درس فى الدعوة من رجل مؤمن يكتم إيمانه
" قضية الحق والباطل . قضية الإيمان والكفر . قضية الدعوة والتكذيب "
مقدمة:
ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ويدافع عن موسى عليه السلام هو موضوعنا اليوم.
دعوة هذا الرجل لأكبر طاغية ظهر على وجه الأرض وقد إقترح فرعون بقتل موسى عليه السلام. دعوة هذا الرجل هى بمثابة دروس وعبر لكل الدعاة فى هذا الزمان الذى كثر فيه عدد هائل يدعى كل منهم أنه داعية، فلننظر ونقارن بين الدعاة فى هذه الأيام وبين دعوة هذا الرجل المؤمن لتكون درسا لمن يتعظ ويخاف " يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ " 82:19
سورة غافر تعالج قضية الحق والباطل . قضية الإيمان والكفر . قضية الدعوة والتكذيب، وجو السورة كله كأنه جو معركة، وهي المعركة بين الحق والباطل وبين الإيمان والطغيان وبين المتكبرين المتجبرين في الأرض.
ومما يتفق مع جو المعركة بين الحق والباطل افتتاح السورة بإيقاعات لها صدى خاص على السمع والقلب:(غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير).
يبدأ سياق السورة بالإقرار أن الوجود كله مستسلم لله . وأنه لا يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا.
ويقودنا السياق بلفتة إلى مصارع الغابرين. مقدمة لعرض جانب من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون. وتعرض فيها حلقة جديدة لم تعرض في قصة موسى من قبل ولا تعرض إلا في هذه السورة وهي حلقة ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه . يدفع عن موسى وقد هموا بقتله فيبدأ بكلمة الحق والإيمان بحذر.
يبدأ السياق تفصيل ما حدث بعد هذا الجدال ويطوي موقف المباراة مع السحرة وإيمانهم بالحق الذي غلب باطلهم ولقف ما يأفكون . ويعرض الموقف الذي تلا هذه الأحداث: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ). ويعقب الله سبحانه قبل أن تكمل الاية: (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ). هذا قول الحاشية (الأكابر) من قوم فرعون. الآية 25 من سورة غافر.
فأما فرعون فكان له فيما يبدو رأي آخر ذلك أن يتخلص من موسى نفسه فيستريح. وقال فرعون: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ). الآية 26
ويبدو من قوله: (ذروني أقتل موسى) أى إسمحوا لى بقتل موسى،أن رأيه هذا كان يجد معارضة ، إن قتل موسى لا ينهي الإشكال.
فماذا كانت حجة فرعون فى قتل موسى عليه السلام، (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ). الآية26. هى كلمة قالها كل طاغية متجبر فى الأرض لا يخشى الله وسيطر الشيطان على سمعه وبصره وقلبه صم بكم عمى لا يفقهون. وهنا يظهر قوة إيمان موسى عليه السلام فإلتجأ إلى ربه القوى الجبار والرحمن الرحيم.
إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ).الآية27
قالها واطمأن وسلم أمره لخاقله وخالق فرعون وهامان وقارون القاهر لكل متجبر لا يؤمن بيوم الحساب .
دعوة الرجل المؤمن فى دفاعه عن موسى عليه السلام:
1- يبدأ بدهشة وإستغراب وتقريع على ما هم مقدمون عليه (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ؟)فهل هذه الكلمة المتعلقة باعتقاد قلب واقتناع نفس تستحق القتل؟
2- ثم ينتقل بهم إلى حجة موسى عليه السلام الذى جاء بها . فالذي يقول هذه الكلمة ربي الله . . يقولها ومعه حجته وفي يده برهانه: (وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)
3- هنا يبدأ الرجل المؤمن جولة أخرى تنبع من قوة إيمانه بربه وبرسالة موسى عليه السلام، فبدأ يستخدم المنطق القرآنى فى الدعوة وهى منتهى الإنصاف فى الجدل مع قوم جبارين متكبرين. فأمامكم إحدى إحتمالين:
( وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ) هذا الإحتمال الأول وهو إن كان كاذبا فعليه كذبه ولا تزر وازرة وزر أخرى، أو (وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ). هذا هو الإحتمال الثانى وكأنه يضع الحل المنصف أمام أعينهم ليروا الحق من الباطل.. ولكن هيهات هيهات.
4- نلاحظ حتى الآن خطوات الدعوة، بدأها بدهشة وإستغراب، كيف تقتلون رجلا يقول ربى الله، وقد بين لهم الحجة التى جاء بها والتى هى دليل على صدقه ولكن ماذا نتوقع من كل جبار لا يؤمن بيوم الحساب. هنا إضطر الرجل المؤمن بأن يتبع سياسة أخرى لعل وعسى. يهددهم من طرف خفي (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).الآية28 . هذه الدعوة تنطبق على موسى عليه السلام وعلى فرعون وآله، دعوة فيها العدل والصدق، فالرجل المؤمن يريد أن يوحى إلى فرعون وملئه بأنه منصف عادل قبل أن يتبع سياسة أشد وأقوى حجة. فإحذروا أن تكونوا أنتم الكاذبون فتصيبكم ما لا يُحمد عقباه.
5- هنا بدأ الرجل المؤمن بالهجوم عليهم، محذرا من عذاب الله الذى لامفر منه ولا ملجأ إلا إليه.
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا ؟"
نلاحظ هنا، أن الرجل المؤمن فى هذا التحذير وضع نفسه معهم وهو يذكرهم ببأس الله " فَمَنيَنصُرُنَامِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا" فهو ناصح لهم لعل هذا يجعلهم ينظرون إلى هذا التحذير ويأخذونه مأخذ الجد.
هنا يأخذ فرعون ما يأخذ كل طاغية توجه إليه النصيحة . تأخذه العزة بالإثم . ويرى في النصح الخالص إفتراءا على سلطانه ونقصاً من نفوذه.
(قال فرعون:مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)
وهنا قول فرعون " ما أهديكم إلا سبيل الرشاد" بمعنى أن السبيل الوحيد الذى يؤدى إلى الرشاد هو سبيله فقط وليس أى سبيل آخر، منتهى الكبرياء والتعنت والكفر.
هنا وقفة مع رجل يكتم إيمانه، بمعنى أنه يخاف على نفسه لو أظهر إيمانه وهو يعلم أن إن فعل ذلك فسيكون فى مأزق مع فرعون الطاغية الذى لا يرحم، فأين خوف هذا الرجل الآن؟ أين ذهب كتمانه وإلى أى حد كان قوة إيمانه، وأعتقد والله أعلم، أن الله سبحانه مع المؤمنين الصادقين يسمع ويرى، فيمكن أن يكون الله سبحانه أوحى إليه ليتم دعوته حتى تقع حجته على فرعون وملأه يوم التغابن(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا . .)، فبدأ خطوة أخرى يستجلب عواطفهم نحو الله سبحانه والحق الذى جاء به موسى عليه السلام. وهذا الرجل المؤمن، يُملى عليه إيمانه بأن يقف بجانب الحق المطلق لعل وعسى أن تلين قلوبهم ويتعظوآ.
6- (... يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ (31). إن الله لا يريد ظلما للعباد ولكن العباد أنفسه يظلمون وليس الله بظلآم للعبيد.
7- يستمر الرجل المؤمن فى نداء إلى الفؤاد لعل تلين قلوبهم للحق، فإلتجأ إلى تحذير آخر وهويعتبر - والله أعل - آخر تحذير يستطيع أن يحاورهم به وهو تحذير من يوم القيامة، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله....
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33
"وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" فيحتمل أن يكون هذا التعقيب ردا على قول فرعون " وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد" والله أعلم...
8- فبدأ يُذكِّرهم بموقفهم من يوسف ومن ذريته كان موسى - عليهما السلام - وكيف وقفوا موقف الشك من رسالته وما جاءهم به من الآيات فلا يكرروا الموقف مع موسى وهو يصدق ما جاءهم به يوسف فكانوا منه في شك وارتياب.
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34
ملحوظة:وهذه هي المرة الوحيدة في القرآن التي يشار فيها إلى رسالة يوسف - عليه السلام - للقوم في مصر، ومن سورة يوسف أنه كان قد وصل إلى أن يكون على خزائن الأرض المتصرف فيها .
فينذرهم – الرجل المؤمن - بإضلال الله الذي ينتظر كل مسرف مرتاب في عقيدته وقد جاءته معها البينات ثم يشتد في مواجهتهم بمقت الله ومقت المؤمنين لمن يجادل في آيات الله بغير حجة ولا برهان:
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).الآية 35
جائت هذه الآية بعد أن ختم سبحانه الآية السابقة ب " كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ "، إذن التعبيرين " مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ " و " مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ " فكلا التعبيرين ينطبق بصورة عامة على كل من يجادل فى آيات الله بغير علم - سلطان أتاهم - وينطبق بصورة خاصة على فرعون وهامان وقارون.
بناء الصرح ليبحث عن إلاه موسى عليه السلام:
هذه الجولة التي أخذ الرجل المؤمن قلوبهم بها، فلم يتعظ فرعون ولكن ككل متكبر جبار، يجد لنفسه الوسيلة والحيلة، فإتخذ فرعون لنفسه موقفا جديدا.
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًالَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَى.." 36، 37
أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) وورد ذلك في سورة القصص في قوله تعالى (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ) (القصص: 38)· وإذا تدبرنا هاتان الآياتان أقول والله أعلم، عدم الاقتصار على الحواس وحدها في اكتساب المعرفة ذلك لأن هناك وسائل أخرى لاكتساب المعرفة غير الحواس فهناك العقل، الحدث، الإلهام، الإخبار عن طريق الغير، فلا يعني عدم قدرتنا على إدراك وجود الله عن طريق حاسة البصر أن الله سبحانه وتعالى غير موجود فهو موجود بالفعل ولكن لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.
الصرح هو المبنى العالى الذى يُشرف على ما هو أقل منه فى الإرتفاع...
يا هامان ابن لي بناء عالياً لعلي أجد طريق فأنظر وأبحث عن إله موسى... (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا). ويعقب الله سبحانه على ذلك: " وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ" .
ويعقب السياق على هذا المكر : " وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ " (37)
عودة الرجل المؤمن الذى يخفى إيمانه إلى مسرح الحوادث...
وأمام هذا المكر وهذا الإصرار ألقى الرجل المؤمن كلمته صريحة بعدما دعا القوم إلى اتباعه في الطريق إلى الله وهو طريق الرشاد . وكشف لهم عن قيمة هذه الحياة الزائلة وحذرهم عذاب الآخرة وبين لهم ما في عقيدة الشرك من زيف ومن بطلان.
9- يعود الرجل المؤمن فيقررالحقائق، إنها الحقائق التى تقررت من قبل فى بداية السورة: " وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) وكان فرعون قبل ذلك يقول : " وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29 ) هنا يتحدى الرجل المؤمن تحدى صريح بكلمة الحق لا يخشى فيها فرعون الجبارولا ملأه المتآمرين معه من أمثال هامان وقارون.
ثم ما هى الحياة التى تتمسكون بها؟ :" يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ) متاع زائل ( وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39). فبدأ يقرر لهم قاعدة الحساب والجزاء يوم التناد.
10- وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41
وهم لم يدعوه إلى النار . إنما دعوه إلى الشرك . وما الفرق بين الدعوة إلى الشرك والدعوة إلى النار ؟
فهو يبدل الدعوة بالدعوة في تعبيره في الآية التالية: " النَّارِ(41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ(42
وشتان بين دعوة ودعوة. إن دعوته لهم واضحة مستقيمة . إنه يدعوهم إلى العزيز الغفار.فإلى أي شيء يدعونه ؟ يدعونه للكفر بالله . عن طريق إشراك ما لا علم لهم به.
ويقرر من غير شك ولا ريبة أن هؤلاء الشركاء ليس لهم من الأمر شيء، وأن المرد لله وحده وأن المسرفين المتجاوزين للحد في الادعاء سيكونون أهل النار." لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ "(43)
جاء فى دعوة الرجل المؤمن ثلاث وصفات لفرعون ومن معه ، وهوفى النهاية يحذرهم من يوم التغابن يوم التناد يوم القيامة، وصفهم " مُسْرِفٌ كَذَّابٌ، مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ، مُتَكَبِّرٍ جَبَّار" فيحذرهم تحذيرا أخير " يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ".
وماذا يبقى بعد هذا البيان الواضح للحقائق الرئيسية في العقيدة ? وقد جهر بها الرجل في مواجهة فرعون وملئه بلا تردد بعدما كان يكتم إيمانه فأعلن عنه هذا الإعلان ؟ لا يبقى إلا أن يفوض أمره إلى الله وقد قال كلمة وأراح ضميره مهدداً إياهم بأنهم سيذكرون كلمته هذه في موقف لا تنفع فيه الذكرى . والأمر كله إلى الله:
" فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44
وينتهي الجدل والحوار . وقد أدى مؤمن آل فرعون دعوته كلمت الحق. وينهى السياق حلقات القصة بعد هذا . وينهى السياق بعد هذا الموقف الأخير . وبعد الحياة:
" فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45
وصدق الله العظيم حين بدأ السورة بــــ :
1- حم،
2- تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ،
3- غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ،
".4- مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ
وآخر دعوانا " الحمد للــه رب العالمين "
.........................................................