بعيدًا عن التعبيرات الدبلوماسية.. هل تحتل إيران العراق حقًا؟

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٨ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


بعيدًا عن التعبيرات الدبلوماسية.. هل تحتل إيران العراق حقًا؟

إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليًا، حضارتنا وثقافتنا وهويتنا مع العراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما التوافق أو القتال. *مستشار الرئيس الإيراني

جوارٌ صعبٌ جمع بلدين لطالما فرقتهما الحروب وقربتهما السياسة، فكان لأحدهما دومًا غلبةٌ على الآخر وسُلطانٌ على جاره كلما تغير الحال، وتبدلت موازين القوى؛ والتاريخ يُخبرنا أنّ كسرى الثاني أعظم إمبراطور فارسي، والذي لم يُهزم في معركة قط، من الهند، وحتى قسطنطينية، ومصر، مُني بهزيمة وحيدة مُخجلة بأرض العراق في معركة ذي قار ضد العرب؛ والإمبراطورية نفسها التي امتدت أكثر من 1100 عام، أسقطها عمر بن الخطاب في بضع سنين، والبداية كانت أيضًا من العراق عبر سلسلة من المعارك، وكانت القادسية أعظم هزائمها.

ومن شرق إيران خرجت دعوة العباسيين التي أسقطت الدولة الأموية، وحين أصبحت بغداد عاصمة الخلافة العباسية، كان للأعاجم (الفرس) النصيب الأكبر من النفوذ متفوقين على العنصر العربي، وعندما تأسست الدولة الصفوية الشيعية في إيران عام 1501، خاضت ضدها الإمبراطورية العثمانية حروبًا طاحنة باسم الإسلام امتدت لنحو 100 عام وتركزت المعارك لانتزاع العراق، وحينما اندلعت الثورة الإيرانية عام 1979، شنّ الخليج أطول حروب العصر الحديث على النظام الوليد من العراق، وسمّيت الحرب أيضًا وقتها بـ«القادسية».

هذا التقرير يشرح لك الربيع الإيراني في العراق الذي بدأ عام 2003، وامتد بعدها صانعًا أيديولوجية دولة الولي الفقيه سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا، ودينيًا.

كيف أعدت إيران المعارضة العراقية للحُكم؟

منذ سقط «حزب البعث العراقي» السُنّي عقب الغزو الأمريكي عام 2003، وجدت إيران فرصة كبرى لتقاسم ساحات النفوذ بدءًا بالاجتماعات السرية التي عقدتها واشنطن مع طهران قبيل الغزو، وبينما ساهمت إيران في إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عبر «فيلق بدر» الذي تأسس برعاية الخميني عام 1982، وشارك في القتال إلى جانب طهران في حرب الخليج الأولى، بالإضافة إلى انتفاضات الجنوب الشيعي لقلب نظام الحُكم عام 1991، لكن دوره الأكبر تمثل في المشاركة في عملية احتلال العراق بقوة بلغت 16 ألف مُسلح، في الوقت الذي كانت فيه مرجعية النجف وعلى رأسها علي السيستاني تُحرّم رفع السلاح على الأمريكيين.

 

 

لحظة إسقاط تمثال صدام حسين

بعدما سقط النظام العراقي عيّنت واشنطن بول بريمر حاكًمًا مدنيا في بغداد، وبدأت المباحثات لتشكيل مجلس الحكم تمهيدًا لإجراء الانتخابات البرلمانية، وبينما رفض السيستاني الاعتراف بمجلس الحُكم في البداية بدعوى أنه «غير ديمقراطي»، توصلت المعارضة العراقية التي كانت تمثل وجهة النظر الإيرانية مع الولايات المتحدة إلى تفاهمات لتشكيل المجلس الذي تكوّن من 25 شخصًا أكثر من نصفهم من الشيعة، بينما حصل كل من السُنة والأكراد على خمسة مقاعد في المجلس.

بالرغم من تصدر المعارضة الشيعية المشهد، إلا أنها كانت تتقاسم الاختلافات الأيديولوجية والسياسية بين الانتماء لمرجعية قُم في إيران، ومرجعية النجف في العراق التي ترفض ولاية الفقيه، ولا تعترف بمنصب المرشد الإيراني، أيضًا انقسم الشيعة داخليًا حول تحديد العلاقة مع إيران وواشنطن والجوار العربي، لكنها تحت الظرف السياسي اتحدت داخل الائتلاف الوطني الموّحد.

وحين جاءت انتخابات 2005، حظي الائتلاف الموّحد على مباركة السيستاني الذي دعا بوضوح لانتخاب الكتل الدينية فقط، كما أنه حرّم انتخاب أية قائمة ليس على رأسها شخصية دينية، لتأتي نتائج الانتخابات باكتساح الائتلاف مقاعد البرلمان وحصوله على 128 مقعدًا من أصل 275، لتتشكل أول حكومة برئاسة إبراهيم الجعفري -وزير الخارجية الحالي-، والذي يصفه البعض بأنه «سفير إيران في بغداد»، والأخطر أنّ ميليشيا «فيلق بدر» المسلحة حصلت على مقعد وزارة الداخلية.

وبعد تسع سنوات من الحرب، قرر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الانسحاب من العراق عام 2011، وسط اعتراف بتنامي النفوذ الإيراني -في ظل حكومة نوري المالكي المحسوب على  مرجعية قُم وليس النجف-، ويذهب البعض إلى القول بأنه لولا الغزو الأمريكي للعراق، لما وصل الشيعة القادمون من طهران للحُكم.

تتكرر الفرصة الاستثنائية لطهران بعد بروز تنظيم الدولة كقوة كبرى واستحواذه على 40% من العراق، وفي الوقت الذي فشل فيه الجيش العراقي الذي أنفقت فيه الولايات المتحدة نحو 25 مليار دولار في دحر التنظيم، تشكلت «ميليشيا الحشد الشعبي» لتتكرر تجربة فيلق بدر مرة أخرى.

لماذا لن تتخلى إيران عن اعتبار العراق جزءًا من أملاكها القديمة؟

جيشٌ عراقي بأعلامٍ إيرانية.. كيف بدأت الثغرة؟

عمدت سياسة الولايات المتحدة في العراق بعد الانسحاب إلى سياسة إعادة بناء الجيش العراقي والوجود فيه بصفة مستشارين ومدّه بمعدات عسكرية بلغت قيمتها خلال ثلاث سنوات بعد الانسحاب نحو 25 مليار دولار، بالإضافة لدعم الأكراد بالمال والسلاح، والضغط لعدم تهميش السنة المدعومين عربيًا بهدف تعديل موازين القوى في العراق، وإيجاد حليف سياسي يوازي النفوذ الإيراني في الداخل.

 

 

وقبل أن يظهر تنظيم الدولة كقوة كبرى، كان قادة الميليشيات العراقية موزعين في المناصب الحكومية والجيش والاستخبارات، وأبرزهم وزير النقل الأسبق هادي العامري، أحد مؤسسي «فيلق بدر» الذي ترك العمل السياسي وتفرغ لرئاسة «فيلق الحشد الشعبي» الذي تأسس بعد فتوى السيستاني، وشارك الحشد بنحو 60 ألف مقاتل في عملية تحرير الموصل، وأصبح بنهاية الحرب قوة معترفًا بها من قبل البرلمان العراقي، كما أن المرشد الإيراني خامنئي سبق أن وجّه تحذيرًا علنيًا لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بعدم حلّه.

وفي الوقت الذي تسبب الفساد داخل الجيش العراقي في تأخير عملية الحسم ضد تنظيم الدولة، برز جليًا أنّ المستقبل العسكري للبلاد في أيدي الميليشيات المُسلحة دون الجيش، فالحشد الشعبي المكون من 67 ميليشيا وقتها قد سيطرت عليه ثلاثة فصائل اختلفت في ولائها ومرجعيتها، فآية الله خامنئي كان تحت لوائه مباشرة 44 ميليشا، بينما كان السيستاني يسيطر على 17 فرقة، بينما سيطر التيار الصدري على أربع ميليشيات، وتبقت فرقة مسيحية أخيرة داخل الحشد.

وبعد قرار البرلمان الاعتراف بفصائل «الحشد الشعبي» لتصبح جزءًا من الجيش النظامي، تحقق الحُلم الأول لإيران بحصول قادة الفصائل على شرعية العمل المُسلح، وسط اعتراف رئيس الوزراء وقتها بحصول الحشد على دعم مالي ضخم من إيران، وفي نفس الوقت رفض إرسال مزيد من الخبراء العسكريين الأمرييكين للجيش، وبحسب «رويترز»، فإن الفصائل الشيعية قامت بمهام استخباراتية لصالح إيران عبر التجسس ومراقبة التحرك الأمريكي في سوريا.

ومرة أخرى تتكرر تجربة «فيلق بدر» بعد الغزو الأمريكي؛ فكتائب الحشد الشعبي حصل قادتها على مناصب قيادية داخل الجيش ووزارة الداخلية والاستخبارات، ثم استعدت لخوض الانتخابات البرلمانية في مايو (أيار)، والتي بدت فعليا منافسة بين الكتائب التي تتبع إيران، وبين كتيبة «سرايا السلام» أو جيش المهدي التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى  الصدر -عدو أمريكا وطهران-.

وبالرغم أن نتائج الانتخابات العراقية حملت هزيمة كبرى لإيران، بحصول تحالف «سائرون» التابع لمقتدى الصدر على المركز الأول (52 مقعدًا)، إلا أنّ تحالف «الفتح»، الذي يتزعمه هادي العامري -زعيم الحشد الشعبي- جاء في المركز الثاني (47 مقعدًا)، بينما حل ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي في المركز الرابع، وقد كان العامري -وزير الخارجية الحالي الذي يحمل جنسية إيرانية– الأقرب لمنصب رئيس الوزراء، إلا أن طهران أرادت شخصية مقبولة لدى واشنطن لإقناعها باستثناء العراق من العقوبات الإيرانية وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك.

وفي الوقت الذي أعد فيه البرلمان العراقي مشروع قانون يهدف إلى إخراج القوات الأمريكية من البلاد ومنعها من استخدام الأجواء العراقية لأغراض عسكرية، يأتي مشروع قانون آخر يقضي بمنح الجنسية للأجانب بعد إقامتهم سنة واحدة، في إشارة صريحة للعناصر الإيرانية الموجودة في العراق والتي يُمكن لها بعدها الالتحاق بالجيش الذي صدر بحقه قرار وزاري يُساوي بينه وبين الحشد في المناصب، كما ليمنح رئيس الوزراء سُلطة ترقية الأفراد بدون التقيد بالترتيب الوظيفي.

5 نتائج تلخص لك حصاد الغزو الأمريكي للعراق بعد مرور 14 عامًا

ربيع طهران الاقتصادي.. كيف تحوّل العراق لشركة إيرانية لا تخسر؟

من الناحية الاقتصادية فقد استفادت إيران من سيطرة تنظيم الدولة على العراق عام 2014؛ فالفوضى أدت لضرب خطوط التجارة بين بغداد وأنقرة -المنافس الأبرز لطهران-، واضطرت تركيا إلى إرسال بضائعها عبر الأراضي الإيرانية، والتي استغلتها الأخيرة في رفع الرسوم الجمركية على البضائع التي تصل في النهاية إلى السوق العراقية أعلى ثمنًا من البضائع الإيرانية، لذا كان من الطبيعي أن تغرق الأسواق بالبضائع الإيرانية التي ليس لها منافس محلي أو إقليمي.

 

 

أحد الأسواق العراقية

قصة التحكمات الاقتصادية يصفها مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» قائلًا: «امشِ في أي سوق في العراق وستجدد الأرفف مزدحمة بالسلع من إيران؛ الحليب والزبادي وحتى الدجاج.. قُم بتشغيل التلفزيون ستشاهد برامج متعاطفة مع إيران، وإذا صادف أن شاهدت مبنى جديد يرتفع، فمن من المرجح أن الإسمنت والطوب جاءا من إيران، وحتى عندما يتعاطى الشباب العراقي الأقراص المخدرة، فمن المحتمل أن تكون المخدرات تم تهريبها عبر الحدود الإيرانية التي يسهل اختراقها».

بنت طهران إمبراطوريتها الاقتصادية في العراق عبر سلسلة من الاتفاقات بين البلدين، بدأت بتخفيض التعريفة الجمركية على السلع الإيرانية، بالإضافة لإلغاء عملية الرقابة على الصادرات الإيرانية إلى العراق لتسهيل التحرك التجاري، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 10 مليار دولار سنويًا، وتستهدف طهران رفعها إلى 12 مليار دولار.

ولا يمكن للعراق -باعتراف المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط- الاستغناء عن استيراد الغاز من طهران، ويستورد العراق يوميًا 600 مليون قد مكعب في اليوم، كما أنّ 70% من الخدمات الفنية والهندسية في مصافي النفط العراقية هي إيرانية بامتياز، وخلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بغداد، حصلت الحكومة العراقية على تعهدٍ إيراني بإمداد العراق بالطاقة الصيف المقبل منعًا لتكرار الاحتجاجات التي شهدها في يوليو (تموز) العام الماضي.

وبالحديث عن الميزان التجاري بين البلدين، فإنه يميل لصالح إيران بنسبة 90%، باستحواذها على سوق المواد الغذائية ومواد البناء، وعلى سبيل الانتصار الرمزي، فطهران تحتكر سوق التمور في العراق بدلا من السعودية أحد أكبر مُصدري التمور في العالم.

أما القطاع المصرفي، فطهران ساهمت في تقويض اقتصاد بغداد؛ فالبنوك الإيرانية سبق لها أن عرضت فائدة 20% على الودائع في عام 2014، وهي نسبة خيالية سرعان ما جذبت الأموال من العراق الذي يشهد اضطرابات أمنية وسياسية، وهي صفقة ناجحة سرعان ما أوصلت الاحتياطي النقدي لإيران لنحو 115 مليار دولار، وحين فرضت واشنطن عقوباتها الاقتصادية على النظام الإيراني، تضررت الاستثمارات العراقية في إيران نتيجة انهيار العُملة، لكنّ إيران مرة أخرى عرضت فائدة 20% للحفاظ على رأس المال العراقي.

اللافت أنّ بنك «ملي إيران» والذي تستحوذ طهران على ملكيته في العراق بات يسيط">في زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى بغداد، تعمّد روحاني كسر البروتوكولات الرسمية بزيارته مدينة الكاظمية المقدسة -شمال بغداد- قبل لقائه المسؤولين، حيث ضريحي الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد، الإمامين السابع والتاسع لدى الشيعة الاثني عشرية، في رسالة واضحة للشيعة الغاضبين بأنّ نقاط الاتفاق مع طهران أكبر من الخلافات.

وحين حظي روحاني بلقاء استثنائي مع السيستاني، لم ينقل له أية تحيات أو رسائل من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي باعتبار الأول يمثل المرجعية الشيعية في العراق، وهو ما أظهر بوضوح الخلافات العميقة بين أتباع المذهب الواحد؛ فالسيستاني يرفض ولاية الفقيه، ولا يعترف بمنصب المرشد الإيراني، وحتى اللحظة فما زال يحافظ على تصدر حوزتي: «النجف، وعامل» العراقيتين، أمام حوزتي: «قُم، ومشهد» الإيرانيتين.

وبخلاف النفوذ الإيراني داخل الأحزاب السياسية، والجيش العراقي، والاقتصاد، تبقى السيطرة الدينية هي الهدف الأول للنظام الإيراني، ونجحت إيران مؤخرًا في إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين، وهو ما يسمح للإيرانيين بزيارة الأماكن المقدسة دون مقابل، وهو القرار الذي من شأنه حرمان حوزة النجف من جانب كبير من عوائد السياحة الدينية.

ومن المفارقات أنّ المرجع الشيعي الذي يتحكم في قرارات العراق إيراني الأصل، فقد سبق للسيستاني أن رفض الجنسية العراقية، لكنّ النفوذ الإيراني لا يصل للنجف، المدرسة التي تحتل مكانة بارزة في تعليم المذهب الشيعي منذ أكثر من ألف عام، والبعض يعتبرها الرقعة الوحيدة في العراق الخالية من العلم الإيراني، حتى أنّ مُفتي السنة سبق أن أشاد بالثورة الإيرانية وبدور إيران في المنطقة.

اجمالي القراءات 1101
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق