلسلة اخرى فى تحذير الاخوان المسلمين من خلط السياسة بالدين .

2 ـ كل هذا صراخ فى البرية .!! ومن سلاسل الصراخ فى البرية هذه المقالات التى تحذّر من دستور مرسى . ونتحدث هنا عن التدمير الذى بدأت نذره فى الدولة المصرية حتى قبل إقرار هذا الدستور.

3 ـ فى مقالنا السابق قلنا : (تقول المادة (9) : (الأسرة أساس المجتمع ، قوامها الدين والأخلاق والوطنية . وتحرص الدولة والمجتمع على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها ، وحماية تقاليدها وقيمها الخلقية .) هنا بالرؤية الوهابية فرض أعيان الوهابية شريعتهم على الفرد فى الزى والمظهر خصوصا المرأة بنفس ما هو سائد فى السعودية ودولة طالبان طبقا لرؤيتهم فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.  يعززه ما جاء فى المادة (10): ( تلتزم الدولة والمجتمع برعاية الأخلاق والآداب العامة وحمايتها، والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة، ومراعاة المستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية والحقائق العلمية، والثقافة العربية والتراث التاريخى والحضارى للشعب، وذلك وفقا لما ينظمه القانون ) ، أى ليس موظفى الدولة فقط بل أفراد المجتمع ـ كلهم طبقا لحديث الذى وضعه الحنابلة فى العصر العباسى والقائل ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيد ..الخ ) كلهم ملتزمون برعاية الأخلاق والآداب العامة وحمايتها ومراعاة المستوى (الرفيع ) للتربية والقيم الدينية ( الوهابية ) والثقافة العربية ( البدوية ) و( التراث ) السّنى الحنبلى الوهابى ، (وذلك وفقا لما ينظمه القانون ). أى سيقوم القانون تفصيل هذا لاحقا . وبالتالى فقل السلام على السياحة وعلى الفن وعلى الأدب وعلى الابداع وعلى الترجمة ..بل قل وداعا للآثار المصرية لأنها عندهم رجس من عمل الشيطان ، بدءا من الأهرام وأبى الهول وما لا يزال تحت الأرض ورهن الاكتشاف ... الى محلات الانتيكات فى خان الخليلى . ) .

وهنا نقول إنّه حتى قبل الموافقة على هذا الدستور فإن تطبيق هاتين المادتين جرى فى السويس بقتل شاب جامعى كان يسير مع خطيبته ، واستيراد ( عصا مكهربة ) لضرب المصريين ، وحصار المحكمة الدستورية العليا والحصار الحالى لمدينة الإنتاج الاعلامى ، والتهديد علنا باغتيال المعارضين.كل هذا إرهاصات بسقوط الدولة ودخول مرحلة الفوضى ، وبدء حكم طالبان فى مصر .  

ثانيا : لمحة تاريخية :

1 ـ أولئك السلفيون يسترجعون الماضى ويطبقونه عمليا ، لذا لكى نفهم حركتهم لا بد من الرجوع الى جذورهم التاريخية والدينية وتناقضها مع الاسلام ، وهذا منهجنا فى التعامل معهم .

2 ـ أعراب ( نجد ) دخلوا فى الاسلام بغضا فى قريش ، ثم كانوا أساس حركة الردة حين إستعادت قريش نفوذها بعد موت النبى عليه السلام ، ووجهتهم قريش للفتوحات تحت قيادتها ، وفى خلافة عثمان إحتكرت قريش الغنائم فثار الأعراب على عثمان وقتلوه ، وضغطوا على ( على ) وجعلوه خليفة ، وفى حرب صفين أرغموا عليا على قبول التحكيم ، فلما أنتهى التحكيم الى خداع خرجوا على ( على ) وقتلوه ورفعوا شعار ( لا حكم ألا لله ) . ويقول الملطى فى القرن الرابع الهجرى فى كتابه ( التنبيه والرد ) إنّ الخوارج كانوا يدخلون الكوفة و البصرة ثم يصرخون ( لا حكم إلّا لله ) ويقتلون الناس عشوائيا  فى الشوارع والأسواق.!

3 ـ لم تكن لأولئك الأعراب الخوارج خلفية ثقافية تمكنهم من تأطير وتقعيد شعار ( لا حكم إلّا لله ) . قام بذلك فقهاء الدولة العباسية ، حيث كان الخليفة أبو جعفر المنصور هو أول من أعلن أنه ( سلطان الله فى أرضه ) وفق مفهوم الدولة الدينية الذى يتناقض مع الاسلام ودولته الديمقراطية القائمة على الحرية الدينية والعدل . واستخدم المنصور ( علماء الحديث ) فصنعوا له أحاديث تنسب للنبى أنه أخبر بالدولة العباسية وخلفائها . وقتل المنصور أبا حنيفة لموقفه من تلك الأحاديث وتمسكه بقيم الاسلام الحقيقية ، واستمر التحالف بين الخلافة العباسية و( علماء الحديث ) الى أن حدث الشقاق بينهما فى ( فتنة خلق القرآن ) ومحاولة المأمون ثم المعتصم ثم الواثق فرض هذا الرأى على الجميع ، وماتبعه من اضطهاد الفقهاء المحافظين المخالفين للمعتزلة وتفتحهم الفكرى ، ومشهور سجن وتعذيب ابن حنبل . وترتب على هذا ثورة أولئك الفقهاء تحت شعار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بزعامة أحمد بن نصر الخزاعى ، وقيام الخليفة الواثق بقتله . وفى هذه الظروف تم تصنيع ونشر حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ..) . وكان صاحب النفوذ فى خلافة الواثق هو وزيره المعتزلى ( ابن الزيات ) الذى كان يحتقر ولى العهد ( أخ الخليفة ) وكان ابن الزيات يحرّض الخليفة الواثق على عزل أخيه ولى العهد ليحل ابن الخليفة محلّه . ومات الخليفة الواثق فجأة بسبب وصفة طبية خاطئة استعملها ليتقوّى جنسيا ، وتولى الخلافة ولى العهد أخ الخليفة بلقب ( المتوكل على الله ) فقتل إبن الزيات تحت التعذيب ، وأطلق سراح ابن حنبل ، وجعل ( السنّة الحنبلية ) الدين الرسمى للدولة ، وبعث بفقهائها الى الآفاق لنشرها .

4 ـ  وتأكّد بهذا نفوذ ( الحنابلة ) وسيطروا على الشارع العباسى ، واضطهدوا معارضيهم تطبيقا لحديثهم ( من رأى منكم منكرا .. ) ، وتعاونوا مع المتوكل فى إبادته للمعتزلة وفى إضطهاده للشيعة وهدم ضريح الحسين واضطهاد أوائل الصوفية ، وفى اضطهاد النصارى واليهود وإلزامهم بزىّ معين للتحقير . بل إمتد اضطهاد الحنابلة الى الزعماء المعتدلين للدين السّنى إذا خالفوهم ، ومشهور حصارهم للطبرى فى بيته شهورا ولم يصفحوا عنه وهو فى نهاية عمره ،بل هدموا عليه بيته ومنعوا دفنه . وهذا لمجرد أنه أختلف معهم فى مسألة الاستواء على العرش . وظل الحنابلة يعيثون فى الأرض فسادا أكثر من قرنين فتحول العراق الى فوضى على أيديهم ، مما دعا الحكام المتغلبين الى التحالف مع الصوفية فبدا نفوذ الحنابلة فى الانحسار ، وحل محلهم الصوفية بخرافاتهم وبعقيدة ( عدم الاعتراض ) بديلا عن ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر )

5 ـ وتسيد التصوف العصر المملوكى فثار الفقيه الحنبلى ابن تيميه وأسس مدرسة حنبلية أكثر تطرفا من ابن حنبل نفسه ، ولكن تمكن صوفية العصر المملوكى من وأد حركة ابن تيمية فظلّت آراؤه المتطرفة حبيسة رسائله ( رسائل ابن تيمية ) الى أن ظهر ابن عبد الوهاب فأحياها تحت إسم الوهابية . وتبنى ابن عبد الوهاب مع حليفه ابن سعود شريعة الجهاد وقتل المسلمين بحجة تغيير المنكر باليد والسيف ، وتأسست الدولة السعودية الأولى 1745 ، وتوسعت من جنوب العراق الى جنوب الحجاز ، ونشرت المذابح باسم الأمر بالمعروف والمنكر والجهاد الى أن قضى عليها الوالى محمد على باشا .

6 ـ ثم أسّس عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الراهنة ، وحرص عبد العزيز على تطبيق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالطريقة الوهابية لإحكام سيطرته على الأفراد والناس ، وكان قد قضى على معارضيه من ( الاخوان النجديين ) وكان يحكم منفردا دون معارضة منهم ، وبالتالى أسس الهيئة التى تقوم عنه بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تطارد  الناس فى الشوارع والأسواق والبيوت . وعندما سيطر عبد العزيز آل سعود على الحجاز أطلق على أهله جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وقد وصف ( إحسان الله ) نائب قنصل حكومة الهند فى تقريره عام 1931 عمل هذه اللجنة فى مكة ، فقال :(..ومن الطبيعى أن يؤدى هذا العدد الكبير من العنصر غير الانسانى الذى لا يعرف التعاطف الى بث الرعب فى قلوب الناس . إن إطلاق عقال هؤلاء الوحوش يجعلهم يداومون على إقتراف كل الأعمال القاسية .. إذ ليس هناك قانون يردعهم، وبخاصة فى وقت أداء الصلوات الخمس كل يوم . عندما تروح تجسيدات الشيطان تلك تجرى بطريقة وحشية عبر الأماكن العامة وتدخل الحارات لمطاردة المخطئين الذين يحتمل أن يكونوا قد لجأوا اليها ، وعندما كانوا يكتشفونها كانوا يوسعونهم ضربا دون رحمة ، ليس هناك تفرقة بين صالح وطالح ، غنى أو فقير ، صغير أو كبير ، بل إن التلامذة الصغار لا ينجون من ذلك ، فالمطوعون يطرحونهم أرضا فى الطريق العام ، ويجلدونهم بلا أى تمييز .!)( نقلا عن كتاب الاخوان السعوديون فى عقدين 1910: 1930 تأليف جون حبيب ص 199 : 200). جدير بالذكر أن هذا الكتاب هو رسالة دكتوراة بالانجليزية قدمها الباحث جون حبيب عن الاخوان النجديين الذين أقاموا دولة عبد العزيز آل سعود ، ثم اختلفوا معه وتحاربوا فقضى عليهم . ونشرت السعودية كتابا عن هذه الرسالة مترجما بالعربية ، وتم تنقيحه بالحذف والتحريف فى الترجمة ليصلح نشره عبر الاعلام السعودى . ومن هذه الترجمة العربية نقلنا هذه السطور عن وحشية المطوعة ..ومنها إنهم كانوا يوسعون الأطفال ضربا .!!. وقد نشر اليوتوب مجموعة من الشيوخ السلفيين الملتحين يوسعون طفلا ضربا بكل قسوة وهو بينهم يصرخ مذعورا .. ونشر اليوتوب مشاهد لضربهم النساء بقسوة .. أى ما كان يفعله المطوعة من أكثر من ثمانين عاما فى دولة ابن سعود يكرره اليوم فى مصر غلمان ابن سعود .!! أى نحن نتقدم الى الخلف ..وهذا هو معنى إتّباع السلف أو الرجوع للخلف .

7 ـ لقد تمكن عبد العزيز من نشر الوهابية فى مصر ، وأسس أتباعه الاخوان المسلمين ، وجمعيات أخرى تحت شعار السّنة والسلفية ، وفى عصر مبارك حارب الاخوان سياسيا ولكن إحتضن الوهابية تقربا للسعودية ، واضطهدنا ( أهل القرآن ) تقربا للسعودية ومنعا لمناقشة الوهابية . وقد تخرّج فى معاهد السعودية معظم أولئك الدعاة السلفييين المجاهدين ، وإنفتحت أمامهم القنوات الفضائية العادية ، وإنشئت من أجلهم قنوات خاصة بهم ، واستطاعوا تسميم جيل بأكمله فى رعاية مبارك ،ففى عهد مبارك فى ثلاثين عاما و خلال التعليم الفاسد والاعلام الفاسد والأزهر و المساجد نشأ جيل من السلفية الجهاديين ينذرون بخراب مصر لإعادة تشريع السلف ( الصالح ) وتطبيقه فى مصر كما يحدث فى السعودية . وبعد عزل مبارك ظهر فجأة هذا التيار السلفى ، وسمعنا لأول مرة عن حازم ابو اسماعيل وبكار والشحات والبرهامى وبدر .الخ. قفزوا من القمقم زعماء وكانوا من قبل خدما لمبارك ومرشدين لأمن دولته ، وظلوا ضد الثورة المصرية الشعبية مع الاخوان الى أن تبين لهم إنتصار الثورة فسارعوا بركوب موجتها ، وهم الآن يدخلون بمصر الى الفوضى والحرب الأهلية تحت شعار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

أخيرا:

1 ـ نتساءل : كيف سيطبقون عقيدتهم فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى المجتمع المصرى ؟. فأسلافهم من الخوارج كانوا يقتلون الناس فى شوارع البصرة والكوفة وهم يهتفون ( لا حكم إلا لله ). وأسلافهم الخوارج إغتالوا ( عثمان وعلى )، وحاولوا قتل معاوية وعمرو .. وأسلافهم من الحنابلة فى العصر العباسى أفنوا المعتزلة واضطهدوا النصارى والشيعة والصوفية واضطهدوا الأئمة السنيين المعتدلين مثل الطبرى فى شيخوخته .. وسادتهم السعوديون يطلقون ( رجال الهيئة التى تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر) تعتقل من تشاء وتقرر عقوبته وتوقع العقوبة عليه ـ أى تتمتع بكل السلطات تحت شعار ( من رأى منكم منكرا ..). و هل يفترق هذا عما يفعله أتباع حازم والآخرون فى حصار مدينة الانتاج الاعلامى و المحكمة الدستورية العليا ؟ وهل يفترق عن تهديد المسيحيين وتهديد زعماء المعارضة علنا ؟ وما هو مصير القضاء المصرى المدنى ، وهو الآن منقسم على نفسه ؟ وجزء كبير منه ينتمون للوهابية وسلفيتها ؟ وهم سيجعلون خريجى كليات الشريعة والقانون أول من سيدخلون سلك النيابة والقضاء ؟ أى لا بد من أخونة القضاء ليسمح بتطبيق وهابيتهم فى الشريعة و فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .!

ثم ما هو مصير الآثار المصرية والسياحة المصرية والكنائس المصرية ؟ وكلها عندهم ( منكر ) يجب إزالته تطبيقا لشريعتهم السنية و( مذاهب أهل السنة والجماعة ) وهى تمنع بناء كنائس فى بلاد ( المسلمين ) وهو ما يحدث فى السعودية ؟

3 ـ هذه هى إرهاصات البداية . فهل نتوقع جديدا من مسلسل الفوضى فى مصر تنفيذا لعقيدتهم فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ؟ . موعدنا المقال التالى .  

اجمالي القراءات 14575