حرائق تحت أزيز الرصاص.. القصة الكاملة للاحتجاجات في جنوب العراق

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٨ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الجزيرة


حرائق تحت أزيز الرصاص.. القصة الكاملة للاحتجاجات في جنوب العراق

قبل يومين فقط من انطلاق الاحتجاجات في العراق، كان الهدوء يخيّم على مدينة الناصرية جنوب البلاد وشوارعها، وسط انتشار أمني غير مسبوق وحركة غير اعتيادية من قبل المواطنين في الأماكن المهمة داخل المحافظة، لتتحول تلك المناطق بعد ذلك إلى أماكن ساخنة، ينتشر فيها المتظاهرون والقطعات العسكرية على حد سواء.

وبدأت الاحتجاجات في محافظة ذي قار -كبغداد وباقي مدن جنوب البلاد الأخرى- في الساعة الرابعة من مساء الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث انطلق المتظاهرون وسط ساحة الحبوبي وهم ينددون بالفساد والحكومة المحلية، ويطالبون بإسقاط النظام والحكومة.


معارك المتظاهرين مع القوات الأمنية تحولت إلى كر وفر (الجزيرة)
معارك المتظاهرين مع القوات الأمنية تحولت إلى كر وفر (الجزيرة)

شرارة المواجهة
بعد ساعة واحدة من الاحتجاجات الغاضبة في المحافظة الجنوبية، بدأت الشرطة إطلاق النار إلى الأعلى فوق المتظاهرين، ليردوا عليهم بالحجارة والعبوات الزجاجية، ثم تطورت لاحقا، حيث تدخلت قوات مكافحة الشغب واستخدمت رشاشات الماء الساخن والغاز المسيل للدموع لتفريق المظاهرة، كما يؤكد الناشط والمتظاهر صادق سهل للجزيرة نت.

وعلى إثر ذلك، يقول المتظاهر حسن كاظم إنه بعد استخدام الشرطة للرصاص الحي، تفرق المتظاهرون في الأزقة والشوارع، ليتحول الأمر فيما بعد إلى كر وفر، ثم مواجهة ساخنة بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، قبل أن تدخل قوات الرد السريع على خط المواجهة.

ويضيف كاظم أن المواجهة بدأت في تمام الساعة الخامسة عصرا وانتهت في تمام الساعة التاسعة مساءً، وخلفت قتيلا واحدا وإصابة عدد كبير من المتظاهرين، لترتفع حدة الغضب والتنديد فيما بعد على مواقع التواصل الاجتماعي والتهديد بخروج غاضب على الشرطة من قبل المتظاهرين؛ وسط إصابات بين العناصر الأمنية التي جاءتها تعزيزات مسائية من قبل قيادة عمليات الجيش في المنطقة.

ولم تهدأ التظاهرات، حيث شهدت بعض المناطق من المحافظة خروج شباب أحرقوا الإطارات في الشوارع، تعبيرا عن غضبهم لاستخدام العنف المفرط في تظاهرة اليوم الأول، فيما انتشرت القوات العسكرية على المباني الحكومية الحساسة، تحسبا لأي طارئ قد يحصل.

لا قيادة في التظاهرات
وعلى الرغم من التحشيد الواسع لمظاهرات مدينة الناصرية في يومها الأول والثاني، فإن مصادر أمنية أكدت عدم وجود قيادة واضحة لتلك المظاهرات أو ظهور زعامة تتبنى مطالب ما، حيث كان الهدف منها -في أغلب أوقات ذروة التظاهر- هو حرق المباني الحكومية وإثارة الفوضى، بحسب ما أكده مصدر أمني رفيع للجزيرة نت.

ويضيف المصدر الذي فضل عدم ذكر أسمه، أن ما حصل كان استهدافا لمؤسسات الدولة، فمع بدء انطلاق المظاهرات توجه المحتجون إلى مبنى ديوان المحافظة لحرقه، ولكن التعزيزات الأمنية حالت دون الوصول إليه، وحتى في اليوم الثاني ورغم ازدياد الأعداد، كان الجميع يسعى لحرق مبنى المحافظة.


المتظاهرون نددوا بالفساد وطالبوا بإسقاط الحكومة (الجزيرة)
المتظاهرون نددوا بالفساد وطالبوا بإسقاط الحكومة (الجزيرة)

خسائر مادية
وقد شهد اليوم الأول من مظاهرات مدينة الناصرية حرق مقر دائرة الإقامة، بعدما حرق المتظاهرون الإطارات في الشارع القريب منها، لتلتهم النيران فيما بعد غرفة الإدارة في الدائرة والتي تحتوي على سجلات مهمة وحساسة، فيما عجزت فرق الدفاع المدني عن إطفائها.

وجاء اليوم الثاني من المظاهرات ساخنا على نحو غير متوقع، بعدما احتشد الآلاف من المتظاهرين وسط ساحة الحبوبي مجددا، منددين بالعنف الذي استخدم في اليوم الأول، وسط مشاركة عشائرية لشيوخ قبائل كبار في المحافظة. بعدها انطلقت المظاهرة باتجاه مبنى المحافظة مرة أخرى وبأعداد كبيرة، وسط إجراءات أمنية مشددة.

