إنكار السنه فى مقدمة صحيح مسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
الموقع http://www.ahl-alquran.com/arabic/main.php
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 1 من 8 )
مقدمة
1 ـ بدأ مبكرا فى عهد الصحابة اختراع الأحاديث (النبوية) التى نشأت فى حمأة الفتنة الكبرى ، حيث بادر الأمويون فى عهد خلافة عثمان بتوظيف أبىهريرة ليدافع عنهم بأحاديث يزعم أنه سمعها من النبى ، ثم أضاف له الأمويون له كعب الأحبار . بتولى معاوية الخلافة أنشأ منصب القصّاص للترويج له سياسيا بالأحاديث والحكايات ، وبهذا وبزعامة ابى هريرة بدأ عهد الرواية الشفهية للحديث مبكرا مع الفتنة الكبرى وتحولها الى صراع مسلح أسفر عن قيام الدولة الأموية.
2 ـ وقد تم التدوين بالتدريج لهذه الروايات الشفهية فى العصر العباسى ، ثم عمدوا الى إسناد روايتها الى اشخاص ماتوا من قبل خلال عصرى الأمويين والراشدين، وزعموا أن هؤلاء الموتى قد رووا بالتتابع الزمنى تلك الأحاديث عن النبى محمد عليه السلام .
والشافعى والبخارى ومسلم من أهم من سجل تلك الأحاديث بالاسناد.
ويمتاز الشافعى ( 150 ـ 204 )بأنه كتب رسالة فى التأصيل للفقه (السنى ) كما ترك موسوعته الفقهية (الأم ) التى صارت الكتاب المرجع فى المذهب الشافعى.
ولقد نال البخارى ( ت 256 ) شهرة لا يستحقها ـ علميا ـ لأن كتاب تلميذه مسلم (صحيح مسلم ) أكثر تنظيما من (صحيح البخارى) كما يمتاز عنه بمقدمة منهجية تحدثت مبكرا عن الأحاديث من حيث الرواية الشفهية والتدوين والاسناد. وهذه المقدمة فى (صحيح مسلم) هى البداية الحقيقية لما يعرف بعلم المصطلح الذى يتناول الأحاديث من حيث الرواية والدراية. ومن الطريف أن تكون مقدمة( صحيح مسلم ) فى (علم الحديث والمصطلح ) هى البداية ثم تأتى فى النهاية ( مقدمة ابن الصلاح ) .
3 ـ ونتوقف مع لمحة عن الامام مسلم قبل التعرف على مقدمة (صحيح مسلم ).
مسلم بن الحجاج )ت 261 )ـ كأكثرية أهل الحديث ـ فارسى من نيسابور ، نشأ فيها فسمع الحديث عن يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وسافر ليسمع الحديث فى مدن أخرى مثل الري و بغداد والبصرة والكوفة والمدينة ومكة ومصر. . وله مصنفات كثيرة أهمها (صحيح مسلم ) أو" كتاب المسند الصحيح " وقال: صنفته من ثلثمائة ألف حديث مسموعة . (المنتظم لابن الجوزى )( 12 / 172 :171)أى أنه إختار كتابه ( صحيح مسلم ) من بين ثلثمائة ألف حديث مسموعة، وكلمة (السماع ) و(سمع ) من مصطلحات التعلم والعلم فى (علم الحديث ) أى كان عدد الأحاديث التى يدور عليها علم الحديث فى عهد مسلم 300 ألف ، وقد إعتبر مسلم الصحيح منها(1% ) فقط ، أى 3033 حديثا سجلها فى صحيحه وكذّب البقية.
وفى مقدمة (صحيح مسلم ) اعلن تكذيبه لمعظم الأحاديث الرائجة فى عصره.
ومقدمة صحيح مسلم إحدى الكتابات التى بدأت مبكرا التأطير للدين السنى القائم على الأحاديث المنسوبة للنبى محمد عليه السلام.
ونقسم قراءتنا النقدية لمقدمة صحيح مسلم فى عدة محاور ، تتناولها هذه الحلقات الثمان . وهذه هى الحلقة الأولى.
قراءة فى مقدمة صحيح مسلم
الحلقة الأولى :
مسلم يجعل الأحاديث وحيا .
1 ـ بعد اسناد طويل يقول مسلم إن أحدهم راى النبى محمدا فى المنام فأخذ عنه حوالى ألف حديث : (..وَحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، مِنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ . قَالَ عَلِيٌّ فَلَقِيتُ حَمْزَةَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا سَمِعَ مِنْ أَبَانَ فَمَا عَرَفَ مِنْهَا إِلاَّ شَيْئًا يَسِيرًا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً . ).هنا وحى يزعم صاحبه أنه تلقاه مناما من النبى محمد عليه السلام. وهذا الوحى يتعرض للشك حتى من الراوى.
وحتى لا يتهمنا أحد بأننا ندعى أن الامام مسلم يسمى الأحاديث وحيا فاننا نستشهد بما قاله هو نقلا عن أئمته فى الدين السنى : يقول : (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ قَالَ عَلْقَمَةُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي سَنَتَيْنِ . فَقَالَ الْحَارِثُ الْقُرْآنُ هَيِّنٌ الْوَحْىُ أَشَدُّ . ) أى أن حفظ القرآن هين أما وحى الأحاديث والسنة فهو أشد .!!
وتؤيد ذلك رواية أخرى تقول : (وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، - يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ - حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ الْحَارِثَ، قَالَ تَعَلَّمْتُ الْقُرْآنَ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَالْوَحْىَ فِي سَنَتَيْنِ - أَوْ قَالَ الْوَحْىَ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَالْقُرْآنَ فِي سَنَتَيْنِ . )
2 ـ وتعليقا على هذا الزعم بالوحى بعد موت النبى محمد عليه السلام نقول : هناك نوعان للوحى : وحى الله للأنبياء فى الدين السماوى،وهذا قد انقطع باكتمال القرآن الكريم نزولا و الاسلام دينا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) ( المائدة3 ) وهناك وحى الشيطان لأوليائه أعداء الأنبياء ، وهو مستمر الى قيام الساعة باستمرار الشيطان فى غوايته لبنى آدم . واليه ينتمى ذلك الوحى الذى تحدث عنه مسلم . وهم بذلك يحققون إعجازا للقرآن الذى أخبر مقدما بما سيفعلون .
ونعطى بعض التفاصيل:
فى سورة الشعراء يقول تعالى عن القرآن الكريم إنه الوحى الالهى الذى نزل به جبريل على قلب النبى محمد بلسان عربى مبين (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) ( الشعراء 192 ـ 195 ) وقال ان الشياطين لا علاقة لهم به و لا يستطيعون الوحى بمثله (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) ( الشعراء 210 : 212 ) ثم يخبر رب العزة إن الشياطين تتنزل بوحيها على كل أفاك أثيم (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) ( الشعراء :221 : 223 ). ويصفهم رب العزة بأنهم أعداء الأنبياء ، وأن بعض الشياطين يوحى لأوليائهم من الانس والجن كلاما مزخرفا يضلون به العوام فيصغون اليه ويتبعونه ويقترفون الجرائم اعتمادا على ما فيه من امنيات وشفاعات (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) ( الأنعام 112 : 114 )
ويلاحظ فى كل ما سبق أن التعبير يفيد الاستمرار، وأنه بينما اكتمل الدين الالهى بنزول القرآن فان الوحى الشيطانى قائم ومستمر بعد نزول القرآن الكريم ، ولذلك جاء التحذير الالهى منه. ومعنى وجود وحى بعد القرآن أى قيام دين أرضى مصنوع على أساس تلك الأحاديث. وهذا ما يعترف به الامام مسلم.
مسلم يجعل الأحاديث دينا .
1 ـ يجعل مسلم تلك الأحاديث دينا فى عنوان يقول :(باب فِي أَنَّ الإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ ) والعنوان يقول إن الاسناد الذى لم يعرفه المسلمون فى عصر النبى و لم يعرفه النبى هو جزء من الدين ، و المعنى أن هناك جزءا من الدين لم يعرفه النبى ولم يقم بتبليغه ولم يأمر به ، فقاموا هم ـ غير مشكورين ـ باكتشافه والعمل به و التوصية به .
تحت العنوان السابق يقول مسلم ( حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَهِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَحَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ . )
هنا اسناد من ثلاثة طرق مختلفة كلها تنتهى ليس للنبى محمد عليه السلام ولكن لأحد الأئمة وهو محمد بن سيرين الذى نسبوا اليه اقتراح فكرة إسناد الأحاديث للنبى محمد قائلا لهم ان هذا العلم دين ، وعليه فليدققوا فيمن يأخذون عنه دينهم. لا توجد هنا إشارة للاسلام الذى اكتمل بالقرآن الكريم ، ولا توجد إشارة للقرآن ، وليس فى القرآن رواة وأسانيد. إى نحن هنا أمام دين جديد له أصحابه وأئمته ورواته.
ويقول مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، - مِنْ أَهْلِ مَرْوَ - قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَانَ بْنَ عُثْمَانَ، يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ ) هنا ينقل الامام مسلم عن أعمدة الدين الجديد ضرورة الاسناد لضبط أقاويل الدين الجديد. أى حتى يتمتع بالتصديق لا بد أن يكون إسناده جيدا للنبى محمد عليه السلام ، ولولا الاسناد لقال فى الدين الجديد كل من هب ودب. الواضح ان أعمدة الدين الجديد هم من فارس ،وظهروا فى الحياة بعد موت النبى محمد بقرنين ، وهم يؤمنون أن هناك جزءا من الدين ـأو دينا ـ لم يبلغه النبى و لم يأمر بتدوينه مثلما فعل مع القرآن الكريم . ولم يقم أيضا الخلفاء الراشدون وغير الراشدين بتدوينه واسناده فقام أبناء مرو وخراسان بتدوينه و اسناده (ليتداركوا ما فرّط فيه النبى محمد عليه السلام وصحبه والسابقون فى الاسلام.!!).
وعلى فرض أن النبى محمد قد قال تلك الأحاديث فان تدوينها يعتبر عصيانا له باعتراف مسلم والاخرين أن النبى نهى عن كتابة أى شىء من حديثه . فقد روى أحمد ومسلم والدارمى والترمذى والنسائى عن أبى سعيد الخدرى قول الرسول "لا تكتبوا عنى شيئاً سوى القرآن فمن كتب عنى غير القرآن فليمحه" وأخرج الدارمى- وهو شيخ البخارى- عن أبى سعيد الخدرى أنهم "استأذنوا النبى فى أن يكتبوا عنه شيئاً فلم يأذن لهم". ورواية الترمذى عن أبى سعيد الخدرى تقول: أستأذنا النبى (صلى الله عليه وسلم) فى الكتابة فلم يأذن لنا.وروى مسلم وأحمد أن زيد بن ثابت- أحد مشاهير كتاب الوحى- دخل على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنساناً أن يكتبه فقال له زيد: "أن رسول الله أمرنا ألا نكتب شيئاً من حديثه، فمحاه معاوية".
هذا لو كنا نتحدث عن الاسلام.
أما حين نتحدث عن أديان أرضية ابتدعها المسلمون فالأمر مختلف. ولقد كان لأبناء فارس الفضل الأكبر فى تطوير الأديان الأرضية من سنة و تشيع وتصوف ، بعد أن كانوا ـ الموالى رواد الفكر فى العصر الاموى ـ ثم استمر نفوذهم العلمى فى العصرالعباسى ، وبهم بدأ التدوين ..
والى اللقاء فى الحلقة الثانية .
هذه المقالة تمت قرائتها 2356 مرة
التعليقات (10)
[15343] تعليق بواسطة تان تان - 2008-01-11
إستنتاج خطأ من الدكتور
عندما يقول مسلم عن صحيحه (صنفته من ثلثمائة ألف حديث مسموعة) فيستنتج الدكتور أحمد أن مسلم كذب الباقى فيقول (أى كان عدد الأحاديث التى يدور عليها علم الحديث فى عهد مسلم 300 ألف ، وقد إعتبر مسلم الصحيح منها(1% ) فقط ، أى 3033 حديثا سجلها فى صحيحه وكذّب البقية)
و نفس التفسير طبقه الدكتور على البخارى عندما كتب فى مقال بعنوان معركة الربا (الإمام البخاري الذي أثبت أربعة آلاف حديث في صحيحه من بين ستمائة ألف حديث في عصره .. أي أنه كذب خمسمائة ألف حديث وستة وتسعين ألف حديث)
في حين أن تلك النصوص لا تجزم إنهم كذبوا كل الأحاديث الباقية إنما ممكن تركوا جزء خشية الإطالة , و جزء لتضائل أهميته في تقديرهم الشخصى عن ما قد ذكروه بالفعل , و جزء أخر من الاحاديث الباقية يكونوا تركوها لضعفها أو كذبها
[15359] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2008-01-11
اهلا يا ثان ثان
كتاب البخارى اسمه ( صحيح البخارى ) وهذا يعنى أن الصحيح من الأحاديث فى كتابه فقط ، وأن الأحاديث الأخرى التى أسقطها و ألقاها ليست صحيحة أى كاذبة .
وكتاب مسلم اسمه (صحيح مسلم ) وهذا أيضا يعنى أن الأحاديث الصحيحة هى فى كتابه فقط ، وأن ما لم يذكره فى كتابه من أحاديث هى ساقطة وكاذبة .
وفى النهاية فالفيصل هو واحد من اثنين فيما يخص الاسناد للنبى محمد عليه السلام :
إما أن يكون عليه السلام قد قال هذا الكلام فهو صحيح مائة فى المائة ، وإما أنه لم يقله فهو أى الحديث كاذب مائة فى المائة, ولكنهم يتلاعبون بجعل درجات للصحيح ودرجات للضعيف ، وهذا تقدير مضحك لأنه يعنى أن النبى قال هذا الكلام بنسبة تسعين فى المائة وقال هذا الحديث بنسبة خمسين فى المائة و قال ذلك القول بنسبة عشرة فى المائة. ثم يختلفون فيما بينهم ليس فى النسب فحسب بل فى كل شىء
هذا دين أرضى قائم على الخرافة و الكذب والخبل ..
[15361] تعليق بواسطة تان تان - 2008-01-11
شكرا على الإيضاح
في الجامعة كنت أرى الدكاترة من بعيد و أمام كل دكتور في المحاضرة أعدادا كبيرة ثم إنه يشرح في أكثر من محاضرة لأكثر من سنة دراسية فعدد طلابه يكون كبيرا و فكرة أن تذهب للدكتور حتى مكتبه و تسأله تكون شبه مستحيله , لكن الدكتور أحمد هاجر في الله و ترك الطريق المفروش بالورود و المعبد أمامه و ها هو معنا يرد على الواحد منا و يأخذ بيده
شكرا كثيرا لك يا دكتور و ربنا العاطى الوهاب يرد لك ذلك خيرا في أولادك إنشاء الله
[15374] تعليق بواسطة تان تان - 2008-01-11
طلب مساعدة على نص جديد
عثرت على نص كنت قرأته منذ زمن يتكلم فيه البخارى
يقول النص :
قال إبراهيم بن معقل: ((سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح حتى لا يطول))
قال الإسماعيلي عنه أيضاً: ((لم أخرج في الكتاب إلا صحيحاً. وما تركت من الصحيح أكثر))
فحسب هذه النصوص أن البخارى و إن كان كتب في صحيحة أربعة الاف حديث (بعد إستبعاد المكرر) إلا إن ذلك لا يعنى إنه كذب باقى الستمائة الف حديث التى كان يحفظها , إنما منها الكاذب و منها الضعيف و منها الحسن و منها الصحيح أيضا , و لكن تركه هذا الجزء الصحيح في باقى الستمائة الف حديث كان و كما قال هو((حتى لا يطول)) كتابه
و بالمثل سينطبق نفس الإفتراض على صحيح مسلم
[15387] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2008-01-12
تانى يا تان تان ؟؟!!
لست غاضبا من الحاحك واعتبره رغبة فى المعرفة يجب أن أشكرك عليها .
يا بنى لا تصدق البخارى فالبخارى كذاب .
ان البخارى فيما يقول يكذب على نفسه قبل أن يكذب على غيره.لأنه لو كان حريصا على عدم الاطالة فلماذا قام بتكار نفس الحديث مرتين وثلاث ، ولماذا يعيد نفس الحديث بصيغ مختلفة وتحت عناوين مختلفة ؟ ولماذا سمى كتابه الصحيح فى إشارة واضحة الى اتهام غيره بالباطل ؟ وقد سبق هو بهذه التسمية. فالشافعى الذى توفى قبل البخارى بنصف قرن وملأ كتابه ( الأم ) بألوف الأحاديث المسندة لم يسم كتابه ( الصحيح ) مع أنه لم يكرر فيه الأحاديث بنفس ما فعل البخارى ، و كتاب ( الأم ) من الناحية العلمية و المنهجية أروع من كتاب البخارى وأسبق منه . بل حتى إن البخارى يكذب حين يقول أنه استخلص كتابه من بين 600 ألف حديث شائعة فى عصره ـ لأن مسلم الذى جاء بعد البخارى قال أنه استخلص حديثه من بين 300 ألف حديث فقط ، فهل تناقصت ألأحاديث بعد البخارى أم زادت ؟ وعندى أن مسلم فى كتابه أفضل من البخارى ، ولكن البخارى فى كتابه أكثر كذبا من مسلم.
وبالطبيعى أننا نتحدث عن كتب فلا علم لنا بالأشخاص .و ليست لنا علاقة بابن برزويه المشهور بالبخارى أو بمسلم الفارسى النيسابورى ... نحن نتعامل مع كتب... كتب فقط ..
[15389] تعليق بواسطة محمد موسى - 2008-01-12
توضيح
السلام عليكم
مسلم او البخاري لم يكذب الاحاديث التي لم يضمها الى كتابه ، هو فقط ذكر بأنها ليست على شرطه ، فالبخاري قد اشترط المعاصرة والالتقاء ومسلم اكتفى بشرط ان يعاصر الراوي شيخه ، بالاضافة الى العدالة والضبط كما لا يخفى عليكم
والنقد العلمي السليم لا يكون باتهام فلان او علان بانه كذاب هكذا دون ادلة واضحة ومستقيمة .
والا سيتهمك مخالفوك بانك تنفس عن غضبك من ائمة المذهب الذين اضهدوك .
[15393] تعليق بواسطة عبد الحسن الموسوي - 2008-01-12
الكذاب ايضا هو الذي ينقل الكذب ليضل الناس
الاخ محمد موسى
تحيه طيبه
كنت قديما من الذين يؤمنون بالبخاري وتركته( بعد اذ نجانا الله منها)
ارجو ان الفت نظركم انه ليس الكذاب الذي يضل الناس بكذبه ولكن ايضا الذي يكتب الكذب ليضل الناس بغير علم
ومن امثلة ذلك احاديث رضاعة الكبير التي رواها مسلم والبخاري
ارجو منك الاطلاع عليها ان لم يسبق لك الاطلاع
ولسوف تشمأز نفسك وتقول (سبحانك هذا بهتان عظيم)
وكل من هذا البخاري واللا مسلم قد نقلاها عن علم وسبق الاصرار والترصد والبغي بغير الحق ليضلا الناس عن سبيل الله
ولك مني كل التقدير
[15400] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2008-01-12
مهلا يا استاذ محمد موسى
أشعر أحيانا بالشفقة على بعض من يتسرع بالهجوم علينا ، إذ أتذكر نفسى منذ حوالى أربعين عاما ، وأتذكر قوله تعالى (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ) ( النساء 94 )
الاستاذ محمد موسى لا ينتظر حتى يقرأ السلسلة باكملها ، وهى تتحدث عن قيام دين السنة على الكذب من خلال قراءة لمقدمة صحيح مسلم نفسه . أى أننا لا نفترى على مسلم كذبا بل ننقل كلامه و نستشهد به .
وخلال تاريخنا العلمى لم نتعجل و نتهور كما يتهور من يهاجمنا .
لقد قرأنا ونحن نحسن الظن بأولئك الأئمة فقد توارثنا تقديسهم و محاولة الدفاع عنهم ، ولكن عندما قرأنا وتمعنّا فيما كتبوه اندهشنا للباطل الذى فى كتبهم ، و تخوفنا من إعلان الحق بسبب تلك الكلمة التى توقعنا أن تقال لنا : هل كل الأمة على باطل وانت فقط الذى عرفت الحق ؟ وهل ظلت الأمة على جهل إلى أن جئت أنت واكتشفت هذا ؟
ومن أنت ؟
كنت فى مقتبل العمر وفى بداية البحث ، فاتهمت نفسى وتحصنت بالقرآن ، وأعدت القراءة للقرآن ولتلك الكتب ، وكلما قرأت تبين لى أننى إن لم اقف الى جانب الحق فسأكون للمشركين ظهيرا على رب العزة.
لذا أعدت القراءة مثنى وثلاث فى تلك الكتب المقدسة ثم أعلنت ما أومن به فقد تبدد الخوف من البشر حين تبين لى أننى يجب أن أخاف الله تعالى وحده ، وأننى يجب أن أنصره جل وعلا وحده ضد أولئك الذين كذبوا عليه وزيفوا دينا مغشوشا نسبوه الى الوحى الالهى و الى رسول الله تعالى ، واتضح أن القرآن الكريم قد أنبأ مسبقا بما سيعملون .
والقرآن الكريم أنبأ ايضا بوجود أتباع لهم فى كل زمان ومكان.
وكل منا له الحرية فى الايمان بحديث الله تعالى وحده فى القرآن أو فى الايمان بحديث آخر مع القرآن.
وموعدنا أمام الواحد القهار ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .
[15404] تعليق بواسطة محمد موسى - 2008-01-12
تعليق للدكتور منصور
انا لا اهاجم ..ان كنت تحب ان نرسل لك تعليقاتنا واسئلتنا بعد الانتهاء من السلسة فلا مانع لدينا
ولكني شخصيا اعتبر انه من اقوى الادلة على منهجية مسلم والبخاري العلمية البعيدة عن الكذب تدوينهم لاحاديث تخالف اختياراتهم العلمية ومذهبهم الديني واختياراتهم الفقهية نظرا لموافقة هذه الاحاديث لشروطهم !!
والامثلة على ذلك كثيرة جدا !!
[15411] تعليق بواسطة Salim AMIR - 2008-01-13
شكرا على هذا المقال
منطقيا (من علم المنطق و الرياضيات ) اذا وجد خطأ في مجموعة معينة , فإن كل
المجموعة , يعبر عنها انها (ليست صحيحة) , وكم من الاحاديث التي نراها مخالفة لمنطق الفيزياء و العلوم ?
بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
الموقع http://www.ahl-alquran.com/arabic/main.php
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 2 من 8 )
الحلقة الثانية
دين السنة يقوم على الكذب
1 ـ يروى الامام مسلم أن القاسم بن عبيد الله وهو حفيد لأبى بكر وعمر بن الخطاب قد سئل عن حديث فقال فلم يعرف الاجابة فعوتب على ذلك بأنه لا يليق بحفيد ابى بكر وعمرألا يوجد عنده علم ( من أمر هذا الدين ) فقال أنه لا يروى بالكذب ولا يفتى بغير علم. يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، صَاحِبُ بُهَيَّةَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ يَحْيَى لِلْقَاسِمِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّهُ قَبِيحٌ عَلَى مِثْلِكَ عَظِيمٌ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ فَلاَ يُوجَدَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ وَلاَ فَرَجٌ - أَوْ عِلْمٌ وَلاَ مَخْرَجٌ - فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ وَعَمَّ ذَاكَ قَالَ لأَنَّكَ ابْنُ إِمَامَىْ هُدًى ابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ . قَالَ يَقُولُ لَهُ الْقَاسِمُ أَقْبَحُ مِنْ ذَاكَ عِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ آخُذَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ . قَالَ فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَهُ . ) الشاهد هنا قوله (قَبِيحٌ عَلَى مِثْلِكَ عَظِيمٌ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ فَلاَ يُوجَدَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ ) أى اعتبر الحديث دينا .
وبعد أن أشار مسلم باختصار الى انتشار الكذب فى الحديث ـ فى عصره ـ قال مؤكدا قلقه من هذه الأكاذيب على مسيرة (دين ) الحديث ،لأن تلك الأحاديث تأتى بالحلال و الحرام ، والمعنى ان القرآن لا يكفى تحليل حلال أو تحريم حرام ، فجاءوا بدين جديد يحلل ويحرم ولكن عيبه كثرة الكذب فيه. !!. يقول فى ذلك مسلم كأنه يعتذر : ( قَالَ مُسْلِمٌ وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلاَمِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مُتَّهَمِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَإِخْبَارِهِمْ عَنْ مَعَايِبِهِمْ كَثِيرٌ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ عَلَى اسْتِقْصَائِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ تَفَهَّمَ وَعَقَلَ مَذْهَبَ الْقَوْمِ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنُوا وَإِنَّمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الْكَشْفَ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَاقِلِي الأَخْبَارِ وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ حِينَ سُئِلُوا لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْخَطَرِ إِذِ الأَخْبَارُ فِي أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأْتِي بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْىٍ أَوْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ غَاشًّا لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ إِذْ لاَ يُؤْمَنُ عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الأَخْبَارَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا وَلَعَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ لاَ أَصْلَ لَهَا مَعَ أَنَّ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى نَقْلِ مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلاَ مَقْنَعٍ وَلاَ أَحْسِبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ مِنَ النَّاسِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الضِّعَافِ وَالأَسَانِيدِ الْمَجْهُولَةِ وَيَعْتَدُّ بِرِوَايَتِهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنَ التَّوَهُّنِ وَالضَّعْفِ إِلاَّ أَنَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى رِوَايَتِهَا وَالاِعْتِدَادِ بِهَا إِرَادَةُ التَّكَثُّرِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَوَامِّ وَلأَنْ يُقَالَ مَا أَكْثَرَ مَا جَمَعَ فُلاَنٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَلَّفَ مِنَ الْعَدَدِ . وَمَنْ ذَهَبَ فِي الْعِلْمِ هَذَا الْمَذْهَبَ وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ فَلاَ نَصِيبَ لَهُ فِيهِ وَكَانَ بِأَنْ يُسَمَّى جَاهِلاً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى عِلْمٍ . )
مصانع انتاج الأحاديث كانت تعمل :
يقول (قَالَ مُسْلِمٌ وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلاَمِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مُتَّهَمِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَإِخْبَارِهِمْ عَنْ مَعَايِبِهِمْ كَثِيرٌ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ عَلَى اسْتِقْصَائِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ .... ) أى أن الكلام يطول عن الكاذبين فى الروايات .. وهذا فى عصر مسلم فكيف بعده مع استمرار مصانع الأحاديث فى انتاجها ؟
لقد احتوى موطأ مالك على (1008 ) حديث فقط فى رواية ابى الحسن الشيبانى ، وكثير من أحاديث مالك فى الموطأ لم ينسبها للنبى محمد بل كان ينسبها للصحابة و التابعين ـ أى ليست (أحاديث نبوية ) وفق معيارهم. وتوفى مالك عام 179 ، وبعد أقل من مائة عام ارتفع عدد الأحاديث المتداولة الى سبعمائة ألف حديث أنتجتها مصانع متفرقة من المدينة الى فارس ومصر و شمال افريقيا و الاندلس. وإختار البخارى المتوفى عام 256 منها حوالى 3 آلاف حديث .. وجاء تلميذه مسلم يشكو فى مقدمته كثرة الكذب فى الأحاديث واختار منها 3033 حديثًا فقط صحيحة ، وفى سنن أبى داود( سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمر الأزدي السجستاني ) (4800 ) حديثا انتقاها من خمسمائة ألف حديث، أما أحمد بن حنبل فقد انتقى أحايث المسند من بين سبعمائة ألف حديث وخمسين ألفًا حفظها . وهى أرقام مختلفة لا تخلو من مبالغات، ولكن حقائق التراث تؤكد أن ماكينة صناعة الحديث توسعت حتى بلغ انتاجها آلاف الآلاف فى عصر السيوطى المتوفى 911 حيث راجت سوق صناعة الأحاديث لتفى بالطلب المتزايد عليها فى الدين الأرضى السائد وقتها وكان مزيجا من التصوف و السنة.
والمعنى ان نصائح مسلم بتحرى الصدق فى الرواية والاسناد لم يعمل بها من جاء بعده لأن الدين السنى نفسه قائم على الكذب . ولا يغير من ذلك قوله عنه (إِذِ الأَخْبَارُ فِي أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأْتِي بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْىٍ أَوْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ غَاشًّا لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ ).
2 ـ والواقع القرآنى و العملى يؤكدان أنه كما أن هناك وحيان ،أحدهما وحى الله تعالى الصادق ، والآخر هو وحى الشيطان الكاذب ـ فهناك ايضا دينان ، دين الله تعالى الصادق والمعبر عنه فى خاتمة الرسالات السماوية (القرآن الكريم ) ثم هناك دين كاذب يقوم على أساس وحى الشيطان .ودليلنا ما يقوله الامام مسلم نفسه.
الكذب يصاحب مسيرة الحديث
لقد قلنا إن الأحاديث مرت بفترة شفهية سادت ثم بدأ التدوين مصاحبا الرواية الشفهية ثم ساد وعمّ فى العصر العباسى الثانى ، وجاء الاسناد مصاحبا للتدوين. وقد اصطحب الكذب الحديث من الرواية الشفهية الى التدوين والاسناد. وهذا كلام يحتاج فى شرحه وإثباته الى مجلدات ، ولكننا هنا نقتصر على ما جاء فقط فى مقدمة صحيح مسلم. ونرتب الموضوع كالآتى : الكذب فى الروايات الشفهية ، الكذب فى تدوين الأحاديث وفى الاسناد .
انتشار الكذب فى الروايات الشفهية
هناك رواية خطيرة كررها مسلم بثلاثة طرق مختلفة الاسناد والمتن تؤكد على أن إبن عباس قال إنه كان فى البداية يروى أحاديث عن النبى محمد عليه السلام ( إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ فلما رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ) أى فلما انتشر الكذب فى الحديث امتنع ابن عباس من الرواية ومنعها فى مجالسه الى أن مات عام 68 .
يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، - قَالَ سَعِيدٌ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، - عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ جَاءَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ - فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا . فَعَادَ لَهُ ثُمَّ حَدَّثَهُ فَقَالَ لَهُ عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا . فَعَادَ لَهُ فَقَالَ لَهُ مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَأَنْكَرْتَ هَذَا أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَعَرَفْتَ هَذَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ( . وقال مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظُ الْحَدِيثَ وَالْحَدِيثُ يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا إِذْ رَكِبْتُمْ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ فَهَيْهَاتَ . ) وقال مسلم (وَحَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ، سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَيْلاَنِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، - يَعْنِي الْعَقَدِيَّ - حَدَّثَنَا رَبَاحٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا لِي لاَ أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَسْمَعُ . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا نَعْرِفُ . )
المشترك فى هذه الروايات الثلاث رفض ابن عباس رواية الحديث فى مجلسه ، و قوله بأنه كان يروى ويسمع أحاديث قبل أن يعم الكذب فى الحديث فلما انتشر الكذب امتنع عن الرواية وعن يقال فى مجلسه أى حديث. وبالتالى فان ابن عباس يحكم بالكذب على كل الأحاديث التى راجت فى عهده أى فى القرن الأول الهجرى .. فماذا بعده ؟
ولكن لم يكن رواة الحديث صادقين فى عصر ابن عباس ثم حلّ الكذب فى أواخر أيامه بحيث امتنع عن رواية الأحاديث . فقبل ابن عباس هناك ابوهريرة أشهر المتهمين بالكذب ، وهناك الفتنة الكبرى والصراع الدموى ، وإذا استحل القوم دماء بعضهم فما أسهل عليهم تبرير ذلك بالكذب على النبى.
على إبن عباس نفسه كان متهما بالكذب ، فابن عباس كان صبيا دون الحلم حين رأى النبي عند فتح مكة،ولم يصحبه بعدها ، فقد قضى ابن عباس طفولته في مكة مع أبيه في حين كان النبي يومئذ بالمدينة وظل ابن عباس بمكة الى أن مات النبى فى المدينة ، فكيف سمع منه كل تلك الأحاديث التى رواها عنه أو رووها عنه ؟.
وقد أدرك هذه الحقيقة التاريخية بعض محققى الدين السنى فقللوا من عدد الأحاديث الصحيحة المنسوبة لابن عباس ، يقول الإمام ابن القيم الجوزية أن ابن عباس لم يبلغ ما سمعه من النبي عشرين حديثا (الوابل الصيب 77 ) ويرى الأمدي في كتاب الأحكام (2/ 78، 180 ) أن ابن عباس لم يسمع من النبي سوى أربعة أحاديث.
وهذا قول خطير من ابن القيم والآمدى وإن كنا نراه صوابا، ولكن شاءت الدولة العباسية أن ترفع من شان جدها ابن عباس فأصبح أكثر الصحابة علما ،وتبارى الفقهاء في نسبة الأقوال والاجتهادات إليه في الحديث والتفسير والفرق المذهبية والفقه والأحكام .
بل كان الامام مسلم نفسه من ابرز من روى أحاديث عن ابن عباس مع فارق زمنى بينهما يصل الى حوالى قرنين .
ويقول مسلم أن بعضهم كان يأخذ الحديث عن رجل مطعون فى دينه ( بمعنى فى سلوكه وأخلاقياته)، فعوتب فى ذلك بأنه لا يصح أن يأخذ الحديث غير مأمون ، يقول مسلم فى معرض حديثه عن الكذب فى الأحاديث : ( وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ سَمِعْتُ سَلاَّمَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ، يَقُولُ بَلَغَ أَيُّوبَ أَنِّي آتِي عَمْرًا فَأَقْبَلَ عَلَىَّ يَوْمًا فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً لاَ تَأْمَنُهُ عَلَى دِينِهِ كَيْفَ تَأْمَنُهُ عَلَى الْحَدِيثِ ) وبالطبع هى وجهات نظر مختلفة ، فكل راو للأحاديث له رأى خاص فيمن ينقل عنه الحديث ، ولهذا تختلف آراؤهم فى تقييم الرواة و فى تقييم بعضهم البعض ، وكلها أحكام نسبية طابعها الهوى ـ أى للكذب فيها أكبر نصيب .
والى اللقاء فى الحلقة الثالثة ..
اتهام صريح لأئمة الرواة الشفهية بالكذب
وروى مسلم اتهامات صريحة لأئمة الرواة الشفهية بالكذب ، يتهم فيها بعضهم بعضا بالكذب
يقول مثلا ( وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، يَقُولُ مَا رَأَيْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يُفْصِحُ بِقَوْلِهِ كَذَّابٌ إِلاَّ لِعَبْدِ الْقُدُّوسِ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ كَذَّابٌ .) هنا ابن المبارك يعلن كذب الراوية عبد القدوس. وفى رواية أخرى يتهم فيها ابراهيم (النخعى ) إثنين من أشهر معاصريه بالكذب ، يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، - يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ قَالَ لَنَا إِبْرَاهِيمُ إِيَّاكُمْ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ وَأَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُمَا كَذَّابَانِ .)
وقد يتزاور علماء الحديث ولكن يتهم أحدهما الاخر بالكذب ، يقول مسلم (وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ سَأَلْتُ مُعَلًّى الرَّازِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الَّذِي، رَوَى عَنْهُ، عَبَّادٌ فَأَخْبَرَنِي عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، قَالَ كُنْتُ عَلَى بَابِهِ وَسُفْيَانُ عِنْدَهُ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَذَّابٌ .) وقد يروى عنه وهو يتهمه بالكذب ( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ، وَكَانَ، كَذَّابًا )(حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الأَعْوَرُ، وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ).
وهناك نوعيات أخرى : (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلاَمِ الْوَابِصِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ كَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ كَذَّابًا .) ، (وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ عَفَّانَ، قَالَ حَدَّثْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، بِحَدِيثٍ عَنْ ثَابِتٍ، فَقَالَ كَذَبَ . وَحَدَّثْتُ هَمَّامًا، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، بِحَدِيثٍ فَقَالَ كَذَبَ)
اتهام غير مباشر بالكذب
وبعض الاتهامات بالكذب جاءت غير صريحة كقوله (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ ذُكِرَ فَرْقَدٌ عِنْدَ أَيُّوبَ فَقَالَ إِنَّ فَرْقَدًا لَيْسَ صَاحِبَ حَدِيثٍ )، (وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، ذُكِرَ عِنْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ فَضَعَّفَهُ جِدًّا . فَقِيلَ لِيَحْيَى أَضْعَفُ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ نَعَمْ . ثُمَّ قَالَ مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ).
وبعضها جاءت بعبارات فجة قالها ابن المبارك ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيَّ، يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ لاَخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ثُمَّ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْهُ) وبعضها يجعل ابن المبارك نفسه متهما ـ حين يتهم غيره ، وذلك ما نستشفه من هذه الرواية : ( قَالَ ابْنُ قُهْزَاذَ وَسَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ، يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ رَأَيْتُ رَوْحَ بْنَ غُطَيْفٍ صَاحِبَ " الدَّمِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ " وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ مَجْلِسًا فَجَعَلْتُ أَسْتَحْيِي مِنْ أَصْحَابِي أَنْ يَرَوْنِي جَالِسًا مَعَهُ كُرْهَ حَدِيثِهِ .) لقد كان ابن المبارك تاجرا ثريا وأشهر أعيان علم الحديث فى عصر الرشيد وكانت جماهير بغداد تخرج للقائه فكيف يجالس متهما بالكذب فى الحديث ؟ وإذا كان يستحى من أصحابه أن يروه عند ذلك الرجل فما الذى أجبره على الجلوس عنده ؟
وفى بعضها يتهم الأخ أخاه بما يشبه التشنيع عليه (وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا وَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ زَيْدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ لاَ تَأْخُذُوا عَنْ أَخِي،) .
ويقول مسلم (وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَ، مُتَّهَمًا ) ولعل مسلم يشير هنا الى ما ذكره المؤرخ ابن سعد فى الطبقات الكبرى من قبل فى اتهام شرحبيل بن سعد الذى كان ( مولى الأنصار ويكنى أبا سعد وكان شيخا قديما روى عن زيد بن ثابت وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي إلى آخر الزمان حتى اختلط واحتاج حاجة شديدة وله أحاديث وليس يحتج به).(الطبقات الكبرى ) ( 5 / 65 ). وقبل أن نلوم شرحبيل بن سعد يجب أن نلوم من روى عنهم من الصحابة كأبى هريرة و أبى سعيد الخدرى وزيد ..
ولكن العجيب هنا أن الامام مسلم يوجه اتهاما لشخص لم يره و لم يعش معه . فالتابعى شرحبيل مات قبل مولد مسلم باكثر من قرن من الزمان وعاش فى المدينة أى فى زمان مختلف ومكان مختلف فكيف يجرؤ مسلم على اتهامه فى سريرته ؟
وقد يقول قائل : إنك تتهم أبا هريرة بالكذب وبينك وبينه قرون فكيف تبيح لنفسك ما تنكره على غيرك ؟ وأقول إننى لا أتهم أبا هريرة ولكن أحكى ما قالوه فى حقه. وكل ما قيل فى حقه جاء تأسيسا على اتهام كبار الصحابة المعاصرين لأبى هريرة بالكذب فى وجهه ، ودفاعه عن نفسه دفاعا معوجا لا يستقيم مع المنطق. وفى النهاية فكل ما نقوله مبنى ومؤسس على التراث السنى نفسه ولا نخترع شيئا من عندنا ، بل نحلل ما هو موجود فى كتبهم..
الكذب فى تدوين الحديث
قيل أن هناك مدونة قديمة عن الأحكام القضائية التى قضى فيها الامام على بن أبى طالب ، وهى بالطبع ليست أحاديث و ليس فيها إسناد ، حيث تمت كتابتها بدون رواية شفوية ، ومع ذلك تعرضت للتحريف عند نسخها ، يقول مسلم .( حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ، لِي كِتَابًا وَيُخْفِي عَنِّي . فَقَالَ وَلَدٌ نَاصِحٌ أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الأُمُورَ اخْتِيَارًا وَأُخْفِي عَنْهُ . قَالَ فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ وَيَمُرُّ بِهِ الشَّىْءُ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ضَلَّ . ) فهذا الذى نسخ نسخة من كتاب (أقضية على ) لم يعجبه المكتوب عما قضى به علىّ ، فأخذ ينقل شيئا ويترك أشياء قائلا (وَاللَّهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ضَلَّ )
وهناك رواية أخرى بطلها أيضا ابن عباس وقد جىء له بنفس الكتاب عن أقضية (على ) وقد قام ابن عباس بمحو معظم الكتاب ، ولا ندرى متى حدثت هذه الحكاية لأن ابن عباس أصيب بالعمى فى شيخوخته .، تقول الرواية : (و حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ أُتِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِكِتَابٍ فِيهِ قَضَاءُ عَلِيٍّ - رضى الله عنه - فَمَحَاهُ إِلاَّ قَدْرَ . وَأَشَارَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِذِرَاعِهِ . )
وعندما بدأ التدوين فى الحديث تحرز بعضهم من كتابة الروايات الشفهية لبعض من يتهمهم بالكذب ، يقول مسلم : (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ اكْتُبْ عَنْ بَقِيَّةَ، مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلاَ تَكْتُبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلاَ تَكْتُبْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلاَ عَنْ غَيْرِهِمْ ) وهو كلام جميل غير أنها وجهات نظر ، فمن يتهمه مسلم يوثقه غيره ، ولذلك هناك اختلاف بين صحيحى مسلم والبخارى وهما أشهر كتابين فى الدين السنى .
