فى وجوب قتال الوهابيين الارهابيين

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أوّلا :

نبدأ بتحديد المفاهيم : الارهابى فى مصطلح عصرنا هو الذى يعتدى بالقتل على الأبرياء المخالفين لدينه ومذهبه وملّته ، يري ذلك جهادا وفريضة دينية ، وهو الذى يسعى لفرض دينه على الآخرين ، ويقتل رفاقه فى دينه إذا بدّلوا هذا الدين واعتنقوا غيره طبقا لما يعرف عندهم بحدّ ( الردّة )، ويتدخّل فى الحياة الشخصية للآخرين بالعنف والتسلّط طبقا لرؤيته فى ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) إذ يعتقد أنه المختار من الله جلّ وعلا ليفرض سلطته على الغير باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ويعتبر من يقاومه مستحقا للقتل ، وهكذا فعل ارهابيو السلفية فى مدينة السويس حين قتلوا شابا جامعيا يسير مع خطيبته ، وحين قطعوا أصابع رجل وحاولوا قطع لسان رجل آخر لأنهما إعترضا عليهم فى تسلطهم على الناس . هذا الارهابى بمفهوم عصرنا هو الكافر المشرك بسلوكه وإجرامه فى المفهوم القرآنى .

ثانيا

طبقا لتشريعات القرآن الكريم نذكّر بالآتى :

1 ــ الاختلاف فى الدين ظاهرة بشرية معترف بها فى كتاب الله جلّ وعلا : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) ( هود )

2 ـ مرجعية الحكم فى هذا الاختلاف فى الدين هو لله عزّوجل يوم الدين ، : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)  ( الزمر ).

3 ـ كانت وظيفته عليه السلام تبليغ الدعوة فقط ، وقد أمر الله جل وعلا خاتم النبيين أن يقول للمخالفين فى الدين المتمسكين بدينهم أن يعملوا على مكانتهم فى الدنيا إنتظار لحكم الله جل وعلا على الجميع فى الآخرة : (  قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الأنعام ) (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود )( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) الزمر)، ولتأكيد أنه ليس له سيطرة عليهم قال جل وعلا لرسوله الكريم بعدها: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)  ) ( الزمر )، أى إن الهداية هى مسئولية شخصية فمن إهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعلى نفسه ، وليس عليه السلام مسئولا عن أحد وليس وكيلا عن أحد .

3 ـ يجرى هذا فى ظلّ الحرية الدينية المطلقة التى أكّدها رب العزة، فمن شاء فليؤمن وينتظره نعيم الجنة ومن شاء فليكفر والعذاب الهائل ينتظره يوم الدين : (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف) ، ومن شاء فليلحد فى القرآن والله جلّ يعلم ما يقوم به هذا الملحد ، ويهدده مقدما بعذاب الجحيم (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصّلت ). لذا قال تعالى يخيّر المشركين الكافرين بين الايمان بالقرآن أو الكفر به ، وهم مسئولون عن إختيارهم (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا (107) ( الاسراء ).أى إن الهداية هى مسئولية شخصية فمن إهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعلى نفسه : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا (15) الأحزاب) وليس عليه السلام مسئولا عن أحد وليس له ان يستطيل على أحد أو أن يسيطر على أحد لأنه مجرد مبلّغ ومذكّر : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) ورب العزة جل وعلا هو الذى سيتولى حسابهم وتعذيبهم يوم الدين : (إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية ).

4 ـ فى ظلّ هذه الحرية الدينية المطلقة التى أكّدها رب العزّة فى القرآن الكريم تأتى تشريعات الاسلام فى التعامل مع المخالف فى الدين الذى لا يؤمن بالاسلام . والتعامل هنا حسب سلوكه معنا إن بالمسالمة أو بالاعتداء . فالمخالف فى الدين ولكن يلتزم بالسلام فلا يعتدى على المسلمين المسالمين ولا يضطهدهم فى الدين ولا يخرجهم من ديارهم ظلما وعدوانا يجب على المسلمين معاملته بالبرّ والعدل والقسط ، أما المعتدون الذين أخرجوا المؤمنين المسالمين من ديارهم والذين أفتوا بذلك والذين أيّدوا أولئك المعتدين فيجب على المسلمين عدم موالاتهم وعدم مساعدتهم فى حالة حربهم للمسلمين : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)) ( الممتحنة )

5 ـ ولأن التعامل هنا حسب السلوك فإن الله يجعل لنا الحكم على دين أولئك المعتدين بالكفر والشرك ، طبقا لإعتدائهم ونقضهم العهود . وبالتالى تأتى أحكام القتال فى الاسلام بالرد الدفاعى بالعدل والقصاص العادل ، وهو قتال مؤقت ينتهى بانتهاء الاعتداء ، وهذا ما نفهمه من قوله جل وعلا : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)   ) ( البقرة ) (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)( الأنفال ).

6 ـ ومن خلال آخر ما نزل من القرآن الكريم نفهم أن الكفرة المعتدين بسلوكهم ظلوا يتآمرون على النبى عليه السلام والمسلمين حتى بعد فتح مكة ، ولقد نقضوا العهد والميثاق وحاولوا إخراج النبى والمؤمنين من مكة للمرة الثانية ، فأنزل الله جل وعلا فيهم سورة ( براءة ) بدون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) يعطيهم مهلة أربعة أشهر ـ الأشهر الحرم ـ ليتوبوا عن الاعتداء ، فإن تابوا وجنحوا للسلم صاروا أخوة للمؤمنين المسالمين ، وإن ظلوا على إعتدائهم ونكثهم للعهود تعيّن على المؤمنين رد إعتدائهم دفاعا وردعا لهم . وفى سورة التوبة ( براءة ) يأتى وصف أولئك الالمشركين بالاعتداء ونقض العهود ، ولكن مع العفو والصفح عمّن يجنح منهم للسلم : (  بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) ).

ثالثا : تطبيق شرع الاسلام فى عصرنا

1 ــ إذن لدينا نوعان من الكفروالشرك : نوع عقيدى يلتزم صاحبه بالسلام ، ونوع يفرض دينه بالعنف والتسلط ويعتدى ويتخذ من الدين طريقا للتحكم فى الناس وللوصول للثروة والسلطة . وبينما نتعامل مع الصنف المسالم بالبر والقسط فعلينا عدم موالاة الصنف المعتدى بل مواجهته بالقصاص العادل دفاعا عن النفس وكرامتها وعن حقها فى الحرية الدينية . 

2 ـ وبنظرة سريعة لعصرنا نرى ألاف الملل والنحل والمذاهب والفرق داخل المسلمين كالسنيين والشيعة والصوفية وداخل المسيحيين كالكاثولوكية والأرثوذكسية والبروتستانتية ، وشتى طوائف اليهود ، وتحت الطوائف تقسيمات شتى ومذاهب لا حصر لها، وهناك أديان أخرى نبتت وانتشرت كالهندوسية والبوذية وظهرت أخيرا البهائية . معظمهم مسالمون . وطبقا لتشريع الاسلام يجب علينا أن نتعامل  بالبرّ والقسط مع القبطى المسالم والمسيحى المسالم واليهودى المسالم والبوذى المسالم والبهائى المسالم والسّنى المسالم والصوفى المسالم والشيعى المسالم والهندوسى المسالم والملحد المسالم والعلمانى المسالم . أكثر من ذلك يجب أن نتنافس معهم ونتسابق  فى الخيرات وليس فى التعصب والإثم ، ومصيرنا جميعا الى الله جلّ وعلا ، يقول جلّ وعلا : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)( البقرة). وجاء تأكيد ذلك مع أهل الكتاب بالذات ، فقد أمرنا رب العزّة جل وعلا أن نتسابق معهم فى الخير، أى العمل الصالح المتفق عليه، وكذلك التحلّى بالقيم العليا والأخلاق السامية من العدل والاحسان والسلام والرحمة و العفو والكرم والتضحية وكفالة المحتاجين . أمّا المختلف فيه وهو العقائد فمرجعها الى الله جلّ وعلا ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون، يقول الله جل وعلا :( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) ( المائدة ).

3 ــ ولكن يوجد من يستخدم الدين للإعتداء . وليس هذا قصرا على الوهابيين السنيين ، فالبوذويون المشهورون بالتسامح والسلام نبتت فيهم طائفة فى بورما أقامت مذابح للمسلمين . وبينما إشتهر الأقباط المصريون بتحمّل الأذى فإن مسيحيى أوربا أقاموا المذابح تحت شعار الصليب فى الكشوفات الجغرافية وفى الاستعمار ، وفى النهاية أشعل التنافس على المستعمرات ( حروبا أهلية ) بين مسيحيى أوربا فى الحربين العالميتين. وأخيرا أفاق الغرب على أهمية السلام والحرية وحقوق الانسان ، بينما أُصابت المسلمين لعنة الوهابية التى إستعادت فى عصرنا الراهن ثقافة العصور الوسطى من الاستبداد الدينى والدولة الدينية والاضطهاد الدينى ومحاكم التفتيش والحروب الدينية والمذهبية والقتل للأبرياء المخالفين فى الدين والمذهب. ولأن هذا أصبح مخالفا لثقافة عصرنا فقد أطلق عليه ( الارهاب ) ، ولصق هذا الوصف بالوهابيين على إختلاف طوائفهم من سعوديين وأتباع القاعدة وسلفيين وأخوان ، وعشرات الفرق والطوائف والجمعيات والجناعات السرية العلينة الدعوية و المقاتلة .

4 ـ ويتّضح التطابق بينهم وبين الكفار المعتدين المذكورين فى القرآن الكريم . فالسمة الأصيلة لديهم هى عدم الوفاء بالعهود وإخراج الناس المخالفين من ديارهم وإضطهادهم فى الدين الى درجة القتل . كفار قريش أخرجوا المسلمين المسالمين من ديارهم وأموالهم ، وهكذا فعل الوهابيون فى الجزيرة العربية مع الشيعة الأصحاب الحقيقيين لمناطق البترول فى المنطقة الشرقية . وهكذا فعل وهابيو مصر فى مطاردتهم للقرآنيين الذين كانوا يؤدون الصلاة فى بيوتهم هربا من الاضطهاد فاستكثر عليهم الوهابيون المعتدون هذا . ولا ننسى قيام الوهابيين المصريين بتهجير البهائيين من الصعيد ، كما لاينسى بعض الأقباط تهديد الاخوان المسلمين لهم قبل وأثناء ثورة 1952 بالطرد ، وكانوا يدقون على أبوابهم فى شبرا يأمرونهم بالرحيل . ويتكرر هذا الآن مع مسيحيى سيناء ورفح ، ولا يتورع زعماء السلفيين عن إعلان هذا أملا فى ( تطهير مصر ) من (الأقباط ) . وهذا منشور فى الصحف ممّا جعل مئات الألوف من الأقباط يهاجرون خوفا على حياتهم . الاضطهاد بالسجن فى عصرنا بتهمة ( إزدراء الدين ) هى عقوبة من يناقش الوهابية فى ضوء القرآن . والدستور الذى يريد الوهابيون فرضه فى مصر يجعل حصانة للوهابية وألهتها المقدسة لتنجو من النقاش ، ويؤله أئمة الوهابية من الصحابة وأساطين الفقه والحديث ، ويريدون فرض الشريعة السّنية الوهابية دستوريا . وهى مجرّد أحكام فقهية لمئات الفقهاء فى آلاف الكتب الفقهية فى عصور مختلفة ، ويتجاوز عددها خمسة ملايين حكم فقهى ، وكلها تختلف مع بعضها حتى فى الصفحة الواحدة ولا سبيل مطلقا للتوفيق بينها . ولكن المقصود أن تكون تلك الشريعة السنية الفقهية كائنا هلاميا يجعل السلفينن يحكمون بأهوائهم حسبما ساد فى العصور الوسطى ، وحسبما يسير القضاء السعودى. الوهابيون خارج الدولة السعودية لم ينتظروا إلى أن تقوم لهم دولة وسلطة ، فهم بادروا ويبادرون بتطبيق شريعتهم الدموية لو أتيح لهم أى قدر من النفوذ ، وهكذا كانت تفعل طالبان قبل الوصول للحكم ، وهكذا يفعل وهابية باكستان وهم خارج الحكم . وهكذا فعل وهابية مصر فى جرائم الاخوان قبل الثورة المصرية بقتل النقراشى وماهر والقاضى الخازندار ، وبقتل د فرج فودة فيما بعد لأنه جرؤ على مناقشتهم فى ندوات مفتوحة وكتب ومقالات منشورة . وحين أتيح لهم بعض النفوذ فى عصر السادات وتكونت لهم جماعات الجهاد والجماعة الاسلامية وأصبح لهم نفوذ داخل الجامعات إضطهدوا الأقباط والعلمانيين واليساريين، وتحكموا فى قرى فى الصعيد، ثم حاولوا إدخال مصر فى فتنة طائفية ، وعندما إختلفوا مع ولىّ نعمتهم السادات قتلوه . واستمر نفوذ السلفيين منهم بتحالفهم مع مبارك الذى أضطهد من أجلهم الأقباط والقرآنيين والبهائيين والشيعة . وبعد الثورة الشعبية المصرية إزداد نفوذهم ، ومع وصول الاخوان للحكم فإن رفاقهم السلفيين يزايدون عليهم ويضغطون عليهم عسكريا فى سيناء وتتحرك جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لتأديب الشعب المصرى فتستورد ( عصا ) للضرب ، وتعتدى على المواطنين فى السويس تمهيدا لتحويل مصر الى إمارة سنية وهابية طلبانية. والسكوت عنهم يحوّل مصر الى خرابة كبرى ويحوّل المصريين الى أرقّاء مستضعفين . ولا سبيل إلا بتطبيق الشرع الالهى الاسلامى عليهم .

6 ـ الشرع الاسلامى فى التعامل مع الوهابيين الارهابيين هو كالآتى :

6/ 1 : إذا كانت للمسلمين دولتهم وظهر أولئك الارهابيون يقطعون السبيل ويسلبون وينهبون ويغتصبون المسالمين فيجب تطبيق عقوبة ( المحاربين لله ورسوله ) عليهم ، أو ما يعرف بحدّ الحرابة . يقول جل وعلا : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) ، وتسقط العقوبة عليهم فى حالة التوبة الطوعية منهم :( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) ( المائدة ).

6/ 2 : إذا كانت للمسلمين دولتهم ولأولئك المعتدين دولتهم التى تعتدى على دولة المسلمين فيجب على دولة الاسلام القتال الدفاعى طالما يستمر العدوان . فإذا جنحوا للسلم تعين على دولة المسلمين الجنوح للسلم حتى لو كانت هناك شبهة خداع لأن الله جل وعلا هو الذى سيضمن أمن المسلمين ، يقول جل وعلا:(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)  ( الأنفال ). أمّا لو إستمروا فى العدوان فيجب تحريض المؤمنين على القتال الدفاعى ، كان النبى عليه السلام مأمورا بتحريض المؤمنين ليكف إعتداء الكافرين : (  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (65)( الأنفال ) (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84)( النساء ).

6 / 3 : ولأنها قصة تتكررفى تاريخ البشرية ولأنها ستتكرر بعد موت خاتم النبيين فقد جعلها رب العزة حكما عاما يؤكّد فيه الفارق بين الفريقين ؛ فالمعتدون يضطهدون المستضعفين ، ويقاتلون الدولة الاسلامية المسالمة بطبيعتها وشرعها الاسلامى القائم على حرية الدين والعدل والسلام ،أى إن المعتدين يقاتلون عدوانا فى سبيل الشيطان ، بينما يرد المسلمون المسالمون العدوان ويقاتلون فى سبيل الله ، والله جل وعلا هو الذى يتولّى تحريض المؤمنين على هذا القتال الدفاعى فى سبيله الله جل وعلا : ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76)  ( النساء )، بل يأتى التحريض الالهى بصورة بليغة يذكّر فيها المؤمنين بجرائم المعتدين ويحذّر المؤمنين من السكون حتى لا يتحكم فيهم المعتدون ويوسومونهم الظلم: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) التوبة ). بل يهدد رب العزة المؤمنين بسوء المصير إذا لم يهبوا للدفاع عن انفسهم:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)( التوبة ).

6/ 4 : إذا لم تكن للمسلمين دولتهم التى تطبق الشريعة القرآنية الاسلامية الحقة ، وإذا كان المسلمون مجرد أفراد أو جماعات مستضعفة يستطيل عليهم المعتدون بالاضطهاد الذى لايصل الى درجة القتل فعلى أولئك المضطهدين الهجرة لو إستطاعوا، فإن إستطاعوا الهجرة ولم يهاجروا وماتوا على ذلك كانت النار مصيرهم : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء ) . وفى نهاية الأمر فإن عمر الانسان قصير ، وكل نفس ذائقة الموت فى موعدها المحدد، أما الكرة الأرضية فهى مستديرة لا نهائية لمن أراد ان يتجول فيها سعيا وهجرة ، فلماذا تربط نفسك بوطن يذيقك الذّّل والهوان ، هاجر فى أرض الله الواسعة لو إستطعت:(يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)العنكبوت)

6 / 5 : وإذا كان المسلمون مجرد أفراد أو جماعات مستضعفة يستطيل عليهم المعتدون بالاضطهاد الذى يصل الى درجة القتل فعلى أولئك المضطهدين الدفاع عن أنفسهم بالسلاح إن تعذّر عليهم سبيل الهجرة . إنّ من أفظع الجرائم قتل النفس البريئة ، لذا كان من صفات عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) الفرقان ) وكان من الوصايا العشر : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) ( الأنعام ). وهذا عن القاتل العادى .

6/ 6 : ولكننا نتحدث عن أبشع وأفظع مجرم يسفك الدماء البرئية وينسب ذلك لشرع الله جل وعلا ، ويجعله جهادا ، يحرص على إقامته فى المواسم الدينية كما يحدث من الوهابيين المجرمين فى  القتل العشوائى فى العراق وأفغانستان ومصر والجزائر وغيرها . هنا نتساءل عن حكم الاسلام فى التعامل مع من يقتل الأبرياء عشوائيا ؟ كيف نتعامل مع من يقتل المظلومين ؟ وماذا إذا كان أولئك الظالمون القتلة أصحاب سلطان ؟ وماذا إذا كانوا يجعلون شريعتهم فى قتل الأبرياء جهادا بحديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ..) وبحديث ( من بدّل دينه فاقتلوه ) وأخرى بفتاوى ابن تيمية التى تحكم بقتل من يعتبره صاحب بدعة من خصومه ، وقتل الزنديق فى شريعنهم ، وهو من يؤمن بالسنة ولكن يخالفهم فى بعض التفصيلات ، ويحكمون بقتله ولو تاب ، وقتله بدون محكمة وقتله حال العثور عليه؟هم يحكمون بسلطانهم وسلطتهم  فيقتلون الناس ظلما وعدوانا ، فما هو السلطان الذى يعطيه شرع الرحمن للمظلوم ؟

الجواب فى قوله جل وعلا : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً (33) الاسراء ). فى البداية تأكيد على حرمة النفس وحرمة الحياة وحق الحياة لكل نفس بريئة لم ترتكب جريمة قتل تستوجب القصاص ، فإن إرتكبت جريمة قتل فإن قتلها قصاصا يكون بالحق . وما عدا ذلك فلا مجال لقتل نفس بريئة إلا بالحق : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ). فماذا إذا قتل بعضهم نفسا بريئة مظلومة بالتسلط والسلطان؟ هنا يقول جل وعلا : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً )، أى يعطيه رب العزة سلطانا وتشريعا يبيح لولى دم القتيل أن يأخذ بثأره منتصرا بشرع الله جل وعلا بشرط ألّا يسرف فى القتل:(فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً ) ، أى لا يقتل سوى القاتل ، ولا يعتدى على مظلوم ، وإلّا كان مثل أولئك القتلة المجرمين وفقد السلطان الالهى والتشريع الالهى الذى لا مجال فيه لقتل برىء .

ونلاحظ هنا أن هذه الآيات نزلت فى سور مكية ( الأنعام ، الفرقان ، الاسراء )، أى نزلت بكليات للتشريع ، ومنها أنه لا اله إلّا الله وصيانة حق الحياة ، والعادة هنا أن يأتى التشريع الكلى بصيغة القصر (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23)،( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ( 33)الاسراء ). ثم جاءت التفصيلات فى التشريع المدنى . المقصود أن هذا التشريع نزل وقت معاناة المسلمين فى مكة يجعل  سلطانا تشريعيا لكل فرد بالثأر من القاتل الظالم المعتدى .

أخيرا

إن مقاومة المتطرفين الارهابيين مرتكبى القتل هو بوجوب قتلهم ، وإذا كانوا يحملون السلاح لقتلنا فلنحمل السلاح لقتلهم دفاعا عن النفس ، وهو حق مشروع فى الدين الالهى وفى القوانين الوضعية . هذا بشرط عدم الاعتداء وعدم قتل أبرياء .

اجمالي القراءات 13971