الجيش السوداني... تاريخ من الانقلابات وتعطيل الحياة السياسية

اضيف الخبر في يوم الجمعة ١٢ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


الجيش السوداني... تاريخ من الانقلابات وتعطيل الحياة السياسية

لم يكن الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش السوداني، أمس الخميس، عبر إعلان وزير الدفاع عوض بن عوف "اقتلاع النظام والتحفظ على رأسه"، في إشارة إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير، والتأكيد على أنّ الجيش سيتولى أمور البلاد لمدة عامين، يتخللها تعليق العمل بالدستور وغلق الحدود البرية والجوية حتى إشعار آخر، بالمشهد الجديد على السودانيين. إذ اعتادوا منذ السنوات التي تلت الاستقلال في عام 1956 على تكرار مشهد الانقلابات. حتى أنّ البشير نفسه تولى منصبه بعد انقلاب قاده في عام 1989، لكنه على عكس من سبقوه استطاع البقاء على رأس السلطة لمدة 30 عاماً. 
فبعد تولي الرئيس الأسبق جعفر النميري (1969 – 1985) الحكم، قام بتعطيل الحياة السياسية، بما يشمل تعطيل العمل بالدستور وحل الأحزاب واعتقال قادتها، وكذلك حلّ البرلمان وتعطيل الصحف وغيرها من الإجراءات الاستثنائية، مع إغلاق الأجواء والمعابر. ولم يسمح النميري طوال فترة حكمه بإنشاء الأحزاب، وأنشأ بدلاً من ذلك تنظيماً واحداً هو "الاتحاد الاشتراكي". كما أنه طوال عهده، لم يمسح بصدور الصحف الخاصة المستقلة ولا الحزبية. 
ومثله فعل البشير بعد انقلابه عام 1989، إذ حلّ الحكومة والبرلمان وحظر العمل الحزبي، كما حظر التجوال في الأيام الأولى من تنفيذه الانقلاب. غير أنه بعد نحو 10 سنوات من اعتلائه كرسي الحكم، بدأ يسمح بالنشاط الحزبي، بعدما أعدّ قانوناً خاصاً لتنظيم ذلك. كما أنّه ومنذ العام 1994، سمح بصدور صحف مستقلة، مع وضع خطوط حمراء لها لا يمكن تجاوزها، وإن فعلت يصدر بحقها عقوبات استثنائية. 
وأخيراً، اتخذ وزير الدفاع عوض بن عوف، قائد الانقلاب الجديد الذي أطاح بالبشير، الكثير من الإجراءات التي سبقه إليها النميري والبشير، عندما قاما بانقلابيهما. 
ومنذ بداية إنشائه بواسطة الاستعمار البريطاني (1898-1956) وحتى اليوم، لم يكن الجيش السوداني بعيداً عن التدخل في المشهد السياسي، وذلك في بلد تعدّدت فيه الحروب والنزاعات الداخلية طوال 63 عاماً من استقلاله. 

البداية الفعلية لدخول الجيش السياسة 


تؤرخ البداية الفعلية لدخول الجيش لحلبة السياسة بقيام جمعية "اللواء الأبيض" عام 1924، بقيادة الضابط علي عبد اللطيف، وهي من الحركات التي تأثرت مباشرة بحركة المقاومة المصرية للاستعمار، برفع شعار التمرّد على المستعمرين والدعوة لمنح السودان استقلاله. 
وبعد استقلال السودان عام 1956، استقطبت الأحزاب الكبرى التي تصدّرت المشهد السياسي كبار الضباط المتقاعدين، مثل عبد الله خليل، الذي صار رئيساً للوزراء ممثلاً لحزب "الأمة" القومي. لكنّ ذلك لم يمنع تأثّر الضباط السودانيين بنظرائهم في مصر والعراق، الذين نفذوا انقلابات أطاحت بالأنظمة المدنية والملكية. وترافق انتشار الأفكار العروبية واليسارية وسط الضباط في السودان مع تدشين فكرة بناء خلايا صغيرة داخل الجيش، أهمها على الإطلاق تنظيم "الضباط الأحرار"، في محاكاة لتنظيم "الضباط الأحرار" في مصر، وبات الضباط السودانيون بذلك يهتمون بالشأن السياسي إلى جانب العسكري. 
في العام 1958، ونتيجة للخلافات السياسية العميقة بين الحزبين الحاكمين، حزب "الأمة" و"الاتحاد الاشتراكي"، قام رئيس الوزراء وقتها، عبد الله خليل، بعملية تسلّم وتسليم للسلطة منه إلى قيادة الجيش، والتي كان يقودها الفريق إبراهيم عبود، الذي رأس البلاد بعد ذلك لمدة 6 سنوات، قبل الإطاحة به بثورة شعبية في العام 1964. 


 
 



انقلاب جعفر النميري 
بعد سقوط عبود، لم تكتمل عملية بناء نظام ديمقراطي، إذ دخلت الأحزاب التي تمّ انتخابها للحكم في مرحلة من التخبّط، وعلى رأسها حزب "الأمة" القومي. فعمّت حالة من عدم الاستقرار البلاد، ما أتاح الفرصة أمام تنظيم "الضباط الأحرار" بقيادة العقيد جعفر النميري وقتها، لتنفيذ انقلاب في العام 1969 بدعم من الحزب الشيوعي السوداني الحانق أصلاً يومها على النظام الديمقراطي، بعد طرد ممثليه في البرلمان واتخاذ قرار بحله. كما وجد النميري دعماً مماثلاً من القوميين العرب. 
لم يمض على نظام النميري عامين، حتى حدث الخلاف بينه وبين الحزب الشيوعي، ليتحرّك ضباط موالون للحزب في العام 1971 وينفذوا انقلاباً قاده وقتها الرائد هاشم العطا، والذي استلم السلطة لمدة 3 أيام فقط، قبل أن يعيد النميري تنظيم صفوفه من جديد وينجح في إخماد الانقلاب الأحمر ويعدم المنقلبين، بمن فيهم عطا. لكن الانقلابات الفاشلة المتوالية لم تتوقف ضدّ النميري. 

وصول عمر البشير إلى الحكم 


من ضمن التحولات الجوهرية التي قام بها النميري، دخوله في مصالحة مع الحركة الإسلامية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، والتي استغلتها الحركة للتغلغل في الجيش السوداني وتجنيد عدد كبير من الضباط التابعين لها فيه. ومن بين من تم تجنيدهم ضابط اسمه عمر حسن أحمد البشير، والذي قاد انقلاباً عام 1989، وتحوّل في ما بعد إلى رئيس للجمهورية. ومن المفارقات التاريخية أنّ القيادي في الحركة الإسلامية، حسن عثمان رزق، هو الذي ساهم بشكل كبير في انضمام عمر البشير لخلية سرية للضباط الإسلامين في الجيش. لكن في السادس من إبريل/ نيسان الحالي، كان رزق موجوداً في محيط القيادة العامة للجيش، إلى جانب المعتصمين المطالبين بتنحي البشير.
الجدير بالذكر أنّ النميري هو الوحيد الذي قنّن مشاركة العسكريين في السياسة، بعدما أنشأ تنظيم "الاتحاد الاشتراكي"، والذي سمح عبره للعسكريين بأن يكونوا جزءاً من التنظيم بموجب القانون. وكان منطق النميري أنه يريد تنظيماً يجمع قوى الشعب العاملة والفاعلة. 
وحينما تمت الإطاحة بالنميري من خلال ثورة شعبية في العام 1985، استفاد الإسلاميون من وجودهم السابق ومن القيادات العسكرية ذات التوجه الإسلامي، فجيروا الفترة الانتقالية بعد سقوط النميري لصالحهم، خصوصاً بعدما أعلن الأخير تطبيق الشريعة الإسلامية. وكان حسن الترابي وقتها زعيم الحركة الإسلامية. واستمر تغلغل جماعة الترابي في اختراق صفوف الجيش السوداني حتى بعد تشكيل حكومة الصادق المهدي الثانية (1986 - 1989)، (زعيم حزب الأمة المعارض حالياً)، وحصولهم على نسبة معتبرة من الأصوات في الانتخابات التي أجريت في العام 1986. ففي كل يوم يمرّ كانوا يكسبون أرضية جديدة داخل الجيش. لكنهم شعروا بالخطر الحقيقي حينما تقدمت قيادة الجيش بمذكرة للصادق المهدي دعت فيها إلى تصحيح الوضع في السودان، وتطرقت إلى عدد من القضايا، بما في ذلك اعتبار التناحر الحزبي وغياب التوجه القومي من مهددات الأمن القومي السوداني. وهو ما اعتبرت الجبهة الإسلامية أنه كان سبباً في إبعادها عن حكومة تحالف بينها وبين الصادق المهدي. لذا سعى حسن الترابي وقتها للتعجيل بتنفيذ انقلاب. 
ففي العام 1989، نجحت خلية الحركة الإسلامية، أو "الجبهة الإسلامية" بمسماها الجديد، في الإطاحة بحكومة الصادق المهدي واستدعاء البشير لتسلّم مهام الرئيس. واتخذت السلطة الجديدة خطوات تمويهية لإخفاء هويتها، بما في ذلك اعتقال الترابي الذي أشرف على خطة الانقلاب بكاملها، وذلك في ما بات يعرف بـ"اذهب للقصر رئيساً وسأذهب للسجن حبيساً".
ولجأت حكومة البشير وقتها للقيام بعمليات فصل واسع وسط الضباط غير الموالين لها، واستبدلتهم بآخرين من أهل الولاء والطاعة. كما خلقت قوات أخرى موازية مثل الدفاع الشعبي، ومنحت جهاز الأمن مهام جديدة، بما فيها المهام القتالية، واهتمت به أكثر من اهتمامها بالجيش. وحتى المقار الرئيسة للجيش تمّ نقلتها إلى خارج وسط العاصمة الخرطوم، لتقليل فرص نجاح الانقلابات، لا سيما أن حكومة البشير في سنيّها الأولى تعرّضت لمحاولات انقلاب، كانت أبرزها محاولة من ضباط بعضهم محسوب على حزب البعث العربي الاشتراكي، والتي نجحت في السيطرة على بعض المواقع، وانتهت بإعدام المشاركين فيها. وبعد بروز الحرب في إقليم دارفور عام 2003، أنشأ نظام البشير قوات حرس الحدود، ثمّ قوات الدعم السريع التي يعتبرها البعض مجرد مليشيات قبلية، وإن عملت السلطات على تقنين وضعها. وكل ذلك كان على حساب الجيش السوداني.

اجمالي القراءات 785
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق