في الآونة الأخيرة خرج علينا بعض المشائخ شاهرين أسلحتهم المُدججة من.."قذف وفضح وشتائم "..وما إلى ذلك من أسلحة "كيماوية" في حق مخالفيهم، أحد هذه الحوادث رأينا كيف اعتلى بعضهم حصون الفنانة إلهام شاهين المنيعة!..معلنا قيام معركة التحرير الكُبرى لنُصرة الإسلام والمسلمين!..وقتها -وكأي إنسان- نظرت بعين الرأفة للضعيف أو للطرف الأكثر هدوءا..فوقعت عيني على الفنانة بوصفها طرفاً مجنياً عليه وليس بوصفٍ آخر مما أشاعه عليها هؤلاء...فيُحسب لها أنها لم تجاريهم في أسلوبهم في الشتائم والقذف،..وزاد من احترامي لها أنها لم تقم بتبرير مشاهدها ذات الصلة.. واكتفت بتذمرها وامتعاضها مما حدث ونفت أن يكون للشيخ علاقة بالدين الإسلامي ولا لأخلاقه.
حقيقة أنا أتشكك في صدق مشاعر هؤلاء الشيوخ، فهم يعلنون أن السبب من وراء هجمتهم.."التترية"..على الفنانة أنها لم تلتزم بالأخلاق والآداب الإسلامية في أعمالها..وأنا لا أصدّق هذه الحيثية لعدة أسباب:
1- الفنانة إلهام شاهين من أكثر الوجوه "الفنية" انتقاداً للإخوان وللرئيس مرسي، وعليه لم نرَ لهؤلاء الشيوخ أي جهد في فضح أو شتم أو قذف..أو حتى انتقاد أي فنانة مؤيدة للرئيس أو للإخوان..وأقصد هنا الفنانة غادة عبدالرازق، وإن كان هناك من فارق بين غادة وإلهام فهو سياسي بالدرجة الأولى.
2-سلوكهم في هجومهم.."التتري"..على الفنانة شابته أخلاق وثقافات القرون الوسطى من فضح وتشهير دون سلوك الدعوة بالموعظة الحسنة كما علمنا الدين الإسلامي...فظهر من سلوكهم التشفي والانتقام ولكن تحت ستار الدين كي يكون أكثر قبولاً لدى العامة.
3-هؤلاء المشائخ معروف عنهم شتمهم لأي مخالف لهم في الدين والسياسة..فالشيخ القرضاوي والداعية عمرو خالد وغيرهم لم يسلموا من ألسنتهم.
4-قاعدة مقررة نتدارسها في الإسلام هو قول رسول الله.."الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"..وهذا يعني أن طبائع هؤلاء المشائخ هي الفيصل في تحديد توجهاتهم، وليس كما روت ألسنتهم الهمجية ويكذبون على الناس أن السبب كان في غيرتهم على الدين!
5-عُزلتهم عن المجتمع المصري..ففي حين ينشغل المجتمع بالدستور والبرلمان وحقوق الشُهداء وحوادث الطُرق..نراهم ينشغلون بإلهام شاهين..لماذا ياتُرى؟!
أفهم من ذلك أن هجمتهم.."التترية"..على الفنانة ليست إلا عبارة عن تصفية حسابات سياسية ليس أكثر..ولكن كي يقبل المجتمع –وتلاميذهم-هذا السلوك..لجأوا إلى تغليفه بغُلاف ديني هو في حقيقته غُلافٌ كاذب لا يتوقف عن التحايل على كافة الأعراف والأديان...ليس هذا مُبرراً لسلوك أي عمل فني يهدف لإثارة غرائز الناس تحت أي ادعاء سواء كان رِبحاً مادياً أو مهنياً، ولكنه تصور لقضية حازت على حديث الرأي العام في فترات لا زالت توابعها تجري الآن في المحاكم...وهو استشعار بخطورة سلوك هدّام يُعيدنا إلى عصور الانحطاط والهمجية وإعلاء الغرائز على حساب العقل والبرهان والأخلاق.
الذي يحدث ليس إلا صراعاً مصيرياً بين قوى الانحطاط والتنوير..ولا أرمز هنا لا للشيوخ ولا لإلهام في هذا الصراع، ولكن كانت القضية بمعناها الأخلاقي مؤشراً على عدمية فقه التطبيق للنظرية الإصلاحية..فهؤلاء الشيوخ الذين أثاروا قضية إلهام ليسوا استثناءاً من هذه الأزمة بل عبارة عن أصل يُعبّر عن ثقافة شعب ينظر للجنس بنظرة مُقدسة لا مجال للخوض فيها إلا في غُرف النوم ، وهؤلاء الشيوخ يعرفون ذلك جيداً بل وبجهلهم يتوهمون أنهم سينتصرون لأنفسهم ورد اعتبارهم بعد أن أهانتهم الفنانة في المحاكم..فكان من جهل بعضهم أن لجأوا إلى نشر صور فاضحة خارج قاعة المحكمة، والمفاجأة أن كان بعضها مُركباً فوتوشوب..أي أنهم يعلمون خبايا هذه المسائل جيداً، وهو ما دفع الفنان المطرب على الحجار للقول على أحد هؤلاء الشيوخ بأنه لم يَنَل من إلهام-جنسياً- فلجأ إلى هذا السلوك الوحشي الغرائزي!
أيضاً فسلوك هؤلاء المشائخ يّذكرني بأحداث 11 سبتمبر..فكان من ضحى بنفسه لهدفه كأنه شيخ آثر بنفسه الدنيا وأصر على تلقين الفن وسمعته درساً لن ينسوه..فالمَثَل المصري يقول.."إضرب المربوط يخاف السايب"..ومعناه أنه إذا أردت إرهاب فئة أو جهة وتعجز عن النيل منها فالجأ إلى الضعيف منهم واضربه ضرباً مُبرحاً كي تظهر قوتك ويهابك الناس..ولما لا وهناك فرصة للنيل من جهة ضعيفة يربحون منها نقاطاً كثيرة في عدّاد البلياردو، فمن جهة إرهاب الوسط الفني بأكمله ومن جهة أخرى قمع معارضي الإخوان ومرسي ولو نفسياً..
أخيراً فهذه الهجمة التترية.."المشائخية"..على الفن وأعلامه ليست إلا تعبير عن فقه المؤامرة الخفي والذي أصبحت ثعابينه في كل بيت عربي، ولكن ما يجعلنا نطمئن أن من تصدوا للتتار قديماً فقهوا لمؤامرة التتار واستطاعوا قهر جواسيسهم وجنودهم وهمجيتهم عبر التلاحم ، أما هؤلاء التتار الجُدد فالمناخ مؤهل لهم ولعملهم بدرجة كبيرة..فالمجتمعات العربية والإسلامية شبه مفككة، وهذه الفئة لا تنشط –عادةً-إلا في هذا الجو الملغوم فتنةً وخرابا..والحل كما أراه وأراه غيري لن يخرج من الحلول السريعة وأهمها العامل الاقتصادي..فلا فكر ولا قلم ولا ثقافة ولا وعي والبطون جائعة والغرائز مكبوتة ومُعطلة ولا تخرج إلا في ما لم تُخلق لها..فلا التتار القُدامى انتصروا في عين جالوت..ولا التتار الجُدد سينتصروا في معركة إلهام شاهين.