الحالة الصحية لأهل الواحات جيدة عموماً وهذا يؤكده وجود الكثير من المعمرين، حيث يصل متوسط العمر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين:
ما بين الثمانين عاماً والتسعين عاماً وعدد كبير من المعمرين قد وصل لسن (المائة والثلاثين) ..!! وذلك يعود للحياة القائمة على الفطرة فالغذاء يأتي مباشرة من منتجات الحيوان ، والزراعات الغير ملوثة، والجو لايعكر صفوه إلا الرياح المحملة بالرمال وخصوصاً الرياح الصيفية في مايو وأبريل ويوليو .. وشهر يناير وفبراير . وتلك الرياح كانت تلوث مصادر المياة وتصيب السكان بأمراض الرمد الصديدي والتراكوما (الرمد الحبيبي).
وكان الراحل المرحوم دكتور/ سيد سيف .. وهو من أبناء قرية القلمون كما ذكرت سابقاً وكان أستاذاً لطب وجراحة العيون بكلية طب قصر العييني كان كل عام يقيم قوافل طبية لعلاج أمراض العيون بالوادي الجديد فيأتي بزملائه وتلامذته من طب قصر العيني ويعمل منتدى للعلاج يستمر نصف شهر وفي بعض السنين يستمر شهراً كاملاً يتم فيه الكشف على جميع أبناء الوادي الجديد وفحصهم رمدياً ..وتحديد من المحتاجين لعمليات جراحية كبيرة وصغيرة بالعيون وإجراء هذه الجراحات.. في ذلك المتدى الجراحي والوقائي كما كان يقدم خدمة تفصيل النظارات وصرف العلاج الوقائي للرمد الحبيبي والربيعي وكان يسميها ( قوافل النور)
رحم الله تعالى الدكتور سيد سيف هذا العالم الماهر.
وللعلم أنه كان هناك آبار متوطن بها طفيل البلهارسيا..!! وربما تتعجبون من ذلك .. لأني عندما ُ عُينت بالواحات كطبيب رعاية أساسية لم أكن أتوقع أن بعض الآبار بها البلهارسيا في جوفها وكميات من القوقع العائل لطفيل البلهارسيا..ّ حتى أخبرني بذلك الكاتب المرحوم حسين عبدالسلام بمستشفى قروي بلاط.
أما عن الملاريا فقد كانت موجودة قديماً لكن تم تقليل الاصابة بها إلى من معدلات أقل منها في وادي النيل، والغدة الدرقية متوطنة وذلك لأن أهل الواحات بالماضي كانوا لايعرفون شيئاً اسمه الأسماك.. وكان هناك نقص شديد في احتياجات أجسامهم لعنصر اليود.. مما يؤدي إلى إصابة الغدة الدرقية بالتضخم وقلة افراز هرمونات الثيروكسين.. وظهور أعراض هذا المرض المزمن.
كان نظام بناء البيوت التي لايوجد بها دورات مياه وتخصيصهم حجرة لقضاء الحاجة للإستفادة بها في التسميد فيما بعد،! ساعد هذا النظام على انتشار الأمراض السابقة، وكانت الملاريا هى الوباء الأخطر لكثرة مستنقعات المياة لعدم وجود مصارف للأراضي الزراعية،
ولأن العزلة والانغلاق يخلقان جواً مناسباً للأساطير والخرافات الشعبية فإن مجتمع الواحات ظل لقرون طويلة تسيطر عليه عادات متوارثة أشبه بالخرافات في علاج الكثير من الأمراض، مع الاعتماد كلية على الأعشاب الصحراوية، كدواء لمعظم الأمراض.
وسوف نورد في هذا المقال عدداً من الأساطير وعدداً من هذه العادات، .. وسوف نلاحظ أن الأعشاب وفكرة القوى الخارقة الخفية "العفاريت" قاسم مشترك في أغلب وصفات العلاج، ولعل أكثر الخرافات الشعبية للعلاج بالواحات تلك التي ترتبط بعلاج العقم وتأخر الانجاب والأمراض الجنسية، فالدجالون الذين يقومون بعملية (فتح الكتاب) والمندل والبشعة .. وعدد هائل من الخرافات والوصفات التي أصبحت الأجيال الحديثة تنظر إليها بعين السخرية بعد أن زاد الوعي الثقافي والصحي ولكننا وجدنا أن نذكر هذه الوصفات باعتبارها تراثاً شعبياً واحاتياً نسجله حفاظاً عليه من النسيان وترسيخاً له في الذاكرة الشعبية، مع تقدم الأجيال التالية.
