ولا زلت أتذكر أول مره أعى أن الطلاق الذى هو ضد الزواج عباره عن ( أن يقول الزوج لزوجته انت طالق ) فهذه الحروف السبعه كافيه لإنهاء الحياه الزوجيه بينهما .. وقتها كانت (هذه الحياه الزوجيه ) فى نظرى الأسره التى هى الحياه التى أعيش داخلها وأتنفس بوجودها ...
وأتذكر أن ذلك كان فى أحد مسلسلات الدراما المصريه حيث لم يتسنى لى بعد ( وحتى الآن ) رؤية مشهد كهذا فى الواقع .. إلا أن ذاكرتى القويه تؤكد لى أنى لم أتقبل هذا الطلاق أو دعونى أسميه ( إنهاء الحياه الزوجيه ) بهذه الصورة ( أن يختلف الزوجان ويتطور الخلاف الى مشاجره عنيفه ترتفع فيها الأصوات الى درجة قد توقظ الجيران فى الشارع المجاور ليلا وتنتهى فجأه هذه الصراخات بتلك الحروف السبعه التى يقولها الزوج لزوجته ( أنت طالق ) ليعم المكان صمت رهيب ... حتى تصورت وقتها أن إنهاء الزواج بهذه الطريقه قد يكون ضربا من خيال المؤلف أو كاتب السيناريو ...
ـ لكن مع سؤالى لمن هم أكبر وأعلم منى ومعايشتى للواقع المحيط بى وجدت أن مارأيته هو بعينه الطلاق الذى يتحدث عنه فقهاء وعلماء الإسلام والناس جميعا يصدقون ويتفقون وبهذا اكتسبت تلك الصوره للطلاق مصداقية عندى رغم عدم ارتياحى النفسى والداخلى لها وإحساسى أنها ليست من المنطق فى شئ .. كان ذلك فى العقد الأول من عمرى ...
ومع نشأتى فى بيت متدين ينتمى لعائله متدينه تجعل من الدين وتعلمه أولويه أساسيه بدأت أتعرف تشريعات الإسلام فى كافة الأبواب من العبادات والمعاملات والعقائد كما هى فى فقه الأئمه والفقهاء ( وكما هو الحال فى نظام الدراسه بالتعليم الأزهرى ) والتى هى فى أعين الناس دين الله الذى نزل من السماء والتى يجب أن تكون فى عينى محل تقديس بصفتى متعلما وبعدها معلما إياها للناس ..
ـ وأنا بصدد الحديث فقط عن أحد هذه المواضيع ، التى كانت مصدر قلق وحيره فكريه لى وقتها ألا وهو موضوع الطلاق والذى يكون بيد الزوج ..
( غير ماهو مكفول للزوجه من الإفتداء أو مايسمى بالخلع ) ..
فلازلت أتذكر بشده ذلك اليوم الذى تعرضت فيه لكافة تفاصيل باب الطلاق وكان ذلك فى حصة الفقه وأنا بالصف الثالث الاعدادى فى المعهد الأزهرى وأستاذ مادة الفقه يشرح الأحكام والصور الفقهيه الموجوده بالباب و كل مدى يزداد شعور الحيره لدى من ناحيه ومن ناحيه أخرى الرغبه فى النقاش وعرض مايدور فى عقلى منذ أمد طويل بغض النظر عن النتائج والتوقعات ..!!
ووجدتنى ارفع يدى استأذانا للسؤال.. حتى أذن لى استاذى بالتحدث فوقفت وبدأت سؤالى له هكذا :
ـ ( كيف يكون الاسلام وهو الدين الذى يعطى كل ذى حق حقه ، كيف يجعل إنهاء الحياه الزوجيه مرتبط بكلمه ينطق بها الزوج فى ساعه من الغضب أو أى كان ما يعتريه من شعور.. المهم فى النهايه أنه ينطق بكلمه تنهى حياة ، وإذا لم تكن إجراءات الطلاق فى جديتها وملابساتها مساويه لإجراءات الزواج ان لم تكن أدق و أحكم .. فكيف يكون وضع الأسره بعد ذلك .. لأن الزواج بالاختيار المطلق لكن الطلاق لايكون بهذه الدرجه من الحريه والإختيار .. ازاى يأستاذ محمد.. ؟؟!! .
