نحن جميعا سواسية

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٣ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

1 - نحن جميعا سواسية،

نحن أخوة من أب واحد وأم واحدة على قدم المساواة فى الدنيا فيما يخص الحقوق والواجبات. أكرمنا عند الله تعالى هو أتقانا لله تعالى . ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  ) الحجرات 13 ) هذا ما جاء فى القرآن الكريم .

هذه التقوى تعامل قلبى خالص وخاص بين الانسان وربه يتعرض للصعود والهبوط طبقا لطاعة الانسان ومعصيته وحياة ضميره أو موته . فى يوم الدين فقط سيحدد رب العزة عند الحساب من أفلح فى اختبار الدنيا وكان متقيا . أما طالما نحن أحياء فى هذا العالم فلا يصح لأى مؤمن أن يزكى نفسه ويصفها بالتقوى، واذا فعل عصى قوله تعالى :  فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى  ) النجم 32). هذا اذا فعل هذا بينه وبين نفسه، أى إذا اقام لنفسه حفل تكريم على انفراد أعلن فيه بينه وبين نفسه أنه من المتقين. هذه معصية لله تعالى لأنه  ـ بدلا من اتهام نفسه ولومها ومحاسبتها على التقصير ـ أعطاها درجة الامتياز فى امتحان مزور قبل موعد الامتحان الالهى يوم الحساب . الجريمة الكبرى عندما يفعل ذلك علانية مراءاة ونفاقا . الجريمة الأكبر عندما يزعم تقوى مزورة ويطالب الناس بدفع فاتورتها ، أى يستخدم الورع والتقوى المظهرية فى الوصول للسلطة والثروة . هنا يظلم الناس ورب الناس ، ويكون مستحقا للّعن من الله جل وعلا والملائكة والناس أجمعين ، وهذا ما يقع فيه أساطين الأديان ألأرضية ، وخصوصا الوهابية و السلفية والاخوان . ولأن التقوى شعور قلبى فانه يتحول فى خطاب المرائى المنافق للناس الى لحية وجلباب ومسبحة ومسواك وعلامات للسجود على الجبهة وعبارات طنانة . هذاالذى يطلق – على الناس – لحيته لا يفعل ذلك عبثا وانما ليطالبهم بالثمن خضوعا له وخنوعا لذاته ليركعوا لجنابه باعتباره المتحدث باسم الله والممثل له على الأرض، فاذا طالبهم بأن يحمكهم باسم الاسلام وشرعه بدا طلبه مستجابا لا شطط فيه. هنا تصل الجريمة الكبرى الى حضيض أفظع فى حق الله تعالى وحق الناس .

 2- نحن جميعا سواسية،

أخوة من أب واحد وأم واحدة على قدم المساواة فى الدنيا فيما يخص الحقوق والواجبات. هذا ما يتردد فى قوانين البشر ودساتيرهم. هنا أيضا لا يجوز ان نتنافس سياسيا بالدين. دينك شىء يخصك انت ولا شأن لى به، فدينى أيضا يخصنى اذا كنت مؤمنا أو ملحدا. الذى يخصنا فى التنافس السياسى هو مدى قدرة المرشح على خدمة الجماهير. التنافس يكون فقط فى البرامج السياسية ومدى واقعيتها وقابليتها للتطبيق. التنافس ليس بالآيات القرآنية والشعارات الدينية ، فالاسلام يعتبر ذلك صدا عن سبيله وشراء لآيات الله تعالى مقابل ثمن قليل. والعقل المؤمن يعتبر التجارة بالدين فى سبيل مطامع دنيوية زائلة تدنيسا للمقدس الطاهر فى حياتنا . بالضبط كمن يلقى بالأحجار الكريمة فى تلال الزبالة .

3 ـ نحن جميعا سواسية

والذى يريد أن ( يعلو ) على الناس هو أكبر عدوّ للناس ، ولكى يعلو على الناس لا بد له من ستار يخدع به الناس ، ويجعلهم يركعون له ليركب ظهورهم . بعضهم يستغل الوطنية أو القومية أو أحلام الفقراء فى العدل والثراء ، ولكن أحقرهم هو الذى يستخدم دين الله جل وعلا . إستخدام دين الله جل وعلا مطية للوصول للسلطة والثروة غاية فى السهولة حين يكون الشعب فى أغلبيه قطيعا من الأغنام يحتاج الى ( راع ) ويؤمن بتلك الأكذوبة السنية القائلة ( الراعى والرعية ) ، يفوز فى هذا السباق البارع فى إطلاق اللحية وإرتداء زى منسوب للدين الأرضى السائد وعلامات السجود وترديد عباراتت دينية و المراءاة بالصلاة والصيام والحج والصدقات . وبهذا ( يعلو ) على الناس ، ( يعلو ) عليهم ليس لأنه أطول منهم قامة ، وليس لأنه أفضل منهم سيرة وخلقا ، ( يعلو ) عليهم لأنهم خرّوا له سجدا . ( يعلو ) عليهم لأنهم إرتضوا لأنفسهم ألّا يكونوا بشرا يسيرون على قدمين مرفوعى الرأس كما خلقهم الله جلّ وعلا ، بل إرتضوا أن يكون أنعاما وحيوانات تسير خانعة على أربع ، رأسها الى الأرض وقوائمها الى الأرض حتى يركبها أولئك المخادعون . وتأمّل كيف يسجد بعضهم لبشر مثله باسم الدين ، تجده قد تنازل عن كرامته التى أعطاها الله جل وعلا له ، ورضى لنفسه أن يكون فى هيئة الحيوان من ذوات الأربع . وهو بهذا يستحقّ مقت الله جل وعلا لأن السجود تقديسا ورهبة ورغبة وخضوعا لا يكون إلّا للخالق جل وعلا . ونحن كلنا سواسية فى الخضوع اليه وفى السجود اليه ، ولكن هذا الذى إرتضى المذلّة لنفسه ظلم نفسه وظلم ربّه بأتخاذ آلهة مع الله جل وعلا .

والله جل و ( علا ) هو وحده صاحب الحق فى الاستعلاء لأنه لا خالق سواه ، ولهذا نقول ( سبحانه وتعالى ) . وبالتالى فإن من ( يتعالى ) على البشر بالاستبداد والفساد يكون مدعيا للألوهية صراحة أو ضمنا ، أى يكون على ملة فرعون موسى الذى ( علا فى الأرض ) (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ ) ( القصص 4 ).ثم زعم الالوهية . (  فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)( النازعات ). هذا المصير ينتظر كل فرعون فى كل زمان ومكان طالما لا يعتبر ولا يخشى  . المؤمن ( يعتبر ويخشى ) ، لذا لا يمكن أن ( يتعالى ) على الناس ويكون على ( سنّة ) فرعون . هذا المؤمن يؤمن باليوم الآخر ويستعدّ له بالعمل الصالح والايمان الخالص ، وهو لا يريد علوّا فى الأرض ولا فسادا ، لذا سيفوز فى الآخرة ، لأن رب العزة جل وعلا وعد بهذا فقال : (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصصص )

4 ـ نحن جميعا سواسية

وتجارب التاريخ تؤكد على العقاب الدنيوى الذى عانى منه كل من استغل الدين فى اغراضه السياسية ، وأراد أن يعلو به على الناس . ينطبق هذا على الصحابة كما ينطبق على عصرنا الراهن . الصحابة حين عصوا الله تعالى ورسوله واستخدموا الاسلام فى الفتوحات عوقبوا بالفتنة الكبرى ولقوا جميعا مصرعهم ، وحسابهم عند ربهم جل وعلا . عبد العزيز آل سعود منشىء الدولة السعودية الراهنة بسيوف الاخوان " النجديين" عانى منهم وعانوا منهم ، فى ثورات وصراع دموى لا دخل للاسلام فيه. أنشأ عبد العزيز آل سعود تنظيم الاخوان المسلمون فى مصر ، وتفرعت عنه سائر التنظيمات التى انبتتها شجرتهم . هم لهم تاريخهم الدموى فى الاغتيالات والتآمر وقتل الابرياء والقتل العشوائى ، ولهم أيضا تاريخهم المهين المذل فى المعتقلات والسجون والآم التعذيب. ما تحالفوا مع أحد الا تآمروا عليه وقتلوه من احمد ماهر والنقراشى الى السادات، هذا ان لم يفطر هو بهم قبل أن يتعشّوا هم به كما فعل عبد الناصر. تجربة افغانستان الأخيرة فى استغلال الاسلام فى صراع دنيوى انتهت بالرفاق المتحدين الى أعداء يطارد بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا بشتى لغات العالم . أرادت أمريكا استغلال المسلمين والاسلام فى حرب الاتحاد السوفيتى "الملحد". وأرادت السعودية تأييد هذه الحرب لبسط نفوذها الوهابى بين قبائل الأفغان ومعظمهم صوفية وبعضهم شيعة . النفوذ الوهابى سيطر على باكستان من قبل و" المدارس " الوهابية والجامعة الاسلامية فى اسلام أباد جهزت جيلا جديدا من الطلبة والتلاميذ ، معظمهم من أيتام الحروب واللاجئين الأفغان فى بيشاور، تعلموا الوهابية وتدربوا على السلاح ينتظرون على الحدود الباكستانية الافغانية لدخول أفغانستان بتمويل سعودى ودعم باكستانى يحقق أمل باكستان فى اقامة حكومة تابعة لها فى أفغانستان فى الوقت المناسب. هؤلاء الطلبة أصبح اسمهم "الطالبان". مصر وبقية البلاد العربية التى تعانى من سرطان الجماعات المتطرفة وأمهم العاتية"الاخوان المسلمين" رأت فى أوكازيون أفغانستان أسلم طريقة لاستئصال هذا السرطان وتصديره الى بيشاور وتورا بورا. الجماعات نفسها وجدتها فرصة ذهبية للخروج من الأنفاق المظلمة والكبت والحصار داخل بلادها لتذهب الى ميدان حرّ  وحقيقى تتدرب فيه على القتال وتمارس فيه سلطانها على أرض الواقع ، وتطبق فيه شريعتها من السلب والنهب والتسرى بالنساء السبايا وقطع الأعناق ، ولتتخذ من افغانستان قاعدة تنطلق منها لغزو البلاد الأخرى واقامة الخلافة السلفية الواحدة فى مواجهة الغرب الكافر حليف اليوم وعدو المستقبل والماضى أيضا. أى أن كل فريق له حساباته السياسية ومطامعه الدنيوية فى الحكم والسيطرة وما يتبع ذلك من الاستئثار بالثروة ، وهى الهدف الأعظم لو كنتم تعلمون !!.  ومع هذه المطامع الدنيوية فقد تم اخفاؤها عمدا بينما تبارى الجميع فى عزف ألحان الجهاد والتغنى بالاسلام لاستغلال اسمه العظيم فى تلك المخازى والمجازر وحمامات الدم !! وانتهت الحرب فى افغانستان لتشتعل بين الحلفاء ولتنتج ابن لادن وقاعدته وتفجيراته. أصدقاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم. واشتعلت حمامات دم أخرى لضحايا معظمهم أبرياء لا شأن لهم بتلك الحرب الجديدة وجذورها. امتدت الحرب الجديدة لتصل لأول مرة الى العمق الأمريكى  والأوربى والسعودى والمصرى والباكستانى وبقية البلاد الأخرى من اندونيسيا الى اسبانيا ومن الشيشان الى لندن وامستردام ، ومن الأرض الى الجو ومن المساجد والزوايا الى القنوات الفضائية  ومواقع الانترنت  . هى حرب جديدة فى أدواتها وأساليبها وأسلحتها وميادينها ، وستستمر أجيالا اذا لم يتم مواجهتها بحركة اصلاحية اسلامية عالمية تنظف الشرق الأوسط من الديكتاتورية الدينية والسياسية. بذلك فقط يتم رد الاعتبار للاسلام الذى ظلمه أصحابه والمنتسبون اليه .

5 ـ نحن جميعا سواسية

فقد منّ الله جل وعلا علينا ـ نحن أبناء آدم ـ بالتكريم، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ( الاسراء ). وكل أبناء آدم سواسية فى هذا التكريم الالهى ، وكل أبناء آدم سواسية فى التفضيل على كثير من الخلق ، ومنه أن الله جلّ وعلا سخّر لهم الحيوان والنبات بل وكل ما فى السماوات والأرض جميعا منه : (  وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) ( الجاثية ). الذى يتعالى على إخوته فى البشرية وينافس رب العزة فى العلوّ ، وهو جل و ( علا ) المستحق وحده للعلو ، هذا المتعالى بالباطل مستحق للإحتقار ، فطالما إتّبع هواه وأعرض عن الحق فقد فقد التكريم الالهى وأصبح الحيوان أفضل منه ، هذا ما يقوله رب العزة : (  أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ( الفرقان ).

أخيرا

1 ـ هل يرضى إنسان عاقل أن ينحنى ويركع ويكون مركوبا لمن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ؟

2 ـ إلى متى يظل ملايين المسلمين  ـ دون غيرهم من البشر ـ خاضعين للوهابية و السلفية والاخوان ومن هم على شاكلتهم ؟

3 ـ إلى متى يظل ملايين المسلمين ــ دون غيرهم من البشر ــ خاضعين لمن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ؟

4 ـ الى متى يظل هذا العار ؟

اجمالي القراءات 43491