الاستقرار هو غاية الغايات للمستبد , فبه يمكنه مواصلة إحكام قبضته على رقاب الخلق , وتصور أبواقه الإعلامية أن الخروج عليه يسبب إراقة الدماء وهتك الأعراض وتفشي الفوضى ,وتجنب هذه الشرور مبررات كافية ليتنازل الناس عن حقوقهم ,لذا فالخيار البائس الذي يطرحه المستبد دائما على الناس هو :( أنا أو الفوضى)!والحقيقة هي أن سفك الدماء وتفشي الفوضى يصنعهما المستبد نفسه وليس أي أحد سواه , وما كان شيء ليحدث لولا إصراره على استعباد الناس وحكمهم رغم أنوفهم , ولو كان هو خادم الوطن والناس كما يزعم , لتنازل طواعية عن العرش والتاج في سكون فلن تراق قطرة دم واحدة . ويعمد النظام الفاسد إلى ترويج أفكار تساعده على ترسيخ قيم زائفة توهم أن مجرد حفظ النظام هو هدف أسمى يغني عن العدل والحرية ,كما يعمد إلى تهيئة المقهورين لقبول المزيد من القهر بخلق عداوات وهمية , كالفتن الطائفية - أو حقيقية - كالإعداد لطرد العدو من أرض الوطن ,ويوهم الناس أنه وحده القادر على التصدي لهذه المخاطر الداخلية والخارجية وقهر العدو وتحقيق السلام . وفي ظل هذا التضليل , على الناس أن يكونوا مستعدين لقبول المزيد من القهر ,وإلا كانوا أعداء للأمن والقانون والوطن والدين . وفي سبيل هذا الأمن الموعود ,الموهوم , يطول انتظار الواهمين ,وما إن تتعرض الأمة لخطر حقيقي , حتى يتهاوى النظام بأسره وتتبدد أسطورته وتنكشف عورته , فهو لا يقوى على أي نزال حقيقي ,فالنمور الورقية تبددها نفخة من فم طفل , وجيوش المستبد كانت تجيد ضرب العزل بالسياط ,لكنها عاجزة لدى التصدي لمن يطلب حريته ويناضل للحصول على قوت عياله . ولفقهاء السوء دور أساسي في تعزيز سلطان المستبد, فهم يوهمون الناس أن الخنوع َ طاعةُ لله ورسوله ,والامتثال للذل عمل صالح يؤجر الذليل عليه ,واعتبار الفقر والجوع أقصر الطرق لدخول الجنة ,بل يزعمون –بلا حياء- أن مآسي الناس هي قدَر الله , ومن له أن يغير الأقدار, هل سمعتم عن فقيه رد المستبد عن ظلمه ؟ أنا لم أسمع. والسؤال الذي لم يطرحه المسلم طوال ماضيه كله ,وينبغي أن يطرحه الآن ,بل ويجيب عنه أيضا : لماذا يجب علينا طاعة الحاكم الظالم الذي ينهب ويسرق ويقتل ؟ ومن يجب أن يكون هو الحاكم الشرعي الذي يدين له الناس بالطاعة ؟وما هي حدود تلك الطاعة؟