تتكون"مجموعة حكماء العالم"، من أبرز القادة في مختلف المجالات، ومن جميع أنحاء العالم. تم تكوينها بمبادرة من الزعيم التاريخي لجنوب أفريقيا (نيلسون مانديلا). وهي "جماعة" مستقلة من الرؤساء السابقين والشخصيات الدولية البارزة، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام. وتضم "مجموعة الحكماء" عدداً من الخبراء العالميين، ورؤساء دول سابقين، ومناضلين ثوريين، ونساء بارزات، شغلن مناصب دولية رفيعة، وتعود فكرة إنشائها إلى عام 2007 في جوهانسبرج. وتضم هذه "المجموعة" الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، والقس ديزموند توتو، الحائز على جائزة نوبل، والناشط المعروف في جنوب إفريقيا، وقرسيا ميشيل الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان، والرئيسة الايرلندية السابقة للمفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ماري روبنسون، ووزير الخارجية الجزائري الأسبق، الأخضر الإبراهيمي، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الأسبق الشيخ محمد صباح السالم الصباح. وتقوم "مجموعة الحكماء" من أجل هدف رئيسي، وهو العمل من أجل نشر السلام، والأمن، واحترام حقوق الإنسان في العالم، انطلاقاً من روح واحدة تلهم الجميع.
فعاليات زيارة "مجموعة حكماء العالم" لمصر
سوف تتركز زيارة "مجموعة حكماء العالم" لمصر على لقاء عدد من الفعاليات المصرية، وإطلاق حوار معها، والتعرف على الأوضاع في الشرق الأوسط، من خلال مصر، بعد ثورات "الربيع العربي". كما سيتم تنظيم لقاء لأعضاء المجلس المصري للشئون الخارجية مع "مجموعة الحكماء" ، ويشارك فيه بطرس غالى، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وشخصيات سياسية مصرية أخرى. وسوف تقوم "مجموعة حكماء العالم" بالتركيز على إجابة الأسئلة التالية:
1- هل تتحول مصر الان من الثورة الى الدولة، أم ما زالت في مرحلة الثورة؟
2- ما هي الخطوات التي تحتاجها مصر لكي تتحول نهائياً من الثورة الى الدولة؟
3- هل تحول مصر من الثورة الى الدولة سيكون الى دولة مدنية، وليس الى دولة دينية ظاهرياً، كما هو الحال في إيران مثلاً؟
4- هل مخاوف "أخونة" الدولة المصرية بعد اعتلاء مرسي كرسي رئاسة الجمهورية المصرية الجديدة زالت، أم أنها ما زالت قائمة حتى الآن؟
5- لماذا اختفى الحديث الرسمي الحكومي الآن عن مظاهر "الأخونة" للدولة كالحجاب، والنقاب، وحرية المرأة، وتقييد السياحة، وجزية الأقباط، وتطبيق الحدود الشرعية وغيرها.. وأصبحت المساواة، والديمقراطية، والتعددية، وحرية الرأي والرأي الآخر، هي الشغل الشاغل للدولة المصرية في عهد مرسي، الذي لم يعد يمثل "الإخوان" بقدر ما يمثل مصر الثورة، التي تنتقل خطوة خطوة نحو الدولة الحديثة؟
سر الاهتمام بمصر الآن
في ظني أن "مجموعة حكماء العالم" يشاركون الكثيرين من العالم العربي ومن خارج العالم العربي، بأن مصر هي قلب العالم العربي. وهي "بيضة قبان" هذا العالم. وهذا ليس كلاماً عاطفياً حماسياً، بقدر ما هو حقيقة تاريخية ثابتة. فأقدم الحضارات التاريخية قامت في مصر. ومصر كانت قلب الحداثة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفنية، والثقافية، للعالم العربي. وعندما ضاقت الدنيا بالمثقفين الليبراليين الشوام في القرن التاسع عشر، وأرادوا الهروب من وجه الطاغية العثماني، لم يجدوا غير مصر الحضن الدافىء لهم. فهاجر الى مصر أعلام المفكرين والمثقفين والفنانين الشوام كعبد الرحمن الكواكبي، وشبلي شميل، وفرح انطون، وفؤاد صروف، ونمر فارس، والاخوان تقلا، وجورجي زيدان، وغيرهم من مثقفي، وفناني بلاد الشام الأحرار.
ومن مصر عرفنا ما هي الديمقراطية، والتعددية، ومجالس الشورى، والانتخابات، التي تجلَّت في تأسيس محمد علي باشا "المجلس الشوري "عام 1829، وهو أول هيئة نيابية مصرية، ثم "المجلس الشوري" في عهد الخديوي اسماعيل، في عام 1866 الذي تكون من 75 عضواً، ينتخبون لمدة ثلاث سنوات، ولأول مرة في تاريخ العالم العربي منذ أكثر من 15 قرناً.
