مترجم: بين الصواريخ والدقيق.. هكذا يدير حزب الله «لعبته» داخليًّا وخارجيًّا

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٧ - أغسطس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


مترجم: بين الصواريخ والدقيق.. هكذا يدير حزب الله «لعبته» داخليًّا وخارجيًّا

كتب ميخائيل براندت مقالًا في مجلة «مودرن دبلوماسي» حول الأوضاع الحالية في لبنان والأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وتهريب حزب الله المدعوم من إيران السلع المدعومة من الحكومة اللبنانية إلى سوريا لمساعدة نظام الأسد.

يقول الكاتب في مستهل مقاله: حزب الله مسلح. وأصبح إطلاق النار من أنصار حزب الله وحركة أمل مسموعا في شوارع بيروت في وقت مبكر من صباح الأحد 7 يونيو (حزيران) 2020 بعد أن دعا المحتجون إلى تطبيق قرار الأمم المتحدة 1559 لعام 2004 الذي يستلزم نزع سلاح جميع الميليشيات. وأصيب عدة أشخاص بجروح. وفي الواقع حملت الاحتجاجات التي اندلعت على مستوى البلاد – والتي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بسبب الوضع الاقتصادي شديد الخطورة في لبنان – ميزة غير مسبوقة هي أنها حظيت بدعم عبر مختلف الطوائف. 

عربي

منذ شهر
أكبر أزمة تمر عليه منذ 35 عامًا.. ما هي خطط «حزب الله» للهروب من عنق الزجاجة؟

ومع ذلك كان يعتقد أن المظاهرات التي خرجت يوم 6 يونيو 2020 تهيمن عليها أطراف معارضة لحزب الله؛ لأن بعض المتظاهرين ذكروا مباشرة الميليشيا الشيعية عندما طالبوا بنزع سلاحها. وقد خلق هذا انقسامًا بين المتظاهرين؛ لأن الهدف الأصلي للاحتجاجات كان التغلب على النظام الطائفي بترديد شعار «كلن يعني كلن»، عندما يتعلق الأمر بمطالبهم باستقالة السياسيين. وبقيامهم بذلك فإنهم تجنبوا استهداف أية جماعات طائفية معينة. 

ويتعرض حزب الله والأحزاب المسيحية المتحالفة معه لضغوط متزايدة بسبب الكارثة الاقتصادية التي تمر بها حاليًا الدولة الصغيرة متعددة الأديان. وتمثل الأزمة الاقتصادية أحد أكبر التهديدات لاستقرار لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990 وتعرض استقراره للخطر. 

وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، وارتفع معدل البطالة إلى ما يقارب 35% ويعيش حوالي 45% من السكان الآن تحت خط الفقر. وارتفع عجز ميزانية الدولة إلى أكثر من 150% من إجمالي الناتج المحلي. وفي حين لا تزال العملة اللبنانية في حالة سقوط حر، استمرت المظاهرات ضد الفساد والطائفية بعد الاشتباكات العنيفة في 7 يونيو 2020.

العرض والطلب.. لعبة داخلية

يتصاعد الضغط في لعبة حزب الله داخل لبنان. إذ بدأت تحالفات الحزب طويلة المدى – والتي أتاحت للميليشيا الشيعية الهيمنة على النظام السياسي اللبناني بعد عام 2008، وخاصة بعد انتخابات 2018 – في الانهيار. ويتزايد الضغط الداخلي بسبب نقص إمدادات الكهرباء والغذاء. وبدأت لعبة تبادل إلقاء اللوم بشأن المسؤوليات، مثلما يحدث في قطاع الكهرباء. 

 

 

قرية شبعا اللبنانية 

في بعض الأحيان تلجأ الأحزاب إلى عروض غريبة نوعًا ما من أجل تلبية التوقعات داخل النظام القائم على المحسوبية. وفي أحيان أخرى حمّلت أحزاب المعارضة من الكتلة المسيحية، التي كانت جزءًا من التمثيل النسبي السياسي اللبناني الحالي، حزب الله أيضًا مسؤولية الوضع الاقتصادي البائس، وشككوا في أفعاله في سوريا. 

ومن خلال الاستفادة من الصراعات الطائفية الداخلية في الطائفة الدرزية، أو إعادة استنهاض مشاعر الوحدة ضد إسرائيل بين المسيحيين، أو ببساطة من خلال دفع رواتب أفضل للمقاتلين المتحولين، سعى حزب الله إلى توسيع نفوذه خارج الطائفة الشيعية في الماضي. 