ورغم الوجود الأمني المكثف، تمكن المتظاهرون من حرق أجزاء من مبنى ديوان المحافظة وجزء من مبنى نقابة المهندسين، لتشتعل شرارة النيران إلى أبعد من ذلك وتحرق مقر منظمة بدر ومقر عصائب أهل الحق المنضويتان في الحشد الشعبي، فيما استخدمت قوات مكافحة الشغب وقوات الرد السريع السلاح الحي والغاز المدمع بشكل مكثف، فيما سقط العشرات من المتظاهرين بين قتيل وجريح.

وفي جنوب المحافظة، وبالتحديد عند قضاء سوق الشيوخ، أفاد مصدر أمني وصحفيون بأن المتظاهرين أحرقوا مبنى المجلس المحلي، ومبنى القائمقامية ودائرة البلدية، فيما توجهوا إلى مبنى مقر منظمة بدر وتيار الحكمة وسط القضاء، استعدادا لحرقهما.

ويؤكد مصدر أمني أن اشتعال غضب الجماهير تجاه مقر منظمة بدر، جاء بسبب قيام حمايات الحزب بإطلاق النار على المتظاهرين لحظة الاقتراب من المقر، مما سبب حالة من الغضب.

ولم تختلف الأحداث في مدن الناصرية الأخرى، فقد شهد قضاء الشطرة (شمالي المحافظة) إضرام النار في الطريق العام وقطعه أمام حركة السير، ليتحرك المتظاهرون تجاه مقر منظمة بدر ومقر عصائب أهل الحق في القضاء محاولين إضرام النار فيهما.


هدوء نسبي يسود حاليا ذي قار بالتزامن مع اعتقالات في صفوف النشطاء (الجزيرة)
هدوء نسبي يسود حاليا ذي قار بالتزامن مع اعتقالات في صفوف النشطاء (الجزيرة)

ضحايا وإحصاءات
وبحسب إحصاء رسمي من دائرة الصحة، فإن اليوم الأول للمظاهرات، كانت حصيلته النهائية وفاة متظاهر واحد، وإصابة 53 عنصرا من الأجهزة الأمنية و10 آخرين من المتظاهرين.

ويوم الأربعاء -الثاني من المظاهرات- لم تتحدث الصحة عن أية إحصاءات بسبب استمرار الاحتجاجات في أكثر من مدينة داخل المحافظة، في حين أكد مصدر أمني للجزيرة نت أن أحد المتظاهرين قد شهر مسدسه وأطلق النار على عنصر من مكافحة الشغب، لتطلق الأجهزة الأمنية العنان لأفرادها في إطلاق الرصاص الحي.

ومنذ المساء، تصاعدت أعداد القتلى بحسب مصدر أمني ميداني إلى سبعة متظاهرين ممن تدافعوا قرب مبنى ديوان المحافظة، لتتحول المواجهات بين الأجهزة الأمنية وعدد من الشباب إلى الأزقة الضيقة، فيما تدخلت قوات من الفرقة الذهبية ووحدات من قيادة عمليات الرافدين التابعة لوزارة الدفاع لتأمين المباني الحكومية.

وتصاعدت وتيرة الأحداث في مدينة الشطرة شمالي المحافظة، مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة أكثر من عشرة أشخاص، بعد أن أحرق المتظاهرون مبنى فيه مركزان تابعان لمفوضية الانتخابات وقسم استخبارات المدينة، حيث تم إحراق عجلة وتخريب الأبواب الرئيسية للمبنى الذي يضم ثلاث دوائر.

وعند شمال المحافظة أيضا في قضاء الرفاعي، أفاد صحفيون محليون بأن متظاهرين حاولوا صباح اليوم الخميس -وهو اليوم الثالث للاحتجاج- اقتحام مبنى القائممقامية لحرقه، لكن الأجهزة الأمنية وقفت وصدت المحتشدين وأصيب خلال المواجهة 64 متظاهرا، بينهم اثنان في حال خطيرة، بحسب تأكيد الصحفي والناشط المحلي علي شاكر للجزيرة نت.

وخلال مساء اليوم الثالث فقط، ارتفع أعداد القتلى ليصل إلى ثمانية متظاهرين في عموم المحافظة، فضلا عن إصابة أكثر من 80 آخرين، فيما شهد يوم الجمعة -وهو اليوم الرابع في المظاهرات- سقوط قتيلين وإصابة 33 متظاهرا بينهم اثنان من عناصر الأمن، لتؤكد الصحة حقيقة أعداد ضحايا الأيام الأربعة بشكل نهائي، فتصل إلى 20 قتيلا وما يقارب 300 جريح.

وحتى هذه اللحظة، تشهد المحافظة هدوء نسبيا ترافقه اعتقالات بحق صحفيين وناشطين في الاحتجاجات، فيما يسود الحذر والترقب أجواء المدينة.

اجمالي القراءات 627
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق