هل سمعت من قبل عن «نوليوود»؟ ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها هذا المصطلح الذي يعبر عن صناعة الأفلام في نيجيريا، تلك الصناعة النيجرية التي تعد ضمن أضخم الصناعات في العالم وتنافس بها نظيرتها الأمريكية (هوليوود) والهندية (بوليوود)، هذا ضمن ما يميز نيجيريا، هذا البلد الأفريقي الضخم الذي يحمل من التنوع الثقافي والعرقي الكثير، علاوة على معلومات أخرى قد لا تعرفها ونتطرق إليها في التقرير التالي.

1- نيجيريا.. قصة علم واحتلال بريطاني وانقلابات عسكرية

على ضفاف نهر النيجر، بدأ الناس يسكنون نيجيريا سنة 9000 قبل الميلاد، لم تكن حينها نيجيريا معروفة بذلك الاسم الذي اكتسبته بفضل نهر النيجر الذي جذب الناس للإقامة به قبل آلاف السنين. بدأت البلاد في الازدهار في القرنين التاسع والحادي عشر، وبالوصول للقرن السادس عشر لفتت أنظار أوروبا ووصل إليها المستكشفون الأوروبيون من البرتغال وأسبانيا وأقاموا علاقات تجارية هناك.

على عكس الكثير من جيرانها الذين تعرضوا لاحتلال فرنسي، فقد ابتليت نيجيريا باحتلال بريطاني، زاد نفوذه وتحكمه في البلاد خلال القرن التاسع عشر، ومع الوصول لعام 1960، تمكنت الدولة الأفريقية من نيل استقلالها من الاحتلال البريطاني، ورفعت علمها الذي يحمل اللونين: الأخضر على جانبيه، والذي يشير إلى ثروتها الطبيعية، ويتوسطه الأبيض: الذي يشير إلى السلام.

ذلك  السلام الذي لم تعشه نيجيريا في السنوات التالية لاستقلالها، فمع الاستقلال اشتد التوتر العرقي والديني بين الشمال والجنوب (الأقوى اقتصاديًا وتعليميًا)، وهو توتر أعقبه العديد من الانقلابات العسكرية العنيفة، أدت إلى الحرب الأهلية النيجيرية التي بدأت في عام 1967.

في عام 1970 انتهت الحرب الأهلية بعدما خلّفت آلاف الضحايا والموتى جوعًا، ولكن لم تنته الخلافات، واستمر الحكم العسكري للبلاد نحو 16 عامًا. جرى اعتماد دستور جديد للبلاد في عام 1999 بانتخاب أولوسيجون أوباسانجواس رئيسًا جديدًا وجرى  الانتقال السلمي إلى الحكومة المدنية، بعد أعوام طويلة من الحكم العسكري، وتعيش نيجيريا الآن استقرارًا نسبيًا عن تلك الحقب القاسية من تاريخ نيجيريا.

2- سابع أكبر تعداد سكاني في العالم ولكن!

أحد أبرز ما يميز نيجيريا أفريقيًا وعالميًا الموارد البشرية فيها، فعند الحديث عن التعداد السكاني، تعد نيجيريا أكبر دولة أفريقية، وسابع دولة على مستوى العالم؛ إذ يبلغ تعدادها السكاني نحو 200 مليون نسمة. ومقارنة بالعالم العربي، فإن مصر أكبر دولة عربية بتعدادها الذي يبلغ نحو 100 مليون نسمة، نصف تعداد سكان نيجيريا، ذلك التعداد الكبير للدولة الأفريقية الذي يوازي نحو نصف تعداد السكان في العالم العربي ككل والذي يبلغ نحو 420 مليون نسمة.

المميز أيضًا في نيجيريا أنها برغم هذه التعداد السكاني الكبير، إلا أنه يمكن وصفها بأنها «أمة شابة» في أعمار أفرادها؛ إذ لا تزيد أعمار 40% من النيجيريين عن 14 عامًا، وهي أرقام تُظهر أن نيجيريا لا تملك فقط حاضرًا قويًا في التعداد السكاني، وإنما لديها مؤشرات لتعداد سكاني أكبر في المستقبل؛ إذ يبلغ  معدل الخصوبة في نيجيريا 4.5 طفلًا لكل امرأة في المتوسط، بحسب أحدث أرقام «البنك الدولي»، تلك الأرقام التي أوضحت أيضًا أن نيجيريا تملك أكبر ناتج إجمالي محلي في قارة أفريقيا، بلغ في عام 2018، 397 مليار دولار، لتتفوق بذلك نيجيريا على دول أفريقية كُبرى مثل جنوب أفريقيا ومصر.

3- مسلمو نيجيريا أكبر من مصر.. ومسيحيوها أكبر من الصين

هذا الكم الضخم من التعداد السكاني في نيجيريا، يمكن القول إنه ينقسم بين المسلمين والمسيحيين، فبحسب أرقام مركز «بيو» للأبحاث، فإن 50% من النيجيريين مسلمين، فيما تبلغ نسبة المسيحيين في نيجيريا 48.1%، والبقية من ديانات محلية أُخرى. ويفوق تعداد مسلمي نيجيريا، تعداد مسلمي مصر؛ أكبر دولة عربية في تعداد السكان عمومًا، وتعداد المسلمين خصوصًا.

فبحسب موقع «وورلد أطلس»الذي أصدر قائمة بأكثر دول العالم يسكنها مسلمون؛ حلّت نيجيريا خامسًا بنحو 95 مليون مسلم، بعد أربع دول آسيوية، وهم بالترتيب: إندونيسيا، وباكستان، والهند، وبنجلاديش، لتتفوق بذلك نيجيريا في تعداد سكانها المسلمين عن مصر التي حلّت سادسًا؛ حيث يسكنها  نحو 87 مليون مسلم.

الكتلة السكانية النيجيرية المسيحية لها ثقلها هي الأخرى في المجتمع المسيحي؛ إذ تأتي نيجيريا سادسًا بين أكثر الدول الذي يسكنها مسيحيون في العالم، لتتفوق على دول ضخمة مثل الصين التي حلّت ثامنًا، وألمانيا التي حلّت عاشرًا، وبذلك تكون نيجيريا هي الدولة الوحيدة في العالم التي جاءت في قائمتي أكثر 10 بلدان للمسلمين وأكثر 10 بلدان للمسيحيين في العالم، لتكون أكبر دولة في العالم جمعت بين المسلمين والمسيحيين.

المستقبل أيضًا ينحاز لنيجيريا فيما يخص تعدادها السكاني للديانتين الأكثر انتشارًا في العالم؛ فبحسب تنبؤات 2060 للتعداد السكاني في العالم، تقفز نيجيريا إلى المركز الثالث في تعداد الديانتين، لتصبح ثالث أكبر أمة مسلمة في العالم بعد الهند وباكستان بأكثر من 283 مليون مسلم، وثالث أكبر أمة مسيحية بعد أمريكا والبرازيل بأكثر من 174 مليون مسيحي.

4- 71% من مسلمي نيجيريا يريدون «تطبيق الشريعة»

أكثرية سكان نيجيريا من المسلمين كما ذكرنا سابقًا، ولهم توجهات سياسية ودينية مقاربة لتلك المنتشرة في الدول العربية. فأغلبية مسلمي نيجيريا يتبعون المذهب السُنّي مع أقليلة قليلة تتبع المذهب الشيعي، وحول علاقة مسلمي نيجيريا بالشريعة الإسلامية وتوجهاتهم الدينية والسياسية نحوها؛ فقد أظهر هؤلاء المسلمون الأفارقة، نسبًا مشابهة للدول العربية.

فقد أجرى مركز «بيو» للأبحاث، دراسة على المسلمين في 39 دولة في العالم؛ لقياس مدى رغبتهم في أن تكون الشريعة الإسلامية هي القانون الرسمي لبلادهم، من خلال عينة ممُثلة قوامها حوالي ألف مبحوث في المتوسط لكل بلد.

نسبة المؤيدين للشريعة في استطلاع «بيو»

وأظهرت الدراسة أن 71% من مسلمي نيجيريا يريدون أن تكون الشريعة الإسلامية قانونًا رسميًا للبلاد، وهي النسبة نفسها لمتوسط الدول العربية التي شملها البحث؛ إذ شملت الدراسة ثمان دول عربية، وصلت النسبة أقصاها في العراق بـ91%، وأدناها في لبنان بـ29%، بمتوسط 71% لكافة الدول العربية، وهو ما يساوي نسبة مسلمي نيجيريا الذين يريدون الشريعة الإسلامية قانونًا رسميًا لبلادهم.

5- أكثر من 500 عِرق وأكثر من 500 لغة

 تعتبر نيجيريا من أكبر بلاد العالم في التنوع العرقي والثقافي؛ إذ يعيش في نيجيريا أكثر من 500 جماعة عرقية. أكبر الجماعات العرقية هي «الهوسا»، وتُشكل 25% من سكان نيجيريا، ويعتبر الإسلام هو دينهم الرئيسي. واقتصاديًا تشتهر الهوسا بالأنشطة الزراعية وتربية المواشي والأنشطة التجارية أيضًا، وهي من أهم اللاعبين في السياسة النيجيرية منذ استقلت نيجيريا عن بريطانيا في عام 1960. فيما يُشكل «الياروبا» 21% من سكان نيجيريا مما يجعلهم ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد، ويتنوع سكان الجماعة بين المسلمين والمسيحيين، ويحملون عادات وتقاليد ثقافية خاصة في الموسيقى والعمارة والفن.

الجماعات العرقية في نيجيريا (المصدر: worldatlas)

أمّا «الإيبو» فيشكلون 18% من سكان نيجيريا ليكونوا ثالث أكبر جماعة عرقية في البلاد، ومعظمهم يدينون بالمسيحية، ويُعدون حلقة رئيسية في تجارة النفط في المناطق الجنوبية الشرقية للبلاد، ويعارض «الإيبو» تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. وقد حملوا توجهات استقلالية عن نيجيريا، ففي عام 1967، حاربوا الحكومة النيجيرية لتحقيق الاستقلال في حرب طويلة استمرت لنحو عامين ونصف تعرّض خلالها الإيبو إلى تجويع وظروف قاسية.

عقب تلك الحرب أعيد دمج «الإيبو» إلى المجتمع، لكن بعضه ما يزال يشعر بالتهميش. تشكل المجموعات الثلاث العرقية سالفة الذكر الأغلبية العظمى من سكان نيجيريا بنسبة تصل إلى 64%، أما بقية سُكان نيجيريا الذين تبلغ نسبتهم نحو 36%، فيتوزعون على أكثر من 500 جماعة عرقية!

التنوع الثقافي في نيجيريا لم يقف عند هذا الحد؛ فالبلد الأفريقية ثرية بتنوع اللغات بشكل جعلها من أكثر ثلاثة بلاد في العالم بها لغات مختلفة. اللغة الرسمية في نيجيريا هي الإنجليزية، ولكن البلد تحوي أكثر من 500 لغة مختلفة تعبر معظمها عن كل مجموعة عرقية في البلاد.

تملك نيجيريا 527 لُغة، لتكون ثالث دولة في العالم من حيث تعدد اللغات، بعد بابوا غينيا الجديدة (840 لغة)، وإندونيسيا (709 لغة).

6- «نوليوود» أضخم من «هوليوود».. تنوع نيجيريا يُثري إنتاجها السينمائي

التنوع الثقافي والعرقي السابق ذكره، كان عاملًا مُساعدًا لازدهار السينما النيجيرية، فحينما يُحاول كل فصيل التعبير عن نفسه في أعمال سينمائية، تجد غزارة في الانتاج السينمائي بشكل قد لا تتوقعه!

«نوليوود» القصة بدأت في عام 1992، عندما أنتج  كينيث ننيبو بائع الإلتكرونيات فيلمًا استمر لشهر بتكلفة بلغت 12 ألف دولار، استطاع بعدها بيع أكثر من مليون نُسخة ليشهد ميلاد صناعة الأفلام النيجيرية «نوليوود»، أقل من عقدين فقط من صناعة الأفلام النيجيرية كانت كفيلة بأن تتفوق كمًا على نظيرتها الأمريكية «هوليوود».

لتحتل منذ 2009 المركز الثاني بعد الهندية «بوليوود»، أكثر دولة إنتاجًا للأفلام في العالم. وفي عام 2014، أصدرت الحكومة النيجيرية بيانات لأول مرة تظهر الحجم الضخم لصناعة الأفلام في نيجيريا، وأفادت بأن حجم قطاع «نوليوود» بلغ  3.3 مليار دولار  في عام 2013، ذلك العام الذي شهد وحده إنتاج 1844 فيلما في نيجيريا، ليسلط الضوء على هذا الثراء النيجيري (المغمور عربيًا) في صناعة السينما.