من تلك العادات في العلاج :
الــــميــــــــدة:
وهى تحريف لكلمة المائدة، وكانت تصنع عندما تكون إحدى النساء مريضة تقوم بعمل هذه المائدة المكونة من الأرز باللبن ثم تضعها السيدة في حجرة مظلمة مفروشة بالرمل في ظهيرة يوم جمعة أثناء الصلاة حتى تأكل منها الملائكة..!!
وبعد فترة يفتحون الحجرة المظلمة وعندما يجدون خطوطاً في الرمال معناه أن الملائكة قد حضرت وأكلت من المائدة، وسوف تشفى المريضة بإذن الله تعالى، وغالباً ما تكون هذه الخطوط آثاراً لسير الحشرات التي شعرت بوجود طبق الأرز باللبن وزارته تلك الحشرات نيابة عن الملائكة.!!
وهذا ما كان يحدث في واحة سيوة أيضاً : حيث كان لدى الأهالي ما يسمى بمجلس الطب،وترأسه إحدى السيدات العجائز، وكان ينعقد المجلي في بيت المريض ويشعلون النار في موقد ويطبخون عليه البليلة، ويأكلن بعضاً منها في صمت ثم يتركن جزءاً منها في إناء ويضعنه في غرفة مظلمة ويحرقن البخور حولها، ثم تقرأ السيدة الرئيسة بعض التعاويذ وتطلب من الملائكة الرحمة بالمريضة حيث أنها فقيرة وضعيفة وبالمثل يفعلن ويقلن عندما يكون المريض ذكراً، ثم ينصرفن بعد أن يغلقن الباب جيداً وينبه على أهل منزل المريض بعدم فتح هذه االغرفة طيلة الليل وفي مساء اليوم التالي يعود المجلس للإنعقاد وتفتح الغرفة وإذا وجدن بقايا طعام فيعتبر ذلك رضاءاً من الملائكة على المريض.!!
ثم تتناول السيدات هذا الإناء ويعطى للمريضة أو المريضة ليأكله حتى يزول عنه المرض. ... ويمكن أن نلاحظ .. أنه وبالطبع كان الطعام يتبقى منه أو بالأحرى يتبقى كله لأن أحداً لم يقربه" وبعد أن يأكل منه المريض فإذا لم تتحسن حالته ـ أي المريض ـ فإن ملابس المريض تُجمع وترسل ومعها النقود إلى وكيل مسجد مقام سيدهم سليمان ليضعها تحت رأسه وينام عليها. حتى يشفى المريض.
النــــــشـــرة:
وكانت هذه العادة تنتشر بشكل أكبر في الخارجة وتتم هذه النشرة بأن يحضروا فروعاً من شجر الليمون والزيتون والبرتقال وزعف النخيل وأثناء صلاة الجمعة يقف هذا المريض في مفترق الطرق ويصبون فوق رأسه المياة التي وضعت فيها فروع الشجر السابقة وغالباً ما يكون المريض شبه عاري حتى تصل المياة لجسمه كله حتى يتم شاؤه، وكان يعتقد في شفاء هذه النشرة لأمراض الصرع "ولبس الجن والعفاريت".
البسلة:
البسلة هى جمع عدد من حبوب المحاصيل المختلفة المتوفرة بالواحة الخارجة، وعند الجبانة القريبة من مدرسة الوادي الجديد بنات يوجد بعض القباب والأعمدة، يرجع تاريخ إنشائها للقرن التاسع عشر وبها عدد من العمدان المسقوفة وعند القبة"المشرفة" في هذا المكان كما يسمونه يقف المريض ويصب فوقه الحبوب المخلوطة بالمياة، في وقت صلاة الجمعة أيضاً اعتقاداً بأن "العبدة" تخرج في صلاة الجمعة حاملة لوح من عجين وعندما تمر على المرضى من هذا المكان يتم شفائهم.
ربطة الوليد:
إذا بلغ أحد المواليد عاماً ونصف ولم يتمكن من السير على ساقيه .. يقومون بربطه من ساقيه بمنديل بداخله رغيف ويضعون الطفل أمام باب المسجد وقت صلاة الجمعة وعند خروج أول مصلي يأخذ الرغيف من رجل الوليد .. فيشفى المولود كما كان في المعتقد لديهم.
نكمل في المقال التالي باقي عادات العلاج الشعبي لأهل الواحات.