فى الرد على مزاعم الديمقراطية داخل "إسرائيل" كنموذج للديمقراطية الحقة فى العالم
إسرائيل مغارة اللصوص

أحمد سليم في السبت ٢٥ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

  إسرائيل مغارة اللصوص

فى الرد على

مزاعم الديمقراطية داخل "إسرائيل" كنموذج للديمقراطية الحقة فى العالم

 

أحمد عزت سليم

عضو اتحاد كتاب مصر وعضو آتيليه القاهرة للفنانين والكتاب

aehs2020_20@hotmail.com

 

 

 

 

    من أبرز سمات النظام الحزبي الإسرائيلي  " كثرة  " الأحزاب وتوالى ظهور أحزاب جديدة وخصوصاً قبيل الانتخابات العامة ـ غالباً ما يختفي معظمها بعد الانتخابات مباشرة ، أو خلال دورة كنيست ( أربعة أعوام إذا لم تجر انتخابات مبكرة ) أو دورتين . وتعكس " كثرة  "  الأحزاب الانقسامات الاجتماعية / الاقتصادية الموجودة فى المجتمع الإسرائيلي،  وأبرزها حالياً الانقسام بين اليهود الشرقيين ( السفارديم ) واليهود الغربيين ( الأشكنازيم )،  والانقسامات حول هوية الدولة وطابعها العام ،  وكذلك الانقسام بين اليهود الدينيين والعلمانيين،  والانقسامات حول مصير المناطق المحتلة وقضايا السلام مع الفلسطينيين والعرب، والانقسام بين اليهود والعرب فى "إسرائيل"  ، وأيضاً الطموحات السياسية لزعماء يتمتعون بشعبية معينة. وترجع معظم الاندماجات والانشقاقات فى الثمانيات والنصف الأول من التسعينات إلى الخلاف بشأن قضايا المناطق المحتلة وإلى تمرد اليهود الشرقيين على سيطرة الأشكنازيم على المؤسستين الحزبية والسياسية . ومع أن الدولة أخذت على عاتقها كثيراً من هذه المهمات، فإن" أكثر" الأحزاب القديمة،  التى ترجع جذورها إلى فترة " اليشوف "،  لا تزال تمارس،  كلياً أو جزئياًن  أنشطة استيطانية واجتماعية واقتصادية واسعة النطاق ، وذلك من خلال الهيئات الاستيطانية والمؤسسات التعليمية ومؤسسات الرعاية الطبية والاجتماعية والمشاريع المالية والاقتصادية،  التى سبق لها أن أنشأتها.  ولا تتورع هذه الأحزاب عن استخدام نفوذها السياسى للحصول على أموال طائلة من خزينة الدولة لتعزيز هذه الأنشطة ، أو إقالة الهيئات والمؤسسات والمشاريع التابعة لها ( أو المسيطرة عليها ) من عثراتها .مثل استخدام الأحزاب العمالية نفوذها السياسى لضخ مبالغ ضخمة من أموال الدولة إلى اتحادات الكيبوتسات والموشافات، ومشاريع الهستدروت الاقتصادية وصناديق الضمان الصحى والاجتماعي التابعة لها،  من أجل إنقاذها من الإفلاس والانهيار؛  وكذلك استخدام الأحزاب الدينية نفوذها لزيادة المخصصات لشبكات التعليم الديني ومؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة لها ؛ واستخدام أحزاب اليمين القومى والدينى نفوذها للإنفاق بسخاء على المشاريع الاستيطانية التى أنشأتها فى المناطق الفلسطينية المحتلة الهيئات الاستيطانية التابعة لها أو المدعومة من قبلها ،  وتتكون هيكلة الأحزاب الإسرائيلية بصورة عامة من مؤتمر، هوالسلطة العليا فى الحزب وإليه يرجع أمر تقرير السياسات العامة، ويحل محلة فى تقرير السياسات العامة بين دورتيى انعقاد مجلس أو لجنة مركزية منتخبة منه ، تتألف من بضع مئات ، وتجتمع عدة مرات فى العام الواحد . وتدير السياسات والشؤون الحزبية اليومية هيئات أصغر مثل أمانة السر واللجنة التنفيذية والمكتب السياسى .  ويحدد دستور الحزب ونظامه الداخلى صلاحيات الهيئات وأسس اختيارها والعلاقات فيما بينها . وتوحى هذه الصورة بتوفر مقدار كبير من الديمقراطية فيما يختص بتقرير السياسات وانتخاب القيادات، لكن واقع الأمر كان لفترة طويلة بعيداً جداً عن ذلك، وكانت السمة الغالبة هى سيطرة مجموعة صغيرة من الأفراد مكونة من صفوة الزعامة السياسية الغالبة والبيروقراطية العليا للأحزاب على مقدراتها ، واحتكارها عملية تقرير السياسات واختيار الأعضاء للمناصب الحزبية والعامة العليا ، بل حتى تعيين الوارثين . وقد استغلت الصفوة فى الأحزاب سيطرتها هذه لشراء الولاءات وإدامة بقائها فى القمة ،  وكانت الأداة الرئيسية التى استخدمتها لهذا الغرض ما كان يسمى لجان " التعيين " أو " الترشيح "  .

