تصدع الإخوان(لله وللوطن أم للجماعة)

سامح عسكر في السبت ٠٣ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

هنا الفارق وكأن مضمون السؤال يوحي باحتمالية لا أخلاقية تعتري الجماعة جراء سياساتها التمكينية، فالرئيس محمد مرسي لم يفُز في الانتخابات الرئاسية المصرية بتلك النسبة الكبيرة التي تجعله يسعى لتمكين رؤيته في مفاصل الدولة المتعددة وخاصة التنفيذية منها، فالنسبة التي فاز بها لم تتعدى حيز ال2% على أقصى تقدير، وهذا يعني -في العُرف الديمقراطي- شبه مناصفة بين طرفي الصراع على الرئاسة المصرية، بمعنى أنه من حق المرشح الخاسر "الفريق أحمد شفيق" أن يشارك –ومواليه-في إدارة الدولة، ولكنه يظل حقاً معنوياً في بلد لم يمارس الديمقراطية من قبل، بل تحكمها جماعة ترى في الديمقراطية سلطة الأغلبية ، ولعل ما برز لنا من أزمات الدستور المصري المتعددة ما يكفي من تصور وضع الجماعة التي ترى في "رئيسها المنتخب" حقاً شرعياً في السيادة.

إن أهداف الثورة المصرية لم تقتصر على إزاحة نظام فاسد فحسب، بل تهدف لبلورة نظام سياسي جديد ورؤية منهجية أكثر اتزانا وعُمقاً، فلا يحق لطرف فرض رؤيته التفسيرية على دستور البلاد بحُجة الأغلبية، إذ الدستور يلزمه التوافق وإذا لم يحدث فالدستور يظل مُعرضاً للتغيير واللعب حسب أهواء السياسة وتبديل مقاعد الحُكم والإدارة، بينما البديل الأوحد هو التغيير لحين ظهور رأي عام يستوجب تعديله، أو بظهور حركات سياسية تكشف عوار ما أتى به ولم يتسق مع معايير الدولة العصرية..فالقيم العامة كالحق والعدالة والمساواة والحرية وغيرها تُصبح واقعاً مُعاشاً غير مُقيد بنصوص تفسيرية تحط من منزلة هذه القيم وتجعلها عُرضة للأهواء وللاستخدام.

الجماعة وفي مسودة الدستور "المُقترح" طرحت مواد ودافعت عنها ذات مُصطلحات ومُفردات غاية في المطاطية وتجعل من مضمونها يتعارض مع القيم العامة التي حددتها كأهداف، كمثال ما صاغته الجماعة من أن مذهب الدولة الرسمي هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وذلك على غرار المذهب الشيعي الإمامي للجمهورية الإيرانية...فمبجرد وضع مذهب فقهي معين وتقييد العملية البحثية في إطاره لا ينتج عنه سوى مصلحة من قاموا عليه برؤيتهم حول الشريعة وتأويلاتها، بالضبط كما خدم وضع المذهب الشيعي في مواد الدستور الإيراني كمذهب رسمي زمرة ولاية الفقيه الإيرانية، وبالتالي فالجماعة تصل بذلك لنفس أساليب وأدوات نظام الملالي الإيراني..الحق أن المجتمع المصري ينضح بحالة فكرية تنويرية لم يسبق لها مثيل، وتقييد المجتمع برؤية المذهبيين السنيين يُحط من قيمة المجتمع ويجعله عُرضة للأهواء والصدامات، علاوة على أن المذهب السني كغيره من المذاهب –كالشيعة- هم جميعاً بحاجة لتجديد وإعادة نظر في كثير من المسلمات لديهم، فتراثهم "الروائي"يعج بالخُرافات والاسرائيليات ولم يعد يصلح لرؤية دولة عصرية في إطار تنويري .

هم يعللون هذا التصنيف المذهبي في الدستور بتفسير المبادئ في المادة الثانية والتي كانت مسار جدل بين أروقة التأسيسية ورجال الأحزاب والنخبة، ولكن حين التطبيق سنرى فراغاً قاتلاً لا يقف عند حدود التفسير بل سيطال مفاهيم أخرى تصنيفية كتمذهب البعض بمذاهب إسلامية لا تنسب نفسها لأهل السنة والجماعة كالشيعة والمعتزلة والظاهرية إضافة إلى التيار الليبرالي والذي يرى في ذاته كياناً إسلامياً لامذهبياً..إضافة إلى الخلاف حول ذات التصنيف أو إلى تحكيم رؤية على حساب أخرى حين التعارض..كل هذا في إطار المواد المرتبطة بالشريعة..والسؤال الأبرز المُلح ماذا لو صعد للحكم كياناً يرفض المذهبية بأشكالها واعتبار الدين خالصاً نقياً من أي شوائب مذهبية ويفتح المجال للنظر والاجتهاد، هل يحق له حينها تعديل الدستور بما يوافق رؤيته أم ماذا؟

أرى أن الإشكالية الأكبر لن تقف عند حدود التصنيف المذهبي بل ستكمن في رؤية المذهبيين للمذهب ذاته، فالتصنيف حالة متأخرة عن عملية إدراك عقلي وقناعة وجدانية واطمئنان قلبي، وهذا يعني أن المذهبية في الدستور المصري لها صور شتى في أذهان المذهبيين أنفسهم..بينما قضية الآخر لديهم مبهمة بغموضها في أصول المذهب ذاته، فافتراق المذاهب أتى من نقطة محورية فصلت بين التأويل القرآني ومسار التاريخ من جهة ومن التراث الروائي من جهة أخرى، لذلك ليس من الغريب القول أن كافة مذاهب المسلمين الآن لا تحمل الإسلام الصحيح في مضمونه الداعي إلى ذات القيم التي أقرها الإخوان –مجازاً-في الدستور، فهم حين التطبيق سيرون مساحة شاسعة لا تأويل فيها وستفتح الباب للخلاف تحت مسمى التحدث باسم المذهب.

أخيراً فالرؤية الإخوانية التصنيفية مرجعها في الغالب لثقافة الشعب المصري وهذا للإنصاف، ولكن حين صياغة مواد دستورية يؤخذ في الاعتبار كافة الاحتمالات..نعم الشعب المصري سني ولكنه غير متمذهب كمن سينظر مسائله السياسية والشخصية والعقدية والتراثية، فهو شعب لا يقرأ في الغالب وبالتالي فهو لا يدري أن الكثير من الأصول التي نشأ عليها على الأقل عليها خلاف إما داخل المذهب أو من خارجه في إطار الأمة الإسلامية بالعموم، وبالتالي فحين وجود مثل هذه المواد تجري صناعة شعب مذهبي لا يفرق بين الخلاف السياسي والفقهي أو بين السُمعة التاريخية والأخلاقية أو بين الرواية الصحيحة والمُنكرة، وجميع ما سبق لم يتم تأصيله في المذاهب الإسلامية بمعايير دقيقة، فمبجرد الرفض السياسي يأتي الرفض الفقهي،وبمجرد قبول الشخصية تاريخياً يقبلونها أخلاقياً حتى يرسموا لها صورة مقدسة لم تكن موجودة، أو بمجرد سماع قولاً منسوباً لرسول الله فيجري تصديقه دون استبيان.

 

اجمالي القراءات 7499