ويقول مسلم : ( حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، ضَعَّفَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ الأَعْلَى وَضَعَّفَ يَحْيَى مُوسَى بْنَ دِينَارٍ قَالَ حَدِيثُهُ رِيحٌ . وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ دِهْقَانَ وَعِيسَى بْنَ أَبِي عِيسَى الْمَدَنِيَّ . قَالَ وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى، يَقُولُ قَالَ لِيَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَرِيرٍ فَاكْتُبْ عِلْمَهُ كُلَّهُ إِلاَّ حَدِيثَ ثَلاَثَةٍ لاَ تَكْتُبْ حَدِيثَ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ وَالسَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ .)
وارتبطت الكتابة بتحرى الاسناد أى كتابة سلسلة رواة الحديث من النبى محمد الى الصحابة الى التابعين الى تابعيهم الى من بعدهم حتى العصر العباسى الذى تمت فيه كتابة ذلك الحديث . ومع هذا التحرى فقد كان الكذب هو الأصل ـ ولا يزال..
والى اللقاء فى الحلقة الرابعة ..
هذه المقالة تمت قرائتها 1319 مرة
التعليقات (2)
[15480] تعليق بواسطة محمود دويكات - 2008-01-15
سؤال بسيط
جزاك الله خيرا على ما تقوم به يا استاذنا ا لعزيز
ولكن أليس من الممكن أن يذهب أحدهم فيقول: حسنا!! و ماذا في هذا؟ فتبيان و التصريح بأن بعض الرواة هم كاذبون لهو الحجر الاساس في نشأة علم الجرح و التعديل و الذي من خلاله نستطيع تمييز أي الاحاديث (من الممكن أن ) داخلها الكذب و أيها بقيت أسلم. و بالتالي لا حرج أن يبين هذا الرجل (مسلم) أسماء يعض الكاذبين و غيرهم لأانها سوف تنفعنا في الحكم على الاحاديث المنقوله !
يا حبذا يا دكتور لو تذكر لنا أن هؤلاء الرواة الكاذبين (أو الذين وصفوا بالكذب ) قد صححت بعض الاحاديث التي رووها فعندها سوف نرى عظم الفرية التي افتروها هؤلاء على هذا الدين الذي اصطفاه الله لنا.
(ملاحظة : بالنسبة لي شخصيا: فصحة الحديث من عدمه لا تعني لي شيئا لأني أصلا أخذ ما وافق القرءان من مصدر كان و حتى لو كان الدستور الهولندي .. أما ما لم يوافقه فلو كان النبي عليه السلام أمام عيني يأمرني بذلك لسألته عن الدليل (هل من عندك أم من عند الله؟) قبل الطاعة - و لا أرى في ذلك من حرج )
و جزاك الله عنا خير الجزاء
[15504] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2008-01-16
اهلا بالعقل الجميل محمود دويكات
أخى الحبيب محمود دويكات
أقترح أن تنتظر الى نهاية السلسلة ، فان لم يظهر فيها الاجابة على كل التساؤلات فيسعدنى أن أجيب عليها.
وبالمناسبة أقترح أن يتم عرض هذه السلسلة للنقاش العام فى رواق اهل القرآن.
وهنا تكون الفائدة أعم.
وشكرا لاهتمامك يا محمود .
احمد صبحي منصور
الاسناد
إختراع الإسناد فى حد ذاته يؤكد وجود دين جديد قائم على الكذب . فهو شىء جديد مبتدع لم يعرفه عصر النبى محمد عليه السلام ، وهم أنفسهم يمنعون الابتداع فى الدين ويرون كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، أى أن كل شىء لم يعرفه عصر النبوة فهو بدعة وضلالة وتنتمى الى النار. ولو طبقنا هذا المقياس لألقينا فى النار معظم ثوابت الأديان الأرضية للمسلمين ،لأن كلها مستحدث لم يعرفه عصر النبى محمد عليه السلام بدءا من الاسناد فى الحديث الى كتابة الحديث الى الحج الى المدينة بزعم زيارة قبر النبى محمد و اعتبارها حرما الى إقامة أضرحة مقدسة و إنشاء أحكام فقهية و تشريعات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .
ونتوقف مع الاسناد الذى ابتدعوه ليعطى شرعية وصدقية وثقة فى الأحاديث المنسوبة إعتباطا للنبى محمد عليه السلام ، فأرادوا تأكيد ضبط نسبتها له عن طريق الزعم بأن رواة رووها بالتسلسل عبر الزمن من عهدهم الى عهد النبى محمد . ولأن صناعة هذا الاسناد جاءت فى العصر العباسى فقد كان لزاما على كل راوية للحديث أن يصنع له سلسلة من الرواة الموتى الذين ماتوا من قبل فى العصر العباسى ثم العصر الأموى ثم عصر الراشدين والصحابة ليصل حديثه بتلك السلسلة المفتراة ويتم اسناده للنبى . وبهذه الطريقة أتموا ربط دينهم الأرضى بالنبى محمد عليه السلام بذلك الحبل الواهى المسمى بالاسناد.
ولولا ذلك الاسناد لكانت اقوالهم مجرد آراء لهم تدخل فى إطار ثقافة عصرها و ضمن اجتهادات المسلمين و لا تعد دينا ارضيا ، فالاسناد للنبى جعلها وحيا ودينا ، ورأينا كيف أنهم يجعلونها ـ الأحاديث ـ ويجعلونه ـ الاسناد ـ دينا.
يقول مسلم ( حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ .)
هنا قول لأحدهم يوضح كيف نشأ الاسناد . هو قول لم يقله النبى أو أبو بكر أو عمر أو عثمان أوعلى أو حتى ابن عباس. ولكن يزعم الراوى أن قائله هو محمد بن سيرين ، أحد كبار الموالى العلماء فى العصر الأموى. وهو قول خاطىء تاريخيا ، فهو يقول انه لما وقعت الفتنة اخترعوا الاسناد حتى لا يروى احدهم عن اهل البدع . والثابت تاريخيا ان الفتنة الكبرى لم تشهد تدوينا و إسنادا ولم يكن هناك وقت لهذا أو ذاك . فلم يعرف التدوين والاسناد إلا فى العصر العباسى ، والدليل أن هذا القول الذى رواه مسلم يحمل مصطلحات العصر العباسى مثل قوله ( أهل السنة ) ( أهل البدع ).
ولكن المهم هنا أن الاسناد فى حد ذاته بدعة سواء حدث بعدالفتنة الكبرى بيوم أو بعدها بقرن ، والأهم هنا أن الاسناد جىء به لتأمين الحديث من الكذب و الكذابين الذين أسموهم بأهل البدع ، أى كان الكذب موجودا فى الحديث قبل اختراع الاسناد ، والأكثر أهمية فى أنهم يتهمون مقدما خصومهم باهل البدع و يدعون لترك حديثهم ، أى جعلوا معيارا لقبول الحديث هو ليس صدقه فى حد ذاته وانما شخص قائله، فان كان معنا فهو من (اهل السنة ) وهو ثقة وصادق فى كل ما يقوله ، أما إن كان شيعيا أو قدريا أو مرجئة أو خارجيا فهو من أهل البدع لا يؤخذ عنه مهما قال.
ويقول مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، - مِنْ أَهْلِ مَرْوَ - قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَانَ بْنَ عُثْمَانَ، يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ . ) قوله (الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ )أى بهذا الاسناد البدعة وبذلك المعيار المتعصب الحزبى تم إنشاء الدين السنى مواجها الأديان الأرضية الأخرى المنافسة له. أما قوله (وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ . ) فهو زعم كاذب لأن الاسناد لم يمنع الكذب بل قام بتوثيقه وحمايته ، بدليل كل تلك الأكاذيب التى ذكرها مسلم وكلها مسندة. ويكفىأنه كان فى عصر مسلم 300 ألف حديث مسندة انتقى منها ما رآه صحيحا من وجهة نظره .
ولأن الاسناد عند اهل السنة جاء معبرا عن الخصومة بين دين السنة والأديان الأخرى فقد كان الاسناد ميدان الصراع بين الفرقاء، بمعنى أن الشيعة أسندوا أحاديثهم أيضا لآل البيت و أئمتهم ، و بدأ الصراع الفكرى ، يقول مسلم (َقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ . يَعْنِي الإِسْنَادَ .) أى هى مبارزة فكرية ، هذا يقول رواتى هم الأوثق ، ويطعن هذا فى رواة ذاك .. وهكذا ..!!
ومن الطبيعى ان يؤيد كل فريق رواته ويجعلهم ثقاة ، فى الوقت الذى يطعن فيه فى رواة الأديان الاخري ، يقول مسلم ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الثِّقَاتُ .) فهذا القائل سعد بن ابراهيم يضع شرطا فيمن يحدث عن النبى ممد عليه السلام ، ان يكون ثقة أى من (أهل السنة ). ولكن هل كانوا كلهم ثقة بالمعيار السنى نفسه كى يتحقق هذا الشرط ؟ وماذا نفعل بمئات الألوف من الأحاديث التى ألقاها البخارى ومسلم والحاكم وغيرهم ، كلها رواها ثقاة أهل السنة وأجازها بعضهم و نفاها آخرون ؟ أى إن تحديد الثقة هنا امر شخصى نسبى حتى فى داخل أهل الدين الأرضى الواحد لأن أساس دينهم هو الهوى والكذب.
ولأنها أحكام شخصية فالاختلاف ليس فقط فى أحاديث البخارى ومسلم وأحمد و النسائى و .. ولكن فى دائرة اضيق ، بين الرواة الأقل شهرة أو الذين لا إسم لهم معروفا بين أهل الحديث ، يقول مسلم ( حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، كِلاَهُمَا عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ كُنَّا عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ فَحَدَّثَ رَجُلٌ، عَنْ رَجُلٍ، فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِثَبْتٍ . قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ اغْتَبْتَهُ . قَالَ إِسْمَاعِيلُ مَا اغْتَابَهُ . وَلَكِنَّهُ حَكَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ . ) أى دافع أحدهم عن الراوى المتهم بأن إتهم رفيقه بأنه إغتاب الراوى..وتتضح البلوى اكثر عندما نتوقف مع احاديث أخرى لمسلم توضح اتخاذ الاسناد مطية للكذب .
الكذب فى الاسناد
الحقيقة التى يرفض أصحاب الديانات الأرضية تصديقها أن الاسناد مصنوع ، صنعه أول من كتبه ودونه. كانت هناك روايات شفهية متناقلة ومتوارثة تقال فى المساجد ومجالس القصاص ، ثم رأوا أن يجعلوا لها اسنادا يصلها بالنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر من الزمان . ووقع عبء صناعة هذا الاسناد على من قام بكتابة تلك الروايات الشفهية وغيرها ، ومن الطبيعى أن يزعم أنه قابل فلانا الذى روى له عن فلان الثانى الذى قال انه سمع من فلان الثالث ان فلانا الرابع قابل فلانا الخامس فحكى له ان فلانا السادس سمع الصحابى فلانا يرون عن النبى انه قال كذا. مخترع الاسناد الذى اخترع ان فلانا الأول روى له كذا قد يشاء سوء حظه أن يختار إسما يكون صاحبه قد مات قبله بعشرات السنين ، وقد يكون صحابيا أو تابعيا ، فكيف يقابل شخص فى العصر العباسى شخصا آخر مات فى العصر الأموى أو من الصحابة ؟ هى أخطاء وقع فيها الجهلاء من الرواة الذين لا يعرفون إذا كان فلان هذا ـ الذى يزعمون مقابلته والرواية عنه ـ من الصحابة ام من التابعين أم من معاصرى الخلافة العباسية .
وهناك كذابون محترفون عالمون بالتاريخ وأسماء الصحابة ومشاهير التابعين فوضعوا الأسماء مرتبة حسب الزمان فبدا الكذب مقنعا ، وبالتالى توجه بعض أولئك المحترفين الى الجهلة الاخرين ينتقدونهم فى خلط الأسماء و الأزمان والزعم بمقابلة فلان الذى مات من قرن مضى..
ونعطى التفاصيل من مسلم نفسه ، وقد كان أحد أولئك الكذبة الحاذقين .
اسناد الحديث الواحد لأكثر من شخص متهمين بالكذب
يقول مسلم ( وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، . وَذَكَرَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَقَالَ حَلَفْتُ أَلاَّ أَرْوِيَ عَنْهُ شَيْئًا وَلاَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَحْدُوجٍ . وَقَالَ لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ . وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ . قَالَ الْحُلْوَانِيُّ سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ وَذَكَرْتُ عِنْدَهُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ ) هنا حديث واحد ولكن رواه اكثر من واحد بأسانيد مختلفة وكلها كاذبة.
الخلط فى أسماء الرواة
ويقول ( وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ بَعْضَ، أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ لَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ يَكْنِي الأَسَامِيَ وَيُسَمِّي الْكُنَى كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ) كان للشخص الواحد اسم مثل (حماد ) ويكون له لقب مثل ( الدباغ ) ويكون له كنية مثل ( أبى العلاء ) ، وكلها من اسم ولقب وكنية تدل على شخص واحد . وكان هذا معتادا من العصر النبوى الى العصر المملوكى. وأوقعت هذه العادة صناع الاسناد فى محنة ، ففى بحثهم عن اسماء الرواة المشهورين السابقين الموتى من قبل ، وأسماء الصحابة والتابعين وقعوا فى الخلط بين الأسماء و اللقاب و الكنى . وهو باب طويل أشار اليه مسلم فى الحديث السابق.
الخلط فى اسناد الحديث الواحد لرواة مختلفين
( قَالَ وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيَّ، يَقُولُ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ حَدِيثَ هِشَامٍ أَبِي الْمِقْدَامِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَحْيَى بْنُ فُلاَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْتُ لِعَفَّانَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ هِشَامٌ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ . فَقَالَ إِنَّمَا ابْتُلِيَ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ يَقُولُ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ). والخلط هنا واضح بين الرواة حتى يتعذر فهم الرواية نفسها .
الكذب عمدا فى اسماء الرواة فى سلسلة الاسناد
يقول مسلم ( حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ أَخْبَرَنِي خَلِيفَةُ بْنُ مُوسَى، قَالَ دَخَلْتُ عَلَى غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَىَّ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ فَقَامَ فَنَظَرْتُ فِي الْكُرَّاسَةِ فَإِذَا فِيهَا حَدَّثَنِي أَبَانٌ عَنْ أَنَسٍ وَأَبَانٌ عَنْ فُلاَنٍ فَتَرَكْتُهُ وَقُمْتُ )
هنا رجل يصنع أسانيد كما يحلو له ـ شأن كل من بدأ تدوين الأحاديث ، وهو يغير الأسماء كيف شاء ، فهو المؤلف الأصلى الذى لا رقيب عليه ، بل ويصدق الناس كل ما يكتبه ،لولا أن أوقعه سوء حظه فى تلميذ مشاغب اكتشف انه يبدل أسماء الرواة فى الاسناد.
الزعم بمقابلة التابعين بعد موت التابعين
يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ قَالَ مَعْمَرٌ مَا رَأَيْتُ أَيُّوبَ اغْتَابَ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ - يَعْنِي أَبَا أُمَيَّةَ - فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ . )
عكرمة ( ت 105 ) هو مولى وتلميذ ابن عباس ( ت 68 )، ومن أعيان الموالى العلماء فى العصر الأموى. وامتدت شهرة عكرمة الى العصر العباسى حيث كان تلميذ ابن عباس جد الدولة العباسية . وأصبحت الرواية عن عكرمة مطلوبة للشهرة ، لذا جاء هذا الشخص (عبد الكريم :أبو أمية ) الى ايوب السختيانى وكان تلميذا لعكرمة يسأل عن عكرمة وحديثه ، ثم بدأ بعدها عبد الكريم هذا يزعم أنه تتلمذ على يد عكرمة وسمع منه ويروى عنه ، وظل هكذا يروى عن عكرمة حتى وصل خبره الى ايوب السختيانى .
الزعم بمقابلة الصحابة بعد موت الصحابة
يقول مسلم : ( حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى فَجَعَلَ يَقُولُ حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، قَالَ وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، . فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ فَقَالَ كَذَبَ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلاً يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ ).
أبو داود الأعمى هو أبو داود نفيع بن الحارث الأعمى الهمداني أحد مشاهير الرواة الكاذبين ، وسبب شهرته زعمه بأنه لقى الصحابة وروى عنهم ، مع الفارق الزمنى بينه وبينهم.
وفى الحديث السابق يزعم ابو داود الأعمى انه سمع ولقى اثنين من الصحابة ، أحدهما البراء ابن عازب المتوفى عام 72 ، وقد كان غلاما وقت غزوة بدر ، والاخر يقاربه فى العمر وهو زيد بن أرقم المتوفى بالكوفة عام 68 . وقد سئل قتادة بن دعامة السدوسى عن الراوى أبى داود الأعمى فقال عنه انه ما سمع من احد منهم . قتادة هذا هو كبير العلماء فى اواخر العصر الأموى وقد عاش فيما بين ( 60 ـ 118 ) ولقى فى صباه بعض المعمرين من الصحابة وسمع من الحسن البصرى (ت 110 ) أشهر علماء التابعين .
وهناك رواية اخرى أكثر تفصيلا عن هذا الراوى (أبو داود الأعمى ) وموقف قتادة منه وتكذيبه له ، يقول مسلم (وَحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، قَالَ دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى عَلَى قَتَادَةَ فَلَمَّا قَامَ قَالُوا إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا . فَقَالَ قَتَادَةُ هَذَا كَانَ سَائِلاً قَبْلَ الْجَارِفِ لاَ يَعْرِضُ فِي شَىْءٍ مِنْ هَذَا وَلاَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ . فَوَاللَّهِ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً . وَلاَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً إِلاَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ .) فهنا يؤكد قتادة ان الحسن البصرى لم يرو أى حديث عن أى صحابى شهد بدرا سوى سعد ابن مالك ، فكيف بأبى داود الأعمى الذى لم يقابل الحسن البصرى ؟ .
يقول مسلم (وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قَالَ قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَدْ أَكْثَرْتَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ فَمَا لَكَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَطَّارَةِ الَّذِي رَوَى لَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ لِيَ اسْكُتْ فَأَنَا لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فَسَأَلْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَرْوِيهَا عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ أَرَأَيْتُمَا رَجُلاً يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَلَيْسَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَنَسٍ مِنْ ذَا قَلِيلاً وَلاَ كَثِيرًا إِنْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ النَّاسُ فَأَنْتُمَا لاَ تَعْلَمَانِ أَنِّي لَمْ أَلْقَ أَنَسًا . قَالَ أَبُو دَاوُدَ فَبَلَغَنَا بَعْدُ أَنَّهُ يَرْوِي فَأَتَيْنَاهُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ أَتُوبُ . ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ . فَتَرَكْنَاهُ . )
هنا رجل يزعم كذبا أنه لقى الصحابى أنس بن مالك ، وكلما ووجه بالتكذيب والانكار عليه يعترف بالكذب ويتوب ، ثم يعود مرة أخرى يزعم أنه يروى عن أنس .. ويأس منه ناصحوه وتركوه يروى كما شاء.
يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، . وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ فَقَالَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ، قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ . فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ ) اى ان هذا الرجل أبو وائل يحكى أنه شهد معركة صفين واشتراك عبد الله بن مسعود فيها . وتندر الذى يروى عنه فقال ساخرا ( أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ ) اى يتساءل ساخرا إن كان ابن مسعود قد بعث من قبره ليشترك فى هذه الحرب؟ فالمعروف أن عبد الله بن مسعود مات بالمدينة عام 32 هجرية فى خلافة عثمان ، و جاءت خلافة على بن أبى طالب ، وحدثت موقعة صفين عام 39 . الراوى أبو وائل لا يعرف هذا فزعم أنه كان حاضرا موقعة صفين وذكر أن ابن مسعود حضرها ايضا. وكان سهلا كشف هذا الكذب لأن موقعة صفين من الصعب نسيانها بين الحاذقين من الرواة ، وكذلك حياة وموت ابن مسعود.
يقول مسلم : ( َقَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالَقَانِيَّ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ " إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ " . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ عَمَّنْ هَذَا قَالَ قُلْتُ لَهُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ . فَقَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ . قَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلاَفٌ .)
هنا حديث يزعم راويه شهاب بن خراش أنه سمعه من الحجاج بن دينار ، ويزعم ان الحجاج ابن دينار قد سمعه من النبى محمد . ولقد كان الحجاج بن دينار كثير الرواية ومن فقهاء التابعين ومعاصرا لابى حنيفة (150 ). ولم يشهد أحدا من الصحابة فكيف يروى عن النبى محمد رأسا ؟ لذا قال ابن المبارك معلقا على هذه الكذبة (إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ ).
وبغض النظر عن هذه الأكاذيب الظاهرة الفجة فقد سكتوا عن الكذب الأصلى فى الاسناد ، والذى روعي فيه وجود رواة مرتبين زمنيا يروى هذا عن ذاك فى زمن متسلسل ، كأنما ركب مخترع الاسناد عربة الزمن وسافر فيها عائدا الى الماضى من وقته الى عصرالنبى محمد عليه السلام يوزع فيها الأدوار والأقوال لكى يسند دينه الأرضى المتهالك ويثبته فى حائط الاسلام دين الله الحق.
والى اللقاء فى الحلقة الخامسة ..
هذه المقالة تمت قرائتها 1577 مرة
التعليقات (6)
[15579] تعليق بواسطة تان تان - 2008-01-18
و علم الجرح و التعديل لم يجرى على الصحابة
الأصح ألا نقول علم الحديث و لكن علوم الحديث لأنها فروع عدة و منها علم الجرح و التعديل و هو الخاص بجرح راوى أو الشهادة بعدالته و بالتالى يؤخذ منه الحديث
و علم الجرح و التعديل هذا قد جرى على كل الطبقات ماعدا طبقة الصحابة حيث أعتبر علماء الحديث الصحابة كلهم عدول , و هذا في حد ذاته يكفى لعدم الأخذ بتلك الأحاديث لأن الصحابة بشر مثل أي بشر في كل زمان منهم الصالح و منهم الغير صالح و فكرة الصحابة كلهم عدو غير مقبولة و تتعارض مع القرآن الذى تناول منهم من تناول و بين عدم صلاحهم و لكن دون ان يكشف عن شخصيات بعينها
[15586] تعليق بواسطة جواد مصطفى - 2008-01-18
بعثرة ونثر الوحي وعدم كتابته
لو كان هناك وحي ثان كما يدعي أهل الحديث فلا يعقل أن يقوم الرسول (ع) بنثره وبعثرته بين آلاف الناس الذين لا يعرفون بعضهم بعضا فيعطي هذا جملة وهذا فقرة وذاك سطرا؟؟ ،،، ولا يعقل ألا يبادر الرسول (ع) بجمعه وتصنيفه وتبويبه في كتاب أو سلسلة كتب كما فعل مع كتاب الله. ؟؟؟
ولو افترضت أن كل هذه الادعاءات التي يقول بها أهل الحديث صحيحة فسوف يحق لنا أن نتهم النبي بالتقصير والإهمال في تبليغ الرسالة؟ حاشاه من ذلك
وسوف يحق لنا أن نسأله يوم القيامة هذا السؤال : لقد جاء في نص الرسالة التي كنت أنت رسولها وفي آية الدين أنه عندما يتداين شخصان يجب عليهم ان يكتبوا دينهم وأن يشهدوا عليه من يرضون شهادتهم من الناس فلماذا لم تطبق هذا الأمر على دين الله والوحي الذي أنزل إليك أم أن ديون الناس وقروضهم أهم عند الله من وحيه ورسالته.؟؟؟
[15592] تعليق بواسطة جواد مصطفى - 2008-01-18
هناك مدخل آخر لنقض فكرة السند والأسانيد
الأستاذ أحمد صبحي منصور
تحية لك ولهذا المجهود الرائع والنشاط المثير للإعجاب والذي تبديه في التصدي لأكبر كذبة وكذابين في التاريخ
هناك مدخل آخر لنقض فكرة السند والأسانيد وهي قول الله عز وجل في سورة النجم آية 32 (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) صدق الله العظيم ،،، فإذا كان رب العالمين ينهى المؤمنين عن تزكية انفسهم التي يفترض انهم أعلم بها من سواهم فكيف بمن يزكي غيره وكيف بمن يزكي من لم يره ولم يسمعه طوال حياته ويعطي لذلك مراتب مثل ثقات و عدول ... الخ
دمت بخير يا دكتور
[15593] تعليق بواسطة تان تان - 2008-01-18
إستمر يا جواد
عجبتنى جدا الصياغة الجديدة التى إستعملها جواد و التى تقول: لو كان هناك وحي ثان كما يدعي أهل الحديث فلا يعقل أن يقوم الرسول (ع) بنثره وبعثرته بين آلاف الناس الذين لا يعرفون بعضهم بعضا فيعطي هذا جملة وهذا فقرة وذاك سطرا؟؟ , قالب جديد بألفاظ و صياغة جديده لم أقرئها من قبل
ثم بعد قليل أضاف تعليق أخر ذكى عن عدالة الرواة
جعلتنى هذه التعليقات أذهب لصفحته لأقرأ له المذيد فتبين لي إن هذا هو يومة الأول في التعليق ... أنا أتنبأ بخير كثير يأتى منه و إنشاء الله أكون محق , عن نفسى و شخصى المتواضع كمجرد كاتب أقدم منه قليلا في الموقع , أرحب به
من فضلك يا جواد إستمر في كتابتك و لا تحرمنا منها
تحياتى
[15621] تعليق بواسطة Malath Arar - 2008-01-19
Continuous Inventions
When Saddam Hussein did not like Sheikh Jaber any more and invaded Kuwait in 1990, I started hearing interesting series of "Hadeeths" describing these events and trying to prove the validity of such action. Of course, we knew later on Jan 16, 1991 that one Appachi Helicopter neutralized the Iraqi forces in 15 minutes. Due to my position, I was one of the first to witness this quick surgical strike that ended the war right there. I wondered then what happened to these "Hadeeths". After the fact, many people stopped believing in Islam altogether. These lies and halucinations are causing a lot of damage and credibility for both Moslems and non-Moslems. It seems we have "hadeeths" for every occasion at all times not just during the early stages of Islamic history. I bet, any of us can invent "hadeeth" so easy and attribute it to Mohammad, Peace be upon him. It always surpirsed me where all these strange names nad nicknames were coming from. Some of them are quite funny and entertaining. Just ask the Appachi pilots who destroyed the Iraqi radars in 1991 if this was in Ibn Abbas narrations.
[15706] تعليق بواسطة جواد مصطفى - 2008-01-22
خيرك سابق يا أخ تان تان
شكرا لك على كلماتك الجميلة وأتمنى أن أكون على مستوى تطلعاتك
-----------
اتهام الأعداء بالكذب ضمن صراع الأديان الأرضية بالاحاديث
الهجوم على القدرية و المعتزلة
أنبت عصر الخلفاء وعصر الأمويين أديانا أرضية منها الذى لا يزال باقيا وتعدد وتشعب كالتشيع و السنة ، ومنها ما ضاع معظمه وبقيت بعض ذيوله كالخوارج (بقى منهم الاباضية ) ومنهم من اندثر كالمرجئة .هذا بينما امتاز القدرية بالتفكير الحر دون الحاجة الى الكذب على الله تعالى ورسوله ودون إسناد آرائهم للنبى عليه السلام ، والقدرية هم أصحاب مذهب الارادة الحرة ومسئولية الانسان عن أفعاله دون تمسح بالقضاء و القدر. لذلك حظوا بكراهية أصحاب الأديان الأرضية خصوصا دين السنة المعبر عن أهل السيطرة والحكم الذين يستخدمون الدين فى تبرير ظلمهم واستبدادهم ، ولا يزالون يفعلون .
ونشأ المعتزلة من بين أحضان القدرية ، وحظوا مثلهم بكراهية أصحاب الحديث . ليس فقط واصل بن عطاء الذى اعتزل الحسن البصرى ولكن أيضا تلميذ واصل بن عطاء ، وهو عمرو ابن عبيد الذى حافظ على حياته واستقلاله الفكرى بالزهد فى الدنيا ، فى الوقت الذى تكالب فيه الفقهاء على الدولة العباسية يصنعون لها الأحاديث بقيادة الأعمش وغيره .
لقد وصفوا عمرو بن عبيد ب(الزاهد، العابد، القدري، كبير المعتزلة) ومع ذلك اتهموه فى الأحاديث التى لا يؤمن بها اصلا ،فقال عنه ابن المبارك (دعا إلى القدر فتركوه . ) وقال عنه حفص بن غياث( ما لقيت أزهد منه، وانتحل ما انتحل .) اى ان ذنبه عندهم هو قوله بالقدر أى مسئولية الانسان عن أفعاله دون التمسح بالقضاء و القدر والجبرية .
وبسبب استقلاليته وحبه للسلم وزهده فى الدنيا اكتسب عمرو بن عبيد احترام جبار بنى العباس أبى جعفر المنصور فمدحه محتقرا لفقهاء عصره المنافقين المتكالبين على عطاء السلطان. وننقل بعض ما أورده ابن الجوزى ( المؤرخ المحدث الحنبلى) فى تاريخ عمرو بن عبيد ، قال عنه : (عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان .. كان عمرو يسكن البصرة وجالس الحسن البصري ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة فقال بالقدر ودعا إليه واعتزل أصحاب الحسن وكان له سمت وإظهار زهد ...)
ويحكى ابن الجوزى رواية يتضح فيها أن ابا جعفر المنصور كان صاحبا لعمرو فى رحلة طلب العلم قبل ان تختلف بهما الأحوال ، وأن الخليفة الجبار الذى قتل و اغتال كل من يخشى منه على سلطانه عرف أن محمدا النفس الزكية الثائر على الدولة العباسية وقتها كان قد أرسل رسالة الى عمرو ، وهو يعرف أن عمرا لا شأن له بالصراع السياسى وهو يؤمن بعدم اللجوء للعنف ، لم يسترح ابو جعفر المنصور إلا بأن يتحقق بنفسه و يتكلم مع صديقه القديم الزاهد فى الدنيا ، وهكذا بعث له يستدعيه ،فأتى عمرو بن عبيد راكبا حماره ، ودخل به الى فسطاط الخليفة دون أن يأبه بأصول (البروتوكول ) مما أفزع رجال البلاط العباسى ، ثم إزداد فزعهم حين رأوا الاذن يأتى مسرعا لذلك الرجل رث الهيئة لكى يدخل قبلهم للقاء المنصور ، ثم كانت دهشة حاجب المنصور نفسه وهو يحكى كيف استعد المنصور للقاء عمرو ، وكان المهدى ولى العهد مع أبيه المنصور ، فأسرع المنصور بابنه وجلسا على حصير على الأرض ليبدو الأمر أكثر تواضعا وأكثر مناسبة لما يحبه عمرو ، وأخذ الخليفة يتحبب له بالقول ويدنو اليه ويسأله عن عياله فردا فردا رجلا وامرأة .. ونتابع القصة مع ابن الجوزى ( ....طلع عمرو بن عبيد على حمار فنزل عن حماره ونحى البساط برجله وجلس دونه ... ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه فما أمهل حتى أمر بمجلس ففرش لبودًا ثم انتقل هو و المهدي وكان على المهدي سواده وسيفه، ثم أذن له فلما دخل عليه بالخلافة فرد عليه ومازال يدينه حتى أتكأه على فخذه وتحفى به، ثم سأله عن نفسه وعن عياله يسميهم رجلًا رجلًا وامرأة امرأة، ثم قال: يا أبا عثمان عظني. فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: " بسم الله الرحمن الرحيم {والفجر وليال عشر .. السورة .. )ثم قال للخليفة : ( إن ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد. قال: فبكى بكاءً شديدًا كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا في تلك الساعة وقال: زدني. فقال: إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها واعلم أن هذا الأمر الذي صار إليك إنما كان في يد من قبلك ثم أفضى إليك وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة. قال: فبكى والله أشد من بكائه الأول حتى جف جفناه. فقال له سليمان ابن خالد: رفقًا بأمير المؤمنين قد أتعبته اليوم ، فقال له عمرو: بمثلك ضاع الأمر وانتشر ، لا أبالك ! وماذا خفت على أمير المؤمنين أن بكى من خشية الله عز وجل ؟ فقال له أمير المؤمنين: يا أبا عثمان أعنّي بأصحابك أستعن بهم. قال: أظهر الحق يتبعك أهله. قال: بلغني أن محمد بن عبد الله بن حسن كتب إليك كتابًا. قال: قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه. قال: فيم أجبته قال: أوليس قد عرفت رأيي في السيف أيام كنت تختلف إلينا ؟( أى تأتى الينا ) إني لا أراه .قال: أجل ولكن تحلف لي ليطمئن قلبي. قال: لئن كذبتك تقية لأحلفن لك بقية. قال: أنت والله الصادق البر. ثم قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على سفرك وزمانك. قال: لا حاجة لي فيها. قال: والله لتأخذنها. قال: والله لا آخذها. فقال له المهدي: يحلف أمير المؤمنين وتحلف! فترك المهدي وأقبل على المنصور وقال: من هذا الفتى ؟ قال: هذا ابني محمد هو المهدي وولي العهد. قال: والله لقد أسميته اسمًا ما استحقه عمله، وألبسته لباسًا ما هو من لبس الأبرار، ولقد مهدت له أمرًا أمتع ما يكون به وأشغل ما يكون عنه. ثم التفت إلى المهدي وقال له: يا ابن أخي إذا حلف أبوك حلف عمك لأن أباك أقدر على الكفارة من عمك. ثم قال : يا أبا عثمان هل من حاجة؟ قال: نعم. قال: وما هي ؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك. قال: إذًا لا تأتيني. قال: عن حاجتي سألتني. قال: فاستحفظه الله وودعه ونهض ، فلما ولى أمده ببصره وهو يقول : كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد ) ثم قال ابن الجوزى معلقا : ( تكلم العلماء في عمرو بن عبيد لأجل مذهبه في القدر وكذبه جماعة منهم في حديثه) أى اتهموه وكذبوه لأنه كان قدرى المذهب( المنتظم 8 / 58 : 61 )
هذا الرجل الذى ظلمه عصره ، كان الامام مسلم من اوائل من اتهمه وهاجمه ..
ومع أن معظم الاتهامات الموجهة لعمرو بن عبيد تشى بعدم اهتمامه بالحديث وتكذيبه له إلا إن بعضهم واصل الافتراء عليه بزعم أنه يكذب فى الحديث؛ يقول مسلم : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ .
ويكرر مسلم الاتهام فى رواية اخرى تضيف السب و الشتم : (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ، قَالَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ، يَقُولُ قُلْتُ لِعَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا " قَالَ كَذَبَ وَاللَّهِ عَمْرٌو وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ . )
وهنا رواية تؤكد انهم كانوا يصرفون الناس عن الاجتماع بعمرو بن عبيد ، يقول مسلم (وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ كَانَ رَجُلٌ قَدْ لَزِمَ أَيُّوبَ وَسَمِعَ مِنْهُ فَفَقَدَهُ أَيُّوبُ فَقَالُوا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ قَدْ لَزِمَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ . قَالَ حَمَّادٌ فَبَيْنَا أَنَا يَوْمًا مَعَ أَيُّوبَ وَقَدْ بَكَّرْنَا إِلَى السُّوقِ فَاسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَيُّوبُ وَسَأَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيُّوبُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَزِمْتَ ذَاكَ الرَّجُلَ . قَالَ حَمَّادٌ سَمَّاهُ . يَعْنِي عَمْرًا . قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ يَجِيئُنَا بِأَشْيَاءَ غَرَائِبَ . قَالَ يَقُولُ لَهُ أَيُّوبُ إِنَّمَا نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ .)
اتهام الخوارج
يقول مسلم : (حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ فَكَانَ يَقُولُ لَنَا لاَ تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيْرَ أَبِي الأَحْوَصِ وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا . قَالَ وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْىَ الْخَوَارِجِ وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ .)
كان القصص مجال اختراع الحكايات والأقاويل ، وهى التى تم نسبتها و اسنادها للنبى فيما بعد وتأسست عليها أديان المسلمين الأرضية ، ما اندثر منها و ما بقى. ولقد تبارى دعاة كل دين وفرقة الى بث ونشر أفكارهم عن طريق القصص ، وبالتالى كانت ميدان حرب فكرية بين أصحاب الديانات المتنازعة ، ومن هنا نفهم تحذير رواة الدين السنى من بعض القصاص المنتمين الى دين الخوارج ، ومنهم هنا شقيق.
اتهام الشيعة
والشيعة بالذات كانوا ـ ولا يزالون ـ أشد الناس عداءا للدين السنى ، والحرب الفكرية بينهما عبر القصص و الأحاديث تستحق مجلدات ، وفى مقدمة مسلم بعض شظايا هذه الحرب.
يقول مسلم : (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً، سَأَلَ جَابِرًا عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} فَقَالَ جَابِرٌ لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ . قَالَ سُفْيَانُ وَكَذَبَ . فَقُلْنَا لِسُفْيَانَ وَمَا أَرَادَ بِهَذَا فَقَالَ إِنَّ الرَّافِضَةَ تَقُولُ إِنَّ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ فَلاَ نَخْرُجُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ . يُرِيدُ عَلِيًّا أَنَّهُ يُنَادِي اخْرُجُوا مَعَ فُلاَنٍ . يَقُولُ جَابِرٌ فَذَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ وَكَذَبَ كَانَتْ فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ صلى الله عليه وسلم ) الرافضة هم الشيعة .
يقول مسلم : (حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ لَمَّا أَحْدَثُوا تِلْكَ الأَشْيَاءَ بَعْدَ عَلِيٍّ - رضى الله عنه - قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَىَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا . ) الأعمش كان من أكبر رواة الدين السنى فى عصر ابى جعفر المنصور ، وكان من أصحابه ، يخترع له الأقاويل وينسبها تارة للنبى محمد وتارة لابن عباس أو لبقية الصحابة. وهو هنا يسند قولا الى أحدهم يلعن الشيعة و يتهمهم بأنهم أفسدوا الأحاديث بعد موت الامام على بن أبى طالب.
وكان الشيعة مهرة فى تزييف الأحاديث ( الشيعية )و نسبتها لرواة من أهل السنة مما حدا بالأعمش الى اختراع هذا الحديث يلعن فيه أولئك الشيعة: ( قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَىَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا . ) وبسبب الروايات الشيعية الكثيرة التى تسللت الى الدين السنى فقد قام بعض محققى الدين السنى بفحص الأمر وأدلى بعضهم بفتوى رواها مسلم كأنها حديث ، يقول ( حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، - يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ - قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ، يَقُولُ لَمْ يَكُنْ يَصْدُقُ عَلَى عَلِيٍّ - رضى الله عنه - فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ إِلاَّ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ .)
وبعض الشيعة تنكر وجعل نفسه راويا سنيا داخل أهل السنة ، ثم اكتشفوا أمره حين زل لسانه وقام بلعن ابى بكر وعمر ، فأعلن ابن المبارك ـ أحد محققى الدين السنى فى العصر العباسى الأول ـ التحذير من الرواية عنه. يقول مسلم فى صيغة حديثية : (وَقَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ شَقِيقٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ .)
وتوالت اكتشافات مؤلمة لأصحاب الدين السنى ثبت فيها أن كثيرين من رواتهم شيعة متنكرون ، كان منهم جابر بن يزيد الجعفى ، الذى ثبت لديهم أنه كان يؤمن بالرجعة ، أى رجعة (على) أى عودته بعد موته وفقا لما قالته السبأية الأولى . يروى مسلم : ( حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرًا، يَقُولُ لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ .).
وهناك حديث آخر يقول : (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ كَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ عَنْ جَابِرٍ، قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ، مَا أَظْهَرَ فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ اتَّهَمَهُ النَّاسُ فِي حَدِيثِهِ وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَقِيلَ لَهُ وَمَا أَظْهَرَ قَالَ الإِيمَانَ بِالرَّجْعَةِ )أىعندما اتهموه فى ( دينه السنى ) تحاشاه الناس وتركوا الرواية عنه. وكانوا من قبل يروون عنه. وهناك رواية أخرى فيها يقول مسلم : (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ، قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، مَا أَحْدَثَ .) أى قبل أن يرتكب ما ارتكب.
وهناك شخص آخر ٍٍٍٍٍٍاسمه الحارث اكتشفوا امره ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، - وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ - حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ الْحَارِثَ، اتُّهِمَ ).وقد اتهموه بتهم خطيرة ، يقول مسلم : ( وَسَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ، مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الرَّازِيَّ قَالَ سَأَلْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَقُلْتُ الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ لَقِيتَهُ قَالَ نَعَمْ . شَيْخٌ طَوِيلُ السُّكُوتِ يُصِرُّ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ .) ويبدو أنه كان خطيرا إذ حاولوا قتله ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، قَالَ سَمِعَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ، مِنَ الْحَارِثِ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ اقْعُدْ بِالْبَابِ . قَالَ فَدَخَلَ مُرَّةُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ - قَالَ - وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ فَذَهَبَ .).
ولا يزال الحارث بن حصيرة أهم رواة التراث السنى و الشيعى حتى الآن.