      والديمقراطية في "إسرائيل"  مبررا ممتازا لوضع العراقيل أمام عملية السلام حتى تستكمل الصهيونية مشروعها الاستيطانى بالكامل فى فلسطين المغتصبة وقد أظهر الخلاف بين أيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق  وعاموس جلعاد مبعوث الحكومة الإسرائيلية فى محادثات التهدئة بعد مذبحة غزة 2008 / 2009  ، كيف تتملصل "الحكومة الإسرائيلية" الديمقراطية تجاه السلام بالمراوغة والعرقلة ؛ وكيف راوغت الديمقراطية الإسرائيلية بعقلية " مغارة اللصوص " على عملية السلام بشن هذه المذبحة ثم بالانتخابات والتملص منعملية التسوية برمتها  ، انتظار الانتخابات الإسرائيلية الواحدة تلوالأخرى، وكما يرى ماجد كيالى ( البيان الاماراتية15فبراير2009 ) أنه وسيلةلتملّصها من استحقاقات اتفاقات التسوية التي عقدتها مع الفلسطينيين، منذ15 عاماً ، ويتبين ذلك في المجالات التالية :

    1 ـ إن طبيعةالديمقراطية السياسية في "إسرائيل" ، وخصوصاً تبني مبدأ الانتخابات النسبية ،تتيح لكل المجموعات والتيارات التعبير عن ذاتها، والوصول إلى مقاعد الكنيست. وقد أتاح هذا النظام للأحزاب الصغيرة، وضمنها الأحزاب المتطرفة ،ابتزاز الأحزاب الكبيرة وفرض أجندتها عليها. ومنذ توقيع اتفاق أوسلو باتتأحزاب من مثل: "إسرائيل"  بيتنا (لليهود الروس من القادمين الجدد).وشاس)لليهود المتدينين الشرقيين) ويهوديت هاتوراه (لليهود المتدينين الغربيين)والاتحاد الوطني، تبتز الأحزاب الكبيرة (كاديما والليكود والعمل)، خصوصاًأن أياً من هذه الأحزاب لا يستطيع بمفرده، أو حتى بمعونة حزب آخر، تشكيلالحكومة. طبعاً هذا لا يعني أن الأحزاب الكبيرة كانت جاهزة، أو ناضجةللتسوية ، من الأصل، ـ فهذه الأحزاب بكل تنوعاتها و كبيرها وصغيرها فى أهدافها الاستراتيجية تتطابق تماما مع بعضها البعض فى محو كل العرب فى فلسطين المغتصبة ـ  وإنما هذا يوضّح كيف لعبت الديمقراطية لصالح تملصات"إسرائيل"  ، وسهلت عليها أمام العالم التهرب من عملية التسوية ، وإلقاءالمسؤولية زوراً وبهتاناً على الفلسطينيين

     2 ـ اعتماد السياسة الإسرائيلية في القضايا المصيرية على الإجماع . والمعنى من ذلك أن قضية مصيرية ، كقضيةالتسوية مع الفلسطينيين، بأبعادها التاريخية والرمزية، لا يمكن حسمها في"إسرائيل"  على أساس من المعادلة الديمقراطية التي تتعلق بموازين القوى فيالكنيست، أو عبر خضوع الأقلية للأكثرية ، فهذه القضية تحتاج إلى نوع منالتوافق يضم معظم التيارات السياسية. وكما هو معروف لم يكن بالمستطاعتحقيق مثل هذا التوافق، طوال المرحلة الماضية .

    3ـ ثمة تغيرات كبيرةدخلت على تركيبة المجتمع الإسرائيلي، في التسعينات، نتيجة وفود ما يقاربمليون مهاجر من دول الاتحاد السوفييتي السابق . وكما هو معلوم فإن "الدولةالإسرائيلية" التي قامت على الهجرة والاستيطان وصهر القادمين في "المجتمعالإسرائيلي" ، مباشرة، تمنح القادمين الجدد الجنسية، وحقوق المواطنة، بما فيذلك حق الانتخاب والترشيح. وبالنتيجة فقد ساهمت هذه الهجرة برجحان كفةاليمين في النظام السياسي، خصوصاً أن هؤلاء المهاجرين جاءوا مشبعين بالروحالصهيونية الاستعمارية ، وبروح الغطرسة ونبذ الآخر

     4 ـ عدم تمكن أية حكومةمنذ توقيع أوسلو من استكمال فترتها الدستورية ،  إذ شهدت "إسرائيل" ، خلالالفترة الماضية ، حالاً من عدم الاستقرار السياسي . وهكذا فإن مختلفالحكومات ، سواء في ظل حزب كاديما أو الليكود أو العمل، ومن حكومة بيريإلى نتانياهو إلى باراك إلى شارون إلى أولمرت،، وإلى لفينى وإلى نتانياهو مرة أخرى   ذهبت إلى الانتخاباتالمبكرة في المفاصل الحاسمة ، بدعوى عدم قدرتها في ظروفها على تمريراستحقاقات التسوية وتنفيذ الاتفاقات مع الفلسطينيين؛ وتهرباً من الضغوطاتالدولية والإقليمية.

    ولعل أصدق تشبيه  لهذه " الكثرة "الديمقراطية  أو" سوق من الآراءالحرة "كمايردد الصهاينة ويتفاخرون ، هو  ماورد فى النص التوراتى ذاته من وصف لبنى إسرائيل بـ  " مغارة اللصوص " ففيما يتعلق بمعاملة الفلسطينيين فى "إسرائيل"  أو فى الأراضى المحتلة،  بالتغاضى عما تقْدم الدولة عليه من انتهاكات صارخة للأصول القانونية الدولية ، وربما مال أحياناً إلى الإعراب عن تفضيله فرض قيود واضحة على الحقوق المدنية والسياسية للأقلية العربية فى الدولة، واعتماد إجراءات أشد قسوة حيال الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة ، والموافقة فى بعض الظروف على طردهم نهائياً من البلد،  مثلما درجت "الحكومات الإسرائيلية" المتعاقبة عليه،  كطرد 422 فلسطينياً إلى الجنوب اللبنانى سنة 1992 . ومنذ أواخر الثمانينات، أدى استعمال "إسرائيل"  فرق الوحدات الخاصة للاغتيال فى الأراضى المحتلة ، وما كان من تورُط الشين بيت فيها تورطاً نشطاً ، إلى فضح المزاعم الإسرائيلية فى شأن سيادة القانون .  ومما ينذر بالخطر أيضاً من حيث التمييز فى معاملة الأقلية العربية ، ما كان من قيام الشرطة ، داخل حدود سنة 1948،  بتأليف " وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب "، غايتها رصد أنشطة المواطنين العرب الإسرائيليين فى الدولة .  وقد ألفت الحكومة مؤخراً وحدات خاصة ( يحيدوت نفحاروت ) مهمتها التقصى عما يوصف بالمبانى غير المشروعة فى القطاع العربى، وهدمه .

