الفن في خدمة العسكر.. السيسي يتغلب على سابقيه

اضيف الخبر في يوم السبت ١٩ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


الفن في خدمة العسكر.. السيسي يتغلب على سابقيه

مصر التي في خاطري وفي فمي

 أحبها من كل روحي ودمي

نحبها من روحنا، ونفتديها بالعزيز الأكرم

احبها للموقف الجليل، من شعبها وجيشها النبيل"

بهذه الكلمات تم بناء جسر الصلح بين الراحلة أم كلثوم، وبين ضباط انقلاب يوليو/تموز 1952 ، بعدما أصدروا قرارا بمنع إذاعة أغانيها في الإذاعة باعتبارها رمزا من رموز العهد الملكي، لتعود بعدها الراحلة إلى مكانتها السابقة بل ولتصبح بوقا من أبواق ترسيخ الحكم الناصري، ولتخرج بعد هزيمة 1967 بقصيدتها الأشهر (رسالة إلى الزعيم ) التي رممت فيها صورة "عبدالناصر" بعدما حطمتها الهزيمة، ولتطالبه بكلمات الأغنية التي مطلعها (ابق فأنت الأمل) بالتراجع عن التنحي.

والجدير بالذكر أن حقبة الخمسينات من القرن الماضي وتحديدا في مصر شهدت تطورا ضخما في علاقة القصر بالمبدع، فمعظم الأنظمة العربية التي استبدلت بالاحتلال في المنطقة استخدمت الفن لتعزيز سيطرتها على الشعوب، وللترويج لنظمهم الحاكمة.

"مصر ناصر".. ترويج للاشتراكية

ففي مصر "عبدالناصر" كان الترويج للاشتراكية والتبشير بها بل وجعلها جزءا من النظام الإسلامي، فأنتجت العديد من الأفلام التي قامت على فكرة محاربة الرأسمالية، والتحقير من كبار الملاك ووصفهم بالجشعين الأشرار فكانت أفلاما مثل (الأرض الطيبة) بطولة "مريم فخرالدين" و"صلاح ذو الفقار" والذي مهد لقوانين نزع الملكية وتوزيع الأرضي الزراعية، وانطلقت الأغاني والمونولوجات، فغنت "أم كلثوم" المقطع الأشهر في قصيدة "ولد الهدى" (الاشتراكيون أنت أمامهم)، وغني "عبدالحليم (على رأس بستان الاشتراكية/واقفين بنهندس ع المية)، فضلا عن أغاني القومية العربية والوحدة مع سوريا، والأغاني التي كانت تبشر بالثورة الصناعية المصرية، فكان أوبريت (مكن مكن) تأليف "صلاح جاهين" وغناء وألحان "سيد مكاوي"، وأغنية (دور يا موتور لليلي مراد).

لقد أسست فترة ما بعد انقلاب يوليو/تموز 1952 التحول الأكبر في علاقة الفن بالسياسة، وتراوح تأثيرها بين تشويه الحقبة الملكية وإبراز سلبياتها وفساد القصر الملكي إلى تأليه الزعيم الملهم الذي لا ينطق عن الهوى، حتى وصلت إلى تحويل الهزيمة التي منيت بها الأمة العربية إلى نصر جزئي مصورة للجماهير أن ما حدث لم يكن إلا نكسة عابرة وأن بقاء الزعيم هو في حد ذاته نصر للإرادة الشعبية.

"السادات".. بروباغندا دولة الفن والإيمان  

بوفاة "عبدالناصر" وصعود "السادات" للحكم، وتخلصه من خصومه في مايو/أيار 1971 بدأت مرحلة مجتمعية جديدة، وتطلب الأمر مرحلة فنية تواكبها، فـ"السادات" الذي أحرق أشرطة التنصت على المواطنين أمام كاميرات التلفزيون وهدم جزءا من سور معتقل القلعة مبشرا بالحرية، والذي يبدأ خطبته باسم الله، لا بد له من آلة تعبر عن هذه التوجهات.

وكسلفه أطلق "السادات" لأهل الفن حرية انتقاد النظام السابق وهدم أركانه، فكانت أفلام "ميرامار" و"الكرنك"، و"زائر الفجر" و"القطط والسمان" و"وراء الشمس" وغيرها من أفلام تلك المرحلة التي تدين القمع وتكميم الأفواه في الحقبة الناصرية، ولم يسلم فن الإنشاد من تدخل "السادات" الذي أطلق شعار دولة العلم والإيمان، فقد سبق الشعار بأمر "بليغ حمدي" والشيخ "النقشبندي" بالتعاون فكانت سلسة الابتهالات التي بدأت بلحن "مولاي إني ببابك"، ثم سلسلة ابتهالات "عبدالحليم (أنا من تراب -ع التوتة والساقية... إلخ).

ولشرعنة اتفاقية كامب ديفيد، انطلقت عشرات الأغاني لتجديد ما سمي بعملية السلام، فغني "سيد مكاوي" (تعيش يا سادات)، وغنت "فايزة كامل" (أفراح السلام) وبين عامي 77 و82 أنتجت عشرات الأغنيات التي تتغني بالسلام وعودة سيناء إلى أحضان الوطن، وتماشيا مع الموجة تم تغيير السلام الوطني المصري من "خللي السلاح صاحي" إلى (بلادي بلادي).

"مبارك" يركب الموجة

يبدو أن لسان حال أهل الحكم في مصر تعبر عنه جيدا الآية الكريمة (كلما دخلت أمة لعنت أختها) ،فما إن حل "مبارك" رئيسا على القصر حتى بدأت مرحلة نقد وتجريح ولعن النظام السابق فكانت أفلام "أهل القمة" و"زمن حاتم زهران" و"الغول" و"كتيبة الإعدام" و"الهروب" و"إلحقونا" الذي فضح فساد المستشفيات الاستثمارية التي أصبحت تسرق وتتاجر بالأعضاء البشرية، ثم دخلت السينما بعد ذلك في معترك معركة النظام مع الجماعات الإسلامية، فجاءت أفلام مثل "الإرهابي" و"طيور الظلام" و"عمارة يعقوبيان" و"حسن ومرقص"، وهى الأفلام التي رسمت الصورة الذهنية البغيضة للمتدين المسلم في مصر وساهمت في خلق حالة من الاستقطاب المجتمعي بين المسلمين والأقباط.

وللتمهيد لاختيار "مبارك" لفترة رئاسة رابعة جاء أوبريت "اخترناه" الذي كتب كلماته "سيد حجاب"، ولحنه "عمار الشريعي"، وغناه "لطيفة وحس الأسمر ومحمد العزبي وصفاء أبو السعود، ومحمد ثروت".

"السيسي" على الطريق

مثل انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 عودة شرسة للحاكم العسكري للبلاد، ومن قبل الانقلاب فقد بدا واضحا وأثناء حكم "محمد مرسي" أن "السيسي" يداعب أهل الفن بتصريحاته ولقاءاته معهم، وبدا واضحا أنه يتجهز من خلال لقاءاته بالفنانين بخلق حاضنة شعبية لمشروعة الانقلابي، حيث استدعاهم في ظهر أبريل/نيسان من العام 2013 وأثناء توليه مسؤولية وزارة الدفاع، في حفل بمناسبة تحرير سيناء، ومرة أخرى استدعاهم في مايو/أيار 2013 لحضور تفتيش حرب واستعان وقتها بوجهين لديهما قبول وشعبية لدى الجماهير هما "عادل إمام" و"حسين فهمي".

وفي مارس/آذار من عام 2014 أوعز "السيسي" للرئيس المؤقت "عدلي منصور" أن يعيد إلى الحياة الفنية المصرية عيد الفن، وكان "السادات" هو أول من احتفل به بينما ألغاه "مبارك"، ليتم الاحتفال به مرة أخرى في مارس/آذار 2014، وتبدأ بعدها موجه هجوم على فترة حكم "مرسي" وعلى جماعة "الإخوان المسلمون" ونشاهد سخرية السينما من الدكتور "مرسي" بفيلم "المشخصاتي"، وينتج الجزء الثاني من مسلسل "الجماعة"، ويحشر اسم الجماعة في العديد من الأفلام والمسلسلات لتوصف بالإرهابية، وعلى الصعيد الآخر نرى مزيدا من تحسين صورة اليهود في عدد من الأعمال الفنية.

مؤخرا، وخلال العامين الماضيين بدأت مرحلة أحكام القبضة على الإنتاج الدرامي في مصر، وسادت السوق حالة من الاحتكار لصالح شركتين من شركات الإنتاج وهما "سينرجي" و"إعلام المصريين"، وازداد نفوذ الرقابة على المصنفات حتى تستطيع الدولة أن تتحكم في التوجيه لأفكارها.

في سبتمبر/أيلول 2017 كانت ذروة التعاون بين أهل الفن و"السيسي"، حيث أطلقوا حملة (علشان نبنيها) على مواقع التواصل الاجتماعي بدعم من المخابرات الحربية والأجهزة الأمنية والتي سرعان ما تحولت إلى حملة شعبية لجمع توقيعات تطالب "السيسي" بالترشح مدة ثانية، وشارك فيها عدد ضخم من الفنانين أمثال "هاني سلامة وغادة عبدالرازق وشعبان عبدالرحيم، وغيرهم".

وفي نفس التوقيت انطلقت حملتي (أنت الأمل) و(كلنا معاك) بمشاركة من فنانين آخرين لدعم فكرة الترشح لمدة ثانية، وأدت الحملات الثلاث الغرض منها وبالفعل حصل "السيسي" على المدة الثانية التي لم تنته بعد وإن تعسر فيها بسبب أدائه الضعيف وحجم الفساد المتزايد تحت إدارته.

"محمد على" موجة جديدة

الملاحظ أنه منذ انقلاب يوليو/تموز 1952 وحتى الآن كان الفن مطية القصر لشرعنة الحكم وشرعنة القرارات السياسية وتوجيه الجماهير، رغم تواجد فنانين كثر كانوا يخرجون عن الخط فيتم طردهم من رحمة الحكام والأمثلة كثيرة "عبدالغني قمر" الذي منعت أفلامه من العرض أيام "السادات" وعندما توفي رفض أخوه الكاتب "بهجت قمر" استلام جثته ودفنة ووصفه بالخائن، أيضا الشيخ "إمام عيسى" و"أحمد فؤاد نجم" اللذان طوردا في عصر "ناصر" وعصر "السادات"، وبينما دخل "نجم" جنة "مبارك" بشروط تحفظ له ماء وجهه  في أواخر الثمانينات، ظل "إمام" وحتى موته ثائرا على القصر.

الآن نحن أمام ظاهرة جديدة وهي ظاهرة فنان تمرد على قصر الرئاسة إلا أنه لم يخرج ليصنع أفلاما مقاومة ولكنه اتجه لوسائل التواصل الاجتماعي ليفضح هذا النظام بالأدلة والوثائق في شكل من أشكال تلفزيون الواقع حيث الحبكة الدرامية تنتج مباشرة أمام الجماهير والتحدي يتم من البطل الدرامي للسلطة الحاكمة.

بعض الآراء تري أن "علي" وإن كان ظاهرة جديدة إلا إنها ظاهر داخل إطار الصراع تم استخدامها بشكل معكوس فبدلا من استخدام الحاكم للفنان لتوطيد وشرعنة الحكم، فإن مجموعة متصارعة تحاول ومن خلال استقطاب أهل الفن من الغاضبين والناقمين على أوضاع مصر المتردية أن تعكس المسار، فالممثل الذي لم يحرز شهرة كبيرة، الآن هو وجه لثورة تشتعل بأيدي تحاول تصحيح المسار.

اجمالي القراءات 1165
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق