المقال الرابع
البهائية وصراع أديان المسلمين الأرضية

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


أولا : الوحى هو الفيصل بين الدين السماوى والأديان الأرضية

1 ـ الدين السماوى مصدره الوحى الالهى ، أو الكتاب السماوى. وبعد اكتمال القرآن الكريم نزولا انقطع الوحى الالهى باكتمال آخر رسالة سماوية للبشر.
الا ان الوحى الشيطانى لا ينقطع. ولذلك أنبأ القرآن الكريم باستمرارية هذا الوحى الشيطانى. ومن يؤمن بالوحى الشيطانى فهو فى نفس الوقت يكذب بآيات الله تعالى ، اذ لا يجتمع الايمان بنقيضين. العادة أنه ينتج عن هذا الوحى الشيطانى قيام أديان أرضية تتصارع على الجاه والنفوذ. ويظل القرآن الكريم المحفوظ الى قيام الساعة دليلا على زيف هذا الوحى وأديانه الأرضية.
2 ـ بالوحى الكاذب تتعدد الأديان الأرضية وكل منها يعبر عن أئمة مقدسين ولهم خلفاؤهم وأتباعهم وخرافاتهم ، ولكل منهم طقوسه وأسفاره المقدسة ومزاراته وتراتيله وترانيمه ودعواته وصلواته وأوراده وأدبياته وتراثه. وقبل ذلك وبعده لكل منهم مصالحه وطموحاته وأحلامه فى الانتشار والوصول للسيطرة والقوة والثروة، باستغلال ذلك الدين الأرضى .
لا يستطيع أحدهم اعلان الحقيقة وهى أنه دين أرضى لا شأن لله تعالى به. هذا الاعلان يقضى على مكاسبهم . ما يفعلونه دائما هو التأكيد على أن منهجهم مؤسس على ادعاء الوحى السماوى المنسوب لله تعالى ولرسوله أو الذى يأتى مباشرة الى الامام أو الولى أو النبى المزعوم. وسيلتهم فى الوصول للجاه والثروة هى الكذب على الله تعالى وخداع البسطاء من الناس ليكونا أتباعا لهم.
3 ـ وبتعدد الأديان ألارضية وتنافسها على الأتباع والأرزاق والنفوذ والسلطة والثروة فلا بد أن يقع أصحاب الأديان الأرضية فى صراع بسبب تضارب المصالح . والغلبة فيها تكون للأقوى سلطانا. ودين السّنة كان ولا يزال الأقوى بين أديان المسلمين الأرضية. وقد اضطهد بقية الأديان الأرضية للمسلمين وغيرهم ، وتكاثر ضحاياه عبر التاريخ ، ثم جاء البهائيون على درب المعاناة يتلقون الاضطهاد السّنى أسوة بغيرهم.
ثانيا : فى الدين الالهى : الدين كله لله وحده ، أى ملك لله تعالى وحده بلا واسطة . أما الدين الأرضى فهو ملك لأصحابه وقادته.

