اعترافات الشباب المصري في ايطاليا: الغرق ليس الخطر الوحيد للهجرة غير الشرعية

في الجمعة ٣٠ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الموت غرقاً ليس هو الخطر الوحيد الذي يتعرض له شباب مصر المهاجر بطريقة غير شرعية، فحتي لو نجوا من الموت، فسوف يذهبون إلي المجهول، وهذا ملخص روايات أدلي بها عدد كبير من المصريين المقيمين في إيطاليا بصورة غير شرعية، الذين يتمركزون تحديداً في مدينتي ميلانو وتورينو شمالي البلاد، لوكالة أنباء الشرق الأوسط:

يقول بلال فتحي «٢٦ عاماً» من محافظة المنوفية: «بدأت حياتي في إيطاليا قبل عام ونصف العام، كحداد مسلح في تورينو، وهي مهنة مربحة، حيث يمكنك أن تربح «٧ يورو» عن الساعة الواحدة، لكن هذا الجانب الإيجابي المشرق له وجه آخر قبيح، وهو أن حال المعمار في إيطاليا موسمي، خاصة في شمال البلاد، حيث تتوقف الأعمال في هذه المهنة بشكل شبه كلي في فصل الشتاء، مما يعني أن ربح هذه المهنة الشاقة ذاهب كله علي المصاريف الشخصية والسكن ولا يفيض منه شيء.

وأشار بلال إلي أنه حاول دخول إيطاليا بصورة غير شرعية مرتين عبر ليبيا، وفشل في الأولي، سجن بعدها لمدة ٥٠ يوماً في ليبيا ذاق خلالها ويلات العذاب وسوء المعاملة، ورغم ذلك قام بالمحاولة الثانية التي نجح خلالها في دخول البلاد.

وتعرض بلال لواقعة نصب، حيث عمل لعدة أشهر مع مقاول معمار تونسي مقيم في إيطاليا، وبلغ إجمالي مستحقاته لديه ٤ آلاف يورو، لكنه لم يتقاض منها سنتاً واحداً، ولفت بلال إلي أنه لا يستطيع اللجوء للشرطة والقضاء أو لمكتب العمل ليشتكي هذا المقاول نظرا لعدم امتلاكه أوراقاً رسمية أو شرعية تثبت هويته.

أما طنطاوي «١٩ عاماً»، فقد رفض الالتحاق بكلية الهندسة بعد أن نجح بتفوق في دبلوم الصنايع نظام خمس سنوات، وفضل الذهاب إلي إيطاليا للعمل في مجال المعمار وتحديداً في مجال بناء الأسقف الكارتون «أسقف علي شكل حرف ثمانية باللغة العربية وتطلي عادة باللون الأحمر»، الذي تعلمه في مصر علي يد أحد أقاربه ممن يعملون في القري السياحية.

وروي طنطاوي كيف تعرض للموت أكثر من مرة خلال رحلته إلي إيطاليا، حيث تعرض إلي إطلاق نار في ليبيا، حيث ظنه بعض السكان لصاً، بعدما ألقي به المهربون هو وعدد من رفاقه في شوارع مدينة طرابلس عدة أيام بلا مأوي، وكاد القارب الذي يقله يغرق أكثر من مرة، مشيراً إلي أن عدداً من رفاقه ماتوا أمامه جوعاً، فيما غرق آخرون خلال رحلتهم من القارب إلي الشاطئ الإيطالي.

وبعد كل هذا، قال طنطاوي إنه يعيش في ميلانو حالياً منذ ٣ أشهر ولكن بدون عمل، ولولا أنه مقيم في شقة يمتلكها أحد أبناء المدن المجاورة قريته في محافظة القليوبية، الذي يوفر له عملاً مؤقتاً لمدة يوم أو يومين كل أسبوعين وأحياناً كل شهر، لكان مصيره الآن في الشارع.

وعن أحوال المطاعم، فإن لكل عامل في إيطاليا مواعيد وساعات عمل محددة وإجازات أسبوعية وسنوية، إلا في المطاعم المصرية والعربية، فإذا كان العامل يتقاضي ألف يورو علي سبيل المثال في أي مطعم إيطالي، فإنه لابد أن يتقاضي نصف هذا المبلغ في المطعم العربي.

ويتعرض عمال المطاعم المصريون، وفقاً لما قاله سعيد رضوان، وهو شاب من محافظة الشرقية وحاصل علي الجنسية الإيطالية لزواجه من سيدة إيطالية، إلي أسوأ أنواع الاستغلال من قبل أصحاب المطاعم العربية، وهم في الغالب مقيمون من أصول مصرية ومغاربية.

وأوضح سعيد أنه تعرض، رغم إقامته بصورة شرعية، لهذا الاستغلال، لكنه يختلف عن غيره من المهاجرين غير الشرعيين، حيث يملك حق الشكوي والتظلم، وهو ما لا يملكه زملاؤه الآخرون.

وحول أسباب تفضيل العمال المصريين المطاعم العربية عن غيرها، اتفق العديد منهم علي أنها، ورغم ما بها من استغلال، أفضل لهم من العمل في المطاعم الإيطالية التي تقدم لحوم الخنزير والخمور المحرمتين في الدين الإسلامي.

كما أشار آخرون إلي أنهم حتي وإن قبلوا العمل في المطاعم الإيطالية، فإن أصحاب تلك المطاعم باتوا يمتنعون عن قبولهم خوفاً من تشديد السلطات علي العمالة غير الشرعية.

وكما هو الحال في المعمار والمطاعم، فإن حال أسواق الجملة لا يختلف كثيراً، فالعمال المصريون لا يقومون بأعمال البيع أو التجارة، بل يمتهنون «العتالة»، أي يقومون بتحميل البضائع من وإلي سيارات النقل.

وكان من السهل في البداية امتهان العتالة في أسواق الجملة قبل أن تقوم السلطات بوضع أسوار حول هذه الأسواق وتمنع دخول أي شخص إليها بدون أوراق رسمية، وهو ما دفع الكثيرين إلي ترك هذه المهنة أو المخاطرة بالقفز من فوق تلك الأسواق، وتتمثل المخاطرة في ذلك أنه إذا رأته السلطات ستقوم بإلقاء القبض عليه وربما تسجنه أو ترحله إلي بلاده.

وتجمع كل هذه الطوائف ظروف اجتماعية ووظيفية واحدة، حيث لا يخضع أي منهم لأي مظلة تأمينية، فهم لا يجدون من يوفر لهم أي رعاية طبية أو اجتماعية إذا ما أصيبوا بأي مكروه خلال ممارسة مهنهم الشاقة.

وبالإضافة إلي ما سبق، فالكثير منهم لا يحملون أي أوراق تثبت هويتهم المصرية، والكثير يحمل وثائق مزورة فلسطينية أو عراقية باعتبارهم لاجئين، ما يعني أنهم لو تعرضوا لمكروه أو وافتهم المنية في منطقة لا يعرفهم فيها أحد، فإنهم قد يصبحون في طي النسيان.


اجمالي القراءات 4050