ماذا لو حــَكــَمَ مصرَ حمارٌ؟

محمد عبد المجيد في الثلاثاء ١١ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

ماذا لو حــَكــَمَ مصرَ حمارٌ؟

هذا العنوان ليس مِزحة أو نكتة أو تهكماً أو سخرية لاذعة، لكنه حقيقة جدّية لم يدر بذهني أنها تعني شخصاً، إنما رصد لتجارب مئات السنين حكىَ لنا التاريخ شطراً منها، وبقي ما تحت جبل الجليد الجزء الأكبر.
لو تسلل الآن إلى القصر الجمهوري في مصر بعيداً عن أعين المتظاهرين، مع أو ضد السلطة، حمارٌ، وسرق كرسي العرش، وأصدر بيانه الأول، فإنني على يقين من أن ثلاثة ملايين على الأقل سيدعمونه بعد أسبوع من استيلائه على السلطة.
وبعد ستة أسابيع سينحاز إليه بعض كبار الكبار في الدائرة السياسية والدينية التي تهيمن على الدولة.
وبعد ثمانية أسابيع سيلقي خطيب أحد المساجد خطبة دينية رائعة يستشهد فيها بكل الأقوال المقدسة على أهمية طاعة الشعب لسيدنا الحمار.

سيثور ضده شباب أطهار، وسيدعون لمليونية، وسيسخرون منه في رسومهم وأشعارهم ورقصاتهم، لكن سيدنا الحمار يستطيع أن يُجيــّـش بعد شهرين من تسلـُـمه الحُكم مثقفين وعلماء ورجال دين وجنرالات وضباطا كبار وإعلاميين ومحرري صفحات مؤثرة في القراء
سيؤكدون أنه الأفضل لحُكم مصر، وأن أفكاره عبقرية، وأن الخير على يديه، وأن مستقبل مصر المــُـشْرِق بين يدي سيدنا الحمار .
سيبتسم القاريء العزيز ويظن أنني أسقط كلماتي على شخص أو زعيم، لكنني أراها حقيقة متكاملة ونزيهة وموضوعية.
ربما يعترض في اليوم الأول أغلبية الناس عندما يقف سيدنا الحمار أمام ميكروفونات كل القنوات المصرية والأجنبية، و
بعد وقت وجيز يبدأ أحدهم من نهاية القاعة بالتصفيق، فينظر إليه الحاضرون بازدراء، ثم ينضم إليه مُصفِّـق جديد، ولن تمر ساعة حتى تهلل نصف القاعة للقرارات الرشيدة لسيدنا الحمار.
هذه هي سيكولوجية الجماهير في كل زمان ومكان مادامت هناك أمية وجهل ونقص في الوعي السياسي وتلذذ بالعبودية الطوعية وأخطر الأخطرين هو التبرير القائم على قداسة الفرد.
لاتضحكوا، أرجوكم، فأنا لم أكن أكثر جدية وواقعية وعقلانية من قبل، ومن لا يُصدّق فليقم بمساعدة حمار على التسلل إلى القصر الجمهوري، ويتركه يكتب بنفسه خطابه إلى الجماهير.
ماذا لو زعم الحمار أنه مبعوث العناية الالهية، وأنه سيحكم بالمقدس، وأن من لا يؤمن بحديثه فلن يعرف الجنة في الآخرة؟
أكاد أقسم أن كثيرين سيرفعون رايات خفاقة عليها اسم حمارنا العزيز، وربما يصدر أول كتاب عن عبقريته بعد أربعة أيام من تولــّـيه السُلطة.
كل القادة الحمير الذين حكموا دولا في العالم الثالث لم يصدّق أحد في الساعات الأولى أن الحمار سيصمد يوما أو بعض يوم، ثم تأتي العادة التي يعقبها دهشة الجماهير من المعارضة السخيفة والظالمة التي تشكك في عبقرية السيد .. الحمار!
الكذب ثم يأتي التبرير، اعلان الحرب وبعدها تفسير السبب، اعتقال أبرياء ثم البحث عن تهم جاهزة، القاء خطاب أحمق وبعدها سيتبرع الأحمق منه لشرح عبقرية ما وراء الكلمات.

شغلتني كثيرا وفي كل كتاباتي تقريبا فكرة المستبد والشعب، ومازلت عند رأيي في أن المستبد هو الذي يصنع شعبه وليس العكس.
كل قاطعي رقاب الشعوب من الطغاة عثروا بسهولة على مسرور السياف، وبإشارة واحدة من بول بوت تحول الكمبوديون إلى وحوش كاسرة، وبإيمائة من منجستو هيلامريم تمكن الجنرال من قتل ربع مليون من أبناء شعبه في أقل من عشر سنوات.
الحاكم يصنع عبيداً أو مخزني قات أو هولاكيين صغاراً أو يجعل في كل بيت نصفاً من الجواسيس على النصف الآخر.
وإذا تمرد الشعب أو فئة منه أو الربيع، أعني الشباب فليس هناك أفضل من فتح الباب لسارقي الثورات الذين تعاونوا سنوات طويلة، معارضين أو موالين، ليستمر الرئيس أو الحاكم أو الزعيم أو الحمار في ركلهم وصفعهم.
سيقول قائل: هذه أضغاث أوهام لعدم الثقة بشعوبنا المناضلة في العالم الثالث، لكنني هنا أتحدث عن طبيعة الخنوع الإنساني في صناعة المقدس حتى لو كان طفلا معاقا ومتخلفا في قرية فسيجعلون منه مبروكاً يشفى المرضى ويخصب العاقرات، وفي النهاية سيقولون بأنه وليٌّ من أولياء الله الصالحين.
يكفي أن يسير الحمار فوق البساط الأحمر، ولا يرتجف أمام الجماهير، ويصنع بيانا أو دستورا أو جمعية أو جماعة أو بركة أو وعداً بالجنة أو خيرات تتنزل على مريديه من حيث لا يحتسبون.
لا أبالغ إذا قلت بأن طاعة الناس للحمار ستبدأ قبل الخطبة بوقت طويل فهي استعداد إنساني بحت في عالم مليء بالأمية والجهل وبهجة الطاعة ولذة العبودية المختارة .
ولكن كيف نقنع الناس بمكانهم الطبيعي وبإنسانيتهم وبأن الكرامة هي نفخة روح الله فيهم؟
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 10 ديسمبر 2012                                    

اجمالي القراءات 11454