استخدام الغيب فى اتهام الآخرين بالكذب :
الاعجوبة هنا أن تتهم كذبا الآخرين بالكذب . وقد حقق السنيون الأوائل هذه الاعجوبة بأن افتروا أحاديث جعلوا فيها النبى يتنبأ بمجىء اناس فى المستقبل يكذبون فى الأحاديث ، وأنه لا بد من اجتنابهم . ومعلوم ان النبى محمدا عليه السلام لا يعلم الغيب و ليس له أن يتحدث فى غيوب المستقبل والماضى وما كان معاصرا له . ولكنهم فى تناقضهم مع القرآن ارتكبوا الأعاجيب ومنها تلك الاعجوبة.
يقول مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) هنا تكذيب وتحذير من الأفاكين ، وهو ينطبق عليهم قبل غيرهم ـ لو كان صحيحا ـ ولكن النبى محمدا عليه السلانم لا يعلم الغيب. .
يقول مسلم يكرر نفس الحديث السابق ويؤكده : (وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ شَرَاحِيلَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ لاَ يُضِلُّونَكُمْ وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ " ) .
ثم يتطور الكذب فينسبون معرفة الغيب للصحابة ايضا ـ بعد وفاتهم ـ فينسبون حديثا لعبد الله (ابن مسعود ) هو من الأعاجيب المضحكة ،إذ جعلوا الشيطان يتجسد فى صورة شخص آدمى ليحدثهم بأحاديث كاذبة ، يقول مسلم ـ بدون خجل ـ : ( وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبَدَةَ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَمِعْتُ رَجُلاً أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلاَ أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ .)
ونسبوا كذبة أخرى لعبد الله بن عمرو ابن العاص ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا .) فمن الذى أعلم ابن عمرو بن العاص أن سليمان سجن شياطين فى البحر، وأن موعد إطلاقها قد أوشك ، وأنها ستقرأ قرآنا ؟ وهل هو نفس القرآن أم قرآن آخر ؟ و لقد مرت على موت ابن عمرو قرون فهل لا زالت تلك الشياطين مسجونة لم يأت بعد أوان الافراج عنها ؟ وفى أى بحر هى مسجونة ؟ هل هو بحر قزوين أم البحر الأحمر أم البحر الأسود أم البحر الميت ؟ أم أنه قد تم إطلاق سراحها فآثرت السلامة؟؟.. هى خرافات تحظى بالتقديس ، أما إذا ناقشتها بالعقل أصبحت كمن يسخر منها ..
ونلتقى فى الحلقة السادسة بعونه جل وعلا.
هذه المقالة تمت قرائتها 1312 مرة
التعليقات (4)
[15753] تعليق بواسطة محمد سمير - 2008-01-24
متاهة كتب التراث
أستاذنا الفاضل د. أحمد حفظك الله من كل سوء
قبل أن يمن الله علي بالهداية إلى اتباع القرآن كانت تراودني أفكار كثيرة حينما كنت أقرأ كتب التراث
وأسأل نفسي : هل من المعقول أن يجعل الله الدين القويم في متاهات وآراء متناقضة ومتضاربة ومتشاكسة؟
وكنت أصاب بالرعب لما ترسب في نفسي من تقديس لهذه الآراء. وصرت أدعو الله تعالى أن يريني الحق حقاً ويرزقني اتباعه وأن يريني الباطل باطلاً ويرزقني اجتنابه.
تحياتي
[15775] تعليق بواسطة جواد مصطفى - 2008-01-25
لفت نظري في مقالة الدكتور ، هذه الجملة التي وردت على لسان عمرو بن عبيد وهو يعظ المنصور
وأقتبس ((وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة.)) انتهى الإقتباس
من الواضح أن عمرو بن عبيد كان يمتلك نفس التصور القرآني عن ماهية الموت وهو التصور المتعارض مع فكرة عذاب القبر ونعيمه ومنكر ونكير الذي يقول به الفقه التراثي والذي يدعي وجود حياة للإنسان بعد موته إلى حين أن تقوم الساعة يكون فيها حساب ونعيم وعذاب ولقاء بين نفوس الأموات في عالم البرزخ بل مجتمعات بأسرها يتلاقى فيها الناس ويتواصلون كمرحلة انتقالية قبل قيام الساعة.
فالموت كما أراه وكما كتب عنه الدكتور أحمد صبحي منصور وكثير من كتاب الإصلاح الديني استنادا إلى النصوص القرآنية يشبه النوم تماما من حيث غياب الوعي والاحساس بالذات والوجود والحضور من جهة و انعدام شعور الميت والنائم بتعاقب الزمن من جهة أخرى ، بحيث إن أقصى فترة يشعر بها الميت أو النائم بعد إفاقته وعودته للحياة هي يوم أو بعض يوم لذلك عندما يسأل الله المكذبين يوم القيامة كم لبثتم في الأرض يجيبونه قائلين (يوما أو بعض يوم) وكذلك كان جواب أهل الكهف عندما سأل أحدهم عن المدة التي لبثوها نائمين في الكهف وكذلك كان جواب الرجل الذي مر على قرية وأماته الله مئة عام ثم أحياه وكذلك يكون جواب الأشخاص الذين يذهبون في غيبوبة تستمر لأسابيع وشهور وسنين بعد إفاقتهم من غيبوبتهم.
فالموت إذن بالنسبة للإنسان هو مثل أي غفوة يغفاها يفيق بعدها ليجد نفسه مبعوثا في يوم القيامة تماما كما قال عمرو بن عبيد ، معنى ذلك أن المسافة الزمنية التي تفصل بين الإنسان ويوم القيامة هي حقيقة نفس المسافة التي تفصل بينه وبين أجله.
[15826] تعليق بواسطة أحمد أبو إسماعيل - 2008-01-28
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد هجرة طويلة الأمد عن المشاركة في الموقع دون الاطلاع عليه أعود فأقول متابعة قيمة ومفيدة لصحيح مسلم يستفيد منها كل مسلم وبها نزن النفس الطويل للكاتب القدير أحمد صبحي منصور لي استفساران :
1/: نعلم من مصادر الإباضية القديمة والحديثة أنهم ينفون عن أنفسم تهمة التسمية بالخوارج ويقولون أنهم يتبرؤون منهم بعد خروجهم عن طاعة علي فما رأي الدكتور في المسألة
2/: أستفسر عن تصديق الدكتور للأخبار التاريخية وبناء الأحكام عليها وكأنها من الحديث المتواتر فعندما تقرأ له عن قصة تاريخية تتخيل وكأنك تعيش معها بسبب أسلوبه السهل الممتنع ويشتد نكيره للمحدثين أكثر من المؤرخين نلتمس توضيحا يزيل عنا الوهم ويزيدنا علما
[15831] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2008-01-28
مرحبا بعودتك يا أستاذ أحمد أبو إسماعيل
شكرا وبسرعة أجيب:
1ـ الأسماء للفرق والمذاهب و(الأديان الأرضية ) يطلقها البعض على أنفسهم ، ويطلقونها على بعضهم . المعتزلة سموا أنفسهم (أهل العدل و التوحيد ) وأطلق عليهم خصومهم(المعتزلة ) .أتباع الحديث سموا أنفسهم (أهل السنة ) بينما أطلق المعتزلة على (أهل السنة ) لقب (الحشوية ). الخوارج هو اللقب الذى أطلقه خصوم الثوار الثائرين على (على)، وكل فرقة منهم تسمت باسم زعيمها. ومن حق كل فرقة أن تسمى نفسها ما تشاء، ولكن اللقب الشائع يظل الفيصل مهما احتج حاملوه. فمثلا نحن لم نطلق على أنفسنا (منكرو السنة ) أو ( القرآنيون ). نحن مجرد مسلمين نجتهد فى فهم حقائق الاسلام ونسعى سلميا لاصلاح المسلمين بالاسلام. ولكن شاع تسميتنا بالقرآنيين ، ونفتخر بتميزنا عن الباقين بنسبتنا الى القرآن الكريم. ولكن نظل نتمنى أن يكون كل المسلمين من أهل القرآن وقرآنيين ،إذ الاسلام هو القرآن وفقط. وهذا ما نتمناه لمن يقال عنهم (الاباضية) .
2 ـ قلت مرارا ان الاخبار التاريخية لو صدقت فهو صدق نسبى يدخل فى إطار العلم ، وبحثها يخضع لمنهج البحث التاريخى ، لا يقال فيه حق وباطل ولكن يقال فيه خطأ وصواب فى إطار العلم . ولو أنكرتها كلها ما تأثر إيمانك بشىء،لأنها لا تدخل فى الايمان، وليست جزءا من دين الله تعالى الحق. ففى الاسلام الحق لا يوجد كتاب سوى القرآن ، و لا يوجد حديث نؤمن به سوى القرآن .
فى الأديان الأرضية يتحول التاريخ البشرى للأئمة و الأنبياء الى جزء من الدين ، وينسبونه أحيانا لله تعاالى ورسوله بزعم أنه وحى .. وهذا خروج عن الاسلام. والتفاصيل سبق شرحها مرارا ، ومنها مثلا فتوى منهجية بحث التراث.
شهرة الصالحين بالكذب فى الحديث هل يمكن أن يكون الكذب مقياسا للصلاح فى أى دين ؟ نعم . فى حالة واحدة ؛ إذا كان دينا مؤسسا على الكذب. وهذه هى الحالة هنا باعتراف الامام مسلم فى مقدمة صحيحه. لقد قال مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتَّابٍ، قَالَ حَدَّثَنِي عَفَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَىْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ . )
ما معنى (نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَىْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ . )؟ يعنى أنهم يكذبون كذبا عاديا فى كل شىء ، ولكنهم يتفوقون فى الكذب عندما يتعلق الأمر بالحديث ، أى عندما تأتى سيرة النبى محمد عليه السلام ، عندها ينطلقون فى افتراء الأكاذيب و نسبتها اليه.
وقد أحس مسلم بخطورة هذا التصريح فحاول تخفيفه فقال بعدها : (قَالَ ابْنُ أَبِي عَتَّابٍ فَلَقِيتُ أَنَا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ، لَمْ تَرَ أَهْلَ الْخَيْرِ فِي شَىْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ . قَالَ مُسْلِمٌ يَقُولُ يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى لِسَانِهِمْ وَلاَ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ .) فالتعليل الذى جاء به مسلم أو رواه مسلم غاية فى العجب ، إذ يقول انهم لا يتعمدون الكذب ولكن الكذب هو الذى يتعمد أن يأتى على ألسنتهم .!! أى يفتحون أفواههم ليجرى الكذب بدون إرادة منهم ، أو بمعنى آخر : لا يكذب أحدهم مطلقا إلا عندما يتكلم .!! الكذب هو الذى يجرى على لسانهم دون ان يسمحوا له بالجرى، ونسى أن يخبرنا عن سرعة الكذب فى الجرى (كم ميلا او كيلومترا او فرسخا فى الساعة ؟ ). تعليل عجيب ومضحك ، ولكنه نوع من الضحك الباكى الذى لا يستخف فقط بالعقل العادى ، بل يستخف أيضا بالعقل المسلم لأنه أعطى نفسه العلم بغيب سرائر أولئك (الصالحين ) حين قال انهم ( لا يتعمدون الكذب ) . إن التعمد فى قلب الانسان لا يعلمه الا الله تعالى ، ولكن مسلم هنا ينسب لنفسه أنه يعلم خطرات القلوب ، أى إنه يزعم لنفسه صفة الاهية ، فالله وحده هوالذى(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)(غافر19 )
على ان هذا التعليل الساذج لا يلبث مسلم نفسه أن ينفيه حين يذكر أن أحدهم كان (يتعمد) الكذب على النبى محمد عليه السلام، وليس مجرد أن يجرى على لسانه الكذب رغما عنه. يقول مسلم: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ رَقَبَةَ، أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيَّ الْمَدَنِيَّ، كَانَ يَضَعُ أَحَادِيثَ كَلاَمَ حَقٍّ وَلَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يَرْوِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .) فهذا الرجل من بنى هاشم ومن المدينة كان يصنع أو يضع أحاديث ويرويها يسندها للنبى محمد عليه السلام .
ونتوقف هنا مع قول مسلم (كَانَ يَضَعُ أَحَادِيثَ كَلاَمَ حَقٍّ ) أى يروى كلاما يراه حقا من وجهة نظره ، أى يعجبه بعض الكلام ويراه حقا فيسارع بنسبته للنبى محمد عليه السلام. أى إنه (حق) من وجهة نظر صاحبنا الذى يستسهل الكذب على النبى محمد ، بل يتعمده مع سبق الاصرار و الترصد. وشخصية من هذا النوع الجرىء فى الكذب كيف نثق فى حكمها على ما يكون (حقا ) من الكلام ؟
تفاخر الصالحين بالكذب فى الأحاديث
وطالما أن الكذب على النبى فى الرواية والاسناد هو مقياس الصلاح فى الدين السنى فالمنتظر أن يتنافس (الصالحون ) فى الكذب على النبى ليزدادوا شهرة بالصلاح بين الناس ، وليضمنوا مجىء الناس اليهم لأخذ الحديث عنهم حيث راجت سوق الأحاديث وقتها.
وليس هذا مجرد استنتاج عقلى مقبول ، بل هو ما يحكيه مسلم فى أحاديثه ، يقول : ( وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، وَأَخُوهُ، أَنَّهُمَا سَمِعَا الْجَرَّاحَ بْنَ مَلِيحٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ عِنْدِي سَبْعُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهَا . ) فهذا الشخص (جابر بن يزيد بن الحارث أبوعبدالله الجعفى الكوفى ت 127 ) يزعم أنه يروى 70 ألف حديث عن النبى . فهل هذه هى الرواية الوحيدة التى تتطلب التصديق أم هناك روايات أخرى مختلفة ؟
هناك رواية أخرى لمسلم أن لدي جابر هذا 50 ألف حديث و ليس 70 ألفا : (وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ، يَقُولُ سَمِعْتُ سَلاَّمَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ، يَقُولُ عِنْدِي خَمْسُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ).
ويأتى مسلم برواية تقول إنه كان يحتفظ بهذه الأحاديث كلها لنفسه عدا واحدا (وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ سَمِعْتُ زُهَيْرًا، يَقُولُ قَالَ جَابِرٌ - أَوْ سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ - إِنَّ عِنْدِي لَخَمْسِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِشَىْءٍ . قَالَ ثُمَّ حَدَّثَ يَوْمًا بِحَدِيثٍ فَقَالَ هَذَا مِنَ الْخَمْسِينَ أَلْفًا . )
ثم يتناقض مسلم مع نفسه فيروى حديثا يقول ان جابرا هذا كان يحدث الناس بثلاثين الف حديث ، كلها أكاذيب : (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا، يُحَدِّثُ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ مَا أَسْتَحِلُّ أَنْ أَذْكُرَ مِنْهَا شَيْئًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ).
على أن هذه المبالغات الكاذبة عادة معهودة فى وصف علماء الحديث ، فيتكرر أن فلان كان يحفظ عدد كذا ألفا من الاحاديث ، ويؤخذ هذا الكلام مأخذ التصديق و يتناقلونه فى سيرته كأنه من (المعلوم من الدين (الأرضى ) بالضرورة ) وهو ما يتنافى مع الطبيعة البشرية .
اتهام الصالحين بالكذب فى الحديث بسبب تفاخرهم بكثرة رواية الحديث
على أن هذه الكثرة الكاثرة من آلاف الصالحين وآلاف الآلاف من أكاذيبهم الكذب جعلت بعض محققى الدين السنى يجرؤ على اتهام بعض رفاقه بالكذب مع الحرص على تزكيته لهم بالصفات الطيبة ، من ذلك ما يقوله مسلم : (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِائَةً كُلُّهُمْ مَأْمُونٌ . مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْحَدِيثُ يُقَالُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ .) أى فقد كان هناك فى المدينة مائة شخص كل منهم ( مأمون ) فى كل شىء عدا شىء آخر ـ غير مهم ـ هو الكذب على النبى ، لذلك كانوا ينصحون بعدم الرواية عنهم.
ومن اتهام مائة شخص الى التركيز على شخص واحد : يقول مسلم : (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، - مِنْ أَهْلِ مَرْوَ - قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِنَّ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ مَنْ تَعْرِفُ حَالَهُ . وَإِذَا حَدَّثَ جَاءَ، بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَتَرَى أَنْ أَقُولَ، لِلنَّاسِ لاَ تَأْخُذُوا عَنْهُ قَالَ سُفْيَانُ بَلَى . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَكُنْتُ إِذَا كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ ذُكِرَ فِيهِ عَبَّادٌ أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَأَقُولُ لاَ تَأْخُذُوا عَنْهُ . ). اى لا تناقض هنا ، فهو رجل صالح و لكن لا تأخذوا عنه الحديث لأنه يكذب على النبى ..!
وقد يأتى تعليل ظريف :(حَدَّثَنِي ابْنُ قُهْزَاذَ، قَالَ سَمِعْتُ وَهْبًا، يَقُولُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ بَقِيَّةُ صَدُوقُ اللِّسَانِ وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ .) أى هو شخص من بقية الصالحين وثقة ولكن يجمع الحديث من كل انسان ، لا يهتم إن كان صادقا أو كاذبا وينسب كلامهم للنبى !!. ويأتى مسلم بنكتة يضحك منها المكتئب حين يقول :(حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ قَالَ أَيُّوبُ إِنَّ لِي جَارًا - ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ - وَلَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَلَى تَمْرَتَيْنِ مَا رَأَيْتُ شَهَادَتَهُ جَائِزَةً .) فهذا الجار رجل فاضل ولكنه كذاب أشر .. بحيث يكذب حتى لو شهد على تمرتين .!!.
وهذا هو مقياس العدالة والصدق والثقة والصلاح عند مخترعى الدين السنى الأرضى.
نتائج مترتبة على الكذب فى الأحاديث
وكان لهذا الكذب آثار كثيرة فى مسيرة الحديث و أصحابه ـ ونقتطف من مقدمة صحيح مسلم بعض هذه النتائج ، وهى وقوعهم فى صنع أحاديث متناقضة واختلافهم فى تقييم الرواة أو الجرح و التعديل .
التناقض التناقض سمة أساس فى الأحاديث، تراه لدى المؤلف الواحد من البخارى وغيره ، بل ربما تجده فى الصفحة الواحدة ، بل والحديث الواحد. وهذا موضوع شرحه يطول وقد كتبنا فيه من قبل ، ونقتصر منه هنا على ما جاء فى مقدمة صحيح مسلم .
يقول : ( و وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ قَالَ لِي شُعْبَةُ ايتِ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ فَقُلْ لَهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَإِنَّهُ يَكْذِبُ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ قُلْتُ لِشُعْبَةَ وَكَيْفَ ذَاكَ فَقَالَ حَدَّثَنَا عَنِ الْحَكَمِ بِأَشْيَاءَ لَمْ أَجِدْ لَهَا أَصْلاً . قَالَ قُلْتُ لَهُ بِأَىِّ شَىْءٍ قَالَ قُلْتُ لِلْحَكَمِ أَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ فَقَالَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَيْهِمْ وَدَفَنَهُمْ . قُلْتُ لِلْحَكَمِ مَا تَقُولُ فِي أَوْلاَدِ الزِّنَا قَالَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ . قُلْتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ يُرْوَى قَالَ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ . فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيٍّ .)
فهنا حديثان متناقضان أحدهما يقول ان النبى لم يصلّ على قتلى أحد ، والآخر يقول انه صلى عليهم ودفنهم .
بل يأتى التناقض فى رواية منسوبة ليست للنبى وأنما لأحد التابعين القريبين زمنا من الرواة ، يقول مسلم : (وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ، - يَعْنِي حَمَّادًا - قَالَ قِيلَ لأَيُّوبَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ رَوَى عَنِ الْحَسَنِ قَالَ لاَ يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ . فَقَالَ كَذَبَ أَنَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ . ) الحسن هنا هو الحسن البصرى من أشهر التابعين فى البصرة فى العهد الأموى ، وقد نسبوا له قولين متناقضين فى جلد السكران ، أحدهما يثبته والاخر ينفيه.
على أن أكبر التناقض والاختلاف ياتى فى الميزان الذى وضعوه بأنفسهم فى بحث حال الرواة والحكم عليهم بالثقة من عدمها ، وهو ما يعرف بالجرح و التعديل .
ونلتقى مع تناقضهم فى الجرح و التعديل فى الحلقة القادمة بعونه جل وعلا..
فى الدين السنى ـ والشيعى أيضا ـ قام علم الجرح و التعديل حسب الهوى لأنه دين أرضى يملكه أصحابه ، هم الذين يضعون اسسه وقواعده وهم الذين يخالفونها ويختلفون فيها . ولهذا نأخذ أقاويل مسلم عن رفاقه وأقوال رفاقه عن بعضهم البعض على أنها وجهات نظر شخصية لا تخلو من تحامل وهوى فى الحكم للراوى اوالحكم عليه، وهذا هو الأساس الذى قام عليه ما يعرف بالجرح و التعديل . إذ وضعوا مقاييس للرواة من حيث الثقة و العدالة والكذب و النسيان و التدليس ، وتأثرت تلك الأحكام ليس فقط بالهوى الشخصى و العلاقات الشخصية بين الفرقاء بل تأثرت بالانتماء المذهبى والدينى ، فالشيعة يتهمون بالكذب رواة السنة و السنة يتهمون رواة الشيعة ، وكذلك الخوارج والمرجئة والقدرية ، وتعقد الأمر بطغيان الفرق الدينية والأديان الأرضية وصراعها فى العصر العباسى، وتسلل بعض اولئك الى داخل الفرق الأخرى ليفسد عليهم رواياتهم ، وبرع الشيعة فى ذلك ، حيث تفننوا فى التقية و عاشوا معظم تاريخهم فى خندق المقاومة ضد دين السنة الحاكم .
تناقض علم الجرح و التعديل مع الاسلام و القرآن الكريم
وعلم الجرح والتعديل كأساس للأديان الأرضية يتناقض كليا مع الاسلام و القرآن الكريم .
فالله تعالى يحرم تزكية النفس (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا : النساء 49 ـ) لأنه وحده الأعلم وحده بمن اتقى (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى :النجم 32 ) ويحرم رب العزة الكلام فيما لا نعرف وما لا نعلم (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً .الاسراء 36)، وأفظع منه أن نقع فى الكذب والاثم ثم نتهم به أبرياء (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا. النساء 112). ويؤكد انه جل وعلا وحده الأعلم بمن يضل عن سبيله ومن أهتدى ( الانعام 117 ) وهو الأعلم بايماننا بعضنا من بعض (النساء 25 ) وأن النبى محمدا عليه السلام كان لا يعرف من أدمن النفاق ومرد عليه من أهل المدينة (التوبة 101) ، فكيف بأولئك يتكلمون عن خفايا قلوب معاصريهم بل وسرائر رواة ماتوا من قبل ولم يروهم ؛ يقولون هذا ثقة وذاك مجروح مطعون فيه ؟.
لقد أشاع علم الجرح و التعديل بيئة من الكذب و الاتهامات المتبادلة تجسد ما نهى الله تعالى المؤمنين عنه حين قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ . الحجرات 11 : 12 ) . وهؤلاء لم يكتفوا بالعصيان بل جعلوا من اتهام الاخرين وتزكية انفسهم أساس دينهم الأرضى ، فانشغلت ساحات العلم بتبادل الاتهامات الظنية والأكاذيب والتقولات رجما بالغيب فى مجالات لا يعلم حقيقتها الا الله جل وعلا وحده، ولا تزال شواهدها تسكن بطون كتب التراث.
وأضاع المسلمون قرونا فى الاختلاف والتشاجر فى هذه التوافه من توثيق فلان اواتهام آخر فى رواية احاديث هى فى الأصل مقطوعة الصلة بالنبى محمد ، بل اكثر من ذلك منهى عن كتابتها باعترافهم هم ـ أى إن كتابتها عصيان للرسول ، ولكنهم أضاعوا تاريخهم كله فى هذا العصيان يختلفون فى رواته بينما ينهض الغرب من كبوته و يسير فى الأرض يكتشف آلاء الله جل وعلا فى الكون ثم يصل الى بلاد المسلمين ليحتل أراضيهم ، وهم حتى الآن لا يزالون فى نفس ضلالهم يعمهون.
والغريب أنهم يعطون الشخص حكما لازما بأنه صادق أو أنه كاذب ، ثقة أو غير ثقة ، الى آخر أحكامهم التى تلتصق بالراوى طيلة حياته متناسين ان كل انسان مزيج متفاعل من الخير والشر (الشمس 7 : 10 )، وهو فى حالة صراع مستمر بين نوازع الخير والشر داخل نفسه ، وطالما يسعى فى الأرض حيا فايمانه يزيد وينقص وكتاب أعماله يقبل الحسنة والسيئة (الانفال 2 ) ( آل عمران 167)( المطففون 14 )( الروم 10 )فاذا مات قفل كتاب أعماله وعرف هو نفسه عند الاحتضار منزلته من الفوز او الخسران ، بينما يحيط به أهله لا يعرفون شيئا مما يدور بين المحتضر وملائكة الموت ( الواقعة 83 ـ ).
اختلافهم فى الجرح و التعديل :
قيام الجرح و التعديل على الرؤية الذاتية يتضح من هذه الرواية التى اوردها مسلم عن الامام مالك . يقول : ( وَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي، يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَةٍ . وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَالِحٍ، مَوْلَى التَّوْأَمَةِ فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَةٍ . وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَةٍ . وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَةٍ . وَسَأَلْتُهُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَةٍ . وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَؤُلاَءِ الْخَمْسَةِ فَقَالَ لَيْسُوا بِثِقَةٍ فِي حَدِيثِهِمْ . وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ نَسِيتُ اسْمَهُ فَقَالَ هَلْ رَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي قُلْتُ لاَ . قَالَ لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي)
هنا نرى مالك يتهم خمسة من مشاهير الرواة هم محمد بن عبد الرحمن وصالح مولى التوامة وابى الحويرث وشعبة وحرام بن عثمان وآخر. والسبب أن مالك لم يذكرهم فى كتاباته. أى أن مالك ـ طبقا لهذه الرواية ـ هو مقياس التوثيق الذى يعلم السر وأخفى ، وتلك صفة الاهية فسبحانه جل وعلا هو وحده الذى ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى : طه7 ).
ولأنها رؤى شخصية ظنية قائمة على الهوى فان الاختلاف هو الأساس فى توثيقهم لشخص ما أو الطعن فيه . وهذا موضوع يطول ، ولكن نكتفى بنماذج مما قاله المؤرخ المحدث الفقيه الحنبلى ابن الجوزى فى كتابه ( المنتظم ) الذى أرخ فيه لتاريخ المسلمين معتنيا بتراجم العلماء و الفقهاء .
يذكر ابن الجوزى أقوالهم عن أشهر مؤرخ لتاريخ المسلمين (ابن اسحاق ت 152 ) : (قال الزهري: لا يزال بالمدينة علم جم ما كان فيهم ابن إسحاق.وقال يحيى بن معين: كان محمد بن إسحاق ثقة وضعفه في روايته. ولما روى ابن إسحاق عم فاطمة بنت المنذر حديثًا قال زوجها هشام بن عروة: كذب لقد دخلت بها وهي بنت تسع سنين وما رآها مخلوق حتى لحقت بالله عز وجل. وكان أحمد بن حنبل يقول: لعله دخل عليها وزوجها لا يعلم. وكان مالك بن أنس كذبه أيضًا أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غيرواحد من العلماء لأسباب منها أنه قد يتشيع وينسب إلى القدر ويدلس في حديثه فأما الصدق فليس بمدفوع عنه. وقد قال أبو زرعة: محمد بن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه وقد اختبره أهل الحديث فرأوه صدقًا وخيرًا مع مدح ابن شهاب له وقد ذاكرت دحيمًا في قول مالك فيه فرأى أن ذلك ليس للحديث إنما هو لأنه اتهمه بالقدر. وقد قال محمد بن عبد الله بن نمير: كان ابن إسحاق يرمي بالقدر وكان أبعد الناس منه وكان إذا حدث عمن سمع من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة.وقال سفيان بن عيينة: ما رأيت أحدًا يتهم ابن إسحاق. وقال ابن المديني: حديثه عندي صحيح قيل له: فكلام مالك فيه فقال: مالك لم يجالسه ولم يعرفه قيل: فهشام بن عروة فقال: الذي قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها. وقال أحمد بن حنبل:ابن إسحاق كان يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه. وكان أحمد يكتب حديثه ولا يحتج به في السنن. )
فهناك من مدح ابن اسحاق وهم : الزهرى وابن حنبل وابوزرعة وابن نمير وسفيان بن عيينة وابن المدينى . ومنهم من ذمه واتهمه ، وهم : الامام مالك وهشام بن عروة بن الزبير . ومنهم من توسط فوقع فى التناقض مثل ابن معين القائل (كان محمد بن إسحاق ثقة وضعفه في روايته. ) فكيف يكون ثقة وضعيف الرواية فى نفس الوقت ؟ (المنتظم 8 / 158 ـ )
وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم (ت 156) قال ابن الجوزى : (وقد قيل لأحمد بن صالح الحافظ: تحتج بحديث الإفريقي قال: نعم هو ثقة وأنكر على من تكلم عليه ... وقال يحيى بن معين: إنما أنكر عليه الأحاديث .)(المنتظم 8/ 191 )
ويقول عن شبيب بن شيبة( ت 164 ) :(وقد تكلم أصحاب الحديث في شبيب . سئل ابن المبارك أنأخذ عن شبيب فقال: خذوا عنه فإنه أشرف من أن يكذب . وقال الساجي: هو صدوق .. وقال أبو علي صالح بن محمد: هو صالح الحديث ، فأما ابن معين فقال: ليس بثقة. وقال أبو داود: ليس بشيء ) ( المنتظم 8 / 275 ) .
وروى ابن الجوزى رواية بسندها يحكى فيها المبارك بن فضالة ( ت 146 ) حادثة يقول : ( إني يومًا لعند أبي جعفر إذ أتي برجل فأمر بقتله فقلت في نفسي: يقتل رجل من المسلمين وأنا حاضر فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أحدثك حديثًا سمعته من الحسن قال: وماهو قلت: سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد حيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيقوم مناد من عند الله تعالى فيقول: ليقومن من له على الله يد فلا يقوم إلا من عفا . فأقبل علي فقال: آلله سمعته من الحسن ؟ فقلت: آلله سمعته من الحسن فقال: خليا عنه) وهنا اعتراف من الراوى بالكذب فالنبى محمد عليه السلام لا يعلم الغيب وليس له ان يتكلم فى الغيب. هذا من حيث المتن ، أما من حيث السند فهو باطل لأنه يقول ان الحسن البصرى رواه عن النبى ، ولقد ولد الحسن البصرى عام 21 ونشأ صبيا فى خلافة عثمان فكيف لقى النبى محمدا عليه السلام؟ .على أن الراوى المبارك بن فضالة يفترى هذا الحديث تلقائيا فى موقف فجائى لينقذ حياة شخص أمر بقتله الخليفة ابو جعفر المنصور. ويصدقه المنصور فيعفو عن الرجل آملا أن يكون له (يد ) عند الله تعالى طبقا لذلك الحديث الكاذب الذى رواه ذلك الراوى الكاذب.وبغض النظر عن الهدف النبيل بانقاذ شخص لا نعرف إذا كان بريئا أم لا ، فان الذى يهمنا هنا هو تلك التلقائية فى صناعة حديث فى لحظة سريعة ثم يكون مقبولا يحظى بالتصديق ، بل ويكون الذى يصدقه هو الخليفة الجبار ابو جعفر المنصور نفسه. وبالطبع فان ابا جعفر لم يصدقه عشوائيا وهو الذى استخدم الأعمش وغيره فى صناعة الأحاديث التى تخدم اغراضه السياسية ، لذا نراه يتحقق من الرواى فيسأله هل سمع ذلك من الحسن فيتشبث الراوى بالكذب ويحلف كاذبا انه سمعه من الحسن..وما هذا بالحسن ..!!
ونعود الى اختلافهم فى هذا الراوى . قال ابن الجوزى فى المبارك بن فضالة : ( اختلف كلام يحيى بن معين في المبارك فقال مرة: صالح وقال مرة: ثقة وقال مرة: ضعيف . ) فهنا أقوال ثلاثة لابن معين فى الراوى ابن فضالة ..!! ( المنتظم :8 / 276 )
وقال يحيى بن معين آراء متناقضة فى الراوى مندل بن علي ( ت 168) قال يحيى: مندل لا بأس به وقال مرة: ضعيف . أما العجيب فهو ما قاله عنه يعقوب بن شيبة:( كان رجلًا فاضلًا صدوقًا وهو ضعيف الحديث ) . فكيف يكون فاضلا وصدوقا و يروى أحاديث ضعيفة ؟. على أن هناك من يمدح مندل بن على ، وهو معاذ بن معاذ القائل : ( دخلت الكوفة فلم أر أحدًا أروع من مندل بن علي ) . ( المنتظم 8 / 303 )
ولحق الخلاف بأخ مندل وهو حيان بن على الكوفى ت 171 . قال يحيى بن معين : هو صدوق ، وفى رواية عنه يضعفه)( المنتظم .8 /338)
ونفس الخلاف فى ابو اويس المدينى (ت 169 )زوج أخت مالك بن أنس وابن بن عمه ، وثقه يحيى في رواية وضعفه في أخرى، وقال أحمد بن حنبل: هو صالح . وقال النسائي: ليس بالقوي . قال أبو نعيم: قدم علينا وإذا معه جوار يضربن يعني القيان ( المغنيات ) فقلت لا والله لا أسمع منه شيئًا) ( المنتظم 8 / 314 )
أما عيسى بن يزيد ت 171 فقد كان رواية عن العرب وافر الأدب عالمًا بالنسب حافظًا للسير عارفًا بأيام الناس إلا أنهم قدحوا فيه فقالوا: يزيد في الأحاديث ما ليس فيها، ونسبه خلف الأحمر إلى الكذب ووضع الحديث .( المنتظم 8 /339)
ولم ينج محمد بن الحسن الشيبانى (صاحب ابى حنيفة ) (ت 189 ) من الاتهام ، قال أحمد: وكان يذهب مذهب جهم . وكذلك قال أبو زرعة: كان محمد بن الحسن جهميًا . قال نوح بن ميمون: دعاني محمد بن الحسن إلى القول بخلق القرآن فأبيت عليه ... قال يحيى بن معين: كذَاب . قال فيه أحمد نحو هذا .) (بينما زكاه آخرون فقال علي بن المديني: محمد بن الحسن صدوق) . ( المنتظم 9 / 175 ـ )
وهناك تلميذ مجهول آخر لأبى حنيفة هو أسد بن عمرو بن عامر ت 190 . وقد روى عنه احمد بن حنبل وقال عنه كان صدوقًا . ووثقه يحيى ، ولكن ضعفه علي بن المدينى والبخارىِ. (المنتظم 9ـ 185 )
وأسباط بن محمد ت 199 روى عنه: قتيبة وأحمد بن حنبل . وقال يحيى: هو ثقة ولكن علماء الكوفة يضعفونه . (المنتظم 10 / 77 )
ونفس الحال مع المؤرح المشهورمحمد بن عمر الواقدى ( ت 207 )
قال محمد بن سلام الجمحي يقول: محمد بن عمر الواقدي عالم دهره . ..وقال: الدراوردي: ذاك أمير المؤمنين في الحديث . وقال مصعب الزبيري: هو ثقة مأمون والله ما رأينا مثله قط ، وكذلك قال يزيد بن هارون: الواقدي ثقة ، وكذلك قال أبو عبيد . وقال مجاهد بن موسى: ما كتبت عن أحد قط أحفظ ، وقال عباس العنبري: الواقدي أحب إلي من عبد الرزاق.وكان إبراهيم الحربي معجبًا به يقول: الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام وأعلم الناس بأمر الإسلام .
وقال ابن الجوزى : وقد قدح فيه جماعة: كان علي بن المديني يقول: الواقدي ضعيف لا يُروى عنه ، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء ولا نكتب حديثه، وقال أحمد بن حنبل: هو كذاب ...وقال الشافعي: كتب الواقدي كذب ، وقال بندار: ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي . وقال البخاري والنسائي: هو متروك الحديث وقال أبو زرعة: ترك الناس حديثه . .( المنتظم 10 / 174 ـ)
أما أبو سعيد البزاز( محمد بن سابق ) ت 213 ، فكان ممن روى عنه: أحمد بن حنبل وأبو خيثمة وعباس الدوري وآخرون. يقول ابن الجوزى : وقد اختلفوا فيه . ..سئل عنه يحيى بن معين فقال: ضعيف ...وقال عنه ابن يعقوب: كان ثقة صدوقًا . (المنتظم 10 / 259 : 260) .
وكان يحيى بن عبد الحميد ت 228 استاذا لابن أبي الدنيا والبغوي . قال عنه ابن الجوزى :كان ثقة . وق ال يحيى: هو صدوق مشهور ليس بالكوفة مثله لا يقال فيه إلا من حسد . وقال أحمد بن حنبل: كان يكذب جهارًا . (المنتظم 11 / 143 )
واختلفوا فى الشاذكونى ت 234 استاذ حماد بن زيد وغيره .
قال عنه عمرو الناقد : ما كان في أصحابنا أحفظ للأبواب من أحمد بن حنبل ولا أسرد للحديث من ابن الشاذكوني ..وقال حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله يقول: كان أعلمنا بالرجال يحيى بن معين وأحفظنا للأبواب سليمان الشاذكوني .
وقال ابن الجوزى : قد طعن في الشاذكوني رحمه الله جماعة من العلماء ونسبوه إلى الكذب وقلة الدين ..... فقال أحمد بن حنبل: قد جالس الشاذكوني حماد بن زيد وبشر بن المفضل ويزيد بن زريع فما نفعه الله بواحد منهم . وقال يحيى: كان الشاذكوني يكذب ويضع الحديث وقد جربت عليه الكذب . وقال البخاري: هو عندي أضعف من كل ضعيف ، وقال النسائي: ليس بثقة، وكان عبدان الأهوازي يقول: لا يتهم الشاذكوني بالكذب .. . (المنتظم 11 / 213 ـ )
وقال ابن الجوزى عن محمد بن بشر (أبو جعفر الكندي الواعظ) ت 236 : (واختلفوا فيه . قال عبد الله بن محمد : محمد بن بشر صدوق ، وقال يحيى بن معين عنه : ليس بثقة ، وقال عنه الدارقطني: ليس بالقوي في حديثه .( المنتظم 11 / 245 )
وكان أبو عبد الله الرصافي ت 238 استاذ الصاغاني وأحمد بن أبي خيثمة وإبراهيم بن هاشم البغوي وغيرهم . ووثقه يحيى والدارقطني وقال صالح جزرة: هو صدوق يحدث عن الضعفاء . (المنتظم 11 / 262 ).
وكان الحسن النوبختي الكاتب ت 402 أستاذا للبرقاني والأزهري والتنوخي. قال البرقاني: كان معتزليًا وكان يتشيع إلا أنه يتبين أنه صدوق ، وقال الأزهري: كان رافضيًا رديء المذهب. وقال العتيقي: كان ثقة في الحديث يذهب إلى الاعتزال . (المنتظم 15 / 86 ).
ونلتقى فى الحلقة الأخيرة بعونه جل وعلا..
الظروف التى كتب فيها مسلم مقدمته ومنهجه فى الكتابة :
أولا :
1 ـ الدولة العباسية كدولة دينية اعتمدت علي فقهائها ورواة الحديث التابعين لها في تعزيز سياستها ضد خصومها ، واذا قصّر احد الفقهاء في طاعة الدولة كان يتعرض للعقاب ، وهذا ما حدث مع مالك وابى حنيفة والشافعى ، ثم ابن حنبل فيما بعد.
الا ان الدولة العباسية فتحت ابواب الترجمة عن اليونانية والسيريانية والهندية وواكب ذلك عودة الحياة الي المدارس الفلسفية اليونانية القديمة . ومن الطبيعي ان ينفر الفقه&CcCcedil;ء المحافظون من هذا التيار الجديد المتأثر بالثقافة اليونانية الغربية وما يتمخض عنه من تكرار مقالات الفلسفة ،خصوصا مع ظهور المعتزلة الذين يقرأون الفلسفة ويقرأون التدين السائد قراءة عقلية، وبصورة تخالف القراءة المحافظة التقليدية .
وقد وقع الخليفة المأمون (813-833)في هوى ذلك التيار المعتزلى الجديد ، واقتنع بمقولة المعتزلة ان القرآن مخلوق، واستعظم ان يعارضهم الفقهاء المحافظون ،وكان يتزعمهم في عهده احمد بن حنبل فصمم علي فرض رأيه علي الدولة ،وبدأت بذلك محنة ابن حنبل لإجباره علي القول بأن القرآن مخلوق .وتحت الضغط والتهديد تراجع الفقهاء عدا ابن حنبل ومحمد بن نوح فوضعا في السجن تحت العذاب . ومات المأمون وقد اوصى ولي عهده المعتصم بالله بالاستمرار بالقضية ، فأمر المعتصم بتعذيب ابن حنبل سنة218،وظل ابن حنبل بالسجن الي ان افرج عنه في رمضان سنة 220هـ،واستمر اثر الضرب في جسده يتوجع منه الي ان مات سنة241 هـ.
2 ـ وادى ما حدث لابن حبل الي قطيعة بين الفقهاء المحافظين والعباسيين ،واستغل الفقهاءمكانتهم في الشارع ،واقد اصبح لقبهم الحنابلة ،وبدءوا في اثارة القلاقل ضد الدولة بحجة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،مما دعاالخليفة الواثق الي القبض علي زعيم الفقهاء الحنابلة ،وهو احمد بن نصر الخزاعي بحجة انه ينكر خلق القرآن ،وحقق الخليفة معه ثم قتله بيده ،وامر بصلب رأسه في موضع وصلب جسده في موضع آخر وكان ذلك سنة231. وفي غضون هذ الأحداث وضع الحنابلة حديث (من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وهذا اضعف الايمان )ليعطوا لانفسهم سلطة الحركة فى الشارع.
في هذه الفترة كان نفوذ المعتزلة سائدا في الدولة العباسية حيث كان الوزير المعتزلي محمد بن عبد الملك بن الزيات يسيطر علي الامور ،ويستهين بولي العهد وهو أخ الخليفة الواثق الذي تولي الخلافة فيما بعد تحت اسم الخليفة المتوكل .
3 ـ وعندما تولي المتوكل سنة 232/847م بادر بقتل ابن الزيات وتحسين علاقته بالفقهاء الحنابلة ،فاستقبل ابن حنبل وكرمه وارسل الحنابلة للتبشير بالسنة في الولايات ،فتحكم الحنابلة في الدولة وفي الشارع معا ، وبدأ اضطهاد أهل الكتاب والمعتزلة والشيعة والصوفية .
وفى هذا المناخ ظهر البخارى ومسلم وآخرون يجعلون أحاديثهم دينا بإسنادها للوحى المزعوم.
ثانيا
لم يستشهد الامام مسلم فى مقدمته بالقرآن الكريم ، بل استدل بأحاديث من داخل دينه السنى .أى وجّه خطابه لمن يقتنع به من أتباع الدين السنى لتحصينهم من التأثر بالخصوم من المعتزلة وغيرهم ، ولسحب البساط من تحت أقدام أولئك الخصوم ، فنراه يبادر باتهام بعض اصحابه بالكذب حتى يقطع الطريق على الخصوم قبل ان يبادروا بالهجوم ، وحتى ينحصر التكذيب لأشخاص من هنا ومن هناك دون أن يصل الى الدين السنى ذاته.
لو كان القرآن الكريم فى بؤرة شعوره لاحتكم الى القرآن الكريم ، ولو فعل لأنكر الحديث جملة وتفصيلا ، ولجعله ضمن التراث البشرى و ليس دينا كما زعم. أى كان سيبدأ بالقرآن الكريم يرد به على اصحاب الحديث ثم ياتى بروايات المحدثين التى تنضح بالكذب والتى تتبادل مع بعضها الاتهام بالكذب ، ليستدل على فساد هذا الدين الأرضى بالقرآن و باقاويل أصحابه.
ثالثا
هناك حقائق قرآنية ـ لا يجادل فيها إلا الذين كفروا ـ :( غافر:4) أغفلها الامام مسلم ، وهى :
1 ـ لا إله إلا الله ولا كتاب للمسلم إلا القرآن كتاب الله..
يقول الله تعالى فى ذاته العلية ﴿مالهم من دونه من ولى ولا يشرك فى حكمه أحدا. واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا﴾.(الكهف 26:27) فالله وحده هو الولى الذى لا يشرك فى حكمه أحدا ،والقرآن هو وحده الكتاب الذى أوحى للنبى ولا مبدل لكلماته ولن يجد النبى غير القرآن كتاباً يلجأ إليه..والنبى لا يلجأ إلا لله تعالى رباً وإلهاً ﴿قل إنى لن يجيرنى من الله أحداً ولن أجد من دونه ملتحدا﴾ (الجن 22).والنبى أيضاً ليس لديه إلا القرآن ملتحداً وملجأ ﴿واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا﴾
هذا بالنسبة للنبى عليه السلام.. فكيف بنا نحن؟.
2- المؤمن يكتفى بالله تعالى رباً ويكتفى بالقرآن كتاباً
عن اكتفاء المؤمن بالله تعالى رباً يقول تعالى ﴿أليس الله بكاف عبده؟﴾ (الزمر 36) ولابد للمؤمن أن يكتفى به تعالى رباً ﴿قل أغير الله أبغى رباً وهو رب كل شىء؟﴾.(الأنعام 164)
والمؤمن طالما يكتفى بالله تعالى رباً فهو أيضاً يكتفى بكتاب الله: ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟﴾ (العنكبوت 51).
3- القرآن هو الحق الذى لا ريب فيه، وما عداه ظن ولا ينبغى اتباع الظن..
يقول تعالى عن القرآن ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ (البقرة 2).
فالقرآن لا مجال فيه للريب أو الشك، وحقائق القرآن مطلقة، وما عداه من كتب يعترف أصحابها بأن الحق فيها نسبى أى يحتمل الصدق والكذب.. وما يحتمل الصدق والكذب يدخل فى دائرة الظن..
ودين الله الحق لا يقوم إلا على الحق اليقينى الذى لا ريب فيه حتى لا تكون للبشر حجة على الله يوم القيامة. لذا ضمن الله حفظ كتابه من كل عبث أو تحريف ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ (الحجر 9). ﴿وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾ (فصلت 41: 42).
أما أديان البشر الوضعية فالمجال واسع فيها للظن والريب..
لذا يأمرنا جل وعلا باتباع الحق الذى لا ريب فيه والإعراض عن المعتقدات التى تقوم على الظن، يقول تعالى فى الاعتقاد القائم على الظن ﴿وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون﴾ (يونس 66). ولكن المشكلة أن الغالبية العظمى من البشر ينبذون الحق ويتبعون الظن، يقول تعالى يخاطب النبى الكريم ﴿وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون﴾ (الأنعام 116).
وعلماء الحديث يؤكدون أن الأغلبية العظمى من الأحاديث المنسوبة للرسول (صلى الله عليه وسلم) هى أحاديث آحاد ويؤكدون أنها تفيد الظن ولا تفيد اليقين..ومع ذلك يأمرنا بعضهم باتباع الظن مع أن الظن لا يغنى من الحق شيئا..
ويلفت النظر أن الله تعالى وصف ذاته العلية بأنه الحق، ﴿فذلك الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال؟﴾ (يونس 32).﴿ذلك بأن الله هو الحق وإن ما يدعون من دونه الباطل﴾ (لقمان 30). ووصف إنزال القرآن بأنه أنزله بالحق، ﴿وبالحق أنزلناه وبالحق نزل﴾ (الإسراء 105). ووصف القرآن نفسه بأنه الحق ﴿والذى أوحينا إليك من الكتاب هو الحق﴾ (فاطر 31). ﴿إن هذا لهو القصص الحق﴾ (آل عمران 62). ..
بل إن الله تعالى يصف الحق القرآنى بأنه الحق اليقينى المطلق، يقول تعالى ﴿إن هذا لهو حق اليقين﴾ (الواقعة 95).﴿وإنه لحق اليقين﴾ (الحاقة 51).وجاءت الصيغة بالتأكيد..
فإذا كان الله قد أكرمنا بالحق اليقينى فكيف نأخذ معه أقاويل ظنية.. مع أنه لا مجال فى الدين الحق للظن؟؟
4 ـ القرآن هو الحديث الوحيد الذى ينبغى الإيمان به:
أكد رب العزة أن الإيمان لا يكون إلا بحديثه تعالى فى القرآن الكريم فقال فى آخر سورة المرسلات ﴿فبأى حديث بعده يؤمنون؟﴾ (المرسلات 50).وتكرر نفس المعنى فى سورة (الأعراف 185).
بل إن الله تعالى يجعل من الإيمان بحديث القرآن وحده مقترناً بالإيمان به تعالى وحده، فكما لا إيمان إلا بحديث القرآن وحده فكذلك لا إيمان إلا بالله وحده إلهاً.. وجاءت تلك المعانى فى قوله تعالى ﴿تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون. ويل لكل أفاك أثيم. يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم﴾ (الجاثية 6: 8).
وذلك الذى يعرض عن آيات الله شأنه أنه يتمسك بأحاديث أخرى غير القرآن سماها القرآن ﴿لهو الحديث﴾ يقول تعالى ﴿ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين. وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم﴾ (لقمان 6: 7). وحين يقول رب العزة ﴿ومن الناس﴾ فإنه تعالى يقرر حقيقة تنطبق على كل مجتمع بشرى فيه ناس فى أى زمان ومكان..
5 ـ الوحى المكتوب الذى نزل على الرسول هو سور وآيات فى القرآن فقط
تحدى الله تعالى المشركين أن يأتوا بسورة مثل القرآن ﴿وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله﴾ (البقرة 23).﴿أم يقولون افتراه؟ قل فأتوا بعشر سور مثله﴾ (يونس 38). والشاهد هنا أن الذى نزله الله تعالى على رسوله الكريم هو سور، وليست هناك سور إلا فى القرآن. إذن فالقرآن هو الوحى الوحيد المكتوب الذى نزل على الرسول عليه السلام .
6 - البشر مطالبون يوم القيامة بما نزل على الرسل من آيات الوحى فقط
يوم القيامة سيقول تعالى ﴿يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟﴾ (الأنعام 130) فالرسل كانوا يقصون آيات الله التى أنزلها عليهم..
ويقول تعالى فى أصحاب النار ﴿وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم..﴾ (الزمر 71). أى كان الرسل يتلون آيات الله. ومن أعرض عنها دخل النار وحشره ربه أعمى.. ﴿قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه..﴾ (طه 125: 127..).
إذن نحن مطالبون بالإيمان بالآيات التى نزلت على النبى، وليست هناك آيات من الوحى خارج القرآن الكريم.. إذن هو القرآن الكريم وكفى...
7- لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله تعالى:
يقول تعالى عن ذاته العلية ﴿ليس كمثله شىء وهو السميع البصير﴾ (الشورى 11). ويقول تعالى عن كتابه الحكيم ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله﴾ (الإسراء 88).. إذن لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله..
وكما أن الله تعالى أحد فى ذاته وصفاته ولا يشبهه أحد من المخلوقات ﴿قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد﴾ (الإخلاص 1: 4) فإنه ليس فى استطاعة المخلوقات أن تأتى بسورة واحدة مثل السورة القرآنية ﴿فأتوا بسورة من مثله﴾ (البقرة 23). ﴿فأتوا بسورة مثله﴾ (يونس 38).
ليس هناك مثيل للقرآن، وليس هناك مثيل لأى سورة من سور القرآن..
ومع ذلك يقولون أن الله أوحى للنبى القرآن ﴿ومثله معه﴾ فإين ذلك المثيل إذا كان الله تعالى قد نفى وجوده؟
8 - بيان القرآن فى داخل القرآن، القرآن كتاب مبين فى ذاته:
يقول تعالى ﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم﴾ (البقرة 159).
كتاب الله هو الكتاب المبين بذاته، وآياته موصوفة بالبينات أى التى لا تحتاج فى تبيينها إلا لمجرد القراءة والتلاوة والتفكر والتدبر فيها. والذى جعل الكتاب مبيناً وجعل آياته بينات هو رب العزة القائل ﴿بعد ما بيناه للناس فى الكتاب﴾ والقائل عن كتابه ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ (القمر 22). ﴿فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا﴾ (مريم 97). ﴿فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون﴾ (الدخان 58).
وكل المطلوب منا أن نتلوا القرآن وإذا تلوناه نطقت آياته البينات بنفسها والتى لا تحتاج منا إلا لمجرد النطق وعدم الكتمان. لذا فإن الله تعالى يجعل الكتمان- كتمان الآيات- هو عكس التبيين لذا فإن الله تعالى يهدد من يكتم آيات الله البينات التى بينها فى كتابه ﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله..﴾
ويقول تعالى عن أهل الكتاب ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾ (آل عمران 187). فشرح تعالى تبيين البشر للكتاب بأنه عدم كتمانه، أى تلاوته وقراءته، ومتى تلونا الكتاب المبين نطقت آياته البينات لمن يريد تدبرها .
والآيات التى تتحدث عن بيان القرآن ووصفه بالكتاب المبين والبينات أكثر من أن تستقصى ومع ذلك فإن منا من يعتقد أن كتاب الله غامض مبهم يحتاج إلى من يفسره.. هذا مع أن الله تعالى يقول عن كتابه ﴿ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا﴾ (الفرقان 33). فأحسن تفسير للقرآن هو فى داخل القرآن.
وابن كثير يعترف فى بداية تفسيره أن أحسن التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن..
9- القرآن ما فرط فى شىء ونزل تبياناً لكل شىء يحتاج البيان وجاء مفصلاً لكل شىء يحتاج التفصيل :
يقول تعالى ﴿ما فرطنا فى الكتاب من شىء﴾ (الأنعام 38).ويقول تعالى ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شىء﴾ (النحل 89).ويقول تعالى ﴿ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء﴾.(يوسف 111)
والمؤمن بالقرآن لا يبادر باتهام كتاب الله بأنه فرط وجاء غامضاً يحتاج لما يبينه وجاء مجملاً يحتاج لمن يفصله..
والمؤمن بالقرآن يؤمن بأن الله تعالى صادق فيما يخبر به من أن القرآن ما فرط فى شىء وأنه نزل تبياناً لكل شىء وتفصيلاً لكل شىء.
وحتى لا تتلاعب به أهواء السوء لتقول له وأين كذا وكذا فى القرآن عليه أن يتفهم منطق القرآن قبل أن يبادر بالاتهام..
يقول تعالى ﴿ما فرطنا فى الكتاب من شىء﴾ والتفريط هو إغفال الشىء الضرورى الهام وتركه، ونحن مثلاً لا نواجه مشكلة فى عدد ركعات الصلاة ولا فى كيفيتها. والله تعالى ـ وهو الأعلم بالماضى والحاضر والمستقبل- لو عرفنا أننا سنواجه مشاكل فى موضوع الصلاة لأوضح لنا عددها وكيفيتها ومواقيتها بالتحديد.. ولكنه تعالى أنزل القرآن يوضح ما نحتاج إليه فعلاً فى الحاضر وفى المستقبل وأنزل القرآن بالحق والميزان ﴿الله الذى أنزل الكتاب بالحق والميزان﴾ (الشورى 17). فلا مجال فيه لزيادة أو تزيّد لسنا فى حاجة إليه، ولو نزل القرآن يحكى لنا تفصيل الصلاة ونحن نعرفها ونمارسها منذ الصغر لكان فى ذلك شىء من الهزل، ولا مجال للهزل فى كتاب الله ﴿والسماء ذات الرجع. والأرض ذات الصدع. إنه لقول فصل. وما هو بالهزل﴾ (الطارق 11: 14).
لذا فالقرآن ما فرط فى شىء نحتاج إليه.
ويقول تعالى ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شىء﴾ والتبيان هو التوضيح لما يستلزم البيان والتوضيح . والشىء الواضح بذاته لا يحتاج لما يبينه ويوضحه وإلا كان فضولاً فى الكلام وثرثرة لا حاجة إليها..
والله سبحانه وتعالى أنزل كتابه محكماً لا مجال فيه للغو والتزيد لذا كان البيان فيه لما يتطلب البيان، وكل شىء يستلزم البيان والتوضيح جاء فى القرآن بيانه وتوضيحه. وما ليس محتاجاً لبيان فلا مجال فيه للتفصيل والبيان فى كتاب فُصّلت آياته ثم أحكمت من لدن حكيم خبير.
لذا يرتبط "البيان فى القرآن" بالهدى والرحمة والبشرى للمسلمين ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾ فبيان القرآن ﴿هدى﴾ للباحث عن الهدى وسط ركامات من الغموض والحيرة، وبيان القرآن ﴿رحمة﴾ به حين يبين له ما خفى ويصل به إلى شاطئ الأمان والرحمة الإلهية وهناك ﴿البشرى﴾ بعد الهدى والرحمة..
وأيضاً ترتبط (تفصيلات القرآن) بالهدى والرحمة، يقول تعالى ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ (الأعراف 52). فالتفصيلات القرآنية التى شملت كل شىء جاءت هدى وحمة لأولئك الذين يحتاجون إلى هذه التفصيلات. وإذا كانت الأمور واضحة لا تحتاج إلى تفصيل وإيضاح فمن العبث توضيح ما هو واضح، وتعالى الله عن العبث.
والبشر قد تتحول التفصيلات فى كلامهم إلى لغو وثرثرة فيما لا حاجة إليه ولا طائل من ورائه، وهذا ما تنزهت عنه تفصيلات الكتاب العزيز التى جاءت فيما يحتاج إلى تفصيل، لذا ارتبطت تفصيلات القرآن الكريم بالعلم المحكم وفى ذلك يقول تعالى ﴿كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾ (هود 1).
ويقول تعالى عن العلم الإلهى الذى يحكم التفصيلات القرآنية لتكون هدى ورحمة للمؤمنين ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾.
ولذا فإن العلماء المحققين المؤمنين بتمام القرآن والمكتفين به هم فقط الذين يفهمون تفصيلات القرآن. وفى ذلك يقول تعالى ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون﴾ (الأعراف 32).. ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾ (يونس 24).. ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) (الروم 28). ويقول تعالى ﴿كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون﴾ (فصلت 3).
والذين لا يعلمون هم الذين يسعون فى آيات الله معاجزين مكذبين ببيان القرآن وتفصيله لكل شىء،يقولون : أين عدد الركعات فى القرآن ؟ أين كيفية الصلاة ؟ كيف نحج ؟ وبعضهم يتساءل ساخرا : أين أيام الأسبوع فى القرآن .. والله تعالى يقول ﴿والذين سعو فى آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم﴾ (سبأ 5) قال عن ﴿الذين سعو﴾ فى الماضى. فأين الحاضر؟. يقول تعالى ﴿والذين يسعون فى آياتنا معاجزين أولئك فى العذاب محضرون﴾ (سبأ 38).
10 ـ القرآن هو الذكر الذى نزل على النبى محمد (عليه السلام )
يقول تعالى ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ (النحل 43: 44).
يسىء الناس فهم قوله تعالى ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم..﴾ والسبب أنهم يقطعون هذا الجزء من الآية عما قبله ويتخذونه دليلاً على وجود مصدر آخر مع القرآن، وعندهم أن هناك ذكراً نزل للنبى يبين به القرآن الذى نزل للناس. وحتى نفهم الآية الفهم الصحيح علينا أن نتدبر السياق القرآنى، فالله يقول عن الأنبياء السابقين ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر﴾ أى أن الله تعالى أرسل الأنبياء السابقين لأهل الكتاب وأنزل معهم البينات والزبر- أى الكتب- ثم يوجه الخطاب للنبى فيقول ﴿وأنزلنا إليك الذكر﴾ أى القرآن ﴿لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ أى لتوضح لأهل الكتاب ما سبق إنزاله إليهم من البينات والزبر لعلهم يتفكرون.
إن كلمة (الناس) فى قوله تعالى ﴿لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ لا تدل هنا على عموم البشر وإنما تفيد حسب السياق أهل الكتاب الذين نزلت فيهم الكتب السماوية السابقة فاختلفوا فيها وحرفوا فيها بعض ما جاء بها.
واستعمال كلمة (الناس) لتدل على طائفة معينة أشار إليها السياق ـ ورد فى القرآن كثيراً كقوله تعالى ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا﴾ (آل عمران 173).. وكقوله تعالى ﴿يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون﴾ (يوسف 46). فكلمة الناس هنا لا تعنى عموم البشر وإنما تعنى طائفة معينة ورد ذكرها فى السياق القرآنى الذى يتحدث عن الموضوع.
وبالنسبة لقوله تعالى ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ فإن المقصود بكلمة الناس هو أهل الكتاب طالما تتحدث الآية عن الأنبياء السابقين وما أنزل الله عليهم من البينات والزبر وأهل الذكر الذين لديهم علم بالكتب السماوية السابقة.
وتقول الآية عن سبب من أسباب نزول القرآن ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ فوظيفة القرآن لأهل الكتاب هى تبيين الحق فى الكتب السماوية السابقة بعدما لحقها من تحريف وتغيير وإخفاء وكتمان، وفى ذلك يقول تعالى ﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾ (المائدة 15). ويقول تعالى عن دور القرآن فى توضيح الحق لبنى إسرائيل ﴿إن هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون﴾ (النمل 76). ويقول أيضاً ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلم يتفكرون﴾ (النحل 43: 44).
والآية السابقة فى سورة النحل فسرتها آية لاحقة فى نفس السورة. يقول تعالى ﴿تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم. وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه﴾ (النحل 63: 64). وكل ذلك يؤكد أن القرآن هو الذكر الذى نزل على النبى ليبين لأهل الكتاب ما نزل لهم من قبل واختلفوا فيه.. وذلك يعنى أيضاً أن الذى نزل على النبى كتاب واحد وذكر واحد وقرآن واحد لا مثيل له ولا شىء معه.
11ـ ذكر الله تعالى فى القرآن وحده :
ويقول تعالى يؤكد أن ذكر الله فى القرآن وحده ﴿وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا. وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا وإذ ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا﴾ (الإسراء 45: 46).
فالمشركون كانوا ينفرون من النبى لأنه يذكر ربه من خلال ما ورد فى القرآن الكريم فقط. فقال تعالى ﴿وإذا ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا﴾. والشاهد هو قوله تعالى ﴿وحده﴾ التى ترجع لله تعالى والقرآن معاً. ومن الإعجاز البلاغى أن تأتى كلمة ﴿وحده﴾ ليعود الضمير فيه على الله وكتابه بضمير المفرد وذلك يؤكد لنا أن المسلم هو من يكتفى بالله ﴿وحده﴾ وبالقرآن ﴿وحده﴾ أو من يكتفى بالله وكتابه ﴿وحده﴾ . أما المشرك فيحلو له دائماً أن تتعدد لديه المصادر والآلهة .
12- القرآن كامل تام لا يحتاج لشىء آخر معه:
يقول تعالى ﴿وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم﴾ (الأنعام 115). إذن تمت كلمة الله لنا بالقرآن ولا مبدل لكلمة الله..
ويقول تعالى ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ (المائدة 3). إذن تمت نعمة الله علينا بالإسلام الذى ارتضاه لنا ديناً وذلك باكتمال وحى القرآن.
ويقول تعالى ﴿ولو أنما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله..﴾ (لقمان 27).
ويقول تعالى ﴿قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا..﴾ (الكهف 109).
ليس هناك حد أقصى لكلمات الله التى لا تنفد. والقرآن كتاب مثانى يتكرر فيه المعنى مرة ومرات، وفيه تفصيل وتوضيح وتبيين على حكمة وعلم.
وتأتى أحياناً كلمة ﴿قل﴾ تؤكد معنى سبق إيراده فى القرآن وذلك حتى تكون أقوال الرسول من داخل القرآن وليست من عنده أو من خارج القرآن.
ولو أراد الله أن تكون كلماته لنا بلا نهاية لفعل ، وحينئذ لن تكفيها الأشجار أقلاماً ولا البحار مداداً. ولكن شاءت رحمة الله بنا أن أنزل لنا كتاباً واحداً تاماً كاملاً مفصلاً مبيناً وأمرنا بالاكتفاء به.
ولذلك كان الاكتفاء بالقرآن رحمة ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن فى ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون﴾ وكان الله تعالى شهيداً على أن كتابه يكفى فيقول تعالى ﴿قل كفى بالله بينى وبينكم شهيداً يعلم ما فى السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون﴾ (العنكبوت 50: 51).
13 ـ القرآن هو صراط الله المستقيم وما عداه خروج عن الصراط المستقيم
فى الفاتحة ندعو الله تعالى فنقول ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ والصراط المستقيم هو القرآن الكريم، يقول تعالى عن كتابه الكريم ﴿وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون﴾ (الأنعام 126).
ويقول تعالى يأمر باتباع القرآن الصراط المستقيم دون غيره ﴿وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾ (الأنعام 153). فالله تعالى أوصى باتباع القرآن صراطه المستقيم ونهى عن اتباع غيره من السبل حتى لا يقع المسلمون فى التفرق والابتعاد عن سبيل الله. وحدث ما حذر منه رب العزة فاختار المسلمون أحاديث نسبوها للنبى عليه السلام واختلفوا فى أسانيدها، وقام (علم الحديث) على تنقيح تلك الروايات وتلك الأسانيد، وقوله تعالى ﴿ولا تتبعوا السبل﴾ أى لا تتبعوا الطرق، فالسبيل هو الطريق، ومن العجيب أن علماء الحديث يقيمون تلك الأسانيد وتلك الروايات على سلاسل و"طرق" فيقولون أن الحديث من "السلسلة" الفلانية، وأن تلك الرواية جاءت من "طريق فلان" أى أنهم حين تنكبوا الصراط المستقيم ونبذوه وقعوا فى اتباع السبل وتناسوا قول الله تعالى ﴿ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ وتلك السلاسل والطرق التى قام عليها علم الحديث أوقعته فى تفرق واختلاف لا ينتهى، وصدق ما نبأ به كلام الله العزيز.
والله تعالى حذرنا من التفرق وقال لرسولنا (صلى الله عليه وسلم) ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم فى شىء﴾ (الأنعام 159). أى أمره بالتبرؤ ممن فرقوا دينهم.
والنبى يوم القيامة سيعلن براءته من أولئك الذين تركوا كتاب الله وهجروه جرياً وراء مصادر أخرى ومعتقدات ما أنزل الله بها من سلطان، يقول تعالى ﴿وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا. وكذلك جعلنا لكل نبى عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيرا﴾ (الفرقان 30: 31).
والقرآن هو الصراط المستقيم وحده..
ويستحيل هندسياً أن يكون هناك أكثر من كتاب واحد يوصف بأنه الصراط المستقيم. وعلم الهندسة يقول أن الخط المستقيم هو أقصر ما يوصل بين نقطتين ولا يمكن ان يتعدد اكثر من خط مستقيم واحد بين نقطتين.. إذن لابد أن يكون خطاً واحداً ذلك الذى يوصف بأنه الخط أو الطريق المستقيم.وعليه فالصراط المستقيم او الخط المستقيم فى دين الله تعالى لا يتعدد. وطالما هو الكتاب الحكيم الكامل التام فليس معه كتاب آخر.
14- القرآن هو الحكمة
يقول تعالى ﴿هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ (الجمعة 2).
والشائع بين الناس أن الكتاب شىء والحكمة شىء آخر وحجتهم أن العطف بالواو يقتضى المغايرة إذن فالكتاب شىء آخر يغاير ويختلف عن الحكمة.
والواقع أن العطف بالواو فى القرآن قد يكون للتبيين والتوضيح والتفضيل وليس للمغايرة. ودليلنا قوله تعالى ﴿ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين﴾ (الأنبياء 48). فالفرقان والضياء والذكر كلها أوصاف توضح وتفصل وتبين معنى التوراة. وفى موضع آخر يقول تعالى عن التوراة فى حديثه تعالى عن موسى وهارون ﴿وآتيناهما الكتاب المستبين﴾ (الصافات 117). فالتوراة أو الكتاب المستبين هى نفسها الفرقان والضياء والذكر. والعطف هنا معناه التوضيح والتفصيل لمعنى الشىء الواحد وليس المغايرة.
والله تعالى يقول لعيسى ﴿وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل﴾ (المائدة 110).
ويقول تعالى عن عيسى ﴿ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل﴾ (آل عمران 48).
فالكتاب والحكمة أوصاف للتوراة والإنجيل، ولا يعنى ذلك أن الله تعالى علّم عيسى أربعة أشياء منفصلة مختلفة، والدليل هو قوله تعالى عن عيسى ﴿ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة﴾ (الزخرف 63). فالحكمة هنا تعنى الإنجيل الذى جاء به عيسى. والآية هنا تلخص ما جاء فى الآيتين السابقتين عن الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل. إذن فالحكمة هى كتاب الله.
وبالنسبة لخاتم النبيين فقد جاءت فى القرآن أوامر عديدة متتالية فى سورة الإسراء تبدأ بقوله تعالى ﴿لا تجعل مع الله إلهاً آخر..﴾ وفى نهاية هذه الأوامر القرآنية يقول تعالى ﴿ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة..﴾ (الإسراء 22: 39). إذن فالحكمة هى آيات القرآن، والقرآن هو الحكمة فهو كلام العزيز الحكيم الذى جعله كتاباً محكماً ﴿كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾ (هود 1).
ودليلنا الأخير على أن الحكمة هى القرآن قوله تعالى ﴿واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به﴾ (البقرة 231). فلو كانت الحكمة شيئاً آخر غير القرآن لقال "وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم بهما.."، ولكن لأن الحكمة هى القرآن فقد قال ﴿يعظكم به﴾ فهما شىء واحد لذا عاد الضمير عليهما بصيغة المفرد..
ونكتفى بهذا.. فقد تعبنا.. وأتعبنا..
هذه المقالة تمت قرائتها 1325 مرة
التعليقات (6)
[16235] تعليق بواسطة john doe - 2008-02-08
اختلف في فهم آية
تحية طيبة، و بعد
أظن أن الأية "﴿وإذا ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا﴾"
تعني إذا ذكرت الله وحده ينفر الكفار لأنهم يريدون الرسول أن يذكر الهتهم بخير أيضا.
لا أظن الكفار كان يعنيهم أن يكون ذكر الله في القران فقط أم في القران و مصادر أخرى، هم فقط يريدون الرسول أن يعظم الهتهم ويترك مبدأ وحدانية الله.
شكرا
[16237] تعليق بواسطة محمود عودة - 2008-02-08
من هم الناس ؟
أخي العزيز احمد منصور تحية طيبة و بعد :
بداية أرجو تصحيح سورة الصمد .
ثم أرجو توضيح اللبس الحاصل في مفهوم كلمة الناس مابين مقالكم هنا و مقال الحج اشهر معلومات فانا أرى هنا التخصيص قي كلمة الناس استنادا إلى الآيات التي ما قبلها أو ما بعدها و بالعودة الى مقالكم الحج اشهر معلومات أرى أن كلمة الناس أخذت معنى التعميم بصرف النظر عن ما قبلها أو ما بعدها أو غيرها , و إن كانت للتعميم ألا يفهم من سياق الآيات التي قبلها أو بعدها أن الناس تشمل كل من امن بالله و اليوم الأخر واتبع مله إبراهيم و ما نزل على محمد عليه السلام ؟ .
نُسب إلى الرسول معرفته ببعض الأمور الغيبية ( كأشراط الساعة مثلا) فان صدّق حصول ما نُسب إليه الا نجد أنفسنا أمام تساؤلات عدة .. ؟
دمتم و دوام فضلكم
[16245] تعليق بواسطة محمد الجوهر - 2008-02-08
الى الاخ احمد منصور مع الود
السنة في الشريعة الإسلامية - محمد تقي الحكيم - ص 10 - 12
حجية السنة النبوية :
والحديث حول حجية ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير ، أوضح من أن يطال فيها الحديث ، إذ لولاها لما اتضحت معالم الاسلام ، ولتعطل العمل بالقرآن ، ولما أمكن ان يستنبط منه حكم واحد بكل ما له من شرائط وموانع ، لأن أحكام القرآن لم يرد أكثرها لبيان جميع خصوصيات ما يتصل بالحكم ، وانما هي واردة في بيان أصل التشريع ، وربما لا نجد في حكما واحدا قد استكمل جميع خصوصياته قيودا وشرائط وموانع ، خذوا على ذلك مثلا هذه الآيات المباركة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. كتب عليكم الصايم كما كتب على الذين من قبلكم ، ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ثم حاولوا التجرد عن تحديدات السنة لمفاهيمها وأجزائها وشرائطها وموانعها ، فهل تستطيعون ان تخرجوا منها بمدلول محدد ، وما يقال عن هذه الآيات يقال عن غيرها ، فالقول بالاكتفاء بالكتاب عن الرجوع إلى السنة تعبير آخر عن التنكر لأصل الاسلام وهدم لأهم معالمه وركائزه العملية . وقد قامت محاولات على عهد رسول الله ( ص ) وبعده للتشكيك بقيمة السنة ، أمثال ما حدث به عبد الله بن عمرو ، قال : كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله ( ص ) أريد حفظه ، فنهتني قريش ، فقالوا : انك تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله ( ص ) وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك للرسول ، فقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق ، وربما كان من ردود الفعل لموقف قريش هذا من السنة قول النبي ( ص ) وهو يحذر من مغبة تركها : لا ألفين أحدكم على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ، وقد حاولوا بعد ذلك أن تصبغ هذه الدعوة الهادمة بصبغة علمية على يد أتباعهم بعد حين ، فاستدلوا لها بأن القرآن نزل تبيانا لكل شئ ، وأمثالها من الأدلة التي ذكرها الشافعي في كتابه الأم ورد عليها بأبلغ رد ، وخلاصة ما جاء في رده : ان القرآن لم يأت بكل شئ من ناحية ، وفيه الكثير مما يحتاج إلى بيان من ناحية أخرى ، وسواء في ذلك العبادات والمعاملات ، ولا يقوم بذلك الا الرسول ( ص ) بحكم رسالته التي عليه ان يقوم بها ، وفي هذا يقول الله تعالى :
( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، ثم يقول لو رددنا السنة كلها لصرنا إلى أمر عظيم لا يمكن قبوله ، وهو أن من يأتي بأقل ما يسمى صلاة أو زكاة ، فقد أدى ما عليه ، ولو صلى ركعتين في كل يوم أو أيام إذ له ان يقول ما لم يكن فيه كتاب الله ، فليس على أحد فيه فرض ، ولكن السنة بينت لنا عدد الصلوات في اليوم وكيفياتها ، والزكاة وأنواعها ومقاديرها ، والأموال التي تجب فيها. والحقيقة ، ان المناقشة في حجية السنة أو انكارها مناقشة في الضروريات الدينية وانكار لها ، وليس لنا مع منكر الضروري من الدين حساب ، لأنه خارج عن طبيعة رسالتنا بحكم خروجه عن الاسلام ، يقول الشوكاني : والحاصل ان ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الاحكام ضرورة دينية ، ولا يخالف في ذلك الا من لاحظ له في دين الاسلام ويقول الخضري من المتأخرين : وعلى الجملة فان حجية السنة من ضروريات الدين ، أجمع عليها المسلمون ونطق بها القرآن وكذلك غيرهما من الأصوليين ، والحقيقة اني لا أكاد أفهم معنى للاسلام بدون السنة ، ومتى كانت حجيتها بهذه الدرجة من الوضوح ، فان إقامة البرهان عليها لا معنى له ، لأن أقصى ما يأتي به البرهان هو العلم بالحجية ، وهو حاصل فعلا بدون الرجوع إليه ،
اخي العزيز الاستاذ احمد منصور هل يمكن ان توضح لنا نفي السنة من خلال ايات القران الكريم بشكل استدلالي
[16246] تعليق بواسطة محمد الجوهر - 2008-02-08
رجاء اخر
نتمنى من الاخ احمد منصور ان يبين لنا المنهج المعرفي لدية في اثبات العلوم والحقائق المعرفية فما لم ينقح هذا الامر يكون النقاش حينها نقاشا في الصغريات فهو عديم المنفعة فنتمنى من الاخ منصور ان يشرح لنا نظرية المعرفة واداوته في الاستدلال ليتسنى لنا التحاور معه مع الود
[16249] تعليق بواسطة محمود دويكات - 2008-02-09
الى الاستاذ الدكتور أحمد
جزاك الله عنا كل خير و وفقك الله لما يحبه (و تحبه) و يرضاه. و والله إني لتملأني الابتسامة و أنا أقرأ لكم أفكاركم ..أدعو الله أن يخفف عنكم مآسي الدنيا و أن يعوضكم عنها خيرا في الاخرة إنه قريب مجيب.
[16266] تعليق بواسطة محمد الجوهر - 2008-02-09
تحية طيبة الى حضرة الاخ المفضال احمد منصور
السلام عليكم سيدي الكريم
لايمكن ولا اعتقد انك تذهب الى ان حجية القران انما تثبت بواسطة القران والا للزم الدور بل عليك ان تثبتها من دليل اخر ولن يكون لك الا العقل , فما هو رايك فيمن يثبت حجية السنه من دليل العقل ويراد من دليل العقل هنا ، خصوص ما دل على عصمة النبي ( ص ) وامتناع صدور الذنب والغفلة والخطأ والسهو منه ، ليمكن القطع بكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات هي من قبيل التشريع ، إذ مع العصمة لابد أن تكون جملة تصرفاته القولية والفعلية وما يتصل بها من اقرار موافقة للشريعة وهو معنى حجيتها . وهذا الدليل من أمتن ما يمكن أن يذكر من الأدلة على حجية السنة وانكاره مساوق لانكار النبوة من وجهة عقلية ، إذ مع امكان صدور المعصية منه أو الخطأ في التبليغ أو السهو أو الغفلة لا يمكن الوثوق أو القطع بما يدعي تأديته عن الله عز وجل لاحتمال العصيان أو السهو أو الغفلة أو الخطأ منه ، ولا مدفع لهذا الاحتمال . ومع وجود هذا الاحتمال لا يمكن تمامية الاحتجاج له أو عليه حتى في مجال دعواه النبوة ، حيث أن كل حجة لا تنتهي إلى القطع فهي ليست بحجة ، لأن العلم مقوم للحجية . فإذا ثبتت نبوته بالأدلة العقلية ، فقد ثبتت عصمته حتما للتلازم بينهما ، وبخاصة إذا آمنا باستحالة اصدار المعجزة من قبل الله تعالى على يد من يمكن أن يدعي النبوة كذبا لقاعدة التحسين والتقبيح العقليين أو لغيرها على اختلاف في المبنى . وقد يقال بعدم التلازم عقلا بين اثبات العصمة له وتحصيل الحجة على اعتبار ؟ ما يصدر منه من قول أو فعل أو تقرير ؟ من قبيل التشريع لأن الدليل العقلي غاية ما يثبت امتناع كذبه في ادعاء النبوة لاستحالة صدور المعجزة على يد مدعي النبوة كذبا لا مطلق صدور الذنب منه فضلا عن الخطأ والسهو والنسيان . ودعوى عدم حصول العلم بكون ما يصدر عنه تشريعا ، لاحتمال الخطأ ، أو النسيان ، أو الكذب في التبليغ ، أو السهو ، يدفعها الرجوع إلى أصالة عدم الخطأ ، أو السهو ، أو الغفلة ونظائرها ، وهي من الأصول العقلائية التي يجري عليها الناس في اقعهم ، ويكون حسابه حساب أئمة المذاهب ، من حيث وجود هذه الاحتمالات فيهم ، ومع ذلك فان الناس يثقون بأقوالهم ويدفعون الخطأ فيها أو السهو أو الغفلة ، أو تعمد الكذب بأمثال هذه الأصول . وهذا الاشكال من أعقد ما يمكن ان يذكر في هذا الباب ، ولكن دفعه انما يتم إذا تذكرنا ما سبق ان قلناه من أن كل حجة لا تنتهي إلى العلم فهي ليست بحجة ، لأن القطع هو الحجة الوحيدة التي لا تحتاج إلى جعل ، وبها ينقطع التسلسل ويرتفع الدور . وهذه الأصول العقلائية التي يفزع إليها الناس في سلوكهم مع بعضهم ، لا تحدث علما بمدلولها ولا تكشف عنه أصلا لا كشفا واقعيا ولا تعبديا . أما نفي الكشف الواقعي عنها فواضح لعدم التلازم بين اجراء أصالة عدم الخطأ في سلوك شخص ما وبين إصابة الواقع والعلم به ، ولو كان بينهما تلازم عقلي لأمكن اجراء هذا الأصل مثلا في حق أي شخص واعتبار ما يصدر عنه من السنة ولا خصوصية للنبي في ذلك . وأما نفي الكشف التعبدي عنها فلأنه مما يحتاج إلى جعل من قبل الشارع ، ومجرد بناء العقلاء لا يعطيه هذه الصفة ما لم يتم امضاؤه من قبله . وشأنه في ذلك شأن جميع ما يصدرون عنه من عادات وتقاليد وأعراف ، والسر في ذلك أن القطع بصحة الاحتجاج به على الشارع لا يتم الا إذا تم تبنيه من قبله وعلم ذلك منه ، وكل حجة لا تنتهي إلى القطع بصحة الاحتجاج بها ، فهي ليست بحجة كما سبق بيان ذلك مفصلا . هذا إذا أعطينا هذه الأصول صفة الامارية ، أما إذا جردناها منها واعتبرناها وظائف عقلائية جعلوها عند الشك لينتظم سلوكهم في الحياة ، فأمرها أوضح لعدم حكايتها عن أي واقع ليعتبر ما تحكى عنه من قبيل التشريع . والاعتماد عليها كوظائف لا يتم الا إذا تم تبني الشارع لها بالامضاء أيضا لنفس السبب السابق . وعلى هذا فحجية هذه الأصول وأمثالها موقوفة على امضاء الشارع لها بقوله أو تقريره ، وكون هذا الامضاء حجة أي موقوفة على حجية السنة ، فلو كانت حجية السنة موقوفة عليها كما هو الفرض لزوم الدور . لبداهة ان حجية الاقرار من قبله ( ص ) مثلا موقوفة على حجية أصالة عدم الخطأ أو أصالة الصحة أو أصالة عدم الغفلة أو السهو ، وحجية هذه الأصول موقوفة على حجية اقراره لها لو كان هناك اقرار ، ومع اسقاط المتكرر ينتج ان حجية اقراره موقوفة على حجية اقراره .