كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى):
دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .
الباب الأول :طوائف المجتمع المصري في ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى
الفصل العاشر : أحداث جعلت السلطان قايتباى يأمر بعزل كل قضاة الشرع السّنى .
بلغ إحتقار السلطان لقضاة الشرع السّنى مداه سنة 876 حين منعهم من الحكم وتولى بنفسه القضاء في سابقة خطيرة لم تحدث من قبل في تاريخ مصر بعد الفتح العربى .كان فساد القضاة قد أثار السلطان نفسه.
ولنبدأ القصة من أولها.
1 ـ في يوم الخميس 23 شعبان سنة 875 زار قاضى القضاه محب الدين بن الشحنة ومعه ابنه القاضى عبد البر شيخا مريضا يحتضر ، ليس للسؤال عليه ولكن للتحايل عليه وقت إحتضاره . الشيخ المريض المحتضر هو بدر الدين الأردبيلى . وكانت للأردبيلى (وظائف جليلة ) بمدرسة الحنفية ، وقد طمع قاضى القضاة الحنفى الشيخ محب الدين بن الشحنة في تلك الوظائف لابنه القاضى عبد البر، لذا زار الشيخ الأردبيلى فى مرض موته مع ابنه القاضى عبد البر بن الشحنة ومعهما صهره ابن النويري، وضغطوا على الرجل المريض فى وقت إحتضاره وأخذوا توقيعه على تنازله عن وظائفه في مقابل مائة دينار يدفعها ابن الشحنة، وكتبوا ذلك فى قسيمة ، وشهد به أربعة من القضاة الأحناف وأحد الشهود العدول. ( أولاد الحلال ) أعلموا السلطان بذلك وعرف أن الأردبيلى كتب توقيعه وهو يحتضر ولا يدرى شيئاً ، فاحتد السلطان وطلب الشهود والقضاة الذين حضروا ذلك العقد ، فلما جىء بهم شتمهم السلطان وقال : ( تشهدوا على شخص غايب الوجود ومصداق ذلك أنه مات من ليلته وأخرتوه إلى يوم السبت ).أى أخروا دفنه للتغطية على أخذ توقيعه قبيل موته ، يقول ابن الصيرفى عن موقف أولئك المشايخ أمام ثورة قايتباى: ( فاعتذروا عن ذلك فلم يقبل منه، وأمر باعتقالهم واعتقال الشاهد الآخر الذى هرب، وشفع فيهم كاتب السر فلم يقبل السلطان شفاعته.).وفي يوم الثلاثاء 28 شعبان شفع فيهم الداودار الكبير وركع للسلطان ولمس الأرض أمام السلطان، ثم تبعه الأمير تمر المحمودى حاجب الحجاب الذى سجد للسلطان وقبّل الأرض، ثم تبعها ابن مزهر الأنصاري كاتب السر فقبل الأرض ثم (باس) رجل السلطان فأمر السلطان بإطلاقهم. وإرتعب قاضى القضاة ابن الشحنة وابنه القاضى عبد البر من عسف السلطان بهما فأرسلا تنازلا عمّا أخذاه من الأردبيلى مع ابن مزهر كاتب السر الذى صعد به للسلطان فقال له السلطان: ( لا تدخل نفسك في هذه القضية. )، فقال له ابن مزهر: ( أنت أمرتني بذلك لأنك جعلتني كاتب السر، وكاتب السر يتكلم في هذا وفي غيره .) . وامتلأت القاهرة بشائعات عن عزل ابن الشحنة عن قضاء الحنفية وترشيح آخرين مكانه، ويعلق مؤرخنا ابن الصيرفي على هذه الواقعة فيقول بإحتجاج رقيق لأنه هنا يتكلم عن شيخه قاضى القضاة الحنفية:( وفي الواقع ، فقضاة الشرع لو عظّموا أوامر الله وحقوقه لعظّمهم ولكنهم خافوا على وظائفهم فأهانوا أنفسهم. والأمر إلى الله ! ). وبدأ بهذه الحادثة ملل السلطان من ضعة القضاة وحقارتهم وصغارهم. ولكن كتم السلطان شعوره، إذ توجه إليه ابن الشحنة مع باقى القضاة للتهنئة بأول رمضان فلم يفتح الموضوع مع ابن الشحنة. وفي يوم الأربعاء 7 رمضان صعد قضاة القضاة إلى القلعة لبدء ( ميعاد قراءة البخارى ) على عادتهم كل شهر رمضان، ولم يحضر إليهم السلطان، يقول مؤرخنا : ( فإنها من حين قرئ البخارى وإلى تاريخه ما حضر مجلسه). أى إن السلطان كره رؤيتهم فتخلّف عن حضور المناسبة ( المقدّسة ) لترتيل البخارى فى رمضان سنويا ، وكان المصدر المقدّس للشريعة السّنية فى العصر المملوكى..كما لو أن كتاب البخارى قد نزل به الوحى فى رمضان .!!
