كفاح شعب مصر

شادي طلعت في الخميس ١٦ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

و أنا أكتب هذه السطور حول حول كفاح شعب مصر أتذكر أول مرة دخلت فيها المدرسة الإعدادية كنت بالصف الثاني، حيث كان تعليمي قبلها في دول الخليج، إلا أن دراستي في مصر في سن لم تتجاوز 13 عام كان لها مذاق خاص فقد كان الحنين يجذبني إلى مصر، ولا زلت أذكر كتاباً كان مقرراً في الصف الثاني الإعدادي وكان بعنوان "كفاح شعب مصر" و كان يبدأ بكفاح المصريين ضد الهكسوس و ينتهي بحرب أكتوب 1973، ولا زلت أذكر هذا الكتاب الذي كان مقرراً في مادة بعنوان التربية الوطنية، كنت أعيش مرحلة فيها من الوطنية أحاسيس لا توصف، رائحة الكتاب لازلت أذكرها فقد كانت بالفعل رائحة الوطنية و تاريخ مشرف للمصريون اللذين هم أهلي، و اللذين أراهم قد ظلموا كثيراً وأرى أن علي واجب تجاه وطني لأرد أي ظلم عليه أو على شعبه، حتى لا يزيف أصحاب المصالح التاريخ وقد قررت أن أكتب مقالي هذا متناولاً الشخصية السياسية المصرية من خلال نظرة على كفاح شعب مصر :

ظن الكثيرين أن المصريون يتمتعون بطيبة متناهية و تسامح عميق و يؤثرون الحياة بدون صراعات و لا ينشغلون إلا بأبنائهم و تربيتهم و تزويجهم، و لا يوجد هدف للفرد سوى إنهاء تعليمه ثم البحث عن فرصة عمل مناسب ثم الزواج فتربية الأطفال إنتظاراً للموت فيما بعد ! وهذا ما أشار إليه الكاتب و الروائي/ نجيب محفوظ في رواية حديث الصباح و المساء، و من يقرأ رواية نجيب محفوظ سيستشعر غضب الكاتب من هذا الشعب الذي لا يثور ! ولا يسمع له زئير، خاصة إذا تابعنا رواياته الأخرى و الخاصة بملحمة الحرافيش و التي دائماً ما يشير فيها نجيب محفوظ إلى قوة و خطر الحرافيش إذا ما إجتمعوا و إتحدوا في وجه سلطان جائر، و بالتناقض الواضح بين رؤيتي محفوظ المختلفتين،  أستطيع أن أقول أن محفوظ قد صدق في كلا الرؤيتين فالشخصية المصرية حقاً تجمع بين المتناقضين، و للتوضيح أكثر :

قال تعالى في سورة الزخرف "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ"و الله تعالى في هذه الآية يقصد فرعون عندما إستخف بشعب مصر فأطاعوه ! إلا أن الله إستكمل  الآية و قال إنهم كانوا قوماً فاسقين ! أي أن الحاكم يمكن أن يستخف بشعبه و يمكن أن يطاع و لكن بشرط أن يكون القوم فاسقين، فالفاسق أو من لديه نية لأن يكون فساداً أو فاسقاً سيتغاضى عن أخطاء الحاكم الفاسد، مما يجعل الأخير يحجب كل أدوات المعرفة عن قومه ويجعلهم لا يعلمون أو يعرفون إلا ما يثبت دعائم حكمه فقط !  تماماً مثلما فعل نظام الملالي في إيران و مثلما أغلق محمد مرسي قناة الفراعين و جريدة الدستور في مصر، فكلاهما لا يريدان لقومهما أن يعرفا إلا ما يملا عليهما فقط !

لا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلى دراسة بحثية أعدها الدكتور/ سعد الدين إبراهيم عام 1989 و هي دراسة كانت تهدف إلى معرفة أكثر شعوب العالم عنفاً وفتكاً بحكامها، وأسست تلك الدراسة على بحث مائتي عام سابقة على عام 1989 وتحديداً من عام 1789 حتى 1989، وقد بنيت الدراسة على أسس علمية و بحثية من التجارب السابقة و تاريخ الشعوب، فكان ترتيب المصريون هو المركز الأول بين شعوب العالم في العنف والفتك بحكامه ! و كان من أسباب تقدم المصريين في هذه الدراسة الآتي :

-    قام المصريون بـ  3 ثورات في 200 عام هي ثورة عرابي 1881م، و ثورة سعد زغلول عام 1919م، و ثورة جمال عبد الناصر عام 1952م.

-    قام المصريون بإغتيال 3 رؤساء وزراء  هم بطرس غالي عام 1910 م، وأحمد باشا ماهر 1945 م، والنقراسي باشا عام 1948 م.

-         قام المصرين بإغتيال رئيسهم عام 1981 م.

-    كان للمصريين إنتفاضات في تلك الفترة أيضاً أشبه بالثورات مثل : ثورة القاهرة الأولى عام 1798 م، والتي قتل فيها حاكم القاهرة "ديبوي"، أيضاً ثورة القاهرة الثانية عام 1800 م، ولم تنتهي تلك الثورة إلا بعد أن أحرق كليبر القاهرة لإخماد الثورة ! وإنتفاضة المصرين في 17 و 18 يناير 1977  والتي أسفرت عن تراجع الرئيس السادات عن قراراته بإلغاء الدعم، وإنتفاضة الأمن المركزي عام 1986 والتي كانت سبباً في تحسين أوضاع الجنود وأمناء الشرطة فيما بعد.

مما سبق عرضه عن تاريخ المصريين في الفترة من عام 1789 م حتى 1989 م، يكون شعب مصر هو الأكثر فتكاً بحكامه على مدار التاريخ  وبالمقارنة بينه و بين باقي شعوب العالم الأخرى

بقي لنا الآن أن نعود بالتاريخ إلى الوراء أكثر وإلى زمن الحجاج بن أبي يوسف الثقفي، و الذي قد نذكره جميعاً بخطابه الشهير عندما ذهب إلى العراق وخطب في الناس قائلاً "يأهل الكوفة أما والله إني لأحمل الشر بحمله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله وإني لأري أبصارا طامحة وأعناقا متطاولة ورءوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى تترقرق" إلى باقي خطاب الحجاج و الذي كان كله عنفاً  ودموية وكان نظرته لشعب العراق أنه لا يحكم إلا بإستخدام أشد وسائل العنف.

و لكن ماذا كان رأي الحجاج بن أبي يوسف الثقفي حين وصى طارق بن عمرو ناصحاً إن أصبح والياً على مصر بالوصية الآتية/ لو ولاك أمير المؤمنين أميراً على مصر فعليك بالعدل، فهم قتلة الظلمة و هادمي الأمم و ما أتى عليهم قادم بخير إلا إلتقموه كما تلتقم الأم رضيعها وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجياف الحطب، و هم أهل قوة وصبر و جلدة وحمل ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا و التاج على رأسه، و إن قاموا على رجل ما تركوه إلا و قد قطعوا رأسه فإتقي غضبهم و لا تشعل ناراً لا يطفأها إلا خالقهم، فإنتصر بهم فهم خير أجناد الأرض و إتقي فيهم ثلاثاً :

-         نسائهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها.

-         أرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم.

-         دينهم وإلا أحرقواعليك دنياك.

وقال في نهاية حديثه عن المصريين "هم صخرة في جبل كبرياء الله تتحطم عليها أحلام أعدائها و أعداء الله" هكذا وصف الحجاج بن أبي يوسف الثقفي شعب مصر.

أما أنا في نهاية حديثي أريد أن أقول :

-    أخطأ من ظن الضعف و الهوان بالمصريين، و أصاب من إنتبه لشعب لا يمكن أن يقبل هوية غير مصريته، إن المصريون ناراً تأكل من يستهزأ بهم، و هم برداً و سلاماً لمن إحترم عقولهم.

شادي طلعت

اجمالي القراءات 34733