ـ وهو استغرب جدا من سؤالى وطريقة تعبيرى حتى أن زملائى جميعا نظروا الى باستغراب وتعجب شديد وبعدها باهتمام أشد للأستاذ محمد ..
ـ الأستاذ محمد سكت لثوانى ورد على بما هو موجود فى الكتاب بنفس الأسلوب العقيم ( الذى لا أتقبله) ولم يجاوب على سؤالى الذى أعنيه ..
فعاودته سائلا :
ـ ياأستاذ محمد سؤالى الذى أود ان أسمع له إجابه ( تطفئ زعابيب الحيره والتفكير داخل عقلى الصغير وقتها ) هو هذه الصوره التى أسمع عنها فى الواقع وأجدها فى الكتاب الذى أدرسه ، هل هى حقيقة صورة الطلاق فى الاسلام ..
أود ياأستاذى ان يتسع صدرك لى وتسمح لى بقول رأيى فيما قرأت فى كتاب الفقه "الذى يكتسب لدى ( وقتها ) قدرا كبيرا من حب القراءه فيه للعلم والمعرفه بأمور ديننا العظيم وليس بغرض امتحان آخر العام" .. وبعدها ناقشنى فيه ...
( وهو بدوره أبدى موافقته وربما خوفا لم يظهره ) :
فأعدت عليه سؤالى ولكن باستطراد أكثر :
ـ ياأستاذى العزيز .. كيف تسن تشريعات الإسلام أمورا عديده تجعل من الزواج أمرا مصيريا يحتاج فى اتخاذ القرار الصحيح له الكثير من التفكير والدقه فى الإختيار والأكثر من العمل والجهد والتعب والعناء حتى يمكن توفير حياه سعيده هانئه ليترتب على ذلك (إن أراد الله - تعالى- ) حياه أخرى عابقه بمسئوليات وذريه جاءت الى الحياه عن طريق هذا الزواج – أنفس وأرواح أصبح مصير حياتها فى أيدى هذين الزوجين وفى أهم وأخطر مراحلها العمريه منذ الطفوله وحتى الرجوله - كيف بعد هذا العناء وكل تلك الأهوال يصبح إنهاء الحياه الزوجيه بهذه الصوره - التى أراها تدمر بناء الأسره - فى ثانيه أو لحظه بمجرد أن ينطق الزوج " أنت طالق " .. - لا محال فان الطلاق بذلك هو دفن لكيان الأسرة التى هى نواة نسيج المجتمع والحكم بضياع مستقبل هؤلاء الأطفال .. هل تلك هى رحمة الله وشريعته ..؟!! (يعنى بمجرد كلمتين تنتهى القصه ..؟!! ) ، وماذا إذا كان هذا الزوج من النوع العصبى جدا الذى يغضب بسرعه ؟ ، أو الذى لايستطيع التحكم فى أعصابه عند الغضب الشديد ؟ ، وماذا إذا كانت الزوجه هى الأخرى من النوع المستفز ...
هل يصبح بذلك الطلاق أسرع وسيله لإنهاء الزواج ..
ـ هل لمجرد خلاف على شئ تافه أوحتى غايه فى الأهميه فى لحظه يقولها الزوج " أنت طالق " ولا يلبث إلا أن يعود الخلاف ولو حتى بعد وقت طويل ليقولها الزوج ثانيه وهو لايدرى حين ينطق هذه الكلمة أنها قد لاتمسه بقدر ماتمس غيره .. أين هى عظمة ورحمة تشريعات الإسلام وأقصى اهتمامه بالأسره وبكيانها عندما يكون ضياعها مرتبط بكلمه تقال فى ثانيه ؟!! .. (وكأن الموضوع لعبه زهق منها فجأه فرماها من الشباك أو أن الأمر أِشبه بالتحويل من قناه تلفزيونيه الى أخرى بضغطة ريموت كنترول ) ..
هنا توقف لسانى عن الكلام .. لتستعد جوراحى باهتمام شديد الى سماع جديد من الاستاذ محمد ..
وقد سكت لبرهة قصيره ..
ـ ورد علىّ : يقول الله تعالى ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ليس شئ من الحلال أبغض الى الله تعالى من الطلاق ) فالطلاق مرتان ، وبدأ يسرد لى بعضا من الصور التى قد أعدها مسبقا للتحضير للدرس فى دفتره تتعلق بخلافات فى لفظ الطلاق وكناية الطلاق وكيف نحكم بأن هذا اللفظ صريح أم كنايه وعلاقة ذلك بخلافات الزوجين وصور لاقبيل لها بما سألته عنه وعرضته عليه .
فغضبت فى داخلى وقلت له :
ياأستاذ محمد انا لاأقصد أدلة على مشروعية الطلاق ولا أسأل عن ألفاظه وكناياته وماقد يعاقب به الزوج زوجته متلاعبا بألفاظ الطلاق .. فالكتاب ملئ بألفاظ أسمع بها لأول مره ، أنا اسأل عن الجديه فى تشريعات الطلاق ، عن وضع الأسره وكيانها فى تلك التشريعات فما قرأته وماسمعته أجده لايتمشى مع رحمة وسماحة الإسلام ( وساعتها قلت فى قرارة نفسى أن هذه من المؤكد أراء واجتهادات هؤلاء الفقهاء وليست دين الله وشريعته التى نزلت من السماء لكنى لم أستطع أن انطق بذلك صراحة .. واكتفيت بها ضمنا ) ... فقلت : لابد أن تكون إجراءات الطلاق أكثر جديه من هذه الصورة بحيث تعطى قدرا أكبر من التفكير للزوج والزوجه بحيث يدركا خطورة مايقدمان عليه وعند التفكير الكافى يكون القرار الصحيح والسليم حتى وإن رأيا أنه الطلاق والإنفصال ..
قلت ذلك بانفعال ملحوظ .. لم أعلم فى حينها السبب .. ربما كان إحساسى بالظلم الذى وقع على الإسلام العظيم الذى أشعر بعظمته دائما واستمد روح العزة من انتمائى له وأنى أتباهى بسماحته وعظمة تشريعاته التى تراعى حقوق الجماد مع حقوق العباد كلما قرأت أو سمعت عماهو فى الأديان الأخرى ..
والأستاذ محمد بدوره عاود الرد عليا مجددا بصمت مستغرب قائلا :
هذا ما بالكتاب المقرر عليك (اعرف اللى فى الكتاب يامحمد عشان تحل آخر السنه فى الامتحان وتجيب مجموع عالى ) وأنا أرى فى وجهه علامات الإستفهام والإستغراب من وجهة نظرى التى طرحتها وفى نفس الوقت بوادر عدم الاقتناع بما فى الكتاب من كلام وأحكام وربما ضيقا كونه لم يجب على تساؤلاتى ويناقشنى فيها مناقشه منصفه ... !!
وبهذا أنهى الأستاذ محمد تلك المناقشه فلم أجد ردا غير أن أجلس مكانى وأكمل باقى الحصه مستمعا لباقى الأحكام الوارده فى الكتاب وأنا أرى زملائى من حولى ينظرون الى وكأنى قد جئت بكبيرة من الكبائر ..
ـ وان كانت المناقشه قد انتهت مع أستاذ مادة الفقه ، استاذى فى التعليم الأزهرى فإن زعابيب القلق والحيره لم تنتهى بعد كلما فكرت فى الموضوع أو قفز على سطح أفكارى ..
ورأيت وقتها ان أفضل ماأفعله هو القراءة وأن أسمع كثيرا أكثر ماأسمع من نفسى واضافه الى ذلك أحترم أراء غيرى أكثر وأكثر وأفكر فيها ، حتى ممن لادخل لهم فى الدراسه الدينيه المتخصصه ..
ووجدتنى مع القراءة والتفكير المستمر لفتره طويله قد تكونت لدى رؤيا لماهية وصورة الطلاق والتى من المفترض أن تراعى كل الأطراف وتراعى الحال والمآل لكنى لم أفكر حتى فى كتابتها ..!!
ـ وهذه الرؤيا تفترض فى إجراءات الطلاق مافى اجراءات الزواج من الجديه والتفكير العميق...
فاذا فرضنا ان الزوج الذى يملك حق الطلاق .. قد أخذ وقتا اذا كانت الخيارات أمامه واضحه ربما يوما و ربما أسبوعا أو شهرا أو عدة شهور ليتأكد أن الطرف الآخر هو الأنسب والأفضل ، والزوجه هى الأخرى كذلك ..
