لعبة السياسة .الصوفية والإخوان علاقة نائمة.. هل تستيقظ ؟

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٢٢ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إسلام اون لاين


الصوفية والإخوان علاقة نائمة.. هل تستيقظ ؟

محمد أبو العز 21-06-2009

حسن البنا يعترف في كتاباته أن الجماعة حقيقة صوفية الارتباط بين الصوفية والإخوان ارتباط قديم يتعلق بالنشأة والجذور، فالمؤسس الأول لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا يعترف في كتاباته أن الجماعة حقيقة صوفية، كما أن تاريخ نشأة الشيخ البنا يشير إلى أنه ترعرع في طفولته وصباه بين مشايخ الصوفية وعلمائها، وأنه كان مولعا بترانيمهم وصفائهم، وشديد الارتباط بصدقهم وزهدهم، والمتأمل في البنيان التنظيمي والروحي للجماعة يجد أنه ذو ارتباط وثيق بالصوفية وأورادها وصلاتها الروحية، مثل ورد الرابطة، والأذكار، وقيام الليل، وحتى الكيان التنظيمي مثل نظام الأسرة المنبثق من الصلة الروحية بين أعضاء الأسرة، والذي يحث عليه الفكر الصوفي.


هذا ما ذكره ولم ينكره قيادات من كلا الجانبين من الإخوان المسلمين وشيوخ الطرق الصوفية، وإذا كانت مثل هذه التصريحات قد صدرت من قيادات في كلا الجانبين، والتي تعترف بارتباط وثيق في أصل النشأة فهل يعني ذلك أن كلا الجانبين في طريقهما للوحدة من أجل الإصلاح، أو في أقل التقديرات إقامة علاقة قوامها الفهم والحوار والتوافق، خاصة بعد التصريحات التي أدلي بها الشيخ أبو العزايم شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والتي طالب فيها بوحدة التيارات الإسلامية مع الصوفية، خاصة الإخوان المسلمين، أم إنها مجرد تصريحات فردية لا تنم عن توجه حقيقي نحو تدشين مرحلة جديدة في تاريخ العلاقة بين الصوفية والتيارات الإسلامية، وبشكل أكثر تحديدا الإخوان المسلمين.

تفاؤل حذر



د.عصام العريان مسئول القسم السياسي بجماعة الإخوان

في البداية تحدثنا مع د.عصام العريان مسئول القسم السياسي بجماعة الإخوان؛ حيث أشار إلى ما يحكم الإخوان من مفاهيم في هذا الصدد، أولها أن الرابطة العقدية التي تجمع بين أبناء الإخوان وغيرهم من أبناء التيارات الأخرى هي أقوى من أي خلاف، خاصة الصوفية "التي لنا بها تاريخ ورباط طيب، وظهر ذلك في حديث الإمام البنا الذي قال إننا حقيقة صوفية".

ولم يرالعريان في صلة جماعته بالصوفية مجرد شعار عابر يقتضيه الحديث الدبلوماسي، بقدر ما اعتبر تلك العلاقة دالة بشكل دائم على عمق المكون الصوفي، وتجلياته السلوكية في الجسد الإخواني عبر سيره ومسيره، وحسب قول العريان فإن "الجماعة تمارس هذه الحقيقة فعليا في عباداتها، خاصة في ورد الرابطة، والمأثورات، والمناجاة، وقيام الليل، وزيارة القبور على أساس تنمية الروح والسمو بها، وجعل الإنسان في رقي روحاني عظيم".

لم يخف مسئول القسم السياسي للإخوان الرغبة في توطيد الصلة بالصوفية، وقد حاول أن يرسم معالم تلك العلاقة من خلال التشديد على عدم مجافاة قيام علاقة وطيدة مع سيادة روح النقد الموضوعي من قبل كل طرف للآخر شريطة أن يتسم الخلاف بالموضوعية، وأن يتم تجاوز مزالق التجريح والقدح.

لكن تفاؤلية البدء لم تصحب حديث العريان إلى منتهاه؛ حيث طرح علامات استفهام حول الأسباب التي دفعت الشيخ أبو العزايم للتراجع عن تصريحاته الإيجابية بشأن رغبته في توطيد الصلة بالإخوان، ثم تراجعه عن هذه التصريحات؛ مما قد يؤشر إلى تدخل أمنى، وهو أمر يثير الأسف، كما قال العريان.

علاقة الإخوان الوطيدة والقديمة بالصوفية، والسعي إلى البناء عليها، وتعزيز رصيدها الإيجابي هي من مفاصل الطرح الذي يذهب إليه د.عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان. إلا أن أبو الفتوح يحدد نوعية الصوفية التي يعنيها بحديثه، والتي تنمي -حسب قوله- الارتباط الروحي والإيمان بالله عز وجل.

وهي صوفية يراها تتعارض مع ذلك النمط من صوفية الموالد وممارسة الرذيلة فيها، والشعوذة والدجل، وغيرها من الأمور التي لا يرتضيها أي مسلم ذو فطرة سليمة، وهؤلاء الذين يمارسون مثل هذه التصرفات ليسوا من الصوفية الأصيلة في شيء.

ويتفق أبو الفتوح مع العريان في أن التلاقي والتفاهم لا يعني الاندماج وذوبان الكيانات والجماعات، وأن ممارسة النقد في إطار من الشفافية والموضوعية هي مما يعزز تلك العلاقات ويمتن من أواصرها.

على الشاطئ الآخر لا يبدو الأمر يحمل كثيرا من الاختلاف والتعارض، فمن ذات المنطلقات التي طرحها الرمزان الإخوانيان يعرض الشيخ عبد الحليم العزمي شيخ الطريقة العزمية الصوفية إلى رؤيته القائمة على أن التصوف هو أصل فكرة الإخوان المسلمين التي كان ينتمي مؤسسها الشيخ البنا إلى الصوفية، فالبنا قد تربى صوفيا، ولم ينكر الصوفية، ولم يقدح فيها حتى آخر لحظة في حياته، "وكان البنا رحمه الله يصلي في الحسين والسيدة، ولم يكفر من يصلي في هذه المساجد".

ويبدو أن العزمي يلمح قدرا من اختلاف المآل عن السيرة الأولى لجماعة الإخوان، فيما يخص العلاقة بالصوفية؛ حيث يشير إلى أن تيار الإخوان الحالي بينه من غير فكره تماما عن الصوفية، وأصبح مثل الوهابيين، ومن يسمون أنفسهم بالسلفيين، والذين لم يعد وراءهم حسب قول العزمي "سوي نقد الصوفية، ووصفونا بالمشركين تارة، والكفرة تارة أخرى".

ورغم تأكيد العزمي على أن ابن تيمية الذي يؤمن الإخوان بأفكاره ولا ينكرونها كان صوفيا، ومن ثم يصبح الإخوان وعموم المسلمين إخوة للصوفية، إلا أنه يستبعد أي تحالف مع الإخوان في ما يتعلق بالقضايا السياسية، ويؤكد أن الصوفية جماعة روحانية أخلاقية تدعو القاعدة من الناس إلى الإسلام، ثم بعد ذلك تختار القاعدة بنفسها من يحكمها، لكن دون عمل تنظيم يدعو إلى ذلك على غرار ما يفعله الإخوان، وهو أمر يشدد شيخ الطريقة العزمية على أنه سيظل مثار اختلاف مع الإخوان، أما دون السياسة فهناك استعداد "للتحالف الأخوي معهم في ما يخص الدعوة إلى الله، وحل مشاكل الأمة والوطن مثل مشكلة البطالة والعنوسة والفقر، وغيرها من المشاكل الاجتماعية".



الشيخ أبو العزايم

ولم يرفض العزمي التصويت للإخوان في الانتخابات التشريعية أو غيرها، على أن يكون الحاكم في هذا قناعات الأفراد وخياراتهم، وألا يتحول إلى عملية منظمة يتم فيها حشد الأفراد ودفعهم إلى التصويت بشكل جماعي.

خلافات طفيفة

لا نكاد نلحظ اختلافا جوهريا داخل البيت الصوفي الذي قمنا باستجلاء آرائه في الموقف من الإخوان، وهذا ما يمكن استشفافه من مقولات الشيخ بهاء العناني شيخ الطريقة العنانية.

فقد رأى العناني أن ما بين الصوفية والإخوان من خلافات هي مجرد خلافات طفيفة يمكن التغلب عليها، وأن ما يجمع الطرفين من أخوة الإسلام وقول لا إله إلا الله أكبر من أي خلاف، وشبه الاختلافات بين الإخوان والصوفية كتلك الاختلافات التي بين "مالك والشافعي، وبين ابن حنبل وأبي حنيفة، كلها اختلافات فقهية في الرأي، وهي ظاهرة صحية لا ينبغي تضخيمها من كلا الجانبين".

وأشار العناني إلى أن الدعوة إلى الوحدة والحوار يتم المناداة بها مع غير المسلمين، ومن ثم فهي أوجب حيال الإخوان الذين "تربطنا بهم رابطة الإخوة الإسلامية".

ورغم أن الحسيني الجوهري شيخ الطريقة الجوهرية يتفق مع الرأيين السالفين في أن مكون الصوفية تاريخيا لدى الإخوان ومؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا يتضح بجلاء، وهو أمر يمكن معاينته في رسوخ البعد الصوفي في أدبيات ومسلكيات الإخوان، إلا أنه بدا إيجابيا بشكل لافت في مسألة الدعوة للحوار مع الإخوان حتى لو اقتضى هذا ما يعتبره البعض خطا أحمر في الحوار بين الإخوان والصوفية، ممثلا في الممانعة الأمنية، وعدم رغبة أجهزة الدولة في حدوث تلاق من هذا النوع.

فقد بدا الجوهري شديد التأكيد على إمكانية ووجوبية استقلال القرار الصوفي في مسألة الحوار مع الإخوان حتى ولو خالف ذلك هوى ورغبات الأنظمة، وبحسب قول الجوهري فإنه "لا مانع من ناحيتهم من فتح باب للتفاهم مع الإخوان في كل القضايا التي نتفق عليها، وحتى التي نختلف عليها، وحتى في حالة رفض ولي الأمر (يقصد النظام الحاكم)؛ لأنه كما قال العزمي لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا أمرنا الحاكم بعدم الاتحاد والوحدة مع المسلمين فهذه معصية لله ورسوله، فلا طاعة له فيها، ولو على حساب أرواحنا التي ستكون فداء لطاعة الله".

ولا يستبعد الجوهري حدوث ضغوطات من قبل الأجهزة الرسمية في حال بدت تلوح في الأفق مؤشرات على حوار بين الإخوان والصوفية، وبلغة تبدو مغردة خارج السرب الصوفي يتحدث شيخ الجوهرية عن الأنظمة الحاكمة فيقول إن "أكثر من 90% من حكام المسلمين وأولياء أمورهم على غير هدى من الله، ولا يتبعون أوامر الله، ولا يتناهون عن نهيه؛ ولذلك لن نستبعد أن يكون هناك ضغوط منهم لعدم الوحدة مع التيارات الإسلامية الأخرى، وكما قلت فلا طاعة لهم حتى ولو كنا نختلف مع الإخوان في النهج والعمل السياسي".

حوار وليس وحدة

كانت تلك توجهات وتقديرات الإخوان والصوفية، والتي أشارت حسب المصادر التي تم استطلاع آرائها إلى توافق كبير حول مسألة أهمية الحوار ومد الجسور مع الالتفات إلى الصعوبات والتحديات.

وعلى صعيد ثالث يتحدث بعض الخبراء في شئون الحركات الإسلامية عن تلك المسألة، فيقول ضياء رشوان خبير الحركات الإسلامية، والباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إن الإخوان منذ نشأتهم لديهم القدرة على الاحتواء، وسرعة الانتشار، وذلك يرجع لأنهم لم يدخلوا في اشتباك ولا صراع فكري أو جدلي مع أي من التيارات، ولم يتحدثوا عن أن الصوفية خرجت عن صحيح الدين،وأكد رشوان أنه تاريخيا وحتى دينيا يبدو أن ما بين الإخوان والصوفية أكثر وأعمق مما ما بينهم وبين أي تيار آخر؛ حيث صرح وأكد المرشد الأول للجماعة الشيخ البنا على حقيقة الجماعة الصوفية، حتى إن الإخوان لديهم أوراد يرددونها هي في الأصل أوراد صوفية، والإخوان يعرفون ذلك جيدا، ومع ذلك لم ينكروه، وليست عندهم محاذير ومفاصلة مع الصوفية مثل التي بين السلفيين والصوفية؛ حيث ينكر كل منهما الآخر تماما، ولا يوجد بينهم أي مساحات توافق.

ورغم هذه المؤشرات الإيجابية لا يرتفع رشوان بسقف التوقعات إلى مستوى احتمالية الوحدة بين الإخوان والصوفية، بل إنه يعتبر تلك الوحدة من المستحيلات، فبالرغم من عدم وجود ميراث من الجفاء أو الخصام بين الصوفية والإخوان "إلا أن كلا منهما له مدرسته الخاصة، خاصة أن المدرسة الصوفية ليست لها علاقة بالسياسة، على نقيض الإخوان الذين ينظرون إلى الإسلام باعتباره منهجا شاملا وفيه السياسة".

بدوره يرى الكاتب الإسلامي فهمي هويدي أنه ليس شرطا أن تكون هناك وحدة تامة بين الإخوان والصوفية، ولكن على الأقل ينبغي أن يكون هناك تعايش بين الطرفين، ولا مانع من وجود مشاركة سياسية، خاصة في قضايا تهم الجميع، ويتفق عليها الكل مثل الموقف من إسرائيل، أو قضايا اجتماعية مثل مشاكل المجتمع التي تهم الجميع أيضا مثل العنوسة والبطالة وغيرها، وإعلاء الصالح العام المتفق عليه.

ويؤكد هويدي أن التعايش بين الطوائف الإسلامية على مدار التاريخ مستمر، وأن بين الصوفية والإخوان خاصة ما يجمعهم ويوحد صفوفهم في قضايا كثيرة، وهذا يوفر أرضية صالحة لخلق واستقرار التفاهم والتعايش.

وإذا كان هويدي يرى أن الظروف الذاتية لدى كل من الإخوان والصوفية تدفع بترجيح فرضية الحوار والتعايش، إلا أنه يشير إلى أن العائق الأمني قد يشكل تحديا كبيرا، وحسب قوله فإن "الصوفية الآن ليست عندها أي مشاكل مع الأمن، ولكن إذا قرروا التفاهم والتعايش مع الإخوان فبالتأكيد الأجهزة الأمنية ستضعهم في دائرة الاشتباه، لذلك الأمر يحتاج مزيدا من قوة الإرادة لدى قادة الصوفية حين يقررون مثل هذه الخطوة".


--------------------------------------------------------------------------------

اجمالي القراءات 2791
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق