فلسفة الأخلاق(لوحة الأمانة)

سامح عسكر في السبت ٠٦ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

في اليوم التالي اتصل بي صديقي أحمد كي يستشيرني في إمكانية اللقاء، وقد اتفقنا على أن نعقده في قهوة الحاج.."علي درويش"..والتي تبعد عن بيته بقرابة 100 متر..فعقدت العزم على النهوض والوفاء باللقاء وذهبت إلى القهوة، حينها لم أجد أحمد جالساً كما اتفقنا ، فإذا برنين الهاتف ليخبرني أحمد أنه سيصل بعد قرابة خمس دقائق..وبعد وصوله جلسنا سوياً متقابلين وبيننا المنضدة ثم دار هذا الحوار:

أحمد: أعتذر لك ياصديقي عن هذا اللقاء المفاجئ، ولكن عندي مشكلة أود حلها أو حتى أفهم ما يدور كي يسهل علي الحل.

قلت: تفضل ياعزيزي لك الحديث ومعك الميكروفون.

أحمد: زميلي في الجامعة أخبرني بأنه قد تزوج في السر من إحدى زميلاته، وهذه الزميلة أعرفها وأعرف كامل أسرتها ولي مع بعضهم صداقة، وأنا الآن في حيرة..فزميلي قد ائتمنني على سره ولا أود خذلانه فهذا عهد، ولكن زوجته هي الأخرى لي مع بعض أقربائها صداقة، فكيف أوفق بين الصداقة والضمير؟

قلت: هذا يعود بنا إلى تعريف الأمانة ياأحمد، فمشكلتك أصلها.."الأمانة"..ولو أنني أرى أن زميلك هو أول من خان الأمانة بإفشاءه هذا السر لك، فالأسرار جزء من الوجدان، وهي عنوان الشخصية "الحقيقية"..وما دام زميلك أفاض بالسر لك فهو قد تحدث به إلى غيرك أو سيفعل ذلك -إن لم يكن فعله، ذلك أن الحديث في الأسرار يستوي فيه الحديث للعامة وللخاصة على حدٍ سواء.

أحمد:أنت فهمت خطأ فهو قد أطلعني على سره كي أساعده .

قلت:وهل يعرف أنك على صداقة مع أقربائها؟

أحمد: لا يعرف.

قلت:وإذا عرف فهو يريد الحل بالظاهر، وكونه لا يعرف فالأمانة لديه قيمة مشوشة والمبادئ لديه غير منضبطة.

أحمد: أنت تتحدث عنه وتتجاهل مشكلتي فأراك تتحامل عليه.

قلت: لا أنا فقط أريد تصور المشكلة من جذورها كي أرصد الحل الأمثل بعد تفاعل كافة الأفكار المختصة بالجميع، فبعملية رصد أخلاق زميلك ستقف على ماهية فِعله، وحينها ستتضح لديك المسألة ولربما لا تحتاج مساعدة من أحد.

أحمد:قلت أن مشكلتي في "الأمانة" ..طيب وهل الأمانة قضية معقدة لهذه الدرجة؟!..أنا أعرف أن الأمانة قد تكون معقدة فيما لو كان هناك طرف يستفيد...فهذا النوع من الأمانة ليس به وجهاً مادياً كي أطمع فيما عندي من أمانة ائتمنها أحد الأشخاص.

قلت: بل التعقيد في حالتك ياعزيزي أحمد..لأن الطمع أو الضعف في "مادة أو مضمون" الأمانة يعقبها خيارٌ سهل على كل إنسان..تكفي عاطفته أو عقله للتمييز، وبالنوازع تنحط قيمة الأمانة لديك فتراها حقٌ شخصي تتحكم في أساليبه وأشكاله، وطالما أنك وزميلك أقدمتم على الاستشارة فهناك عقل وعاطفة-وليس نزعة- وإلا لتجاهل زميلك القضية برمتها كأنه لا يوجد في الكون غيره، أما أنت فيكفيك التشاور معه على الحل في أضيق الظروف.

أحمد:بدأت أستوعب القضية..ولكن لدي إشكال يتعلق في وحدة غرضي وغايتي مع زميلي، فالأمانة تُحتم علي وعليه الحل، وكما قلت لك فالصراع بين صداقتي لأصدقائي وبين ضميري الذي يُحتم علي إبلاغ أهلها ، ولا تفهم أنني أتحدث عن الإبلاغ بمقصد الضرر بل لتفاديه، فدور الأهل في هذه الأوقات شديد الأهمية للمصلحة العامة.

قلت: الأمانة قيمة معيارية عظيمة ياصديقي بل تكاد تكون هي عماد الأخلاق، فدورها لا ينحصر فقط في الأمور المادية بل إلى شتى صنوف الحياة من صداقة وتربية أولاد وضمير مع الكافة، لذلك فحين التعرض لخيار كهذا لابد وأن تقف أولاً على صنوف الأشخاص وماهيتهم كبشر..وهذا ما دفعني للسؤال عن صديقك في البداية، ولولا الحرج لسألتك عن أصدقائك من أهل زوجته.

أحمد: فكيف تصورت الوضع ..هل لديك إشارة ما أقف عليها أو فعل.

قلت: ليس لدي تصور كامل حول المسألة، ولو أنني أنصح أي إنسان يتعرض لهذا الظرف بأن يعيد حساباته بالتعرف على الناس وطبائعهم، فالأخلاق كما قلنا لها مفهوم ومصاديق، وما يصلح لإنسان من أخلاق لا يصلح لآخر، لذلك أرى أن تجانب المسألة مزيد من الوقت للتعرف على الكافة، فإذا وجدت أهلها من ذوي الحكمة فانفذ إلى واحدٍ منهم وابدأ معه الحديث بالثناء على زميلك ، ولو كان يعرفه فسيكون أفضل بكثير واسأله عن رأيه فيه.

أما زميلك فانصحه بخُلق الأمانة وأن لا يختلي بزوجته إلا بعد حل القضية حلاً نهائياً، فلربما كان زواجه من النوع المذموم أو الغير شرعي حينها يكون قد ارتكب إثما..واعلمه أن زوجته في حُكم الأمانة المُغتصَبة، وأن الأمانة تقتسمها زوجته مع ولي أمرها، ولو لم يكن لديه أمانة أو لا يفهمها فسيرفض عرضك، ولكن لا تيأس حاول معه..فقد حمّلك الله أمانة ويجب عليك الوفاء بها..لابد من حل فليكن هذا الحل على يديك.

اجمالي القراءات 8027