بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
مقدمة :
هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.
وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.
وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وبعد،
______________
من بعض الآيات التي يفهمها البعض بشكل غير سليم، يظن البعض أنه هناك وحي آخر للنبي عليه السلام، ولم يتم تبليغنا به، وهذا بحد ذاته لا مرجعية له في القرآن الكريم، الذي نص بصراحة في أكثر من موقع على عدم وجود وحي غير القرآن الكريم، أذكر منها قوله تعالى :
الرسول أوحي له القرآن هذا فقط :
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ قُل لَّا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) الأنعام،6 – 19
والرسول مأمور مثلنا بأن يتبع ما أوحي إليه فقط من الله تعالى :
(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) الأنعام، 6 – 106
وأرسله الله تعالى إلينا ليتلو ما أوحي إليه من الله تعالى :
(كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ) الرعد،13 – 30
وسمى الله تعالى الكتاب بالقرآن ذاته :
(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) الشورى ،42 – 7
وحدد الله كل مرة بأنه أوحى للنبي الكتاب فقط :
(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) فاطر، 35 – 31
وأمره الله تعالى بأن يستمسك بالقرآن وحده :
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الزخرف،43 – 43
وأخيرا يستنكر الله ان كثيرا من الناس لم يكفهم الكتاب وحيا من عنده سبحانه لهم :
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) العنكبوت، 29 – 51
وهنا يخلط البعض بين الوحي الذي يتم إيحائه للرسول على شكل نبأ من بقية انواع الوحي مما جاء في القرآن الكريم! فالقرآن كله جاء بنبأ عظيم للناس، ليفصل بينهم فيما هم فيه مختلفون، فكان الوحي بالنبأ للرسول حصرا في القرآن الكريم، أي أن أي نبأ أوحي للرسول ونبأه الله تعالى به فقد تم حصرا في القرآن الكريم وليس في وحي خاص للنبي لم يقم بتبليغه إياه من حوله!
النبأ قطعا يأتي الرسول وحيا، ويتم تنبيء الرسول به قبل أن يبلغه إيانا بالطبع، ومنه هو وحي محض، ولكن في الوحي- فيه – نبأ عن خبر ما :
(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ )النبأ، 78 – 1:3
ولكن هل كل نبأ هو وحي؟ قطعا لا، فالنبأ هو الخبر، والتنبؤ هو إخبار الخبر :
(يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) القيامة، 75 – 13
ومن هنا، ليس كل خبر قد يكون من الغيب :
(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ) القمر، 54 – 28
وقد يكون من أخبار الماضي :
(وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) القمر، 54 – 4
ومنه بكل بيان نرى أن النبأ هو خبر بشكل عام، وقد يكون خبر صدق وقد يكون خبر كذب، فإن كان من إنسان فعلينا التأكد من صحته وصدقه :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات،49 – 6
أما أنباء الغيب فهي لا تأتي الرسول إلا وحيا قرآنا :
(ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) يوسف،12 – 102
والرسول لا يعلم من نبأ إلا ما يوحى إليه من القرآن، فإن طلب منه التنبؤ انتظر الوحي حتى يجيب :
(وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) يونس، 10 – 53
وخير سورة تنبيء عن المنافقين هي سورة التوبة التي جاء النبي من اخبارهم الكثير ليعرفهم ، وبعد أن عرفهم الله تعالى له في القرآن في سورة التوبة، قال لهم النبي :
(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ۚ قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة ،9 – 94
أخيرا نأتي إلى الآيات التي يعاجز فيها من يقول بوحي آخر!
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) التحريم، 66 – 1:5
وأخص البحث في الآية 3 ، ولكنني احببت أن أذكر المساق كله حتى يتأنى لنا فقه وتدبر الموقف جيدا:
أولا الحدث حصل بين النبي واثنتين فقط من أزواجه، ليس أكثر، وهذا سهل معرفته من مساق الحوار، حيث في نهاية الحوار يتم خطاب الله تعالى لهما - اثنتين – بقوله تعالى لهما (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا). ومنه، كلمة بعض أزواجه هي من التبعيض فقط وليس الكثرة، أي لإحداهن.
يعاتب الله تعالى النبي وينبئه في نفس الوقت بخبر، لأنه حرم على نفسه ما قد أحله الله تعالى له، وتفصيل الخبر والنبا الذي هو هنا جزئيا مفصل في سورة الأحزاب بكل دقائقه (الأحزاب، 33 - 1:6 ، 28:38).، وذلك من المساق، أن النبي كان يريد إرضاء أزواج له في أمر ما، ويبدوا أن النبي حلف يمينا، أن لا يفعل الأمر، فقال الله تعالى أنه فرض لنا كيف نتحلل من الأيمان، أي كيف نكفر عنها، وعقب على ذلك سبحانه بكونه غفور رحيم وضع احكامه في التحليل عن علم وحكمة.
في الآية الثالثة، يخبرنا الله تعالى عن الحدث في بيت النبي عليه السلام، وهذا ما يجب علينا من الآن الأخذ به وفهمه، فلقد تم إخبار النبي بالنبأ الذي نحن نقرأه الآن في القرآن وحيا ولم يبق نبأ خاصا بالنبي وحده بل اصبح من أخباره التي تم تبليغنا نحن بها ! ولكنه كان ما زال وحيا لم يتم تبليغه للناس!
ومن الآيات يبدوا أن النبي قال لبعض أزواجه، أي لإحداهن، خبرا هو قام باتخاذه بنفسه، سرا (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا)، ويبدو أنها لم تصبر فنبأت به الأخرى، أي أخبرت به الأخرى (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ)، ويبدو أن من راجعته منهما، أي التي لم تكن تعلم الخبر أظهرته على النبي تراجعه فيه (وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ )، فأقر النبي ببعضه واعرض عن بعضه اي انكر جزء مما قالته واخبرته به (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ).
وحينذاك أنبأها النبي بالخبر الذي أوحي إليه (ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ)، فقاله لها كما هو، فاستغربت منه بسبب اختلاف ما تم إخبارها به، فارادت التأكد فسألته كيف ؟ أي من أين لك بالنبأ؟ (قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا)فأجابها بأن الله تعالى أنبأه به (قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ).
فما هو ذلك الخبر؟ هو ما بدأت به السورة! (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ).
فزوج النبي الأخيرة لم تصدق انه قد احل له ما حرم على نفسه، فقال لها ان الله تعالى هو من أخبره بذلك.
بل وتم تفصيل النبا تفصيلا كاملا في القرآن الكريم (الأحزاب، 33 - 1:6 ، 28:38)
حيث في نهاية المساق يحذر الله الإثنتين ويعظهما أن تتوبا إلى الله تعالى وأن لا تظاهرا على الرسول، أي برفضهن ما أوحي إليه من تحليل له.
والآيات في سورة الأحزاب بكل بيان تبدأ بما بدأت سورة التوبة، من أن الأيمان التي تتخذونها لا تعني حكم الله بل قولنا بأفواهنا وأن أدعيائنا – من نتبناهم – ليسوا أبناءنا. ثم يتم تفصيل الحدث عن زيد وزوجه وما أخفى النبي في نفسه.
إنتهى.
والله المستعان
ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.
مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم