إذا ما ذُكرت السلطة , ذكرت العدالة , فلا تستقيم الأولى إلا بالثانية . وحِرص الإسلام على إقرار العدالة بالغ الأهمية , وقد أُمر النبي بممارسة العدل في حكومته النبوية :" وأُمرت أن أعدل بينكم " الشورى 15. ونزلت آيات عديدة في شأنها - أي العدالة - والله تعالى يصفها بلفظ واحد جامع لمعاني العدالة والعدل والمساواة والحق , هو "الميزان" , واسمعه يقول :
" الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان " الشورى 17, "وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " الحديد 25 , " ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان , وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " الرحمن 9.
وإقامة الوزن لا تعني وزن البضائع كما يفسر صبية المساجد والوعاظ , وإنما هي إقامة العدل والحق والمساواة . وتوخي العدل أمر إلهي واجب التنفيذ , : " إن الله يأمر بالعدل " النحل 90 .
والسلطة والسعي إليها من أكبر العوامل المحركة للأحداث . وتاريخ سعي الملوك إلى العروش والنفوذ هو تاريخ الإنسان نفسه على هذا الكوكب , وحرص السلاطين على حيازة السلطة شديد , يبذل السلطان في سبيله كل مرتخص وغال , فمنهم من قتل أمه أو أباه أو أبناءه أو المنافسين له من أقاربه من أجل العرش والسلطة . والسلاطين يسنون القوانين التي تخدم مصالحهم ويجندون الأعوان والجنود لحمايتهم , وينفقون على ذلك كله من أموال الأمة المنهوبة , وتتعاون السلاطين في ذلك مع الملأ ومجموعات المصالح التي تسير مصالحها بالتوازي مع مصالح السلطان . فَعلَ ذلك فرعون موسى وغيره من الفراعين والملوك والقياصرة والأكاسرة وملوك المسلمين وخلفائهم .
لذا كان على السلاطين تحريف الدين وتزييف السُّنَّة من أجل اختلاق شرعيات موهومة تبرر استيلاءهم على السلطة والمال وتبرر شن حروب توسعية باستخدام ما توافر لهم من فائض قوة , شأنهم في ذلك شأن سائر الأمم التي حازت مثل هذا الفائض من القوة , وزعموا أنها لنشر الدين وهي لتأمين الغنائم اللازمة للوفاء بالتكاليف الباهظة لجندهم وحراسهم وغوانيهم وغلمانهم وقيانهم .