2 ـ ثم حدث قبيل منتصف رمضان أن استدعى الداودار الكبير يشبك من مهدي أحد القضاة المالكية بسويقة السباعين ومعه شهوده في قضية وقف ، واثبت تلاعبهم بالحكم واتهمهم بالتزوير، فتراجعوا عن الحكم والشهادة، فأمر بنفيهم لولاً أن بعض الكبراء تشفع فيهم عند الأمير يشبك . وبعد جهد جهيد- على حد قول مؤرخنا- أطلقهم الداودار الكبير بعد أن أشهد على القاضى وشهوده بقسامة أن لا يشهد الشهود ولا يقضى القاضى.أى عزل القاضى والشهود عزلا مؤبدا.وعلم السلطان بما حدث فازداد إحتقاره لقضاته وفقهاء شريعته.
وحين توزيع التشريفات والجوائز على العلماء بمناسبة ختم البخاري في القلعة يوم الأربعاء 28 رمضان 875 لم يحصل ابن الشحنة على عادته من التشريفة والخلع، ولكن توسط ابن مزهر وأوصل له مكافأته فيما بعد.
3 ـ وفي أوائل شوال من نفس العام حدثت مشاجرة بين القضاة والعلماء في القدس ، وارتبط هذا بفساد العلماء والقضاة وظلمهم وأكلهم السحت ممّا أدّى الى هجوم العوام على بيوت القضاة ونهب ما فيها وسبى الحريم . ووصل السلطان والداودار نبأ ما حدث فإزداد مقته للجميع.
4 ـ وحدث في نفس الوقت أن استولى قاضى الإسكندرية ابن جنيبات على تركة أحد الأموات وحرم منها ابنه المسافر، وافتضح أمره. وكان قاضى القضاة ابن الشحنة متورطاً في القضية مع القاضى الشافعي جلال الدين البكري، وقد حقق الداودار الكبير في القضية فاعتقل القاضى جلال الدين البكري وقاضى الإسكندرية ابن جنيبات، وصعد بهما الداودار الكبير للسلطان ، وفوجئ بالسلطان يكرمهما ويطلق سراحهما، ولكن الداودار الكبير أطلق سراح البكري وأمر باستمرار اعتقال ابن جنيبات، وعزل البكري نفسه عن القضاء.
5 ـ وفي 11 شوال كلف السلطان كاتب السر إبن مزهر الأنصارى بالسفر للشام ( لفحص أحوال القضاة والأوقاف، وأذن له السلطان في التكلم على المساجد والجوامع والأوقاف وعزل من أراد واستمرار من اختار من القضاة وغيرهم مطلقاً خلال القضاة للكبار )، أى أعطاه قايتباى سلطة مطلقة وحرم القضاة الأربعة الكبار من حق اختيار نوابهم من القضاة وحق عزلهم ، وأعطى ذلك لكاتب السر في جولته التفتيشية.
6 ـ وفي أوائل ذى القعدة علم السلطان أن الشيخ صلاح الدين المكينى قاضى القضاة الشافعية جعل أحد الشهود قاضياً، واسمه أبو الخير الفيومي الذى كان متزوجاً بإحدى الجواري المعتوقات، وكان متورطاً في قضية سلب لإحدى الأوقاف ضمن مجموعة من الشيوخ ، وقد استدعاهم السلطان وعرف أنهم يأكلون إيراد الوقف ولا يعطون المستحقين شيئاً ، بل ولا حتى يقيمون في شعائر الصلاة. وحقّق معهم السلطان بنفسه ، ولم يستطيعوا الدفاع عنه أنفسهم أمام السلطان . فأمر السلطان القضاة الأربعة بأن يعين كل منهم نائباً عنه للجلوس بالجامع الذى فيه الوقف وفحص مستنداته وموارده ومصروفاته ويعلمون السلطان بذلك.
7 ـ وفي أوائل محرم 876 اختلف الشيخ محيي الدين الكافيجي الحنفي مع الشيخ أمين الدين الأقصرائى الحنفي في فتوى بسبب وقف الظاهر جقمق، وكان السلطان يريد أن يعلم رأى الشرع في هذه القضية، وجرت مناظرة ولكن الأقصرائى اعتذر عن حضوره هذه المناظرة.ولم يسعهما تعريف السلطان بالرأى الشرعى.
8 ــ وفي منتصف المحرم عقد السلطان مجلساً للنظر في خصومة بين قاضى مكة المعزول عنها وهو ابن ظهيره وبين قاضى المدينة ابن الفكاهانى، وحضر المجلس الشيخ أبو البركات أخو القاضى ابن ظهيره، وقال للسلطان: يا مولانا لا تسمع فينا كلام المتعصبين" وتدنّى الحوار بينما الى قول الشيخ بركات إنه يكون بريئاً عن دين الإسلام إن كان أخوه فعل كذا وكذا، وأمر السلطان بالاستعلام من مكة والمدينة عن حقيقة الحال.
9 ـ وفي أواخر صفر اغتاظ السلطان من القاضى ابن العيسى ناظر الأوقاف وغرّمه ألف دينار بسبب خصومته مع القاضى الجوجرى الشافعي، وهبوط مستوى التخاصم، الى درجة أن أثبت أحدهم أن رفيقه قذف زوجته ، فأمر السلطان بحبس المسئ في برج القلعة ماشياً ، ثم حبسه في سجن الديلم ثم أطلقه في النهابة.
10 ـ وفي أول شهر ربيع الآخر يروى إبن الصيرفى أن ( صعد القضاة لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وصحبهم شخص اشتكي للسلطان القاضى الشافعي بسبب خان السبيل الذى تحت نظره ، وأخبر بأن بالخان مسجداً ، وأن الجمّالين جعلوه مخزناً لمتاع الجمال وخياطة الزرابيل، وأنه حاول منعهم فتغلب عليه أعوان القاضى الشافعي ). أى إن أعوان القاضى الشافعى جعلوا المسجد مزبلة للجمال والجمّالين مع أنهم القائمون على رعاية المسجد والانفاق عليه من الأوقاف الخاصة به. أى أكلوا أوقاف المسجد وجعلوا المسجد مزبلة بأجر. وعن طريق شيوخ آخرين منافسين لقاضى القضاة الشافعى تمكن هذا الرجل من الوصول للسلطان والشكوى اليه . أى أن التنافس بين الشيوخ ودسائسهم فى بعضهم كانت من عوامل فضحهم أمام السلطان. وبالطبع نحن لا نعرف من هذا كله إلّا ما قد سجّله مؤرخنا القاضى ابن الصيرفى . ولا نعرف بالتالى مقدرا حظّه من الفساد المستشرى ، ومدى صدقه فى التأريخ وهو شاهد متفاعل مع الأحداث ..ومع الفساد.
11 ـ وفي يوم السبت 5 ربيع الآخر اعتقل السلطان قاضى القضاة المالكى سراج الدين بن حريز بسبب تركة أخيه قاضى القضاة المالكي السابق حسام الدين بن حريز، يقول مؤرخنا فى إيجاز غير مفيد: ( حصل كلام كثير أفضى آخره على الترسيم ( أى الاعتقال ) في طبقة الأمير الزمّام . والأمر إلى الله الملك العلام .) وتصرف السلطان في الموارد التى كانت باسم القاضى المتوفي حسام الدين ، واستمر أخوه سراج الدين في (الترسيم) ليوفي ما عليه للناس، ثم أطلقه من الحبس يوم السبت ربيع الآخر.ـ وتوالت أحداث مشينة أخرى : في يوم الخميس ربيع الآخر عزل السلطان الأرميوني المالكي لأنه جار في الحكم على شخص من أتباع السلطان. وفي يوم الاثنين من هذا الشهر علم السلطان بوفاة القاضى ابن حنة الذى حرم أخويه من الميراث المستحق لهما، وقد شكى أخواه للسلطان ، وقال كاتب السر للسلطان: هذه وصية ومرجعها للشرع، ومع ذلك فلم يأخذ الأخوان حقهما بالشرع.
12 ــ وفي أوائل شهر جمادى الأول 876 اشتكى للسلطان والدان من البرلس، شكيا للسلطان القاضى الذى في البرلس أنه باع ابنهما لبعض العربان، وأنهما تعرفا على ابنهما، وحقق السلطان في القضية واستدعى القاضى فادعى القاضى أن والدى الطفل باعاه له، وادعى أن لديه شهوداً على البيع وطلب منه السلطان إحضار شهوده فلم يشهد بالشهود بما يؤيد دعواه فعلم السلطان كذبه وجريمته فأمر السلطان باعتقاله.
13 ـ وفي يوم الثلاثاء 21 جمادى الأولى تجددت مشكلة وقف الظاهر جقمق على مدرسة اينال الذى تنازع في قضيتها الشيخ الأقصرائى والشيخ الكافيجي من كبار الفقهاء الأحناف، وتحدى فيها الكافيجي زميله الأقصرائي، واعتذر الأقصرائى عن حضور مجلس المناظرة أمام السلطان وذلك أوائل المحرم 876، وكان الشيخ الكافيجي قد أفتي بأن نظارة أوقاف المدرسة تكون لمحمد بن إينال وجعل له أن يخرج من يشاء من المدرسة وأن يدخل فيها من يشاء، وأفتي الأقصرائى بخلاف ذلك.
14 ــ ثم تجددت القضية يوم الثلاثاء 21 جمادى الأولى حين وقف للسلطان أولاد ابن إينال هم وأرباب الوظائف بمدرسة جدهم إينال، وقد بنى الظاهر جقمق المدرسة لجدهم إينال، وأظهر الأولاد فتاوى بخط الأقصرائى وبخط الكافيجي وبخط الشيخ قاسم الحنفي، وكلها فتاوي متعارضة، فأمر السلطان القضاة جميعاً بالحضور في المجلس السلطانى، وحضر مؤرخنا ابن الصيرفي ذلك المجلس باعتباره أحد القضاة الأحناف ووصف ما حدث في المجلس بتفصيل ولكن يعوزه الغموض وتوضيح جوانب القضية كأنه يتحدث مع قارئ ملم بأطراف الموضوع. ولكن من خلال سرده لما حدث نعرف أن السلطان قال لقاضى القضاة الشافعي :أخربت الأوقاف، مرتين يقول ابن الصيرفي "فصار الشافعي في هيئة الأموات، ثم أنه باس يد السلطان وسأله أن يخرج عنه الأوقاف ويصير معه القضاء بلا أوقاف فقال له: أنت عاجز" واحتدم الخلاف بين القضاة ولم يصلوا لحسم القضية وظهر أمام السلطان عجزهم عن إصدار فتوى محكمة واحدة، ووضح من كلام مؤرخنا أنهم تبادلوا أمام السلطان الشتائم والاتهامات بالعجز، فالشيخ الكافيجي يقول عن الشيخ قاسم الحنفي وهو يخاطب الشلطان عنه "هذا الرجل لا يعرف النحو لا اللغة ولا الأصول ولا الفقه وإنما يعرف الحيل وهو محجور عليه في الفتوى لأنه يأخذ عليها رشوة، وهذا يسمى مفتن ماجن". واستمر الجدل بينهم إلى أن تدخل فيه نواب القضاة وارتفع اللغط، يقول مؤرخنا "وصار علاء الدين المنوفي- نائب الحنفي- راكباً على كتفي الشيخ أمين الدين والشيخ قاسم وهو من خلفهما يكلم الشيخ محيي الدين بما لا يليق، ومن جملة قوله :أيشن هذا الخباط؟ وهو خلف الحلقة وينادى بأعلى صوته: يا قاضى كاتب السر اسمع لى كلمتين" وأمره السلطان السكوت فصار يقول" والله لولا أن السلطان قال لى اسكت ما سكت" يقول بان الصيرفي "هذا مع أن السلطان قال لصلاح الدين الشافعي ولغيره : أسكتوا، ومع هذا فجماعة الشيخ أمين الدين يطلقون ألسنتهم في المنوفى ويقولون له: قم يا صبي النحس عن كتف الشيخ" واستمر البحث بينهم والكل يساعدون الشيخ أمين الدين بالألفاظ الخارجة عن البحث. ويقول ابن الصيرفي "وقام السلطان من المجلس ورسم لهم أن لا يتوجهوا من المجلس حتى ينهوا القضية" ثم حضر السلطان وقد طال النزاع ولم يصلوا إلى حل، ثم أفتي القاضى المالكي باللجوء إلى حكم السلطان ليعلن بذلك أن السلطان أفقه من القضاة جميعاً بأمور الشرع.أى بعد الهرج والسّب والشتم لم يتفق الفقهاء على أمر. أى لا يصلحون إلّا للفساد . وهذا هو تطبيقهم لشريعتهم السّنية . واستمر نقاشهم بلا فائدة ، وبعد طول أخذ ورد بينهم رسم السلطان أن يشترى المدرسة من ماله ويعمل عشرة آلاف درهم في كل سنة ويوقفه عليهم عوضاً عن ما أخرجه ابن أينال لأولاده، وأنقض الأمر على ذلك ودعوا للسلطان وانصرفوا.. وأثناء إنصرافهم وتسليمهم على السلطان حدث أن لكم السلطان القاضى جلال الدين، يقول مؤرخنا" ثم سلم الجماعة كلهم حتى الجلالى فلكمه السلطان في رأسه وقال له: أنت ما تخرج زكاة" وانصرفوا". فالسلطان مع ظلمه- يأمر قاضى الشرخ بإخراج الزكاة ، ويضربه على رءوس الأشهاد. وأفلحت هذه القضية في تنبيه السلطان إلى طبيعة قضائه الدين يمثلون الشرع.فهم ليسوا منحرفين فقط ، وإنما هم أيضاً جهلة ورفاق متشاكسون.
15 ــ وفي يوم الاثنين 5 جمادى الآخر 876 صعد القاضى عبد البر بن الشحنة للسلطان ليسلم عليه بعد أن عاد من حلب، ومع أن السلطان أكرمه وسأل عن والده محب الدين بن الشحنة قاضى الأحناف إلا أن السلطان عزل القاضى الشريف الوفائى الملقب بدموع وهو وثيق الصلة بعبد البر بن الشحنة .ويقول مؤرخنا القاضى إبن الصيرفي الحنفي عن السمعة السيئة للقاضى الشريف الوفائى ( دموع ) وصديقه عبد البر ابن قاضى القضاة ابن الشحنة الحنفى "وقد تكلم الناس فيه وفي عبد البر قاطبه بما تمجه النفوس مما يصدر منهما. )، ووصلت سمعتهما السيئة للسلطان عن طيق الأمير إبن خاص ، يقول ابن الصيرفى : ( وبلغ ذلك مولانا الأعظم- أى السلطان- نصره الله ، وأنه ( أى القاضى الشريف الوفائى دموع ) يتعاطى كذا وكذا، ومنها أن العلائى سيدى على بن خاص بك أعزه الله أخبروه عن الشريف أنهم وجدوا غلمانه وشهوده عند زوجة شخص من غلمانه( أى من غلمان الأمير إبن خاص )، وأخبروه أنه ( أى ذلك القاضى الشريف الوفائى ) يجلس بين القصرين في محل الحكم وهو غائب ( أى غائب عن الوعى بسبب تعاطيه ) فطلبه وهدده ، فيمكن أنه أعلم السلطان به".).وأدى ذلك كله إلى أن يأمر السلطان بعرض القضاة ونوابهم بين يديه ليفحص أحوالهم ، وكانت فضيحة عام 876. وهى تستحق وقفة فى المقال القادم .