في كل مرة أشاهد فيها أحد برامج التوك شو في القنوات الفضائية المصرية ويكون أحد الضيوف فيها هو عضو أو قيادي في جماعة الإخوان أقف على عدة ملاحظات يمكن وصفها بأنها سمة من سمات المرحلة السياسية والثقافية للجماعة، فالأطروحات لا تخلو من تبرير الأعمال والدفاع عنها سواء كانت هذه الأعمال مقبولة أو مرفوضة شعبياً أو من جانب المعارضة،والتبرير لمن لا يعرفه هو باختصار يعني الدفاع بالحق والباطل عن أفكار وسلوكيات مرصودة عبر اختلاق أسباب وأعذار ليست هي الحقيقية،وهذا يعني إنزال هذه السلوكيات منازل القبول عبر الكلام إما بليّ أعناق المُصطلحات والمفاهيم أو بالهروب من محال النزاع بعد شعور داخلي بالعجز عن تفسير أو فهم بعض الأشياء، هو في المحصلة هروب من المسئولية وجدال وكذب وخداع مرير يعاني منه البشر ممن طغت نوازعهم وأيدلوجياتهم على حساب الحقيقة.
سلوك هؤلاء يعبر عن ضياع المبادرة من بين أيديهم وانتقالها من مرحلة العمل إلى مرحلة النقد أو النقض، ولا يمكن اعتبار ذلك احتكاكاً للأفكار كما يروجون له لأن القرار في النهاية لا يؤمن بالأفكار الجديدة وبالتالي لا يأخذ بنقد أو نقض المخالف مهما حدث، لقد اعتادت الجماعة على هذا السلوك مع أبنائها السابقين والحاليين من التيار الإصلاحي ، فيسمعون منهم على طريقة."سيبه يفضفض ومسيره يزهق".. ومعناه إتاحة المجال للرأي الآخر فقط للتنفيس، لكن في المحصلة هذا الرأي غير خاضع للتنفيذ ولو كان حقا... هو سلوك استبدادي بحت ولكنه يتصف بالعصرنه كون أحد خصائصه هو الإعلام وسرعة نقل المعلومة، وهو أيضاً سلوك النظام المصري السابق في التعامل مع القضايا والأحداث، فكانوا يندبون عنهم أعضاءاً في الحزب الوطني أو من مواليهم –كما هو الحال عند جماعة الإخوان-يدافعون عن سياسة النظام بالحق وبالباطل.
أفهم أن سلوك التبرير قد لا يكون مقصوداً في بعض الأحيان ، ولكنه موجود ويلحظه الناس ممن يفكرون من خارج نَسَق المُبرر، وبالتالي يُصبح المبرر في إحدى حالتين.. إما أنه ينشر الجهل والتعصب بين الناس سواء بعلم أو بدون أو أنه يعمل على ارتقاء نفسه -ومن يبرر له- حتى بلوغه ومن معه إلى مرحلة العصمة، وفي الحالتين هو يسلك ذلك ويجهل عواقب ما يفعل،بينما كانت هناك بعض السلوكيات القاتلة للتبرير كالشفافية والوضوح والإنصاف والتعمق في القضايا التحليلية والتركيبية وما إلى ذلك من أمور يفتقدها معظم من يتحدثون-حالياً- باسم الجماعة في الإعلام، فهم فقراء معرفيا ويفتقدون إلى أدنى شعور بالفهم في قضاياهم التي يدافعون عنها، فإذا قلت له تجاوز الصلاحيات يقول إجراءات استثنائية وذلك كمثال لأزمة الإعلان الدستوري مؤخراً، فهم يبررون للإعلان الصادم بأنه إجراء استثنائي بين مؤيديهم.. ولكن السؤال هل يوجد إجراء استثنائي يتجاوز الصلاحيات وما هو محل النزاع أصلاً؟!..إن معنى نشوء إعلان دستوري يتجاوز الصلاحيات بحجة الإجراء الاستثنائي ثم التبرير له والحشد له لا يُسمى في العُرف السياسي إلا بلطجة سياسية واستخدام غير مشروع للسلطة التنفيذية..
في إحدى الحلقات الحوارية منذ أيام على قناة ontv كان الضيوف ثلاثة أفراد..اثنان ممثلان لجماعة الإخوان المسلمين رجل وامرأة جلسوا يدافعون عن الإعلان الدستوري الأخير والذي صدم المجتمع المصري ونقله إلى حالة عنف لم يشهدها المصريون منذ مئات السنين، بينما كان على الجانب الآخر-الجانب المعارض-هو الأستاذ عبدالحليم قنديل الكاتب الصحفي المشهور..ويالهول ما رأيت وسمعت..رأيت فارقاً ملحوظاً ومستفزاً بين قُدرة قنديل على التحليل والتركيب والاستدلال والاستقراء وبين قدرة الضيفين الإخوانيين على مجاراة الرجل في أسلوبه القوي في الإقناع..فرغم وجود ذلك الفارق في المظهر والشكل بين الطرفين بحيث أنك لو رأيت الثلاثة يجلسون بصمت سترى ومن أول وهلة أن الحق سيكون مع ضيوف الإخوان..وذلك لعدة عوامل أهمها المظهر وتعابير الوجه وملامحه، فمن يرى قنديل من خلف نظارته"قعر الكُبّاية"وصلعته التي أكلت رأسه لا يرى فيه تلك الشخصية الكاريزمية المؤثرة، ولكن فور انطلاق الحوار تبدلت الأوضاع وظهر الفارق الكبير حتى طال ذلك قدرة قنديل على قراءة أفكار خصومه وتحليلها بشئ من العبقرية.