للموت قداسة خاصة ورهبة
الموروثات الشعبية في الموت لدي الواحاتيين

محمد عبدالرحمن محمد في الأحد ١١ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

             

    لأن للموت قداسة خاصة ورهبة،فقد حمل المعتقد في الموروث الشعبي للموت الكثير من الأساطير والأفعال التي تتنافى مع إعمال العقل والحكمة، وخاصة في مظاهر الحزن على المتوفى قديماً ولكن بعد أن زاد الوعي وارتفعت نسبة التعليم اندثرت هذه العادات وقلتْ ولكن ما زالت طقوس الدفن والجنازة ومجاملة أهل المتوفي سائدة إلى ألآن.

وكان الإعلان عن الوفاة في بداية القرن الماضي يتم عن طريق إمرأة من أقارب المتوفي بالصعود فوق سطح المنزل والصراخ بأعلى صوتها، حتى تأتي نساء البلدة، فيصرخن ويولولن معها ثم  يطوفون البلدة سبع مرات، ولا أحد يعرف السبب في هذا العدد إلا ارتباطه بعدد السموات  وأيام الأسبوع وسبوع المولود.

وتسمى هذه اللفات السبع حول بلدة المتوفي بـ (الدورة)، وكان هناك عادة أخرى: وهى أن تمسك إحدى السيدات الطار أو الدف  وتضربه بالمقلوب وتُعدد وراءها مجموعة من النسوة وهن يطُوفْن  الطريق في القرية ويُرددْنَ:

يا مركب نبوتة ويا ما طن الخايف .... يا ما هو من بيت نبيل  والهلف الندل واقف شايف.

 وأثناء اللطم يقُلْن:

يبكي عليه المال ويا المال.......... يبكي عليه هجان من الديوان

يبكي عليه من الخدم تلاتة.......... مسعد ومسعود وزيد المال

 يبكي عليه من البنات تلاتة...... أخته وبنت أخته وبنت الخال

يبكي عليه من الوحوش تلاتة.... الديب والتعلب وأبو السرحان

يبكي عليه من النحاس تلاتة........ الدست والحلة مع الكيزان

 يبكي عليه من البيوت تلاتة ... الشرقي والغربي مع الوســـان

تبكي عليه من العذارى تلاتة دابـــو فلايدهم من الهجــــــران.

 وبعد أن يعلن عن المتوفى  يخرج جموع أهل البلدة لحفر المقبرة وتجهيزه للدفن.

 وتتكون المقبرة في الواحات من حفرة كبيرة وعميقة مساحتها 2م طولاً وعرضاً ويصل عمقها إلى 70 سم. وتسمى (مؤبة).

ثم يُحفر داخلها حفرة أخرى بعرض 40سم وعمق 50 سم ومترين طول،  وتسمى "القاهة"  وهى التي يدفن فيها المتوفى ثم بعد وضع المتوفى يتم تعريشها بالجريد وسعف النخيل، حتى لاتسقط الرمال فوق الجثة ، ثم تردم مرة أخرى وترتفع عن الأرض خمسين سنتيمتراً  ليوضع عليها يافتة باسم المتوفي.

  وفي قرى بولاق يحفرون متراً ورُبعاً ويسمونها  جبانة وفي الوقت الذي يتم فيه حفر القبر تقوم جماعة أخرى من أهل القرية بخياطة الكفن أمام بيت المتوفي  ويشترط أن تكون الإبرة والبكرة جديديتن أو مأخوذة من المسجد ولا تستعمل إلا في خياطة الأكفان.

وبعد غسل المتوفى يحمل في الحسينية أو في النعش إلى المقابر، وقديماً كان النعش يتقدمه "العدة"  وهى طبلة وبازة وكأس وبيرق،  ويسير الرجال صامتين وخلفهم النساء يُعددن وبعد العودة من المقابر  تقوم النساء بوضع الطين فوق رؤسهن.

 وفي بولاق وقراها يتم العزاء في ثلاثة أيام لايتم الذبح فيها... وكانت الزوجة تبيت بجوار القبر أول ليلة بعد الدفن وتسمى "الونيسة".. أما في قرى الداخلة  فإنهم كانوا يذبحون جدياً او خلافه بعد العودة من الدفن مباشرة لعمل غذاء لمن حضر الجنازة، وتعطى رأس الذبيحة لصاحب العدة أو مأذون الناحية.

وفي الأيام الثلاثة بعد الوفاة يتولى أهل البلدة إطعام المتوفي لأنهم غير مسموح لهم بالطبخ في هذه الأيام الثلاثة، وبعد انتهاء أيام العزاء في قرى الداخلة تذبح ذبيحة ثانية تسمى ذبيحة "الانهراف" إعلانانً بانتهاء العزاء.

 أما في اليوم الخامس عشر بعد الوفاة يَطبخ أهل المتوفى أرز مسلوق بماء وملح فقط  وتحضر جميع النساء المجاملات في المآتم  لتأخذ كل واحدة منهن لقمة واحدة فقط تسمى بــ "الشتات".

  وكانت هناك عادة أخرى مرتبطة بالذبح ، حيث يقوم أهل المتوفى بذبح  أي ذبيحة أمام النعش وتسمى "ونيسة"  توزع على الفقراء حتى يؤنس ثوابها المتوفى، والبعض كان يطلق عليها مسمى "عقيرة" ولا يأكل منها أهل المتوقى.

ثم أصبحوا يذبحون الآن هذه الذبيحة في اليوم الثالث حتى يأكل منها أهل المتوفى ، ومن العادات القديمة الطيبة في الواحات جميعها، أن أي قرية كانوا لايقيمون الأفراح إلا بعد ثلاثة شهور من الوفاة، وقد تزيد هذه المدة إذا كان المتوفى ذا شأن عظيم، وبعد ذلك يستأذن أصحاب الفرح من أهل المتوفى، كما يحدث في وادي النيل،  ثم يقيمون أفراحهم بدون ضجيج أو مظاهر فرح واضحة، حتى يأذن مشاهير أهل المتوفى.

وفي الأربعين تذبح ذبيحة أخرى ويقام العزاء  ثانية بتلاوة القرآن، ثم يذهبون للمقابر لزيارة المتوفى في أيام الخميس والذكرى السنوية، والمناسبات المختلفة كما هى العادة  في باقي بلاد مصر.

  وكانت هناك عادة غريبة أخرى وهى "العقيرة"  أو ـ البليلة ـ  وكانت تتم بعقر ناقة أو جمل  أو شاة عند القبر فلا تُعلف ولا تُسْقى حتى تموت جوعاً أو عطشاً، والمعتقد من هذا التصرف أن الناس يحشرون يوم القيامة راكبين على إبلهم وعلى بلاياهم ويحشرون مشاة إذا لم تُعقْر .

 وهناك تفسير آخر بأن الإبل هى أعظم ما يملكون فيضحون بها تعظيماً لشأن الميت.

 من العادات الغريبة أيضاً: والتي انتهت منذ عشرين عاما أو يزيد، أن النساء كن يطفن القرية سبع مرات قبل دفن الميت وخمس مرات بعد دفنه، وكانت ثلاث نساء يدفقن على صفيحة وتلف باقي النساء حولها وهُن ينْدبن لمدة أسبوع بعد الدفن.

  أما أغرب العادات التي تقترب  في معتقدها من العادات الفرعونية فهى أنه إذا كانت المتوفاة عروساً شابة فيوضع معها في قبرها الرملج والمكحلة والعقود وكل المقتنيات الخاصة بها، في شادوف من الخوص  لأنها توفيت قبل أن تتمتع بهذه الأشياء.

 وإذا كان المتوفى عريساً شاباً تدفن معه طاقيته  واللوح الذي كان يتعلم عليه.

أما السيدات الكبار في السن فيوضع معها في قبرها "سحر" وتسمى الكتابة في هذا السحر "تبيعة" أي قرين.

  عادة  أخرى غريبة من عادات الوفاة أنهم كانوا يستخرجون من رأس الذبيحة المخ ويوضع فيه ملح ورغيف عيش يوضع فوقه ويُدْفن بجوار رأس الميت، ويعود الاعتقاد في هذه العادة بأن ذلك يملأ عين المتوفى فلا يأخذ احداً وراءه ويموت بعده.!.

  وإذا كان أهل المتوفى لايطبخون لمدة ثلاث أيام في قرى الداخلة، فإنهم في (المكس) يظلون لمدة أربعين يوماً مقيمين للعزاء ولا يخرجون للعمل ويتولى أقاربهم  إطعامهم لمدة أربعين يوماً.

 

                 

اجمالي القراءات 17277