      وبعد اندلاع الانتفاضة ، أُلفت فرقة أُخرى فى النقب مهمتها رصد نشاط البدو من العرب . وهذه الفرق تضاف جميعها، طبعاً ، إلى جهاز الأمن النظامى الواسع الانتشار فى القطاع العربى والمعتمد على شبكة متطورة من الشرطة السرية والمخبرين المحليين، شبكة لا تخضع أنشطتها للتحقيق من قبل أية سلطة مدنية مستقلة . إن التصور الصهيونى للدولة يخلق تناقضات فى تطبيق الحقوق العامة للمواطنة عندما يعبَّر عن هذه الحقوق بمصطلح عرقى .  من ذلك قانون العودة ( سنة 1950 ) وقانون الجنسية ( سنة 1952 ) ، والسياسة التربوية التى وضعت سنة 1953 والتى تسعى لـ " تأسيس الوطن، والولاء للدولة وللشعب اليهودى "،  والسياسات المتعلقة بملكية الأرض والمبنية على استرجاع الأرض إلى السيادة اليهودية للأبد،  كل ذلك يتعارض مع المستلزمات الأساسية للدولة الليبرالية . ويقر سامى سموحا ، وهو أكاديمى إسرائيلى يبحث فى شئون الفلسطينيين فى "إسرائيل"  ، بأن "إسرائيل"  ليست ديمقراطية ليبرالية ، فأنه يضيف أنها ديمقراطية غير غربية ، "من الدرجة الثالثة " ، وأن الصهيونية والديمقراطية تتناقضان تناقضا جوهريا ، وأن سياسات الدولة التمييزية عامل حاسم فى التوجهات السياسية للعرب فى "إسرائيل"   ويفضل سموحا أن يستعمل عبارة ديمقراطية عرقية لوصف إسرائيل.  ويأتى أوضح تفنيد لكون "إسرائيل"  دولة ديمقراطية ليبرالية فى قوله :  " "إسرائيل"  ليست ديمقراطية ليبرالية يُعد الفرد فيها عماد المجتمع ، وأصله القومى مسألة شخصية ، والجدارة معياراً لتولى الأدوار والوظائف،  والناس أحراراً فى الاندماج والافتراق ."  والمسألة هنا هى هل تستطيع " الديمقراطية العرقية "،  التى يعرُفها سموحا بأنها " ديمقراطية تمنح الأكثر اليهودية وضعاً مميزاً وتدخل اليهودية فى لغتها السائدة ومؤسساتها وقطاعها العام وأعيادها وأبطالها ورموزها وشعاراتها وتوجهاتها "، (  هل تستطيع أن تحل التوتر القائم بين النزعة الحصرية والنزعة الشمولية ؟  !  .

       ومن تضمينات قانون الجنسية أن " العرب لا يستطيعون اكتساب الجنسية الإسرائيلية من طريق العودة ،  بل ينبغى أن يكتسبوا ذلك من طريق الإقامة أو الولادة أو التجنيس ." وقد أدى التعديل الذى أدخل سنة 1980 على قانون الجنسية الصادر سنة 1952 إلى الإمعان فى إقصاء الحاصلين على حقوق المواطنة فى " دول التسلل " ( الدول العربية المتاخمة "إسرائيل"  ) عن الحصول للمواطنة "الإسرائيلية" .  وتنص المادة الخامسة للفصل الثالث (أ) على أنه يحق للشخص أن يكتسب المواطنة "الإسرائيلية" إذا " لم يكن موطناً فى بلد مذكور فى قانون منع التسلل ."  إن تضمينات هذه المادة واضحة ، فقرابة مليونى نسمة من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فى الأردن لا يستطيعون أن يتأهلوا للمواطنة  "الإسرائيلية " فى بلد مولدهم ( أو مولد أبائهم ) السابق على أساس مواطنتهم الحالية ، أى كونهم مواطنين أردنيين . ومن المجالات الحيوية الأُخرى التى تلتقى يهودية "الدولة" والقانون فيها على تشكيل ممارسات تمييزية ضد السكان العرب الأصليين،  مجال الأراضى ، لجأت "الدولة" بعد أن تم طرد السكان الفلسطينيين ونزوحهم سنة 1948، إلى ضربين رئيسيين من الممارسات لتجريد السكان الفلسطينيين الأصليين من أراضيهم :  " تجميد ملكية الأراضى ـ وقد تمت العمليتان بوساطة سلسلة من القوانين الجائرة التى سُنت لتجريد الفلسطينيين من أراضيهم . وفى مقال نشر فى صحيفة " دافار " ( 8 / 6 / 1993 )،  قدم ميخائيل سيلع صورة مفصلة لعملية الخنق الإسكانى المتدرج التى تقوم السلطات اليهودية بها ضد السكان العرب فى القدس الشرقية وضواحيها القريبة .  فمن الدجل الكلام على القدس باعتبارها مدينة موحّدة ، مثلما يتكلم تيدى كوليك ، ورئيس بلدية القدس إيهود أولمرت ورئيس الوزراء الإسرائيلى السابق ،  وسواهما ، ذلك بأن حقيقة الأمر،  فى نظر سيلع،  هى أن سكان القدس من العرب إنما هم " ضيوف " يعانون التمييز العرقى فى كل وجه من الوجوه ، كالافتقار إلى البنى التحتية الأساسية ، بما فيها الطرق المعبدة والتنظيم المدنى السليم،  والمساكن الضرورية والمدارس ،  إلخ . 

      ولقاء دفع الضرائب،  يجد سكان القدس من العرب أن أراضيهم تصادر لاستيعاب المستوطنين الصهيونيين الوافدين من الاتحاد السوفيتى السابق،  أو لتلبية مطالب أقلية صاخبة من غلاة اليهود الذى ما فتئوا يتعدّون على الأحياء العربية ،  والذين توصلوا،  بدعم الحكومة المالى ،  إلى الاستيلاء على منازل عربية على مرأى من مالكيها العرب وبحسب قول سيلع، فإن "ما تمثله القدس ( الموحدة ) ليس فى الواقع إلا سياسة متواصلة من الاحتلال والتمييز فى الإقراض والإهمال البيئي والإذلال والتجريد من الملكية .  والغاية من وراء ذلك هى جعل حياة سكان المدينة الفلسطينية لا تطاق إلى حد أنهم يضطرون إلى مغادرتها وهذه الغاية غير معلنة على الإطلاق ." لكن سيلع يستشهد بكلام مسؤول فى المجلس البلدى قال له: " لا تقل لى إنكم لا تعلمون أن هذه هى غايتنا ." وآخر أوامر الهدم  ـ التى لاتنتهى ـ أوامر الهدم التى صدرت فى أوائل عام 2009 والتى تستهدف 88 منزلا فى حى البستان ببلدة سلوان بالقدس المحتلة والتى من شأنها تهجير ما لايقل عن 1500 مواطن دفعة واحدة فى أكبرعملية تهجير من القدس منذ الاحتلال عام 1967 (الأهرام المسائى 29/2 / 2009 ).حيث تمارس"الحكومةالاسرائيلية"سياسةالترانسفيروالتطهيرالعرقيالذييهددالوجودالمقدسيفيالمدينة، كمايهددالمسجدالاقصىالمبارك،وكمافعل الصهاينةفيحيبابالمغاربةمنهدمللمنازلوتهجيرللسكان يفعلون الآن فى حى البستان باستخدامالقانونالاسرائيلي212والذييسمحلـ"إسرائيل"  بمحاكمةالحجردونالانسانوبهذاالقانونيحقلـ"إسرائيل"  هدممنازلمقامةمنذمئاتالسنيندونالرجوعلأصحابها.وقال محمودالقاضي أبوسميرأحداصحابالمنازلالمهددةبالهدمفيحيالبستانفيسلوان"أناأسكنفيبيتعمره200سنةقبلاسرائيلوقبلبريطانياوقبلالأردن،هناكحوالي40شخصيقطنهذاالبيت".  وعندسؤالهإنكانتوجهتلهمإنذاراتمحددةلأصحابالمبانيفيحيالبستانقالالمواطنمحمودالقاضي:"هناكأمراحترافيلايعطوكأيإنذارومابتلاقيهمإلايأتوكويقولالكإطلعبره،وهذا هو الوضعالاحترافيفيالقدس،القضيةليستقضيةهدمبيتبلالقضيةإخلاءالأرضوتهجيرجماعيلآلافالأشخاصوأصحابالأراضيالأصليين، أنالستشارياللأرضولامستاجراولكنأنامالكووارثعنأبعنجد".    

    لا شئ يصف عملية تجريم الفلسطينيين أفضل من مسألة مصادرة الأراضى . فقد أفلحت "الحكومة الإسرائيلية" ، من خلال سلسة قوانين، فى مفاقمة حال قلة الأراضى والمساكن فى القطاع العربى،  وثمة عوامل،  منها ارتفاع نسبة الولادات عند السكان العرب وسياسات "إسرائيل"  المقصودة  كالامتناع من وضع مخططات مدن لكثير من القرى العربية وعدم إعطاء العرب رخص بناء،  تضافرت على دفع العرب بصورة متدرجة إلى إنشاء منازل " غير شرعية " لتلبية حاجاتهم الملحة .   "  إن تردى حال العرب الإسرائيليين يعزى,  قانوناً إلى تعريف "إسرائيل"  نفسها رسمياً بأنها دولة يهودية ، ذلك التعريف الذى يبدو كأنه يستبعد ،  نظرياً على الأقل،  الـ 18% ( تتضمن هذه النسبة السكان العرب فى القدس ) من سكانها المصنُفين رسمياً بأنهم ( غير يهود ) " إن المساوة الحقيقية للمواطنين الفلسطينيين لا يمكن أن توجد فى "إسرائيل" ،  لأن "إسرائيل"  ليست دولة مواطنيها بل دولة اليهود أينما يقيمون :  " والعرب الإسرائيليون،  وإن قُيُض لهم أن يتمتعوا بحقوق متساوية فى جميع المسائل الأُخرى،  فإن "إسرائيل"  ليست دولتهم ."  لكن السبب الأساسى للسمة العرقية القومية للدولة وممارساتها التمييزية ،  على ما يرى أيلون،  إنما هو الحاجة إلى منح اليهود فى العالم كله مواطناً خاصاً يستطيعون أن يشعروا فيه بالأمان من اللاسامية .ولذلك كما يرى "إسرائيل"  شاحاك فإن "الدولة الإسرائيلية"  تميز رسميا لمصلحة اليهود وضد غير اليهود فى مجالات عديدة منها الأكثر أهمية : ـ حقوق الإقامة ، ـ حقوق العمل ، ـ وحق المساواة أمام القانون . وتؤكدقرارت المحكمةالعليا الإسرائيليةأيضًاالدور العنصرى للكيان الصهيونى فى تنفيذ هذه السياسات  في الوقت الذى  يتشدقونبدورهاالمزعوم المدافععنحقوقالإنسان،وحقوقالأقليةالعربيةعامة ،إذأنالمحكمةفضلتعملياتعريفالدولة أنها"دولةيهودية" علىتعريفهاأنها "دولةديمقراطية"،وبذلكعملتمنمنطلقتلكالإيديولوجيةالسائدةفي الكنيستوالحكومة والمجتمع الصهيونى . بالإضافةإلىذلك،أوضحتقرارتالمحكمة فيما يتعلقبالمواطنينالعرببأنالمحكمةشريكةفيوجهة النظرالديمغرافيةالتيتقففيصلبالإجماعالصهيوني ،وبأنالمواطنينالعربسيصطدمونبالتفضيل الجارفللنظرةالإثنيةلـ"دولةإسرائيل"علىحسابقيمديمقراطيةبمسائلديمغرافية.  لقــدأخفقـتالمحكمـةالعليــا عمليًــافيالقيــامبدورهاالهــامللغايــة ( المزعوم )  فىالدفاععنحقوقالإنسان  ـ  كما يروج الصهاينة ـ منخلالدعمهاللقوانين ومنها قانون المواطنة والدخول لـ"إسرائيل"  عام 2003والذى أبقى المواطنين العرب تحت حظر جارف يشمل الجنسية والإقامة ولم شمل الأسر والعائلات العربية ويمس بشكل أساسى المساواة وكرامة الإنسان العربى فى "إسرائيل"  وحياته الأسرية وحرية التنقل والسفرتحت دعاوى أمن "الدولة" ومواطينيها  ومواجهة الإرهاب ، وفيشهرنيسان2005 ،أعلنرئيسالحكومةالسابق إريئيلشارون صراحة رأيه فى الجدل حول هذا الدور العنصرى وهذا القانون ، فيجلسةخاصةلمجلسالوزراءالمصغر:أنالحديثيدورعنأمرمبدأييتعلقبالهويةاليهوديةللدولة،وليس بأمرأمنيوقال"لاحاجةللاختباءوراءذرائعأمنية  .ثمةحاجةلوجوددولةيهودية".  ، وثمةإثباتإضافيلذلكوهوأقوالالقاضيةايلهبروآتشيه،التيشددتفيقرارتهاعلىأنهيتبيـنمنمناقشات الكنيست،التيجرتقبيلاتخاذالقانون،أن"الموضوعالديمغرافيحامفوقالتشريعخلالكلالوقت،وشكل موضوعًاموازيًافيمناقشاتلجنةالداخليةوفيجلسةالكنيست".  لذلكفإنالقانون جارفوغيرنسبيقطعيًاويشكلعقابًاجماعيًايتناقضوقانون حقوقالإنسانالعالمي  ،ويسلبحقوقأساسيةعلىأساسقوميويمسبأبسطالحقوقالدستورية ،وذلك من أجل استمرار سياسات خنق المواطنين العرب والقضاء على حقهم فى تكوين عائلة واختيار الزوجة وإنجاب الأولاد ، والقيام بإبعاد الأباء والأمهات عن الأولاد وإبعاد الأزواج والزوجات عن بعضهم البعض بالقوة وطردهم إلى الأراضى المحتلة ولا يسمح لهم إلا بخيارين جائرين  إما ببناء حياة عائلية والتنازل عن الوطن بالعيش خارج فلسطين المغتصبة  "إسرائيل" ، أو العيش بها والتنازل عن العائلة  ، وبالإضافة إلى حرمان المرضى من العلاج، وقدم لنا تقريرالمؤسسة العربية لحقوق الإنسان ( عام 2006 ) نموذجا لهذه الحالات :

         " عنالطفلةصباحشتيوي10) سنوات(فهيتعانيمنمرضألمبهافيقدميها،وقدولدتمعإعاقة جسديةوتوفيتوالدتهاوعاشتالطفلةيتيمةمنذنعومةأظفارها. وهيتجرقدميهاجراًوهيتتأرجحفيمشيتها وغالباًماتتعثر.  والأقسىمنذلك ، أنهاتعانيصباحاليوم الذىتذهبفيهإلىالمدرسةحيثتقطعمسـافةطويلة سيراًعلىالأقدامللوصولإلىمحطةالحافلةالتيتنقلهاإلىالمدرسة ، تتعثروتواصلالمسيرإلىأن تصلإلىمحطةالحافلة والطفلةلاتتلقىالعلاج ، كما إنهاغيرمسجلةفيوزارةالداخليةوليسلهارقمبطاقةهوية ، هيووالدها ،وبالتالي لاتستطيعانالحصولعلىالخدماتالطبية. ويقولوالدها : "لاأتمكنمنعرضابنتيعلىالأطباءالمختصين فلاأحديعترفبناولمأتمكنمنعرضهاعلىأطباءخاصينبسببالتكاليفالباهظة ،وهاأنالاأتمكنمن الخروجمنالبيتبسببعدمحصوليعلىبطاقةالهوية  "

        وبالإضافة إلى الاعتقالات والتعذيب والآعتداء الجنسى  وقدم لنا تقريرالمؤسسة العربية لحقوق الإنسان نموذجا لهذه الحالات   :

          "البروفيسورغازيفلاح،ولدفيقريةعربالهيبفيالجليلالأسفل،وهومحاضركبيرللجغرافيافيجامعة كآرونفيالولاياتالمتحدةوأخصائيذواسمعالمي،ويحملجنسيةمزدوجة ،"إسرائيلية"وكندية. فيمطلعشهرتموز،خلالالحربعلىلبنان،وصلإلىالبلادلزيارةوالدتهالمريضة . وخلالزيارتهتجوّلفلاحفيمنطقةنهارياورأسالناقورةوقامبالتقاطبعضالصورضمنالبحثالذييجريه . وماكانمنجهازالأمنالعاموالشرطةإلاأناعتقلتهبحجةأنهالتقطصورةلأماكنعسكرية ،متهمةإياهبالتجسسلصالححزباللهوإيران .وقدفرضأمرمنعنشرجارفعلىالقضيةلمدة18 يومًا،بمافيذلكأمراعتقاله. وفيتلكالأياممنعفلاحمنالالتقاءبمحاموالاتصالبعائلتهأوإجراءاتصالمعأيشخصآخرسوىالمحققين. وبعدهاألغيالأمربموافقةجهازالأمنالعاموالشرطة ، وسمحللبروفيسورفلاحالالتقاءلأولمرةمعمحاميه،حسينأبوحسين ،وأخذمرةأخرىللتحقيقفيجهازالأمنالعام. استمرالتحقيقمنساعاتالظهروحتىالساعةالخامسةفجرًافيالغداةبشكلمتواصل،لمنعهمنالنوم. وأكدممثلوجهازالأمنالعاموالشرطةهذاالأمروادعواأن"التحقيقكانمبررًاوصحيحًافيضوءالتطورالذيطرأعلىالتحقيق". وحسبأقوالمحاميه،اعتدىأحدمحققيجهازالأمنالعامعلىالبروفيسورفلاحجنسيًا،خلالالتحقيق .استندجهازالأمنالعامفيتهمهإلىزيارةالبروفيسورفلاحلطهرانوبيروتقبلسنتين. غيرأنهتبيّنأنالزياراتكانتلأهدافأكاديميةوأنكلالزياراتجرتبشكلعلنيوكجزءمنعملهالأكاديميفيمجالجغرافياالعالمالعربيوالبلداتالعربيةفيفترةالانتدابوتهويدالجليل." ، وبالإضافة إلى الاعتداءات المستمرة على الحرمات الدينية للمسلمين والمسيحين واستخدام المساجد والكنائس التاريخية كمقار للحملات الانتخابية  ( كما فعل حزب كاديما والليكود ) وتصوير الأفلام الإباحية وهذه التصرفات العنصرية الفاضحة تستهدف دفعهم لمغادرة بلادهم استمرارا لسياسات التهويد بالقضاء على من تبقى من العرب فى فلسطين المغتصبة "إسرائيل" . 

  أماالإعلامالإسرائيليفى نموذج الديمقراطية الإجرامية ، والذيخضعإلىرقابةعسكريةصارمةوكانيحاسبعلىكلمعلومةوكلمةيدليبهافيالحربالتيشنتها"إسرائيل"  علىغزةفي27ديسمبر 2008 ،  مسموحلهالآنوبحريةمطلقةتجاوزمقدساتالغيروثوابتهبطريقةوقحة فقد بثت بابتهاج القناة العاشرة الإسرائيلية مجموعةمنالمسرحياتالقصيرةأشارتإحداهاإلىأنمريمالعذراءقدحملتنتيجةعلاقةمعزميلفيالمدرسةيبلغمنالعمر15عاماً..فيماترويمسرحيةأخرىأنالمسيحماتفيسنصغيرة " لأنهكانبديناً"  وأنحجمهالزائدجعلمنالصعبعليهالمشيفوقالماء.ويقولمقطعساخر آخر  "إنالعقيدةالمسيحيةتشيربأنالمسيحكانيسيرعلىمياهبحيرةطبريا،هذاغيرصحيحفالمسيحكانبدينًاجدًاوخجلمنالخروجللبحر،وكانيحافظعلىوزنهمنذجيلالثالثة ،اليسوععاشكلعمرهفيرجيمقاسٍ،وكانيومالأحدمقدسعندالمسيحينلأنالمسيحكانيعملدايت"ريجيم" خاصفيهذااليوم ،ولولميكنيعانيمنالسمنةالمفرطةلعاشحتىسنال40،  وأهمالأمورالتياهتمبهاالمسيحهيالعشاءالأخيرالمعروفلدىالمسيحيينلأنفيهتناولطعامًابحيثأنشرابهالمفضلهوعصيرالجريبفروت".وكذلك بثتالقناةفيلمامصوراأهانتبهاسم"محمد" عليهالصلاةوالسلامعندماأطلقتاسم"محمد" علىحذاء.  ولا يقتصر الإجرام على ذلك فالأعلام فى هذه الديمقراطية الإجرامية كما يقول يوناتان مندل مراسل وكالة “walla”    يقوم بعملية تمويه للحقائق بهدف منح الجيش الإسرائيلى المشروعية القانونية والأخلاقية فى كل ما يقوم به من بطش وتعسف فى حق الفلسطينيين ، بينما يتم تلطيخ الفلسطينيين بعبارات مثل الإرهاب والقتل والخطف  ، وعندما تلقى قنبلة زنتها طن على منطقة مكتظة بالسكان فى غزة وتقتل الأبرياء ، لايعتبر ذلك قتلا متعمدا بل أن الجيش الإسرائيلى قد وجه ضربة إلى الفلسطينيين  ، وهو مجبر على ذلك ولا يتحمل المسئولية ولا تلقى وسائل الإعلام الإسرائيلية بالا لمماراسات الجيش مثل حظر التجول والاعتقالات والحصار البحرى والبرى وإطلاق الناروالقتل وأن ذلك هو سبب ردات فعل الفلسطيبنيين وبما أن هؤلاء الأخيرين لايمكنهم الرد فإن الإعلام الإسرائيلى يختار فعلا آخر من القاموس الذى يضم كلمات مثل الانتقام أو الاستفزاز أو التحريض أو رمى الحجارة أو إطلاق صواريخ القسام ، ويستخدم ـ مثلا ـ لفظ التطويق كتعبير ملطف عن الحصار الذى يواجه فيه كل من يغادر منزله خطر إطلاق النار عليه ، فالمناطق الحربية هذه هى أماكن يمكن قتل الفلسطينيين فيه حتى لوكانوا مجرد أطفال لايدركون أنهم دخلوا منطقة حربية وفى الحال يتحول الأطفال الفلسطينيون بقدرة قادر إلى مراهقين فلسطينيين ولاسيما عند تعرضهم للقتل .  

 

       هكذا عقلية المغارة حيث يعمل "الجميع " / " الكثرة " مع بعضهم البعض على اعتبارتهم وأهدافهم المختلفة سواء كانت على أساس قومى أو سياسيى أو اقتصادى أواستيطانى إحلالى أو دينى ولاأخلاقى ، وهى مندمجة فى حالة العنصرية والإبادة المتعمدة على ضوء هذه الاعتبارات والأهداف المختلفة ، ومحصنون بها ، وقد غلف هذه الاعتبارات أوشكلها وكونها البناء الدينى حيث أن أغراضه هى ذات أغراض الاعتبارات والأهداف المختلفة  فى العنصرية والإبادة المتعمدة والتصرفات اللأخلاقية  وإعطاء الغطاء الشرعى لها ، والتى تصير فخرا لكل أعضاء  "الجميع " / " الكثرة " والتى تحافظ أول ما تحافظ على مصالحها وتصوغ لها التصرفات الإجرامية لهذا "الجميع " / " الكثرة " ضد الأغيار . وهذا هو جوهر الديمقراطية وسلوكها ومبتغاها فى الكيان العنصرى الإسرائيلى الصهيونى  ، إنه "الدولة " اليهودية كما ينفذونها ويفسرها القاضى أهارون باراك رئيس المحكمة العليا  بأنها "دولة" الشعب اليهودى التى يحق فيها لكل يهودى أن يهاجر إليها ، وجمع الشتات اليهودى هو من قيمها الأساسية ، يتشابك تاريخها ويندمج فى تاريخ الشعب اليهودى وتعتبر الاستيطان اليهودى على رأس سلم أولوياتها وتتطلع إلى خلاص "إسرائيل"  وتستقى من التقاليد الدينية والتوراة هى الكتاب الرئيسى بين كتبها وتعتبر قيم توراة "إسرائيل"  والتراث اليهودى وقيم الشريعة اليهودية  (بما فيها التلمود ) من  قيمها الأساسية ولا يختلف خطاب هذا القاضى الموسوم باللبرالية فى محاضرة ألقاها فى الموتمر العالمى للعلوم اليهودية فى أغسطس عام  1997، وقوله نحن دولة شابة فيها شعب قديم عاد وطنه وهى تحقيق تطلعات الشعب اليهودى منذ أجيال لتجديد تاريخه القديم وهى بداية الخلاص وتحقيق الرؤيا الصهيونية  ، وعميق هو الرابط الدينى القومى والتاريخى السياسى بين شعب "إسرائيل"  وأرض "إسرائيل"  وبين "الدولة" اليهودية و"الشعب" اليهودى ؛عن خطاب القيادى الصهيونى أسيشكين أمام مؤتمر السلام بعد الحرب العالمية الأولى وفى فبراير 1919 والذى قال فيه : المطلب التاريخى للأمة اليهودية ، أن تعاد إلى حدودها ، وأن تعاد إليها الأرض التى وعدت العناية الإلهية بنى "إسرائيل"  بها قبل أربعة آلاف عام . وكما يعبر دافيد بن جوريون عن إجماع الكثرة فى قوله : ليس لنا أن نفصل بين الدين والدولة فهناك وحدة مصير بين" دولة إسرائيل" وبين الشعب اليهودى  "  هكذا يشرعن القاضى باراك الرؤيا الخلاصية المسيانية فى الصهيونية ويؤكد أن الرابط الصهيونى هو فى الواقع دين سياسى ، وأنه لافارق لديه فى الواقع بين " دولة يهودية  " و " دولة صهيونية " . لهذا تستهدف المطالب الصهيونية ، فى مؤتمرات السلام التى يحضرها ويسعد بها القادة العرب ، الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية  إقصاء حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة كليا ومراجعة شرعيته الدولية ، والاعتراف بالشرعية التاريخية وهذا يعنى أنها كانت على حق والعرب على خطأ ، ولهذا كان نص قرار "الحكومة الإسرائيلية" فى مايو 2005 الخاص بقبول خريطة الطريق مشروطة بأربعة عشر شرطا  ، منها : " يطلب من الفلسطينيين أن يعلنوا أن "إسرائيل"  دولة يهودية فى إطار التصريحات الافتتاحية المطلوبة من الزعماء فى بداية خريطة الطريق " أنه بحق أكبر تمثيل لعقلية " مغارة اللصوص " بنهب كل حقوق الأغيار وكل تراثهم والتخلص منهم جسديا ومحوهم فكريا وتاريخيا، وكشفت المحكمةالعليا الإسرائيلية عن وجهها العنصرى الحقيقى فى هذا الشأن  بتأييدها لعملية التطهير العرقى بالموافقة على  أوامر الهدم التى صدرت فى أوائل عام 2009 والتى تستهدف 88 منزلا فى حى البستان ببلدة سلوان بالقدس المحتلة والتى أشرنا إليها سابقا .

      وتأكيدا لفكر مغارة اللصوص فقد تحولت "إسرائيل"  من "شرطى قروى" إلى "شرطى دولى" لصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وتميزت بالمهارة والبذل والعطاء فى أدائها لهذا الواجب. ونجح الاسرائيليون فى بعض الحالات فيما فشلت فيه دول أخرى بالعالم الغربى فى تمزيق أوصال حركات تقدمية راديكالة فى العالم الثالث وفعل الإسرائيليون ما يريدون بجسارة وحماس ولباقة… على الأقل من وجهة النظر الأمريكية وكانت يد أمريكا مشلولة لأسباب مختلفة فى عديد من بلدان العالم الثالث التى تنشط فيها إسرائيل ، لذا يتزايد الطلب على الخدمات الإسرائيلية فلا يمكن لإدارة ريجان إرسال مستشارين عسكريين إلى زائير وجواتيمالا وجنوب أفريقيا أو هاييتى. وحتى الحكومات الأوروبية ، التى تلتزم بالسياسة الأمريكية ، ليست على استعداد للمغامرة فى دولة مثل شيلى مثلاً وكل ما يراه الآخرون عملاً قذراً ، تراه إسرائيل واجباً شرعياً وتكليفاً عظيماً. و قدمت إسرائيل الدليل على إمكانية دحر الجماهير المتمردة باستخدام تكنولوجيا الأسلحة المتقدمة وتشير صيحة الحرب الإسرائيلية إلى أن الغرب يمكن أن ينتصر أى يجب أن تكون للغرب اليد العليا فى مواجهة الحركات الجماهرية الرديكالية المتقدمة فى العالم الثالث سواء فى جنوب أفريقيا أو فى الشرق الأوسط أو أمريكا الوسطى ويمكنه أن يفوز إذا ما سار على نهج الاستراتيجية الاسرائيلية الخاصة بالعمل العسكرى الحازم ضد كل حركة راديكالية أينما كانت. يتمتع المرتزقة الاسرائيليون   ـ فى مغارة اللصوص ـ  بسمعة عالمية وطبقاً لبعض التقديرات فهناك أكثر من ألف مرتزق اسرائيلى يعملون كمعاونين متطوعين فى مهنة يتحكم فيها الدماء والمال. وتستخدم عادة الأنظمة المكروهة من شعوبها ولكن لماذا يقوم المرتزقة الاسرائيليون بالتعاون مع زملائهم من إنجلترا وأمريكا وألمانيا الغربية بدور بارز فى هذا القطاع من السوق العالمى :

      تعتبر "إسرائيل"  بالقياس أكبر مصدر للمرتزقة على المستوى العالمى. ترى لماذا يحتل الاسرائيليون هذه القمة ؟ هناك سببان  أولاً الحقيقة الثابتة بأن أغلب الرجال فى "إسرائيل"  لديهم خبرات عسكرية ، وثانياً أنهم يتمتعون بعقلية المرتزقة المقامرين. وفى أغلب المجتمعات ينتمى المرتزقة إلى جماعات الهامشية المنبوذة التى ينظر إليها المواطنون العاديون ، بل والجنود النظاميون فى الجيوش النطامية باحتقار ويمثل مرتزقة "إسرائيل"  استثناء فريد من نوعه من هذه القاعدة ، فهم خلاصة القوات الاسرائيلية ومن الصعب البحث عن جنرالات أو عقداء أمريكيين ليعملوا كمرتزقة. أما الاسرائيليون الذين يعملون كمرتزقة فى العالم الثالث فهم صفوة الصفوة ، بل هم من صفوة قدامى الجنود الاسرائيليين وهم تجسيد – للنجاح الذى يفضل تقديمه فى وسائل الإعلام وفى نفس الوقت صار من الحقائق المعروفة أن المرتزقة الاسرائيليين يمثلون بلادهم ويؤدون مهمة وطنية فى أى مكان يظهرون فيه فى العالم الثالث وهم يحصلون على عقودهم عن طريق وساطة لجهات رسمية ، وأحياناً فى الوقت الذى يعملون فيه فى خدمة "الدولة الاسرائيلية" . ولا يمكن ضمان استمرار حكم الأقليات المستبدة المرتبطة بالدول الغنية فى العالم الثالث إلا إذا قمعت أى بادرة لتحرير الشعوب المقهورة أو أية فكرة كامنة الاستقلال أو الثورة ويمتلك المستشارون الإسرائيليون كما من تقنيات القتل والقمع المفيدة والتى ثبت صلاحيتها ولذا فإنهم مطلوبون جداً وهناك سبب ثان لحبهم ، فقد تقلص عدد المرتزقة فى عالم اليوم ، ولا توجد بلدان كثيرة ترغب أن تكون مادة للتشنيع بأنها تعمل فى الخفاء مع العنصريين فى جنوب أفريقيا أو مع الحكومات العسكرية فى أمريكا اللاتينية التى غالباً ما يتغير فيها الأشخاص أو يستمر حكمهم. ولكن "دولة إسرائيل" قررت الانحياز إلى هذه العناصر وإطلاعها كل يوم على ما هو جديد ، فثمة إعجاب متبادل وتفاهم مشترك فيما يبدو. وكتب جوزيف كونراد فى كتابه "فى غياهب الظلام – قبل خمسين عاماً عن غزو الأرض" ويتلخص فى أن الأرض سيسيطر عليها أناس لهم "وجوه أخرى أو أنوف فطساء بالمقارنة بنا" وتساهم "إسرائيل"  بجد فى هذا الغزو باستخدام أقذر الوسائل وأفظعها كلما تصاعدت مقاومة المقهورين.

اجمالي القراءات 4993