من ( ذهب) المعزّ الفاطمى و( سيفه) الى ( نووى) آية الله الايرانى و (نفطه).

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٣٠ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

 1 ـــ العصر الفاطمي هو عصر الذهب ، والمعز أول خليفة فاطمي في مصر قيل عنه " ذهب المعز وسيفه " وهو الذي أصدر أشهر دينار في مصر العصور الوسطي والمعروف بالدينار المعزّي .لقد استولى الفاطميون على مصر بسهولة بعد الانهيار السلمي للدولة الإخشيدية أثر المجاعة التي أرهقت المصريين مما جعلهم ينتظرون المدد الاقتصادي من الجيش الفاطمي الفاتح.وكان الفاطميون عند ظن الناس بهم فأتوا بالخير معهم . واشتغل دعاتهم العلنيون والسريون في استثمار ذلك الكرم لصالح الدولة الفاطمية والدعوة الشيعية.ووجدها الفاطميون فرصة لإجتثاث آثار الخلافة العباسية في مصر، ثم لاتخاذ مصر ركيزة للانقضاض على ما تبقي من أملاك الدولة العباسية. ونجحوا في ذلك حتى لقد وصل نفوذهم أحيانا إلي بغداد نفسها في عهد البساسيري.

2 ــ وقد دخل جوهر الصقلي مصر 358هـ ومعه خطة كاملة للعمل السياسي والدعائي من سيده الخليفة المعز، وكان الذهب هو أمضي الأسلحة وافتكها ، يدلنا على ذلك أن الخليفة المعز نفسه بعد قدومه لمصر حين سمع لغطا وإشاعات عن انتمائه المزعوم للسيدة فاطمة الزهراء،فإنه جمع وجوه الناس فألقى عليهم الذهب وقال : هذا نسبي.! ثم جرد عليهم السيف وقال: هذا حسبي .!.ومن هنا جاءت المقولة التي صارت أمثولة وهي " ذهب المعز وسيفه ".

3 ــ ونعود إلى جوهر الصقلي فاتح مصر للفاطميين وقد صحب معه في حملته الحربية "1200 " صندوق ذهبي مملوء كله بالدنانير المغربية وفقا لما ذكره ابن خلدون في تاريخه ، هذا بالإضافة إلى أحمال من الذهب تعذر نقلها إلي مصر فصهرها المعز سبائك ضخمة في شكل أحجار الطواحين المستديرة المفرغة من الوسط ووضعت على الجمال ، كل اثنين منها فوق ظهر جمل ، وتقدر بنحو 23 مليون دينار ذهبا بسعر وقتها. وقد أعاد المعز فيما بعد سبكها في مصر . ومن هذا الذهب اشترى المعز قلوب الكثيرين فتغاضوا عن ادعائه النسب الفاطمي اكتفاء بنسبه الذهبي !!

4 ــ  وتنفيذا للسياسة الفاطمية في اجتثاث كل أثر عباسي في مصر وغيرها من البلاد التى خضعت للفاطميين عملوا على تغيير العملات التي أصدرها الإخشيديون قبل الفتح الفاطمي ، وتم عقد صلح في بداية الفتح الفاطمي لمصر وذلك في الإسكندرية في 8 شعبان 358 هـ، وفيه وافق المصريون على تغيير الدنانير الإخشيدية إلى فاطمية ، فأعيد صهرها لتكون وفق الطراز الفاطمي المعروف بالنقود المنصورية نسبة لمدينة المنصورية في تونس  والتي كانت إحدى مراكز الحكم الأساسية للدولة الفاطمية . ونجح جوهر الصقلي بهذا الصلح في تحقيق خطة سيده المعز لدين الله في أن يكون له وحده الحق في ضرب الدنانير، ومن هنا كان مولد الدينار المعزي الذي ضربه جوهر سنة 358 قبل أن يأتي المعز لمصر. وحين وصل المعزّ إلى مصر 362هـ كان جوهر قد وطد له أركان الدولة ، فأنشأ له عاصمة هي القاهرة وجعل له عملة ذهبية هي الدينار المعزي ، وأنشأ له جامعا هو الجامع الأزهر ، وأقام له قصرا هائلا هو قصر الذهب وقاعة لجلوسه هي قاعة الذهب ، باختصار وجد الخليفة أن جوهر قد نفذ له الخطة المرسومة بحذافيرها .

5ــ  وقد حمل الدينار المعزي في شكله ومظهره ملامح التغيير الذي جاء به الفاطميون لمصر ، والملامح السياسية والدينية والمذهبية للخلافة الفاطمية الجديدة ، مما يدل على أن الأمر ليس مجرد إصدار عملة جديدة كما كان يحدث من قبل وليس مجرد طموح للاستقلال لدى وال على مصر، وإنما يعكس طموحا أعلى لخلافة فاطمية ترى أنها الأحق بخلافة المسلمين من العباسيين، وتعمل على تحقيق ذلك ما استطاعت. فالشخصية الفاطمية تظهر في الدينار المعزي في تلك الزخارف المزينة الدائرية التي تحيطها حلقات من خطوط  بارزة على وجهي الدينار، ثم تتداخل في هذه الدوائر شعارات الشيعة مثل " محمد رسول الله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" و" عليُّ أفضل الوصيين ووزير خير المرسلين " ، " لا إله إلا الله محمد رسول الله " هذا ما كان على الوجه ، أما الذي على ظهر الدينار فقد كان " بسم الله ، ضرب هذا الدينار بمصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة " " دعا الإمام معد لتوحيد الله الصمد " ،" المعز لدين الله أمير المؤمنين " .أي كان الدينار المعزي وسيلة دعائية للتشيع الفاطمي وخليفته المعز ، واسمه " معد ". ويلاحظ أن الدينار المعزي كان يشبه الدينار المنصوري الذي ضربه الفاطميون من قبل في مدينة المنصورية التونسية سنة 337 ، ويبدو ذلك التشابه في الشكل وفي العيار الذي يبلغ في الاثنين 5 ر23 قيراط .

6 ــ  وقد حاول جوهر ثم المعز الفاطمي امتصاص كل الدنانير التي كانت سائدة في مصر قبل الغزو الفاطمي من عملات عباسية وبقايا عملات أموية. وكان آخر عملة عباسية في ذلك الوقت هو الدينار الراضي الذي أصدره الخليفة الراضي  العباسي "322 :329 هـ" . وكان الدينار الراضي ذائع الصيت في مصر في أوائل العصر الفاطمي لأنه كان أكثر وزنا واشد نقاء من الدينار المعزي . فاضطر المعز الفاطمي إلى وسائل كثيرة لسحبه من سوق التعامل ليخلو الجو للدينار المعزي ، ومن تلك الوسائل غمر الأسواق بالدينار المعزي وكثرة ضربه بوفرة مع تحديد سعر رسمي منخفض لدينار الراضي فجعل قيمته 15 درهما في الوقت الذي كان فيه الدينار المعزي 5ر15درهما ،كما أصدر أوامره ، إلي عمال الخراج والحسبة ألا يتسلما الخراج إلا بالدنانير المعزية. وآتت كل تلك التدابير أكلها فانحط سعر الدينار الراضي إلى نحو الثلثين من قيمته وخسر الناس كثيرا لأن كل من يحمله اضطر إلي بيعه بأقل من قيمته. ودخلت الحكومة الفاطمية سوق الشراء فاشترته بالسعر الرسمي من الناس فتحقق لها ربح مؤكد ، وأعادت سبك تلك الدنانير العباسية السنية فكسبت فارق الوزن فى الذهب . إرتبط هذا بمطاردة الفاطميين آخر فلول المذهب السني اقتصاديا وسياسيا ودعائيا، وفرضت نفوذها وأيضا نقودها على المصريين الذين لم يعد في أيديهم إلا الدنانير المعزية وما عليها من معتقدات الشيعة الفاطميين ، وبذلك اطمأن المعز إلي أنه لا منافس له في مصر والشام.

ثانيا:

1 ــ لاشك أن حكام إيران الشيعة يدرسون بكلّ جدية تاريخ الدولة الفاطمية ونشأتها فى تونس وانتقالها الى مصر ونجاحها من خلال مصر فى التوسع غربا . هم يحلمون بالسيطرة على مصر بمثل ما سيطر الفاطميون على مصر وهم يحلمون بإقتطاع مصر من التبعية السعودية الوهابية بمثل ما إقتطع الفاطميون مصر من الدولة العباسية السّنية . قوى هذا الأمل بعد سقوط حكم مبارك وإعتلاء الاخوان السلفيين الوهابيين للحكم بعده والإحتمال القوى بسقوطهم وسقوط مصر معهم. نظام الملالى الشيعى الايرانى يحلم بأن تسقط مصر فى يده بدلا من ان تسقط فى يد اسرائيل أو السعودية . فالذى يسيطر على قطبى الشرق الأوسط وهما ( مصر وايران ) يسيطر على الدول المؤقتة فى المنطقة فى الرافدين والخليج والجزيرة العربية ، وشرق ايران وغرب مصر وجنوبها. والفرصة الآن فى يد ( إيران الشيعية ) مؤخرا بعد فشل سابق للشاه اسماعيل الصفوى فى ضم مصر اليه سلميا عبر علاقاته بالسلطان الغورى المملوكى. الآن تجىء الفرصة لايران الفارسية الشيعية لكى تعيد مجد امبراطورية فارس وحكم قمبيز لمصر. بمصر فى حوزتها تستطيع إيران أن تتزعّم العالم الاسلامى من السّنة والصوفية والشيعة وأن تتحكّم فى بترول الشرق الأوسط ، وأن تواجه أمريكا ممثلة لدار السلام والاسلام فى مواجهة الغرب وتحكّمه فى الشرق الأوسط .

2 ـ هناك متغيرات بين نشأة الدولة الفاطمية فى تونس وانتقالها من الغرب الى مصر فى الشرق ، وهذا عكس قيام الجمهورية الشيعية فى ايران ورغبتها فى الزحف غربا الى مصر، بالاضافة الى متغيرات اقليمية ( اسرائيل والسعودية ) ومتغيرات دولية ( أمريكا وأوربا و الأمم المتحدة ).الحل هو فى معادلة قديمة جديدة، كانت ( ذهب المعزّ وسيفه ) فى الدولة الفاطمية وتتحوّل الآن الى ( نووى آية الله ونفطه ). فى مجاعة مصرية قادمة ووشيكة ستجدها ايران فرصة للتدخل بالتى هى أحسن ، وفى حرب إقليمية وشيكة ستدخلها إيران ضد إسرائيل لتغيّر الخريطة لصالحها . ليست لايران حدود مع اسرائيل ، وليست لايران خصومات سابقة وحروب مع اسرائيل ، ولا تحتل اسرائيل أرضا ايرانية . ولكن إسرائيل هى مبرر إيران لكى تفرض سطوتها . بالحرب مع اسرائيل تتزعم ايران العرب والمسلمين . والوقت متاح الآن لايران، أمريكا تداوى جراحها بعد ليبيا والعراق وأفغانستان، ولا بد من ملء الفراغ فى سوريا ولبنان بعد السقوط الوشيك لنظام الأسد ، والربيع العربى يهدد السعودية وحكام الخليج وهم مشغولون بالمحافظة على عروشهم أكثر من نفوذهم فى سوريا ولبنان،ومصر بكل ثقلها أصبحت ضيعة تتبع الأسرة السعودية. وقد استغلت ايران هذا الوضع من قبل فتمدّد نفوذها الى غزّة وسيناء ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وأصبحت أصابعها تتحرك فى مؤخرة حكام السعودية والخليج. لم يبق إلا الجولة الأخيرة الحاسمة . و بالنفط والنووى تتحرك ايران نحو مصر وتتوسع غربا ، وهو نفس ما فعله الفاطميون بسيف المعز وذهبه حين توسّعوا الى مصر شرقا .