1 ـ لا يوجد فى الدين الالهى السماوى كهنوت أو رجال دين أو مؤسسات دينية لأن العلاقة مباشرة بين الانسان وربه دون واسطة، ولا مجال لتدخل سلطة بشرية فى هذه العلاقة سواء كانت علاقة الفرد بربه جل وعلا ايجابية أو سلبية. والدولة الاسلامية الحقيقية هى الدولة العلمانية التى تفصل بين الدين وشئون الحكم والسياسة ، وتتركز مهمتها على تأكيد حرية المعتقد وحرية الاعلان عنه وتأكيد العدل والقسط وحقوق الانسان وحقوق المواطنة.
فى الدين الأرضى يوجد رجال الدين وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية فينتشر سوق التكسب بالدين ، وتتعدد وتنقسم الآديان الأرضية ، ويدخل فى سوق الافتراء على الله تعالى ورسله كثيرون ، وتتعدد مزاعم الوحى والولاية والقداسة والنبوة ، و تتكاثر مناقب التقديس والتأليه لكل من هبّ ودبّ طالما يجد جماهير من السذّج والبلهاء.
وفى هذا السوق النافقة للكذب والاحتيال باسم الدين يدور صراع يكسب فيه الأقوى ويعانى الضعيف فى غابة الصراع هذه.
ولأن الدين الأرضى يملكه أصحابه من القادة والشيوخ فان كل دين أرضى تنعكس قوته وضعفه على ما لديه من مؤسسات ونفوذ. والأقوى منها يريد الانفراد بالساحة عن طريق مصادرة حق الأديان الأخرى فى الوجود ما استطاع الى ذلك سبيلا..
2 ـ وهنا تجد تناقضا بين موقفين من البهائية : موقف أتباع الدين السماوى الحق القرآنى، وموقف أتباع الدين السنى الأرضى وهو أكبر أديان المسلمين الأرضية نفوذا واستعلاء وتطرفا ..
المسلم القرآنى يحترم حق كل انسان فى الرأى والعقيدة وحقه فى التعبير عن فكره وعقيدته كيف شاء، و لو تنصّر مسلم وترك الاسلام فهو يحترم حقه فى الاختيار لأنه مسئول عن نفسه وما يختاره لنفسه. وبالنسبة للمسلمين أتباع الأديان الأرضية الذين يشوهون حقائق الاسلام بسلوكهم أو بعقائدهم فان المسلم القرآنى يتقدم لهم بالتوضيح طلبا للنصح والتذكير وليس للسب والتكفير. ومن هذا المنطلق ينظر للبهائيين. اذا كانوا يعتبرون أنفسهم من المسلمين يعظهم طلبا للاصلاح دون فرض وصاية عليهم ودون تكفير أو تخوين . وان كانوا لا يعترفون بالاسلام فهو يحترم حريتهم فى العقيدة، و يدافع عنهم اذا تعرضوا لظلم واضطهاد بسبب اختيارهم الدينى.
الأصل هنا أن الدين السماوى هوأن الدين كله لله تعالى وحده يحكم فيه بين الناس فيما هم فيه مختلفون. وهو وحده الذى يحاسب البشر ، وهو وحده الذى أتاح لهم حرية الاختيار ، وهو وحده الذى سيقيم للدين يوما أسماه يوم الدين أو يوم الحساب. لذا فالمؤمن بالدين السماوى يلتزم بالاتباع للحق محترما حق الآخرين فى الرفض أو فى الكفر لأنه لا يملك الدين بل هو خاضع لهذا الدين ورب هذا الدين وصاحبه الله تعالى جل جلاله . وهذه هى السّنة الحقيقية لخاتم النبيين الذى كان لا يملك لغيره ضرا ورشدا ولا يستطيع أن يهدى من أحبّ .
أما شيوخ الدين السنى الأرضى فهم الذين يملكون دينهم وهم المستفيدون منه وهو الذى اكتسب ملامحهم واكتسبوا ملامحه ، لذا فانتقاده هجوم عليهم والابتعاد عنه خروج على سلطانهم وتهديد لطموحهم السياسى المأمول أو تهديد لسلطانهم القائم. لذلك يسارعون الى السب والتكفير والتحقير واستحلال الدماء وسن قوانين الاضطهاد . وهذا ما فعله ويفعله وسيفعله شيوخ الدين السنى الأرضى مع البهائية وغيرها.
3 ـ وأعطى على ذلك مثلا حيّا ..
فى سنة 1992 أعلنت الصحف المصرية عن مولد حزب جديد هو حزب المستقبل الذى أراد أصحابه الدفاع عن حق المواطنة ضد التطرف السّنى وحركاته الدموية. عندها أصدرت ندوة العلماء فى الأزهر فتوى تتهم الحزب بالكفر وتحذر النظام من الاعتراف به ، وخصت الفتوى اثنين بالهجوم والتكفير : صاحب الاسم رقم 2 وهو صديقى الراحل د. فرج فودة ، ثم رقم 6 وهو اسمى. ودعت الفتوى لاغتيالنا صراحة. وبعد نشرالفتوى فى جريدة ( النور ) بأقل من اسبوع اغتالوا فرج فودة أمام مكتبه ، وأعلنت الجماعة الاسلامية فى اذاعة البى بى سى انها نفذت الاغتيال طبقا للفتوى التى أصدرها شيوخ الأزهر من أعضاء ندوة العلماء. بعدها حولوا محاكمة قتلة فرج فودة الى محاكمة لفرج فودة نفسه ، وأفتى الغزالى أن القاتل لم يرتكب جرما بالقتل ، انه فقط افتأت على السلطة وقتل من يجب أن تقتله السلطة ، أى أن فرج فودة مرتد لا بد من قتله فاذا لم تقتله السلطة فمن حق أى سنى قتله تكفيرا عن تقاعس السلطة عن قتله.
واجهتهم بكل ما أملك ، ولا أملك الا قلمى.!
كتبت سلسلة من المقاتلات أهاجم فيها الشيخ الغزالى وكتبت كتاب ( حد الردة ) أثبت فيه وبالمنهج الأزهرى السنى نفسه أنه لا وجود لحد الردة فى الاسلام.
من المقالات التى كتبتها فى ذلك الحين وأراها معبرة عن حالة البهائية اليوم مقال ( لأنه كفر بهم ). قلت فيه اننى عرفت فرج فودة وعايشته وصادقته عن قرب فوجدته مسلما مسالما سمح الخلق طيب القلب نظيف اليد ، ولكن ذلك كله لا يشفع له عند المتطرفين الشيوخ ، فقد وقع فرج فودة فى كبيرة الكبائر عندهم ، وهى أنه آمن بالله تعالى وحده ولم يؤمن بهم. لم يرض أن يكون تابعا لهم ، ثم لم يكتف بذلك بل ناقشهم وناظرهم فى مناظرة شهيرة علنية وهزم كبيرهم الشيخ الغزالى فاستحق عندهم القتل. فاذا كان الله تعالى فى دينه السماوى يغفر فهم فى دينهم الأرضى لا يغفرون ، واذا كان الله تعالى يقبل التوبة فهم لا يقبلون توبة من يسمونه زنديقا وهو المسلم الذى يناقشهم ويجادلهم ، واذا كان خاتم النبيين ليس له من الأمر شىء كما قال تعالى لمحمد عليه السلام فانهم فى دينهم الأرضى جعلوا لأنفسهم التحكم فى الدنيا والآخرة أيضا.
هذا يفسر كراهية شيوخ الدين السنى للبهائيين، لأن البهائيين يكفرون بشيوخ الدين السنى ولأنهم اختاروا لهم شيخا آخر وآلهة أخرى غير شيوخ وآلهة الدين السنى فلا بد من الهجوم عليهم وفق طبيعة الاكراه فى الدين المتأصلة فى الدين السّنى منذ قرون.
إن الشيخ الأزهرى الذى كان عضو ما يسمى بندوة العلماء والذى شارك فى الفتوى السامة التى نادت بقتلى وقتل فرج فودة قام بتحويل ندوة العلماء الى ما يسمى بجبهة العلماء التى تخصصت فى الهجوم على شخصى وعلى كل مفكر مصرى حرّ . ثم كان الشيخ نفسه مؤخرا زعيم الجوقة التى هبت فى استعداء النظام على البهائيين. هذا الشيخ الأزهرى الاخوانى لا يستحق أن أذكر اسمه .

ثالثا : الصراع أهم الفوارق بين الدين السماوى والأديان الأرضية

1 ـ الدين الالهى السماوى الحق لا يقوم على الصراع بل على السلام والاحسان والعفو والمغفرة والحب والتسامح والصبر على الأذى والظلم . ولو راجعت على سبيل المثال مصطلح الصبر لوجدته الأكثر شيوعا فى القرآن الكريم ، ولوجدت الصابرين هم الأعلى منزلة يوم القيامة ، ويكفى أن آية قرآنية تحولت الى مثل شعبى يقول ( ان الله مع الصابرين ) ويكفى أن أجر الصابرين عند الله تعالى يوم القيامة بدون حد أعلى أو بلا حدود أو بتعبير القرآن الكريم ( انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب . الزمر 10)
فى الدين السماوى لا مجال مطلقا للاعتداء والظلم . وتعبير الظلم يأتى فى القرآن الكريم مرادفا للكفر والشرك ، وهو معنى الكفر والشرك فى السلوك مع البشر ومع خالق البشر، فالشرك ظلم عظيم لرب العزة الذى خلق ورزق وأنعم ، ثم يأتى الانسان ويقدس مع الله تعالى بشرا مثله يتبول ويمرض ويموت ! أو يقدس أحجارا يسير عليها بقدميه . هذا أفظع ظلم للخالق جل وعلا. أقل منه ظلم الانسان لأخيه الانسان بالاعتداء والاكراه فى الدين .
2 ـ الا ان أفظع الظلم أن تمارس الظلم ثم تنسبه لله تعالى وتجعله دينا لله تعالى. وهذا الظلم الأفظع هو أهم ملامح الأديان الأرضية، وبسببها يجرى الآن اتهام الاسلام العظيم بالارهاب .
الحرب فى الاسلام استثناء لرد الاعتداء فقط ، بعد تحمل الأذى وبعد الهجرة واستنفاد كل سبل السلام. والله تعالى يؤكد أنه لا يحب المعتدين ، وأنه يدافع عن الذين آمنوا الذين يقع عليهم الاعتداء. ولكن أفظع الظلم لله تعالى ودينه أن تعتدى على من لم يعتد عليك وتحتل بلاده وتستعبده ثم تجعل ذلك جهادا فى سبيل الله تعالى وتجعل الظلم شرعا الاهيا ، وتؤكده بأحاديث ضالة تزعم أن النبى محمدا قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله..).
وهذا ما فعله المسلمون بعد موت النبى محمد عليه السلام. وأثمر هذا عن اختراع أديان أرضية ، يعتبر أحدثها البهائية.

رابعا: نشأة الدين السّنى معبرا عن التسلط والاستبداد

1 ـ بدأ الأمر بأن استغل الصحابة الاسلام فى احتلال بلاد لم يسبق لها الاعتداء على المسلمين ، لتبرير هذا الظلم قاموا باختراع أحاديث كاذبة سموها سنة وجعلوها وحيا سماويا فتأسس دين السنة دينا أرضيا بوحى مزعوم منسوب للنبى محمد عليه السلام تحت مسمى ( الحديث النبوى ) أى ينبع عندهم من وحى النبوة ، ثم أضافوا وحيا الاهيا مزعزما لله تعالى أسموه ( الحديث القدسى ).
2 ـ وفى ظل الدين الجديد تحول الصحابة الغزاة المعتدون الذين لا يحبهم الله تعالى ( البقرة 190 ) إلى آلهة معصومة من الخطأ ، ومع انهم تقاتلوا فيما بينهم فى حرب ضروس الا أن الدين السّنى يحظر مناقشة هذا الصراع الا فى ضوء التحميد والتقديس للآلهة المتقاتلين. واخترعوا أحاديث تحرم من يناقش سلوكياتهم وتؤكد على عدالتهم بمعنى عصمتهم.
وفى سبيل تلك الأحاديث كذبوا بمئات الآيات القرآنية التى تحدثت عن الصحابة المنافقين وأعوانهم فى عهد النبوة ، وأصبح مستحيلا فى الدين السنى عرض تاريخ الصحابة على القرآن لأنهم آلهة فوق مستوى البشر. فقد تعزز هذا الافك بأحاديث منسوبة للوحى. والدليل هو هذه الرهبة التى يشعر بها كل سنّى يقرأ هذا الكلام الذى يخالف أسس دينه السنى .
3 ـ وفى مقابل السلطة ودينها السنى الأرضى قام أقوى تيار للمعارضة باختراع التشيع مزودا بنفس مزاعم الوحى والأحاديث، وتمكن في فترات متقطعة من إقامة نظم حكم له فى مصر وشمال أفريقيا وفارس وغيرها، واستطاع فيها ارساء معالم دينه الشيعى واضطهاد خصومه من أتباع الدين السّنى .
وبتكاثر الثوار بمختلف الملل والنحل راج اختراع أحاديث متناقضة منسوبة لوحى كاذب ، وأصبح اختراع الأحاديث مجالا حيويا للصراع السياسى . وفى هذه الغابة تكاثرت أديان أرضية أخرى للمسلمين بلا خلفية سياسية. بعضها أعاد العقائد القديمة تحت رموز اسلامية ، وبعضها نبت لتحقيق أغراض اجتماعية وغرائز جسدية فقط دون عنف أو تسلط على الآخرين. وبعضها نبت دينا أرضيا بلا طموح سياسى ثم تكاثر أتباعه فاشتعلت لدى قادته طموحات سياسية.
والتفاصيل كثيرة فى كتب الملل والنحل التى تتحدث عن المسلمين. والملل والنحل تعبير تراثى مهذب عن الأديان الأرضية.
4 ـ ولكن ظل الدين السّنى هو ( أسد ) هذه الغابة المفترس ، اذ نبت فى ظل الخلافة الأموية ثم ازدهر فى حماية الخلافة العباسية وظل متحكما فى رعايا الخلافة العثمانية ثم صار الدين الأساسى الحالى للدولة السعودية، وقد نشرته بسيطرة الريال والبترول فى بقية النظم المستبدة العلمانية والقومية التى تحكم البلاد العربية والشرق أوسطية.
5 ـ فى ظل تلك النظم الاستبدادية القمعية قديما وحديثا احتفظ دين السّنة بملامح التسلط والاستبداد والاكراه فى الدين. وتكاثر ضحاياه من أهل الكتاب وبقية المسلمين من أصحاب الديانات الأرضية الأخرى.
والبهائيون هم أحدث ضحاياه الآن.
وللحديث بقية.
المقال الخامس عن :
دين السنة استوعب دين التصوف ليواجه دين التشيع
اجمالي القراءات 21319