فقراء العراق ومحنة الكورونا... مَن يفتك بمَن أولاً: الفقر أم الوباء؟

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠١ - أبريل - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: رصيف 22


فقراء العراق ومحنة الكورونا... مَن يفتك بمَن أولاً: الفقر أم الوباء؟

الأربعاء 1 أبريل 202005:45 م
 

داخل كوخها الذي بنته من الصفيح، في مخيم عويريج، جنوب بغداد، تعيش أم خضير (65 عاماً)، منذ ثلاثة أسابيع، في ظروف عصيبة. يرهقها التفكير في كيفية الحصول على قوت عائلتها، ورعاية عشرة أطفال، لا معيل لهم سواها.

فقد منعها الحظر الصحي الذي فرضته الحكومة العراقية، في إطار إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، من مزاولة عملها اليومي المعتاد في جمع العبوات الفارغة من أرصفة الشوارع وبيعها لتوفير لقمة العيش.

 

حالياً، تبقى في خيمتها مجبرة، ما زاد من قساوة حياتها. تناشد الجميع توفير حلّ يعينها ويقي عائلتها من الجوع. تقول لرصيف22: "كنت أجمع العبوات والقناني الفارغة والبلاستك وأبيعها. لكن أنا وأطفالي اليوم جالسة دون معيل منذ ثلاثة أسابيع. من أين آتي بالطعام لعائلتي؟ والله هلكنا من الجوع. والله أنا أبكي كل يوم. عندي عشرة أحفاد في رقبتي ووالدهم رجل كهل ومريض لا يستطيع العمل. احترت في أمري. ليس لدي أموال لشراء الطعام والحليب للأطفال. لا أريد سوى طحين أطعم به أطفالي هذه الأيام".

تحمل أم خضير حفيدها المعاق (7 سنوات) طيلة اليوم، لعدم قدرته على المشي. هذا الحال ليس جديداً عليها، لكنه صار أصعب. في السابق، كانت تعاني من ويلات مختلفة فإنْ لم تخرج إلى العمل لن تأكل.

سجون المخيمات والنسيان

ليست أم خضير الوحيدة التي تعيش ظروفاً قاهرة. هناك أكثر من سبعين عائلة أخرى تقطن معها في مخيم عويريج الذي ترفض الحكومة الاعتراف به كمخيم للنازحين أو للمهجرين، بعد أن هدمت بيوتهم المتجاوزة على الأراضي الزراعية قبل أكثر من عام ونقلتهم إلى أرض المخيم الجرداء وتركتهم دون أية رعاية، ما اضطرهم إلى بناء أكواخ بسيطة من ألواح الصفيح لإيواء عائلاتهم.

هؤلاء يعيشون منعزلين عن العالم الخارجي، بعد أن أجبروا في الأسابيع الثلاثة الماضية على البقاء داخل المخيم، بانتظار أن تقدم لهم الحكومة مقومات الحياة أو تلتفت إلى مأساتهم الحديثة القديمة مع الفقر.

يقول أبو حيدر (53 عاماً)، وهو أحد سكان المخيم من معدومي الحال الذين لا يحلمون سوى بالحصول على خدمات بسيطة وسقف يقيه تغيّرات المناخ، لرصيف22: "ليس لدينا كهرباء ولم يصل إلينا أي شخص. كيف يتركوننا هكذا؟ أنظروا إلى حال أطفالنا وعائلاتنا وكيف بنينا بيوتنا وستعرفون كيف نعيش. وعدونا بإحضار كرفانات ولم نرَ منهم شيئاً حتى اليوم".

حتى في ظروف الوباء والحملات التي أطلقتها الحكومة والجهات الصحية لتعقيم المناطق المختلفة، لم يزر أحد مخيم عويريج ولم يتذكر وجوده أحد وهو ما دفع أبو محمد (41 عاماً)، أحد سكان المخيم، للحديث بسخط عن إهمال الحكومة للفقراء وعدم الاهتمام بهم في أحلك الظروف.

يقول أبو محمد  لرصيف22: "أبسط الخدمات لم يقدموها لنا. لم يقدموا لنا الكهرباء ولا الخدمات. تركونا بلا راتب رعاية ولا مساعدات وعندما جاءت الأوبئة والأمراض لم يأتِ أحد ليطّلع على واقعنا الصحي و المعيشي ولم يكلفوا أنفسهم حتى بتعفير (تعقيم) مخيمنا للوقاية من إصابتنا بالوباء".

اتساع خارطة الفقر وامتداد الوباء

معاناة عائلات مخيم عويريج هي نموذج لمعاناة الفقراء في العراق والذين بحسب وزارة التخطيط يشكلون 20% من نسبة السكان، وفقاً للمسح الذي أجرته الوزارة عام 2018 وأعلنته نهاية العام الماضي.

يشرح المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي خارطة توزع الفقر بين المحافظات العراقية، ويقول لرصيف22: "بحسب الإحصاء الذي أجريناه عام 2018، بلغت نسبة الفقر 20% في عموم العراق وتوزيعها وفق المناطق الجغرافية يرتفع في المحافظات الجنوبية أكثر منها في المحافظات الأخرى، إذ تصل الى حوالي 31.5% في عمومها".

"والله هلكنا من الجوع. والله أنا أبكي كل يوم. عندي عشرة أحفاد في رقبتي ووالدهم رجل كهل ومريض لا يستطيع العمل. احترت في أمري. ليس لدي أموال لشراء الطعام والحليب للأطفال. لا أريد سوى طحين"

ويضيف: "على مستوى المحافظات، نجد أن محافظة المثنى تحتل المركز الأول وتصل نسبة الفقر فيها إلى 52%، تليها محافظة الديوانية مع نسبة 49%، ثم محافظة ميسان مع 48% ومحافظة ذي قار مع 45%".

ويشير إلى أن "نسبة الفقر تنخفض في المحافظات الوسطى لتصل إلى 17%. وتبلغ في العاصمة بغداد 12.5% بينما تصل في إقليم كردستان إلى حوالي 12% وفي كركوك وديالى إلى حوالي 12% وفي المحافظات التي تعرضت لاحتلال داعش إلى 30%".

المحافظات الغنية الفقيرة

وفقاً لمسح وزارة التخطيط، ترتفع نسبة الفقر في المحافظات الجنوبية الغنية بالنفط والموارد الطبيعية إضافة إلى احتوائها على الأغلبية السكانية، ما يعني أن أغلبية نيابية وحكومية تمثلها.

هذا الواقع يعيدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، عندما تقاطعت نسب الفقر المرتفعة مع ارتفاع نسبة التمثيل السياسي، فدفعت أبناء تلك المحافظات للخروج احتجاجاً في محطات مختلفة، آخرها انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، المستمرة حتى اليوم في تلك المحافظات دون غيرها من المحافظات الغربية والشمالية.

هذه المحافظات اليوم تحتوي على نسب مرتفعة من الإصابات بفيروس كورونا. ورغم كل هذا، لم تعلن الحكومة العراقية أية خطة لإعانة فقرائها لمواجهة الوباء ولتحمّل الحجر.

 
 

في إجابته عن سؤال حول ذلك، يتحدث عبد الزهرة الهنداوي عن "وجود نية تحرك مستقبلية لدى الخلية التي شكلتها الحكومة لمواجهة انتشار الوباء".

يقول: "الخلية درست الموضوع واعتمدت على نسب الإحصاء الذي أجريناه في الوزارة، وفي حال استمرار أيام الحظر ستعمد الحكومة إلى إقرار مساعدات وخطوات عاجلة لإعانة العائلات الفقيرة".

تحركات مجتمعية

رغم فرض الحكومة حظراً صحياً على المحافظات كافة وتشديدها يوماً بعد الآخر، إلا أن مشاهد كسر الحظر من قبل أبناء المناطق الفقيرة مستمرة ويومية.

تنتشر مقاطع الفيديو التي تؤكد أن أبناء المناطق الشعبية والفقيرة يصرون على عدم الامتثال للحظر نتيجة لواقعهم المعيشي البائس وعدم قدرتهم على توفير قوت عائلاتهم.

يقول علي عبد العباس (38 عاماً)، أحد أبناء مدينة الصدر، والذي يرفض الامتثال للحظر لأن ذلك يحول دون تأمين الطعام لأطفاله الثلاثة، لرصيف22: "إذا بقيت في المنزل مَن سيوفر لأطفالي الغذاء؟ أنا أعمل في البناء وأحصل على مبلغ بسيط بالكاد يكفيني لتأمين احتياجات أسرتي اليومية، وإذا امتثلت للحجر وبقيت في المنزل مَن سيدفع إيجار منزلي الشهري البالغ 250 ألف دينار (حوالي 210 دولارات)؟ ومَن سيطعم أطفالي؟ لن أجلس في المنزل وأشاهد أطفالي يتضورون من الجوع".

حالة علي وآخرين من الفقراء دفعت كثيرين من الناشطين والفرق التطوعية إلى التحرك ومحاولة إعانة العائلات الفقيرة والمعدومة والتي تضررت من الحظر.

"أعمل في البناء وأحصل على مبلغ بسيط بالكاد يكفيني لتأمين احتياجات أسرتي اليومية، وإذا امتثلت للحجر مَن سيدفع إيجار منزلي؟ ومَن سيطعم أطفالي؟ لن أجلس في المنزل وأشاهد أطفالي يتضورون من الجوع"

ترى الناشطة شهد عبد الأمير (28 عاماً)، الناشطة في فريق شباب النور، أن ليس الوباء فقط ما سيتسبب بموت الناس فالفقر هو آفة أيضاً ستفتك بهم إذا لم تتحرك الحكومة وتجد البدائل، وهذا ما قادها للتحرك وجمع المساعدات وتوزيعها على الفقراء رغم كل المعوقات.

تقول لرصيف22: "منذ بداية الأزمة والوباء، استشعرنا حجم الخطر والمعاناة التي ستلحق بالفقراء لذا عمدت مع والدتي ومجموعة من الشباب إلى جمع المساعدات من ميسوري الحال، واستعنّا بصحافيين ومنتسبين أمنيين لنقل تلك المساعدات وجمعها بسبب صعوبة التحرك وعدم استثنائنا من الحركة خلال الحظر".

وتضيف: "قمنا بتوزيع المساعدات لكن مع ذلك ما نقوم به لا يكفي فأعداد الفقراء كبيرة لا سيما بعد الحروب والأزمات التي مرت بالبلد. لدينا الأرامل والأيتام وذوو الاحتياجات الخاصة والنازحون والمهجرون وشرائح كثيرة تحتاج يومياً للرعاية والمساعدات، وما نقدمه أنا وكل الفرق التطوعية لا يسدّ 1% من حاجة هذه العائلات في ظل الأزمة الحالية والحجر الإجباري في المنازل".

شهد كانت واحدة من أعضاء الفرق التطوعية التي زارت مخيم عويريج قبل أشهر، وقدمت لأبنائه المساعدات. تعرف حجم معاناتهم في الأيام العادية فكيف في أيام الوباء. تقول: "حال هؤلاء الفقراء والمعدومين في مخيم عويريج وباقي المخيمات والأحياء الشعبية من الفقراء لا يسر أحداً، ومعاناتهم قائمة منذ سنوات ولم تتحرك الحكومة لإيجاد حلول رغم مواردنا وميزانياتنا السنوية المرتفعة".

استراتيجيات على الورق

خلال السنوات السابقة، أطلقت الحكومات العراقية عدة استراتيجيات للتخفيف من الفقر، أولها كان عام 2010 وآخرها عام 2018 مع تشكيل حكومة عادل عبد المهدي التي استقالت في بداية هذا العام نتيجة للاحتجاجات.

كل تلك الاستراتيجيات لم تتعدَّ خططها الموضوعة على الورق. أغلبها كانت خماسية وعشرية وآخرها كانت معدة لسنتين. والمحصلة كانت دائماً ارتفاعاً في معدلات الفقر أو انخفاضها بنسب ضئيلة، لكنها لم تتمكن من التخفيف بشكل جدي عن كاهل المواطن العراقي الذي عانى من سوء التخطيط ومن غياب الخدمات ومقومات الحياة الكريمة.

يقول الصحافي محمد عاشور (31 عاماً) لرصيف22: "طوال سنوات نسمع بوضع الحكومة ووزارة التخطيط لاستراتيجيات عملاقة ستنتشل الفقراء من واقعهم خلال سنوات بسيطة لكن ها نحن الآن في عام 2020 ولا زالت أحوال العراقيين كما كانت قبل 16 عاماً. لم يتغير شيء. يبقى الفقراء يحلمون برغيف خبز وأمن غذائي معرّض للفقدان كل يوم".

انخفاض أسعار النفط وناقوس الخطر

مع انخفاض أسعار النفط العالمية، يمرّ العراق بمنعطف خطير ينبئ بمشاكل كبيرة في المستقبل القريب. فبحسب تصريحات نيابية، سيصل مقدار العجز في ميزانية العام الحالي إلى ما يقارب الخمسين مليار دولار وهو الأكبر في تاريخ الموازنات العراقية، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إلحاق ضرر أكبر بشريحة الفقراء التي تعاني أصلاً.

هذا الخطر بحسب الصحافي الاقتصادي رافد صادق (30 عاماً) سيؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالطبقات الفقيرة واتساع نسبتها.

يقول لرصيف22: "بقاء أسعار النفط على حالها وانخفاضها مستقبلاً سيؤدي إلى الإضرار بالدورة الاقتصادية القائمة في العراق والتي تعتمد بشكل أساسي على بيع النفط وتحويل وارداته إلى رواتب وهذه الرواتب تصرف عبر الاستهلاك اليومي وبالتالي تشغّل شرائح كبيرة من الكسبة".

ويضيف: "في حال استمرار الانخفاض في أسعار النفط، ستكون الحكومة عاجزة عن تأمين الرواتب التي تمثل 80% من موازنة الدولة المالية، وعليه فإن رقعة الفقر ستتسع وستسحق الشرائح المعدومة الدخل".

مشكلة كبيرة ورقعة صغيرة

حتى هذا اليوم، لم تقدّم الحكومة العراقية أية مقترحات أو خطط لتوفير حلول وبدائل تعين الفقراء الخاضعين للحجر.

كل "الموازنات الانفجارية"، كما وُصفت خلال الأعوام الماضية، والتي لم يعرف منها العراقيون سوى ما سمعوه من جدالات الفرقاء السياسيين حولها، لم تحل دون جوع عراقيين كثر باتوا لا يحلمون سوى بتوفير الطعام لعائلاتهم.

أكثر من 6.9 مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر ويرفضون الامتثال للحظر لأنه فوق طاقتهم على الاحتمال. هؤلاء معرّضون اليوم إلى اجتياح فيروس كورونا لمناطقهم الشعبية، ما قد يحوّلها إلى بؤرة قاتلة.

اجمالي القراءات 554
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق