مُنقب بيانات ألماني يكشف حقائق مُريبة عن قمع الصين للمسلمين

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٣ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: عربى بوست


مُنقب بيانات ألماني يكشف حقائق مُريبة عن قمع الصين للمسلمين

تسبَّب بحثٌ أجراه أنثروبولوجي مؤمن بفكرة «الولادة الجديدة» في المسيحية، من خلال عمله وحيداً من مكتبه الصغير الواقع في ضاحيةٍ ألمانية، في إيقاد فتيل واحدةٍ من أكبر الاشتباكات بين الصين والغرب حول حقوق الإنسان منذ عقود طويلة.

بعمله الدؤوب في اقتناص البيانات من زوايا الإنترنت الصيني الغامضة، كشف أدريان زينز التصعيد الأمني ضد إقليم شينجيانغ البعيد في الصين، وسلَّط الضوء على ما تلى ذلك من احتجازٍ جماعي وإجراءاتٍ شُرَطية استهدفت المسلمين من الشعوب التركية، وفقاً لما نقلته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.

ويُظهر بحثه كيف أنفقت الصين مليارات الدولارات في بناء معسكرات اعتقال وشبكات تجسس متطورة في شينجيانغ، وتجنيد رجال الشرطة لتشغيلها.

بدأ أكثر أعماله تأثيراً في فبراير/شباط 2018، بعد نفي دبلوماسي صيني لتقاريرَ تشير إلى معسكرات الاعتقال، وتوجيهه نصيحةً للمراسلين بالثقة فيما تقوله بكين.

بدأ بحثه بسبب تصريحات دبلوماسي صيني

لكنَّ زينز قرَّر أن يخوض التحدي، وأن يُثبت كذب الدبلوماسي باستخدام وثائق الحكومة الصينية نفسها.

يقول الباحث الألماني، البالغ من العمر 44 عاماً: «لقد أغضبني ذلك جداً، وقلت حسناً، سأبحث في الأمر بنفسي».

تمكن زينز من اكتشاف أدلة من أوراق العطاءات، وخطط الميزانيات، وغيرها من الوثائق التي تقول الجماعات الحقوقية والباحثون والدبلوماسيون إنَّها تُثبت حجم أعمال بناء تلك المعسكرات التي تمثل جزءاً من حملة الحزب الشيوعي، لدمج عرق الإيغور وغيرهم من الأقليات الأخرى بشكلٍ قسري.

وقد قبلت الولايات المتحدة وعددٌ من الحكومات الأخرى التقدير المبدئي لزينز، بأنَّ عدد المحتجزين في هذه المعسكرات يصل إلى مليون شخص، على الرغم من رفض الصين له. وقد أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي والبرلمان الكندي.

وبحلول أغسطس/آب، كان الدبلوماسيون الصينيون قد توقفوا عن نفي وجود هذه المعسكرات، وبدأوا في الدفاع عنها، من خلال وصفها بأنَّها مراكز تدريب مهني ضرورية لمحاربة الإرهاب. وهو ما يُعد تغيراً كاملاً ونادراً في موقف الصين، ساعد عمل زينز في تحقيقه حسبما قال الخبراء والناشطون.

هل تُغيّر الحكومة الصينية لهجتها؟

إذ يقول جيمس لايبود، الخبير في السياسات العرقية الصينية بجامعة لا تروب الأسترالية، الذي عمل مع زينز: «لقد تسبب في قدرٍ كبيرٍ من الزخم، وأفضل ما يمكن أن يحدث هو أن نرى الحكومة الصينية تغير نهجها في هذا الصدد».

وقد كشف بعض الباحثين الآخرين جوانب مهمة من الحملة الصينية، وأظهروا قدرة الطرق غير التقليدية على إثبات فاعليتها وضرورتها في كثيرٍ من الأحيان، لتسليط الضوء على الأحداث التي تفضل الحكومة الصينية إخفاءها.

إذ استطاع شاون تشانغ، طالب القانون الصيني في مدينة فانكوفر، مطابقة التفاصيل الموجودة في أوراق العطاءات مع خرائط جوجل، مقدماً أدلةً بصرية تؤكد وجود 66 موقع احتجاز.

وهناك أيضاً جين بيونن، الذي كان يدرس للحصول على شهادة الدكتوراه في مجال الرياضيات بسويسرا، لكنَّه لم يستكمل دراسته.

درس بيونن وعاش لفترة في إقليم شينجيانغ، وعمل مع نشطاء في كازاخستان، وقاد عملية جمع شهادات أقارب المختفين في الحملة الصينية من عرقي الكازاخ والإيغور.

الباحث لم يكن متخصصاً في إقليم شينجيانغ

وعلى الرغم من أنَّ زينز حاصل على دكتوراة من جامعة كمبريدج، فهو لا يزال غريباً عن هذا المجال؛ إذ إنَّه غير متخصص في شؤون إقليم شينجيانغ، ولم يزره سوى مرةٍ واحدة قبل عقدٍ من الزمان. وقد موَّل جميع أبحاثه بنفسه من عوائد أعمال جانبية في مجال البرمجة، قام بها لصالح شركة ألمانية ناشئة تعمل في مجال البث الحي على الإنترنت.

ويقول بيونن إنَّ تدقيق زينز في المصادر الحكومية كان لا غنى عنه «لأنَّ هذا النوع من الأدلة هو ما يصعب على الصين دحضه».

لقد كافحت الصين لعقود لاستئصال الحركات الانفصالية العنيفة التي تخرج بين الحين والآخر من شعب شينجيانغ، البالغ عدده 12 مليون إيغوري.

وبعد عددٍ كبير من الهجمات الإرهابية التي وقعت قبل خمس سنوات، ونَسَبتها بكين إلى الإسلام المتطرف، أمَرَ الرئيس شي جين بينغ بشنِّ حملة قمعٍ جديدة على الإقليم.

 حملة قمع جديدة

اشتملت الجهود المترتبة على ذلك على إجراءاتٍ شُرطية، وعمليات تجسس وتلقين داخل المعسكرات. وقد حاولت السلطات الصينية في البداية الحفاظ على سرية الحملة؛ لكنَّها في الشهور الأخيرة حاولت تصوير المعسكرات على أنَّها حلٌّ إبداعي لمواجهة الإرهاب، ونظَّمت جولاتٍ صمَّمتها بعناية في منشآتٍ محددة لمجموعةٍ مُختارة من الدبلوماسيين والصحفيين.

ولم تناقش السلطات الصينية بشكلٍ مباشر ما توصَّل إليه زينز وغيره أبداً، ولم ترد وزارة الخارجية الصينية أو حكومة إقليم شينجيانغ على أيٍّ من طلبات التعليق على ما توصل إليه هؤلاء الباحثون.

ويقول زينز، الذي كتب أطروحته عن التعليم التبتي، إنَّه يشعر بالتقارب مع الأقليات الصينية لأنَّها تبدو أكثر انفتاحاً من الناحية الروحية.

وقال إنَّه اعتنق الكاثوليكية بعد التقائه بقسٍّ معمداني كوري أمريكي، أثناء سنوات دراسته بالخارج في الجامعة الأمريكية بواشنطن.

وأضاف أنَّ إيمانه يدفعه قدماً، وجديرٌ بالذكر أنَّه ألَّف كتاباً في عام 2012 بالاشتراك مع والد زوجته الأمريكي، يعيد من خلاله النظر في الرواية الإنجيلية لنهاية الزمان.

وتابع: «أشعر أنَّ الربَّ يقودني بوضوح لفعل ذلك، أستطيع أن أصف الأمر بهذه الطريقة. ولا أخشى قول ذلك، عندما عملت على شينجيانغ تغيَّرت الأمور حقاً، لقد تحوَّل الأمر لما يُشبه المهمة أو الخدمة الدينية».

الاكتشاف أثار الكثير من الاهتمام

أنهى زينز جزءاً كبيراً من بحثه من منزلٍ مطل على ملتقى شارعي إيمانويل كانط وهيرمان هيس ببلدة كورنتال، بالقرب من مدينة لودفيغسبورغ. وحتى وقتٍ قريب، كان يعمل مدرساً لمناهج البحث في الكلية الأوروبية للثقافة واللاهوت.

وفي 2016، عثر زينز على إعلانات توظيفٍ إلكترونية تشير إلى جهودٍ لزيادة أعداد قوات شرطة في مناطق التبت الصينية، مخزنة في نوعٍ من الذاكرة المخبأة على الشبكة العنكبوتية.

وهو الاكتشاف الذي جذب اهتمام لايبود، وجعله يتساءل عمَّا إذا أمكنه العثور على بيانات مشابهة تخص إقليم شينجيانغ.

ويقول لايبود: «لقد كان يرسل إليَّ رسائل إلكترونية في الثالثة صباحاً، قائلاً: تفحَّص هذا، أو هناك الكثير من الأشياء هنا!».

وبالعمل مع لايبود وغيره، بدأ زينز في نشر بحثٍ يُظهر التصعيد الأمني في إقليم شينجيانغ.

المحتجزون قد يتجاوزون 100 ألف

وبعد تعثره بإنكار القنصل الصيني العام بكازاخستان لوجود المعسكرات، استغرق زينز في البحث عن هذه المنشآت. وفي تقريرٍ نشرته في مايو/أيار 2018  مؤسسة جيمس تاون بمدينة واشنطن، قدَّر أنَّ عدد المحتجزين جماعياً يتراوح بين 100 ألف وما يزيد عن مليون شخص بقليل.

وقد أصبح الرقم المستشهد به على نطاق واسع هو الرقم التقديري الأقصى. وهو الرقم الذي استشهد به خبراء لجنة الأمم المتحدة التي انتقدت المعسكرات في أغسطس/آب. وقد أثار التقرير أيضاً جدلاً، إذ تساءل بعض العلماء عن دقة هذه الأرقام، ودفع الصين إلى نشر بياناتٍ تنكر ما جاء به.

ليتوصل إلى هذا التقدير، استخدم زينز إحصاءً جزئياً للمحتجزين عزته تقارير إعلامية يابانية إلى مسؤولٍ أمني بإقليم شينجيانغ، وقارن هذه البيانات بشهادات محتجزين سابقين، وما اكتشفه من الوثائق التي تدلّ على حجم المعسكرات وعددها.

الكشف عن التقرير النهائي

وفي مارس/آذار 2019، قدَّم أمام لجنة الأمم المتحدة بجنيف تقديراً جديداً للحد الأقصى للمحتجزين يصل إلى 1.5 مليون.

وقال إنَّه عدد متوقع بناءً على التوسع المستمر لمنشآت الاحتجاز والروايات المنتشرة من المنفيين الإيغور، ممن يمتلكون أقارب محتجزين.

ويقول: «كافة مَن هم في مرحلة منتصف العمر يخضعون للإقامة الجبرية وإعادة التثقيف، إنَّه عدد كبير بالفعل».

تشنّ الحكومة الصينية حملة تطهير للمواقع الإلكترونية التي تحتوي على الوثائق التي اعتمد عليها زينز، ما يزيد من صعوبة عمله. ومن جهته يقول إنَّ طلبات وسائل الإعلام والدعوات الحكومية تُثقل كاهله أحياناً.

لكنَّه يدرك أنَّه من النادر لأكاديمي مثله أن يُشكِّل الحوار العالمي حلاً لقضيةٍ ما، ويشعر بعبء هذه المسؤولية. ويضيف: «لا يحمل جزءٌ كبير مما أقوم به أي عواطف، فأنا أعمل مع البيانات؛ لكن هناك لحظات تنهمر فيها دموعي».

اجمالي القراءات 982
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق