ليبيا وسيف الإسلام والدستور المرتقب

في الأحد ١٦ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

ليبيا وسيف الإسلام والدستور المرتقب
كتب تونس - رشيد خشانة   |  16-05-2010 00:18

فاجَـأت الدّعوة الأخيرة التي أطلقها سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، لسَـنّ دستور للبلاد جميع المُـراقبين، لأن هذا الملفّ طُـويّ مُـنذ أكثر من سَـنة، في أعقاب آمال كبيرة طارت بالنّـخب الإصلاحية فوق بِـساط الحلم، قبل أن يودِّع مشروع الدستور الأدراج. ويُعلن سيف الإسلام اعتِـزاله العمل السياسي احتجاجا وتفكيره في الهجرة إلى أوروبا... لإنشاء مركز دراسات، وكانت ليبيا أعلنت في شهر ديسمبر 2008 عن تشكيل لجنة حكومية مكلّـفة بدراسة مشروع الميثاق الوطني.



وقال عبد الرحمن أبو توتة، رئيس اللجنة في تصريحات صحفية آنذاك، إن العمل على هذا المشروع انطلَـق مُـنذ ثلاث سنوات (أي في عام 2006)، موضِّـحا أن "مشروع الميثاق الوطني" أو "الدستور" أحِـيل إلينا من قِـبَـل لجنة شُـكِّـلت من خبراء قاموا بصياغة مُـقترحات عدّة لميثاق وطني للبلاد، وستقوم اللجنة الحالية بمُـراجعته وتنقيحه من الناحية القانونية".



ثم ما لبِـثت قناة "الليبية" أن أعلنت في مطلع شهر فبراير 2009 أن مسودّة مشروع الدستور ستُـعلن في نهاية الشهر نفسه، مؤكِّـدة أن "اللجنة الحكومية المكلَّـفة بدراسته، انتهت من تنقيح المُـسودّة ووضعها في صياغة نهائية من الناحية القانونية".



وتوقّـع مراقبون أن تكون تِـلك الخُـطوة تمهيدا لعرضه على المؤتمرات الشعبية، لكن كل ذلك الحِـراك توقّـف فجأة من جانب من لدَيْـه السّـلطة العليا، وهو ما حمل سيف الإسلام على إعلان اعتِـزال السياسة، بعدما كان يفتخِـر بأنه بذل مجهوداً كبيراً من أجْـل أن تتحوّل ليبيا من دولة محاصَـرة ومقاطَـعة، إلى دولة لديها كُـرسي في مجلس الأمن.



ولعلّ هذا ما يفسِّـر حِـرصه على التّـأكيد في حِـوار أجرته معه صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في يناير 2009 في منتجع دافوس السويسري، على أن قراره بالانسحاب "لا رجْـعَـة عنه"، مشدِّدا على أنه قرّر "الابتِـعاد عن الشّـأن العام نِـهائياً، وأتمنى للأبد ... وحدَّدْت الآن موقِـعي في المُـجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية"، مضيفا "أنَـا دوْري الآن بِـناء مُـجتمع مَـدني، فيه نقابات حُـرّة وحقيقية ومؤسّـسات وروابِـط ومُـنظمات حقوقية واتِّـحادات، هذا هو مجالي. أما الدولة والحكومة والشأن العام، فهذا أمر انسحَـبْـت منه انسِـحاباً نِـهائياً، وأفكِّـر أيضاً في مشروع معروض عليّ لإقامة مركز دراسات في دولة أوروبية، ويُـمكن أن أتفرّغ لهذا المركز"، لكن بعد صمْـتٍ استمَـرّ أكثر من سنة، ها هو يرفع الصَّـوت مُـجدّدا للمُـناداة بوضْـع دستور لليبيا.







الدستور ضرورة

تعود الدّعوة من جديد هذه الأيام، لكنها أتَـت من القاهرة وعلى هامِـش مؤتمر، وليس من داخل ليبيا وكأنها مشروع ما زال في المنفى، على رغْـم قوة التيّـار الدّاعي للانتقال من مرحلة الثّـورة إلى مرحلة الدولة. وتَـأكّـد من خلال اتِّـصالات هاتفية أجرتها swissinfo.chمع شخصيات عامة داخل ليبيا من أطياف مختلفة، أن لا أحَـد لديه معلومات دقيقة ومؤكَّـدة، تُـفيد أن دعْـوة سيف الإسلام تُـمهد لخُـطوات عملية ستُتوّج بتصديق "مؤتمر الشعب العام" (البرلمان) على مشروع دستور يُرْسي مرجعية جديدة، واستطرادا، شرعية دستورية تحُـلّ محلّ "الشرعية الثورية"، التي يستنِـد إليها العقيد القذافي منذ صعوده إلى سدّة الحكم قبل أكثر من أربعة عقود.



ولا تمتلِـك ليبيا دستورا رسميا، إذ يحكمها النظام الذي وضعه "الكِـتاب الأخضر" والذي يرسم فلسفة الزعيم الليبي وآراءه عن الطريقة التي يجِـب أن تُـحكَـم بها الدول. ويُـمكن القول أن المعلومة الوحيدة التي تطرّقت إلى الإطار الذي تندرِج فيه دعوة سيف الإسلام، هي ما قاله لوكالة "رويترز" البريطانية أحد الليبيين القريبين من دائرة هذا الأخير، من كون نجل الزعيم الليبي "يخطِّـط لحمْـلة من أجل وضْـع دستور جديد (للبلاد) في الأشهر القليلة القادمة".



ويدلّ هذا الكلام في ظِـلّ نظام سياسي يمسك القذافي الأب بجميع مفاتيحه، على وجود ضوْء أخضَـر لوضع مشروع الدّستور على السكّـة، هذا إن لم يكن مصير المحاولة الجديدة مثل سابقتها. منطقيا، تنبني الدّعوة لسَـنّ دستور على حاجة مُـلحّـة، وهذا ما أكّـده سيف الإسلام، حين أشار إلى أن الدستور له أهميّـة حيوية في تحقيق الرّخاء لليبيا، وحين قال في المؤتمر الذي شارك في أعماله في القاهرة "نحتاج دستورا، إذ لا يمكِـنـك أن تُـدير دولة من دون أن يكون لديك دستور ومن دون قوانين أساسية. إنها ضرورة". وأضاف سيف الإسلام "يجب مُـراجعة طريقة الحُـكم بشكل كبير وبجدِّية كبيرة، هذه هي الأولوية الأولى".



واتّـفق عدد من الذين تحدّثت إليهم swissinfo.ch في طرابلس، على أن الخُـطوة تأخّـرت كثيرا، لكنهم أكّـدوا أن "ما يأتي متأخِّـرا أفضل من أن لا يأتي أبدا، ولعلّـها حسابات السياسة التي لا نعلم خَـفاياها"، غير أن المحامي محمد العلاقي، رئيس لجنة حقوق الإنسان في مؤسسة القذافي، التي يرأسها سيف الإسلام، كان أكثر وثوقا، إذ أكّـد لـ swissinfo.ch أن مؤسّـسات المجتمع المدني كانت تُـطالب منذ زمان بنَـصٍّ يُحدِّد طريقة الحُـكم، مُـشيرا إلى أن "ما تحدّث فيه سيف الإسلام ليس جديدا، إذ أن اللجنة التي كُـلِّـفت بصياغة الدستور، أنهَـت أعمالها، ونحن نضُـم صوتنا إلى صوت الأخ سيف الإسلام بضرورة إصدار الدستور الدائم لليبيا".



وردا على سؤال بشأن مدى قُـدرة المحافظين على إحْـباط المحاولة الجديدة، قال العلاقي الذي كان نقيبا للمحامين طيلة أربع سنوات "لا أتصوّر أن هناك إنسانا له عقْـل سيُـعارض مثل تلك الخُـطوة"، إلا أنه أقَـرّ بوجود "محافظين لديهم مصالح ما، يرفضون الاستقرار بمَـعناه الشامل ووضع ضوابط محدّدة (للنظام السياسي)".



وأفاد أن هناك نقْـصا في مشروع الدستور تَـمّ تلافيه بتعديل البنود المتعلِّـقة بالحريات، بناءً على أن نصوص الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات السابق، كانت ضدّ حرية الرأي وجرت مُـراجعتها وتغييرها، كما تمّ إلغاء "العقوبات الغليظة" مثل الإعدام من ذلك القانون ولم يتِـم استبقاؤها سوى لجريمة القتل المتعمّـد مع الإضمار المُـسبق، مثلما أوضح العلاقي.



ومضى قائلا "هذه جُـملة من القوانين التي بلغ عددها 21 قانونا أساسيا وقد باتت جاهزة، ومنها قانون الاستثمار وقانون المُـرافعات وقانون العقوبات، ونحن نعبِّـر عن استغرابنا لكونها لم تُعرَض بعدُ للتّـصديق عليها". وأبدى العلاقي تفاؤُله بأن هذه القوانين العصرية ستُعرَض على الدّورة المُـقبلة لمؤتمر الشعب العام (البرلمان)، لكن متى؟ ردّ قائلا: "ربَّـما في شهر سبتمبر المقبل".







يحكم العقيد معمر القذافي ليبيا منذ حوالي 41 عاما (Keystone)

محافظون وإصلاحيون

أساس التّـأخير المتجدّد عن عرض الأمر على البرلمان، هو الصراع بين الجناحيْـن، الإصلاحي والمحافظ في الحُـكم. ورأى صحفي يعمل في ليبيا منذ سنوات، أن طرْح سيف الإسلام الإصلاحي لاقى قَـبُـولا وتجاوُبا لدى مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة نقابة المحامين ونقابة الصحفيين ورابطة الكتّـاب وما إلى ذلك، بناءً على توافُـق مع ذلك المشروع الإصلاحي. ورجّـح الصحفي، الخبير بالشؤون الليبية والذي فضّـل عدم الكشف عن هُـويته، أن إطلاق سيف الإسلام دعوته الجديدة، تنبني على حلٍّ وسَـط Compromise بين الجناحيْـن، لكنه قال إنه يجهَـل بنوده.



وأوضح أن كل الدّعوات الإصلاحية تُواجَـه دائما بالرّفض من الحرَس القديم في البداية، ثم يصِـل الطّـرفان إلى توافُـق على النصّ. وأشار إلى أن القاضي الذي رأس لجنة تحرير مشروع الدستور، أعلن بوضوح أن الكِـتاب الأخضر هو دليله في صوغ الدستور الجديد وأن هدفه "ليس التغيير، وإنما تجميع كل شيء في ملفٍّ واحِـد".



وأكّـد الصحفي أن بعض عناصِـر "اللِّـجان الثورية" منفتحون على فِـكرة سَـنّ دستور وأعلنوا قبولهم بها، لكنهم يعترِضون على محرِّري النصّ ويرَوْن أنهم لا يعكِـسون ما يريده الشعب، مع إقرارهم بضرورة الدستور. أكثر من ذلك، تحظى دعوة سيف الإسلام الإصلاحية بدعْـم قِـسم من المؤسسة العسكرية، التي تشكِّـل مُـوافقتها، أمرا حيَـويا لمستقبله السياسي.



ومع تسميَـته منسّـقا للقيادات الشعبية في ليبيا في أكتوبر الماضي، تمّ نظريا ربطه بكل من مؤتمر الشعب العام (البرلمان) واللجنة الشعبية العامة (الحكومة) والأجهزة الأمنية، وهي أضلاع الحُـكم في البلد، وِفقا للَّـوائح الداخلية للقيادات الشعبية الاجتماعية، التي تُـعتبر المرجعية العُـليا للنظام السياسي القائم في ليبيا. وبوأت تلك التسمية سيف الإسلام، موقع الرجل الثاني في النظام الليبي، إلا أن كثيرا من القيادات المحافظة القوية داخل النظام، تُـعرْقل مشروعه وتتحفّـظ على دوره.



وفي هذا السياق، أفاد الصحفي العامل في ليبيا swissinfo.ch أن عموم الناس في البلد، لا يفهمون ما الهَـدف من الدّعوة الجديدة. فهل هي لتسهيل تولِّـي سيف الإسلام رِئاسة الدولة؟ أم لمُـمارسة الضُّـغوط على القِـوى المحافظة؟



غير أن المُـتابِـع للشأن الليبي، يمكن أن يُلاحِـظ أن مبادرة سيف الإسلام أتَـت بعد حركتيْـن قد تحمِـلان دلالات سياسية. أولهما، أنه بدأ حوارا في 14 أبريل الماضي مع مثقّـفين وإعلاميين وأُدَباء ليبيين في مُـدن درنة والبيضاء وطُـبرق، حثّـهم خلاله على التصدّي لمكافحة الفساد والتطرّق بحرية إلى المشكلات الداخلية في البلاد.



أما الثانية، فهي إخلاء سبيل السجين السياسي جمال الحاجي، الذي كان يقضي عِـقابا بالسِّجن لمدة 12 عاما مع زميله فرج حُميد، المحكوم عليه بـ 15 سنة، وكان الإثنان مثلا أمام محكمة أمْـن الدولة في مطلع عام 2007 مع عشرة متّـهمين آخرين، لأنهم خطَّـطوا للقيام بمظاهرة سِـلمية في ساحة الشهداء في طرابلس في الذكرى الأولى لمقتل 11 من المحتجِّـين، في مواجهات مع الشرطة. ويُعتَـقد أن تدخّـل سيف الإسلام، الذي يُـدير جمعية حقوق الإنسان، هو مَـن كان وراء الإفراج عن جمال خلال فترة سِـجنه السابقة.







استقطاب المُـستثمرين

هناك أيضا مَـن يربِـط دعوة سيف الإسلام بهدف استِـقطاب المستثمرين الأجانب الذين يُـولون أهمية كبيرة لوُجود قوانين واضحة ومن باب أولى، دستور للبلاد. ومعلوم أن رجال الأعمال يشترِطون توافُـر الشفافية والحَـوْكمة واستقلال القضاء، لتأمين الضمانات اللاّزمة لاستثماراتهم، وهي أمور غائِـبة من النظام السياسي الحالي في ليبيا.



ومن هذه الزاوية، اعتبر السيد علي أبو زعكوك، المدير التنفيذي للمنتدى الليبي للتنمية السياسية والإنسانية في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن العوْدة إلى الدستور "هي العوْدة إلى المرجِـعية التي يجتمع حولها الوطن، والتي غابت عن المجتمع الليبي منذ عام 1969، وهي يُـمكن أن تكون مِـحور إصلاح سياسي واجتماعي وثقافي في البلاد"، مؤكِّـدا أن "ليبيا بحاجة ماسّـة لهذه الإصلاحات، وخاصة المجتمع المدني والنّـقابات والمؤسسات الأهلية، وقد دجنتها كلّـها السلطة الحاكمة، فلم تعُـد مؤسسات فعّـالة في المجتمع".



وسألناه عن المستجدّات التي تبرِّر العودة اليوم إلى الحديث عن ضرورة سَـنّ دستور، فرأى أن فكرة إعداد دستور للبلد ظلّـت دائما موجودة، وتشكّـلت لجنة لهذه الغاية قبْـل سبع سنوات من الآن، وطُـرحت المسودّة الأولى للمناقشة على الإنترنت وسط صِـراع في الداخل بيْـن قِـوى تدّعي أن لدينا في ليبيا ما يكفي من التشريعات من جهة، وسيف الإسلام من جهة ثانية، الذي يرى أن سَـنّ دستور للبلد ضروري، ونحن معه في هذه الدعوة". وأضاف علي أبو زعكوك "أعتقد أن إيجاد دستور سينقل ليبيا إلى دولة تسعى للِّـحاق بركْـب القرن الحادي والعشرين".



وعن سؤال حول مدى قُـدرة عناصر الردّة على إحْـباط هذا المسعى، أكّـد أن "وجود حِـراك في داخل ليبيا والصوْت العالي لسيف الإسلام من أجل دعْـم ذلك الحِـراك، يجعل أن هناك صوْتان على الأقلّ، وهذا أمْـر أساسي لحيوية المجتمع الليبي، إذ لم يعُـد هناك إقصاء للرأي الآخر، بل لديه الحقّ في طرح ما لديه من آمال وطروحات لليبيا الغد"، وأوضح، أيضا ردّا على سؤال لـ swissinfo.ch، أنه "من الصّـعب التكهّـن باحتِـمال عرض مشروع الدستور على الدورة المقبلة لـ ؤتمر الشعب العام"، مثلما توقّـع ذلك كثير ممَّـن تحدثت إليهم swissinfo.ch في داخل ليبيا، لكنه شدّد على أنه ينضَـمّ إلى تفاؤُل أهْـل الداخل، إذا ما تكلَّـموا في الموضوع بهذا التوقّـع.



وربّـما تنبني تلك المسْـحة التفاؤُلية على التقدّم الذي حقّـقه حوار سيف الإسلام مع مجموعات أصولية متشدّدة، ممّـا جعل المعارضين يعتبرون أن الحِـوار يشكِّـل مفتاح الحلّ لجميع مشاكل البلد، وهذا ما ردّده أيضا أشخاص مقرّبون من سيف الإسلام، إذ قال سليمان دوغة، رئيس مجلس إدارة شركة "الغد" للخدمات الإعلامية، الذي التقى نيابة عن نجل القذافي عددا من المثقّـفين والإعلاميين، إن هذه اللقاءات تُـعبِّـر عن رغبة سيف الإسلام في أن يكون لكُـل مثقّـف مكان راسِـخ في مشروع شركة "الغد" عبْـر المشاركة التي من شأنها أن تسلِّـط الضوء "بجُـرأة وشجاعة ودون نِـفاق ولا كذب" على عدد من المسائل التي تخُـصّ الشأن الليبي العام.



وأكّـد دوغة في تصريحات نقلتها عنه وسائل إعلام ليبية وعربية، أن نجاح تجربة الحِـوار مع الجماعات المقاتِـلة "أثبت أن الحِـوار هو مفتاح الحلّ لكل مشكلاتنا وأن ليبيا أصبحت دولة قوية وقادِرة على حلّ كل ملفّـاتها الأخرى"، لافتا إلى أن الدّور الحقيقي لشركة "الغد" يكمُـن في ترجمة خِـطاب الغد وإسقاط تلك الرُّؤى على أرض الواقِـع ورصْـد حالة التّـدافع في داخله عبْـر المنابر والوسائل التي تمتلِـكها الشركة.



واعتبر دوغة أن إنجاح مشروع "ليبيا الغد"، يتمثَّـل في تفعيل سُـلطة الشعب تفعيلا صحيحا، مؤكِّـدا أن نظرية سلطة الشعب ثابِـت من ثوابِـت الدولة وخطّ أحمر يجِـب احترامه، وأن النقد يجِـب أن يتّـجه نحو التطبيق وترشيد التجربة وترجمة النظرية على أرض الواقِـع، ترجمة صحيحة. ويلتقي هذا الاتجاه مع من يعتبِـرون أن سقف الحركة الإصلاحية في ليبيا اليوم، لا ينبغي أن يتجاوز الدائرة التي رسمها سيف الإسلام.



وتكاد تلك الدائرة تقتصِـر على الاعتراف بالآخر والتخلّـي عن اعتباره "كلْـبا ضالاّ" أو "عدوّا لسُـلطة الشعب!"، لكن من ضِـمن ركائز نظرية العقيد القذافي التي أودعها في كِـتابه الأخضر بشأن التعدّدية السياسية و"سلطة الشعب" والنظام الجماهيري ... فذلك سِـياج من المحرّمات لا يُسمح بالاقتراب منها أسْـوة بثالوث الله والملك والوِحدة الترابية في المغرب الأقصى.



ولعل بول وودز، مبعوث إذاعة "بي بي سي" إلى ليبيا، لخّـص الوضع بهذه الجُـملة التي ختَـم بها رسالته تحت عنوان "هل ليبيا جادّة في مسألة الإصلاح؟"، بقوله "هناك حديث كثير عن (الإصلاح) في ليبيا، لكن من الصّـعب التأكّـد من مدى جدِّية ذلك الإصلاح".
اجمالي القراءات 2175