ثم تأتى مراحل الزواج المتلاحقه بدءاً من إقدامه على طلب يد العروس باختياره المطلق ، " فقبل أن يطرق باب بيت العروس أو ينطق بهذا الطلب لولى أمرها وربما قبل أن يعقد القران لازلت أمامه كامل الحريه والإختيار فى الإتمام أو الإلغاء " ..
ماإن حدث الزواج بعد مراحل الخطوبه وعقد القران والإشهاد والإشهار والزفاف والتى قد يمتد بها الوقت سنينا .. تغير الوضع وباتت حرية الزوج مقيده بزوجته وبعد ذلك ملغيه فى قدوم أولاد وذريه الى هذا البيت تعلق مصير حياتهم بهذا الزوج والأب فلم يعد حرا مطلقا كما كان ..
ثم ..
ماإن يتبين للزوج عدم صحة ماعرفه او ارتأاه عند إقدامه على اختيار هذه الزوجه .. فبدأت الحياه تتغير والوضع يتبدل والخلافات تصبح أكثر من الإتفاقات وتصبح الحياه بعدها صعبه .. والإحتمال قليل والصبر أقل ..
بعد كل هذه الأحداث لايمكن أن نهدم هذه الأسره بسهولة نطق تلك الحروف السبعه ..
فاذا كانت العشرة التى دامت بينهما لسنين طويله هى عمر هذه الأسره ، وهؤلاء الأبناء ، وما بين هذين الزوجين من ذكريات ومسئوليات متبادله وما بينهما من ذريه وأطفال هم بحاجه الى كونهما جنبا الى جنب .. كل هذه الأسباب ليست أقوى من حدة الخلاف الذى وصل بينهما .. إن رأيا ذلك فى وقت من الأوقات أو فتره من الفترات ..
ـ هل تتعامل تشريعات الاسلام مع هذا الوضع بطريقه تنهى كيان الأسره بالصورة التى تكون " عندما يغضب الزوج من زوجته ويقول لها " أنت طالق " ولا تبقى من أمل لاقامة هذه الأسره من جديد .. " حيث أن الأصل فيها الدوام" ..
إذن :
ـ لابد من أن يكون إرادة الزوج تطليق زوجته وإنهاء الحياه بينهما على الأقل لفتره .. قرار قد أخذه بعد وقت طويل و ملل فى التفكير فى كل متعلقات هذا القرار ، لتكون المرحله النهائيه والأخيره هى ذلك الزر الذى يضغط عليه ليفصل ذلك الرباط الذى يربط بينهما مؤقتا عندما يقول لها ( أنت طالق ) ، وتكون تلك المرحله الأخيره فى مجلس يحضره شاهدى العدل اللذان شهدا على عقد الزواج (كما سيأتى فى النقطه التاليه ) وفى مشهد أقرب للهدوء من العصبيه ، أعنى على غير مايكون من إسراع الزوج بقوله ( أنت طالق ) عندما يحتدم الخلاف أو الشجار بينهما ثم بعدها يرجع ليفكر ويندم ..
ـ مادام هناك شهود عند الزواج لابد وأن يكون هناك شهود عند الطلاق ، ولابد أن يعلم من شهد حفل الزفاف بوقوع الطلاق ..
ـ لابد أن يكون هناك دور فعال للأهل والمجتمع فى التوفيق وإعادة الحياة الزوجيه بين هذين الزوجين فى فترة العدة التى تلى وقوع الطلاق ، دور حقيقى مستمد من إجتماعيات الإسلام ومسئولية المجتمع ..
ـ لابد أن يكون هناك أحدا ما يحظى باحترام وتقدير وثقة من كلا الزوجين "غير الحكمين العدلين من أهليهما" .. قد يكون هذا الشخص القاضى أو مايقوم مقامه فى المجتمع المحيط ينصح كل منهما ويعظه مذكرا إياه بحقوقه وواجباته وواجبه فى تحمل مسئوليته ومبينا له خطورة مايقدم عليه وأنه ما تزوج لكى يطلق ..!!
ـ ثم يترك لهما حرية الإختيار بعد ذلك ويؤكد لهما على حق ذريتهما فى عيش حياة هانئة ومستقرة وسعيدة وأن تلكم مسئوليتهما المشتركه ...
ـ وتصورت ساعتها أن هذه الأمور لو روعيت فى قواعد الطلاق وملابساته لقلت المشاكل بين الزوجين وحالات الطلاق السريع ، ولزادت بذلك رعاية التشريعات لكيان الأسرة عامة والأبناء خاصة .. وتلك هى مهمة وغاية التشريعات السماوية ..
ـ وبعدها شعرت براحة الى حد كبير لكنها لم تكتمل لعدم قدرتى على الإفصاح بها أو حتى مناقشتها لأسباب عديده ..
وحينها لم أكن بعد قد أدركت أن القرآن هو فقط مصدر تشريع الإسلام فكنت متأثرا دون أدرى بما يسود حولى ..
ـ وبعد مرور عدة سنوات وبعد التحول الفكرى الذى مررت به قرأت أحد الأبحاث للدكتور أحمد صبحى منصور حول هذا الموضوع والتى هى الآن بين أيدى القراء على هذا الموقع الثرىّ الغرّ .
ورأيت عظمة الرؤيا التى يطرحها الدكتور أحمد استنادا للقرآن ومفاهيمه من خلال بحث يشير الى التناقض بين التراث ( اجتهادات وأراء هؤلاء الفقهاء ) وبين القرآن العظيم حول تشريعات الطلاق ولكن بعرض أقوى ورؤية أفصح وأكمل متأصلة بمصطلحات القران ومنهجه فى التشريع ..
ووجدت فيها حلا أمثل للصورة التى ينبغى أن يكون عليها الطلاق فى تشريعات الإسلام الرحيمة السمحة والتى تبقى على الزواج والأسرة وتبتعد بهما قدر الإمكان عن الخلافات والإشكالات ..
ولكم غمرنى شعور السعادة والارتياح الشديد حينها .. ( فأخيرا هناك من يعتقد مثلما اعتقدت ورأيت ) ..
فدعائى الخالص له بالعزه والنصره والمزيد والمزيد من التفقه والتنوير ..
وأن يسبغ الله علينا هذه النعمة جميعا من أجل عزة هذا الدين ونصرته ...
ـ ما أود أن أنتهى اليه فى النهايه أن أكثر هؤلاء الفقهاء فى كثير من الأبواب التى تناولوها فى كتبهم ومجلداتهم .. وفى مختلف الأصول والفروع من العبادات والمعاملات والعقائد والأخلاق .. قد أساءوا كثيرا إلى الإسلام وتشريعاته .. وذلك يرجع من وجهة نظرى المتواضعه جدا .. الى أمور ثلاثه :
1- إغفالهم القران الكريم ـ العظيم ـ أساسا يستندون إليه ويستقون من فهمه وتدبره أرائهم واجتهداتهم وليس مجرد النقل والتناقل والروايه عمن سبقوهم ..
2- نسبة أرائهم واجتهاداتهم ـ رغم حتمية وقتيتها ـ الى الإسلام العظيم الذى هو أعلى من أى اجتهاد أو رأى ، واختزالهم الإسلام فى تلك المعتقدات واعتبار أن من يخرج عنها قد أنكر ماهو معلوم أو غير معلوم من الدين بالضرورة أو بغير الضرورة .. وليس بأضعف الإيمان نسبتها لأنفسهم ..
3- ليس هذا فقط بل واعتبار هذه الأراء والإجتهادات التى كانت مبنية بالدرجة الأولى على ثقافة هذه العصور ـ العصور الوسطى وما تسبقها من عصور ـ سارية النفاذ الى مشاء الله من الزمن باعتبارها صورة الإسلام .. وماهى من الإسلام .. والواقع على مر الوقت يثبت عدم صلاحيتها وعدم قدرتها على حل المشاكل والقضايا والخلافات والاشكاليات التى تعترض المسلمين منذ كتابتها الى وقتنا هذا ..
وأخيرا .. إن لم تكن عندنا القناعة الكاملة بأن تشريعات الإسلام ماجاءت إلا لتصل بالمسلمين وبالناس كافة الى أفضل حالات الرقى والتحضر ، ومراقبة الله تعالى وتقواه ، والتعبير عن عظمة هذا الدين ، واذا لم يكن ذلك هو المحرك لإجتهادنا عند فهم القرآن ونقد التراث وتحليل الواقع , فلا أعتقد أننا سوف نأتى بجديد ..
معذرة للإطالة
دمتم فى رعاية الله ...