.
لا تلوموا بشار الأسد

نبيل هلال في الجمعة ٠٥ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

لا تلوموا بشار الأسد ,ولكن لوموا ما تربينا عليه من تراث سياسي فاسد يرسخ لأخلاقيات العبيد ,ومن لا يصدق فعليه النظر في أدبياتنا التي تجعل من عبادتنا للحاكم شيئا مقبولا ,بل هو المقبول الوحيد ,فالحاكم مع طول امتثال الناس له يرى الخروج عليه هو الكفر الذي يستوجب قتل الرجال وذبح الأطفال والنساء بلا رحمة,فاستخذاء الناس للحاكم الظالم يسلبهم بالضرورة حقهم في دفع سكينه بعيدا عن رقابهم ,وقد علمنا فقهاء السوء أن الخروج على الملك الظالم هو الكفر بالله .
وطاعة الأمير واجبة وجوب طاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , ولا يُشترط مقابل هذه الطاعة عدل ولا إنصاف من جانبه , حتى وإن غصب هذا الأميرُ مالََََََك وضرب ظهرَك ولطم قفاك , فليس عليك إلا السمع والطاعة . ومن يحاول الخروج على هذا الأمير فجزاؤه ضرب عنقه , " فمسرور" سياف الخليفة متأهب في قصر الخلافة لمثل هذا. ذلك هو فكر الاستخذاء الذي صاغه الفقيه الذي خان الله ورسوله , وكانت غايته هي ترسيخ فكرة طاعة السلطان دون السؤال عن شرعيته , وصوَّر للناس أن هذا هو الدين ومراد الله , ووضع لذلك عددا من الأحاديث نسبها إلى النبي نبي العدل والرحمة .

أحد هذه الأحاديث يقول :" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله , ومن أطاع أميري فقد أطاعني , ومن عصى أميري فقد عصاني . وحديث آخر يقول: " من أتاكم وأمرُكم جميع على رجل واحد , يريد أن يشق عصاكم , أو يفرق جماعتكم , فاقتلوه " .
والله " يأمرنا " أمرا واضحا مباشرا بعصيان كل حاكم مفسد في الأرض , غير مصلح , ووصفَه في قرآنه بالإسراف , يقول :{وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُون} الشعراء 151-153 . والسرف لغة هو مجاوزة القصد والحد , والمسرف هو الجاهل والغافل والمخطئ .
ويقاس قرب الأمة أو بعدها عن دين الله بمدى القرب أو البعد عن تحقيق المقاصد الشرعية التي من أجلها أرسل الله رسله إلى الناس. وهي ليست مقاصد تعبدية كما يظن البعض بقدر ما هي - في المقام الأول - مقاصد سياسية واقتصادية واجتماعية . فغاية الدين هو أن يلجم الدنيا , فلا يأكل كبيرُها صغيرَها , ولا يقهر عزيزُها ذليلََها .
ففي المجال السياسي : تكون الأمة بعيدة عن منهج الله إذا استبد السلطان بالحكم واستأثر بالسلطة وحال دون تداولها وقام بتوريثها لأبنائه من بعده , وحال دون مشاركة الناس في حكم أنفسهم , واستولى على أموال بيت المال , وأدار الدولة واستثمر البلاد والعباد لمصالحه الخاصة , تكون الأمة بذلك بعيدة عن مراد الله وإن صلى الناس فيها آناء الليل وأطراف النهار, وإن صاموا فيها صيام داوود , وإن كان هذا الخليفة المحتال يحج إلى بيت الله كل عام .
وفي المجال الاقتصادي : تبعد الأمة عن منهج الله إن سادت الطبقية الاقتصادية من إقطاع أو رأسمالية واستأثر الملأُ بالأموال وآلت ثروات الأمة إليهم دون عموم الناس وزاد التفاوت الطبقي بين أفراد الشعب , فيكون منهم من يموتون جوعا بينما آخرون تقضي عليهم التخمة . وإذا كان ثمة احتكارات تحُول دون توزيع ثروات الأمة على أبنائها بحيث لا يتوفر لهم سوى حد الكفاف لا الكفاية, وإذا ترعرع الفساد تحت عين وسمع السلطان وفقيهه , فذلك ليس من الإسلام في شئ , إذ لا يصلح عليه دين ولا تستقيم به دنيا حتى وإن قص الفقهاء الشوارب وأعفوا اللحى , وإن ارتدت النساء الحجاب والنقاب .
وفي المجال الاجتماعي : إذا غابت العدالة الاجتماعية وانتشرت المحسوبية تكون الأمة بعيدة عن الإسلام وإن حمل الرجال المسابح والمباخر ورقصوا في حلقات الذكر. وإذا علا البعض فوق القانون: فإذا سرق فيهم العزيزُ أموالَ البنوك أو استولى على أراضي الدولة أفلت بفعلته , بينما لو سرق جائعُ رغيفَ خبز طالبوا بقطع يده ورقبته . وإذا كُممت الأفواه فلم يجرؤ أحد على رد ظلم الظالم, وإذا لم يأمن الناسُ على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم , وإذا أخذهم جنودُ السلطان بالظنة , تكون الأمة بعيدة عن مقاصد دين الله حتى وإن كان في مدينة واحدة من مدنها ألف مئذنة يزعق من فوقها ألف مؤذن خمس مرات في اليوم الواحد .
وتبقى الأمة بعيدة عن إسلامها إن استمر إيمانها بالتراث الأصفر من المرويات التي تروج للغبائيات وترسخ العقل الخرافي غير العلمي . وإن كان فقهاؤها يجهلون أبسط مبادئ العلوم الحديثة ويعيشون خارج العصر فيتكلمون بما يثير سخرية الناس من الإسلام والمسلمين , بذا يكون المسلمون خارج العصر وإن قيل إن فقهاءهم هم ورثة الأنبياء .
ومع أن الإسلام ينفي بشكل قاطع الألوهية عن ما سوى الله , إلا أن خَرْقَ الإسلام خلَق نوعا جديدا من العبودية للأشخاص المقدسين غير الله وبدلا منه : الحاكم والفقيه . فقد أعادنا فقيه السلطان إلى وثنية جديدة , إذ عبّد الناس للسلطان عبودية المخلوق للخالق , وأوجب على الناس طاعة الخليفة كما لم يوجبها لله الواحد القهار . وأوجب على الناس تقديس رجل الدين فهو الواسطة بين الناس والفهم الصحيح للدين وهو سبيلهم إلى الجنة !
وإذا كان شرط القرشية ضروريا لشرعية الحاكم - وهو شرط ينضح بالعنصرية ويرسخها - فكيف يمكن العثور على هذا القرشي في أزمنة اتساع دولة الإسلام . وإذا كان الإسلام للعالمين - وهو كذلك - أيكون من العدل أن يحكم عربَهم وعجمَهم قرشي قد يكون جاهلا أو غبيا ليس له من مسوغات الحكم غير عِرقه ونسبه ؟! وقد أثبت التاريخ أن من حكمونا ممن زعموا القرشية كانوا من أضل خلق الله , ومن أبطأ به إيمانه لم يسرع به نسبه . وقال الفقيه السلطاني بنيابة قريش عن النبي في حكم الناس , ثم قال بنيابة المسلمين عن الله في حكم العالم , وهي نيابات مزيفة ما أنزل الله بها من سلطان . ولم يقل أحد بالنيابة الوحيدة الصحيحة : وهي نيابة من ينتخبه الناس - بمحض إرادتهم ويملكون خلعه متى أرادوا - من مجموع المواطنين : المسلم منهم وغير المسلم , ويرعى مصالحهم وفقا لمراد الله .(يُتبع)

 

اجمالي القراءات 8967