ثالثا

1 ـ وضع مصر مذلّ فى تبعيتها للأسرة السعودية، وطالما هى تبعية لا فكاك منها فالأفضل لمصر ــ نظريا ــ  أن تتبع الدولة الايرانية بدلا من تبعيتها للأسرة السعودية (محور الشّر فى العالم )، بل إنّ هذه الأسرة نفسها تابعة للنفوذ الأمريكى،أى إن مصر تابع لتابع. هذا الوضع الذليل بدأ به السادات، وهبط به مبارك الى الحضيض . هذا العار سيقل جزئيا لو أصبحت مصر تابعة لايران، على الأقل ستكون مصر مستقلة عن أمريكا والغرب. ولكن هذا مجرد خيال سياسى لأن  حكام مصر الآن هم غلمان الأسرة السعودية، ولأن الوهابية أصبحت فى مصر المسيطرة على الاعلام والتعليم والمساجد والدراما والانتخابات  وتأسيسية صناعة الدستور .  

2 ــ البديل الأفضل لمصر يستدعى جهادا، بإصلاح حقيقى وفورى ينهض به ساسة وخبراء مخلصون لوطنهم وليس لجماعتهم .إن نجاة مصر من مجاعة قادمة ونهضها لتلعب دورها السياسى الريادى يحتاج الى إصلاح جذرى.هذا الاصلاح الجذرى لا بد أن يبدأ بحكومة مؤقتة لمدة سنوات محددة تعدّ فيها دستورا علمانيا يؤكد على جوهر الدين الالهى( الحرية والعدل): (الحرية ) المطلقة فى الدين والرأى والفكر،و(العدل ) السياسى بالديمقراطية، والعدل الاجتماعى  بالتكافل الاجتماعى ومنع تكوين مترفين يتحكمون فى الثروة والسلطة، ويؤكد على حقوق الانسان وكرامته واللامركزية وتداول السلطة على كل المستويات وفق انتخابات حرّة نزيهة . كما تقوم هذه الحكومة المؤقتة بتنقية القوانين المصرية بما يتفق مع الحرية والعدل وتقليل تدخل البيروقراطية الحكومية فى حياة الناس وفى نشاطهم الاقتصادى ، مع التيسير والتبسيط فى الاجراءات الحكومية ، وتحديد دور الجيش بمنعه من العمل السياسى وتخصصه فى الدفاع عن الدولة وتحديد دور الشرطة فى خدمة المواطن وحمايته ، وتغليظ العقوبة على أى مسئول يرتكب جريمة التعذيب أو يخالف الدستو. ثم تُجرى هذه الحكومة انتخابات رئاسية وتشريعية، وتستقيل لتعطى السلطة التنفيذية والتشريعية لمن يفوز فى الانتخابات. هذا الاصلاح الجذرى يؤسس دولة عصرية تستعيد دور مصر الاقليمى. وحتى لو استعادت مصر دورها الاقليم فلن يكون هذا بالعداء لايران بل بالتعاون معها لإقرار السلم والتوازن الاقليمى، لأن مصر وايران معا هما جناحا الشرق الأوسط، وما بينهما فى الشرق الأوسط مجرد توابع لهما. بدون هذا ستظل مصر تدور فى أسفل درجات التبعية ؛ التبعية للأسرة السعودية،محور الشّر فى العالم.

3 ــ المخلص لمصر هو الذى يعى قيمتها ويعمل من أجل إستعادة دورها وتاريخها. أما الخائن لمصر فهو الذى يربطها برابط التبعية لأسرة سيئة السُّمعة مثل الأسرة السعودية !..

4 ـ هل يفهم هذا غلمان ابن تيمية وابن عبد الوهاب فى مصر ؟.

السطر الأخير

( هوّه ده إنجليزى يا مرسى ؟ )؟؟

هذا ( حديث صحيح)، قاله الممثل يونس شلبى للمثل سعيد صالح فى مسرحية ( مدرسة المشاغبين.).!...رواه المؤلّف على سالم ، وأخرجه أو ( خرّجه ) : جلال الشرقاوى .

اجمالي القراءات 21164