ومن مصر جاءنا نسيم عصر الأنوار الأوروبي. وفتح المثقفون المصريون لنا كأحمد لطفي السيد وطه حسين ومحمد حسين هيكل وغيرهم، نوافذ الفكر الغربي من الزمن اليوناني القديم حتى اليوم. وعرفنا من مصر المسرح بكل أشكاله، ومدارسه، كما عرفنا الفن عامة.
ومصر هي التي بعثت الشعور القومي العروبي (1952-1970) ومن خلال الوحدة السورية – المصرية (1958-1961) التي أفشلها العسكريون في سوريا ومصر، على السواء.
وحاول ابراهيم باشا، أن يُطبِّع بلاد الشام خلال الحكم المصري لها (1833- 1840)، وأن ينقلها من الظلام العثماني الى النور العصري والحديث، إلا أن المؤسسة الدينية الشامية آنذاك، والمدعومة من الباب العالي العثماني وقفت في طريقه، واتهمته بالمجون، والشذوذ، والفساد، وقضت عليه، وطردته من بلاد الشام. فضاعت فرصة ذهبية تاريخية، على هذه المنطقة من العالم العربي. وما زالت المؤسسة الدينية حتى الآن، تعمل عملها، في الحفاظ على ما تبقى من الظلام العثماني، خلال القرون الأربعة الماضية (1517-1918م).
ومن هنا، كان اهتمام "مجموعة حكماء العالم" بمصر، وحرصهم على زيارتها والوقوف على منجزاتها الثورية حتى الآن، وإن كان الوقت ما زال مبكراً. ولكن زيارة
"مجموعة حكماء العالم" الآن، وفي مرحلة النهوض والبناء أفضل بكثير من الزيارة المتأخرة فيما بعد، حيث سيكون النهوض والبناء قد اكتمل، وأصبح التغيير صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
التاريخ يعيد نفسه
وتذكرنا هذه الزيارة بزيارة وفد "الميجي" الياباني لمصر في عهد محمد علي باشا، للاطلاع على منجزات مصر الحديثة في ذلك العهد. ويقول الباحث والكاتب الكويتي خليل حيدر، أن البعثة اليابانية الأولى جاءت إلى مصر عبر باريس عام 1873 برئاسة "فوكوشي" Fukchi لدراسة "المحاكم المختلطة" في اليونان، وتركيا، ومصر. وكانت هذه المحاكم في مصر، تتشكل من المصريين والأجانب، للنظر في المسائل المدنية والتجارية بين الفريقين. وظهرت في اليابان مخاوف من استخدام الأجانب للمحاكم المختلطة كمدخل للسيطرة على اليابان. وجاءت إلى مصر بعثة ثانية في فبراير 1877 بقيادة البريطاني ديفدسون، مستشار وزير التكنولوجيا والصناعة في اليابان، ثم جاءت بعثة ثالثة برئاسة هاسيجاوا في فبراير1887.
وقد قام المؤرخ اللبناني والأكاديمي مسعود ضاهر، برصد اهتمام اليابان بالتجربة المصرية، من خلال كتابيه : (النهضة العربية والنهضة اليابانية: تشابه المقدمات واختلاف النتائج)، و (النهضة اليابانية المعاصرة: الدروس المستفادة).
لننظر إليهم كما نظروا إلينا!
وكانت اليابان الدولة الآسيوية الوحيدة التي استطاعت، وبسرعة قياسية أن تستوعب التكنولوجيا، ومن ثم تطورها، لتتجاوز الغرب في كثير من السلع الإلكترونية، وصناعة الإنسان الآلي (Robot)، والبصريات، وأجهزة الإعلام، والأجهزة الطبية وغيرها. كما أن اليابان المنزوعة السلاح، والمحرومة من التسلح، والتي تعيش تحت المظلة العسكرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن، نجحت بإطلاق تجربة تحديث ثانية أكثر أهمية من الأولى.
فهل ستنجح مصر الآن، كما نجحت اليابان من قبل؟
لقد بدأ محمد علي باشا، تجربة تحديث مبكرة، جعلت مصر – كما قيل – من أقوى دول شرقي البحر المتوسط.
فهل تعود مصر في عهد مرسي الجديد، لتعبر عبورها "الثالث" – كما قال مرسي- ولتلعب دوراً عصرياً وحداثياً جديداً، أم أنها ستنتكص، وتصبح دولة دينية ظاهرياً كما كانت في عصر المماليك، وهذا مستحيل. فالظروف كلها ضد هذه العودة والردة إلى ماض، لم تعد أدواته، وبيئته، وناسه، متوفرة الآن؟