وبعد انتخابات 2018 تمكنت الميليشيا الشيعية من اكتساب دور مهيمن مع الأحزاب المتحالفة معها. وعلى الرغم من أن حزب الله أظهر على الأقل بعض الموارد خلال أزمة كورونا، إلا أن العقوبات الأمريكية ضد طهران تستمر في التأثير على ميزانية الميليشيا المدعومة من إيران. ولذلك كان لا بد عن قطع الخدمات الاجتماعية التي يوفرها حزب الله، مثل الطعام الإضافي، أو الإعانات الإضافية الأخرى للمقاتلين، وسط جائحة كورونا. 

يقول بعض المحللين: إن حزب الله يحاول تجاوز الأزمة المتشعبة في لبنان من خلال أنظمته الموازية، مثل نظام «القرض» شبه المصرفي، وتوفير مولدات كهربائية، والانفتاح على منتجات جديدة مثل الماريجوانا. 

علاوة على ذلك، وبحسب حنين غدار الباحثة بمعهد واشنطن، فالجماعات الشيعية تسعى للتخلص من نبيه بري، رئيس حركة أمل الشيعية التي تعد جزئيًا من المنافسين، ولكنها شريك في الوقت نفسه. ويشير التقرير في هذا السياق إلى الاحتجاجات التي خرجت في مدن يسيطر عليها الشيعة، وأجزاء من بيروت أيضًا.

ويعتمد لبنان اعتمادًا كبيرًا على الواردات الغذائية؛ لأنه على الرغم من وجود وادي البقاع الخصيب، يعجز البلد عن تلبية احتياجات مواطنيه واللاجئين السوريين الذين يعيشون في الخيام. واستمر لبنان في استضافة أكبر عدد من اللاجئين قياسًا على عدد سكانه، حيث يعتبر واحد من كل ستة أشخاص لاجئًا (هذه الإحصائية التي تعود إلى عام 2018، تشمل فقط اللاجئين الذين يدخلون تحت ولاية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أما الذين يدخلون تحت ولاية الأونروا فهم غير مشمولين في هذه الأرقام). 

غير أن استيراد المواد الغذائية بعملة محلية ضعيفة ينطوي على عدة عقبات؛ إذ تضاعفت بعض الأسعار بالفعل، ويفكر بعض المستوردين في التوقف عن الإتجار في منتجات مستوردة بعينها ما لم تكن هناك إمكانية لاستخلاص ربح منها. 

حاول حزب الله أن يستغل هذه الفجوة من خلال توسيع أنشطة التهريب بين سوريا ولبنان، واستبدال واردات أرخص معفاة من الضرائب من إيران ببعض الواردات الحالية. لكن الميليشيا توفر البنزين والدقيق لحلفائها السوريين الذين يواجهون مشاكل اقتصادية خطيرة بسبب العقوبات الناجمة عن تطبيق قانون قيصر لحماية المدنيين على سوريا.

خسائر التهريب هائلة

اندلعت احتجاجات جديدة حتى في مدينة السويداء، التي يسيطر عليها الأسد بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية. وانتقد زعيم حزب الله، حسن نصر الله، الولايات المتحدة بسبب العقوبات. وتدعم الدولة اللبنانية البنزين والدقيق. لكن على الرغم من ذلك – بحسب التقرير – تجرى عمليات التهريب الآن بطريقة علنية أكثر من ذي قبل، إذ باتت قوافل الشاحنات تستخدم الطرق الرئيسة في وضح النهار. 

 

 

وعلى شفا الهاوية الاقتصادية التي يقترب منها اقتصاد الدولة اللبنانية، تعد الخسائر الناجمة عن التهريب هائلة، بحسب التقرير. ففي الآونة الأخيرة، بدأت المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ محتملة للبنان. ودعم حزب الله رسميا بدء المحادثات كعضو في الحكومة المركزية، لكنه حذر في الوقت نفسه من الشروط التي تنتهك السيادة اللبنانية.

ذريعة سيادة لبنان

ويقول الكاتب إن سيادة لبنان هي الذريعة التي يتعلل بها حزب الله ليظل الميليشيا الوحيدة التي لم ينزع سلاحها بعد الحرب الأهلية، مشيرًا إلى أن «المقاومة» ضد إسرائيل قد أسست الأرضية الأيديولوجية للجماعة «الإرهابية» الشيعية منذ تأسيسها في الثمانينات أثناء الاحتلال الإسرائيلي للبنان. 

وعلى هذا فإن المصدر الرئيس لشرعية الدور البارز لحزب الله لا بد وأن يكون حاضرًا في مجال السياسة الخارجية. وعلى مر السنين كان الدور البارز الذي لعبه سلاح حزب الله داخل لبنان سببًا في خلق ازدواجية عسكرية، وقوة دائمة تخلط ما بين القوات المسلحة اللبنانية والميليشيا.

ويقول الكاتب: إن الصراعات الخارجية التي يخوضها حزب الله لا تتوقف؛ إذ شهدت «المقاومة» ضد إسرائيل أوجها في العام الماضي. وشُنَّت عدة غارات جوية إسرائيلية في سوريا وفي بيروت، وجرت مناوشات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، عندما فجر حزب الله مركبة مسلحة تابعة لقوات الجيش الإسرائيلي، بعد أن كشف الجيش الإسرائيلي عن مواد تشير إلى موقع لإنتاج الصواريخ في وادي البقاع.

الاحتلال الإسرائيلي

منذ أسبوع
«المونيتور»: فرقعة بلا دماء.. لماذا تلعب إسرائيل وحزب الله هذه اللعبة؟

وضع خطير

ويرى الكاتب أن الجهود الإيرانية الرامية إلى تزويد حزب الله بصواريخ موجهة بدقة تُشكل تهديدًا كبيرًا لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وذلك لأنه حتى لو تمكنت المنظومة الدفاعية من صد 99% من الصواريخ، فإن المتبقي منها سوف يضرب هدفًا مع احتمالات مرتفعة. وأدى ذلك إلى وضع خطير قريب من المواجهات الشبيهة بالحرب. 

يتابع المقال: لقد تسلق كلا الجانبين بالفعل سلم التصعيد اللفظي. بدوره نفى نصر الله وجود مثل هذا البرنامج، واتهم إسرائيل بأنها عدوانية، في حين حذر مسؤولون إسرائيليون نصر الله من تعريض لبنان كله للخطر إذا شن هجومًا على إسرائيل. 

وبما أن بعض الأهداف وطرق التسليم من إيران إلى حزب الله تمر عبر سوريا، اضطرت روسيا إلى الدخول إلى الساحة لتهدئة الأجواء الملتهبة. وبالرغم من أن التوترات هدأت مقارنة بالصيف الماضي، فإن العديد من الأحداث التي تقع على الحدود أو الغارات الجوية لا تزال تحدث بين الفينة والأخرى. ولكن كلا الجانبين يحاول تجنب وقوع خسائر بشرية، وبالتالي حرب واسعة النطاق.

 

 

ليس مجرد صراع حدودي

ويوضح الكاتب أن العداء بين حزب الله وإسرائيل هو أكثر من مجرد صراع حدودي. والحقيقة أن تصور نصر الله للولايات المتحدة وإسرائيل كعملاء متبادلين يخدم كل منهما الآخر يؤكد أن معركة «المقاومة» تُشكل القاعدة المؤسسة للميليشيا. ويصطدم تحالفين إقليميين ببعضهما البعض في سوريا، وهو ما يطرح السؤال التالي: هل ستتمكن المخابرات الإسرائيلية من تمييز «الدقيق» عن «الأسلحة» في القوافل المارة بسوريا؟

«إن الحرب ضد إيران حرب على كل محور المقاومة. والحرب على الجمهورية الإسلامية تعني اشتعال النار في كل المنطقة»؛ هكذا أطلق الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هذا التوعد الرادع، بحسب المقال. وتسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى الحد من نفوذ إيران في سوريا. وتريد تركيا تأمين منطقة نفوذها ضد الأسد، بل ربما يكون لها أهداف إستراتيجية مماثلة ضد نفوذ حزب الله كما فعلت إسرائيل. 

فالولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا ضد نظام الأسد. ولكن روسيا وحزب الله يدعما نظام الأسد مع إيران. ولا ينبغي أن ننسى أن الحرب في سوريا استمرت حتى مع وجود أزمة فيروس كورونا المستجد. ولكن ربما حولت إيران وحزب الله إستراتيجياتهما في مواجهة جائحة كورونا، وما يترتب على ذلك من عواقب مالية بالنسبة لإيران ولبنان.

«محور المقاومة» والخطوات التالية

لقد قطع نظام الأسد شوطًا كبيرًا نحو استعادة أراضيه في سوريا. وبالرغم من هذا، فإن سوريا تحت حكم الأسد لا تزال تخوض حربًا ضد إسرائيل، ولم يغيّر اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان أي شيء بشأن هذا الوضع، ولم يغير الأسد، ولا إسرائيل كذلك، من موقفيهما من المفاوضات، كما لم يكن لدى الأسد الموارد للانخراط في التصعيد مع إسرائيل أثناء الحرب في سوريا.

والآن يتعين على الشريكين في «محور المقاومة» أن يتوصلا إلى الخطوات التالية مع نظام الأسد، في حين يتدهور الموقف الاقتصادي في سوريا بسرعة. وزعمت مصادر إسرائيلية وأمريكية أن القوات الإيرانية تراجعت عن سوريا.

 

 

ويشير الكاتب إلى أن حسن نصر الله لوَّح مهددًا بشن «حرب كبرى» ضد إسرائيل، أثناء الخطاب الذي ألقاه في الذكرى السنوية العشرين لانسحاب إسرائيل من لبنان، ولكنه أعطى الأولوية أيضًا للجماعات المسلحة التي لا تزال تحارب في سوريا. ومن الممكن تفسير الموافقة الرسمية على المحادثات مع صندوق النقد الدولي على هذا النحو، إذ يفتقد حزب الله وإيران الإمكانات المالية اللازمة لتقديم بديل للتمويل الحكومي في لبنان. 

وفي الإعلان المتلفز نفسه تناول نصر الله المشاكل الداخلية داخل لبنان مثل مكافحة الفساد. ولكن من المهم أن نُجمل الأنشطة الداخلية لحزب الله في لبنان استنادًا إلى هياكل موازية تتنافس جزئيًا مع الدولة اللبنانية، والتي تتضمن التهريب أو المحسوبية المسببة للفساد.

ويوضح الكاتب أن هذه الشبكات تواجه تحديات بسبب أزمة كورونا والوضع الاقتصادي المتداعي. ولكن هل من المستغرب أن يعود حزب الله إلى أيديولوجيته التأسيسية المتمثلة في «المقاومة» من خلال تمثيل المقاومة خارج لبنان بدلًا عن محاولة حل المشاكل البنيوية داخل البلاد، والتي يُعد حزب الله نفسه أحد أركانها؟ تهدف هذه الميليشيا إلى الحفاظ على الوضع الراهن الذي يضمن شرعيتها. ولهذا السبب أصبحت الجماعة معادية للاحتجاجات.

خاتمة

يخلص الكاتب إلى أن العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والخارجية المتواجدة على الساحة اللبنانية تحاول تأكيد تأثيرها في السياسة اللبنانية. ومن بين هذه الدول الخصمان الإقليميان: إيران، والمملكة العربية السعودية. وعلى هذا فإن الصراع شبه المستمر على موازين القوى بين الجماعات الطائفية يشكل علامة بارزة في التاريخ اللبناني، ومن بينهم المجموعتان البارزتان: حزب الله المدعوم من إيران وتحالف الحريري الذي تدعمه المملكة العربية السعودية. 

وهذا ليس بالأمر الجديد. فحزب الله يمارس لعبة داخلية – خارجية مع لبنان. ويراهن الحزب الشيعي والجماعة الإرهابية على ميدانيين: داخل لبنان في الحكومة، وخارج لبنان في معارك ضد إسرائيل وغيرها في مواجهة خطر الحرب الذي يلوح في الأفق بسبب خطأ واحد.

 

 

وتُظهر استطلاعات عام 2019 كيف ينظر الشعب اللبنانى للوضع: فمن ناحية تعتبر الغالبية العظمى من اللبنانيين إسرائيل أكبر تهديد، ومن ناحية أخرى، فإن أهم ثلاثة تحديات في نظر اللبنانيين هي الاقتصاد والفساد والخدمات العامة، وليس التدخل الأجنبي. وتعكس أخبار عام 2020 نذر المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، وحالة اللايقين في سوريا، والوضع الاقتصادي المتردي في خضم جائحة كورونا، والاحتجاجات الضخمة العابرة للطوائف في شوارع لبنان.

ويختم الكاتب بقوله: تشكل هذه التطورات تحديًا لنفوذ حزب الله الداخلي والخارجي الذي يمارسه في الوقت الحالي عن طريق الردع وتوفير الخدمات والمحسوبية. وإذا ما فشلت هذه السبل فسيظل أحد الأصول الإستراتيجية الرئيسة قائمًا بالنسبة لحزب الله ضد منافسيه داخل لبنان وخارجه: «أنهم مسلحون».

اجمالي القراءات 579
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق