قصة الصراع الممتد في ليبيا على عرش القذافي

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٣٠ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


قصة الصراع الممتد في ليبيا على عرش القذافي

بعد سبع سنوات عجاف مرّت منذ اندلاع الثورة الليبية عام 2011، لا زالت الصورة القاتمة حاضرة إلى اليوم، ورغم تعدّد أطراف النزاع، إلا أنّ الانقسام السياسي والصراع العسكري لم يحسم الخلاف لصالح الطرف الأقوى حتى الآن، كذلك فشلت كافة خطط الأمم المتحدة في الوصول إلى تسوية، ويوجد الآن في ليبيا برلمانان متنافسان، وثلاث حكومات، وبنكان مركزيّان، وشركتان نفطيّتان وطنيّتان، وعشرات الجماعات المُسلحة، وهي النهاية التي رسمت طريق الفشل للثورة الليبية.

طريق الليبيين منذ البداية كان محفوفًا بالمخاطر؛ فالثورة على العقيد لم تُنهِ الاستبداد، والسلاح لم يحلّ المشكلة، والمبادرات الدولية مزّقت كل الأطراف لصالحها، وبعد سبع سنوات من ثورتها «الفاشلة» بحسب العديد من المراقبين، دخلت ليبيا في نفق مُظلم من الفوضى، ثم عادت إلى الاستبداد مرة أخرى، لكن هذه المرة تقاسم الجميع عرش القذافي وسلاحه.

من الاستبداد إلى الثورة.. حين سقط العرش وتفرق الحلفاء

كان مُعمّر القذافي يحكم بلدًا حاول منافسة جيرانه في الزعامة، وبفضل النفط الذي يُمثل نحو أكثر من 90% من مصادر الدخل القومي، امتلكت ليبيا أعلى معدلات نمو اقتصادي على مستوى القارة، وهو ما انعكس على الليبيين الذين منحتهم حكومتهم الكهرباء بالمجان، ووفّرت لهم قروضًا من البنوك بنسبة فائدة 0%، وامتدّ حُلم العقيد إلى القارة؛ فتبنّى فكرة «الدينار الذهبي» ليكون عُملة أفريقية موحدة هدفها إسقاط الدولار الأمريكي، وهي الفكرة التي أزعجت أنظمة غربية وعربية على السواء.

 

 

اندلعت الثورة الليبية في 17 فبراير (شباط) عام 2011، وهو ما كان فجيعة قوية ودافعًا كافيًا للقذافي لاستخدام الحل العسكري؛ خوفًا من تكرار السيناريو الذي حدث في تونس ومصر، وكانت النتيجة الحتمية لهذا القرار أن تسلّح الثوار واستولوا على مستودعات الأسلحة الليبية، ودخلوا في مواجهات مفتوحة مع القذافي والقبائل الموالية له، ليتدخل بعدها حلف شمال الأطلسي بطلب من الجامعة العربية وبموافقة مجلس الأمن، وهو ما كان فعليًّا يعني انتهاء نظام القذافي على المستوى السياسي.

لم تصمُد صفوف القذافي أكثر من 10 أيامٍ حتى انشقت كتائب كبيرة من الجيش وقاتلت في صفوف الثوار، كما انشق وزير العدل مصطفى عبد الجليل، وشكّل المجلس الوطني الانتقالي في مدينة بنغازي -تقع في الشمال الشرقي وتُعتبر مهد الثورة- والذي لاقى اعترافًا دوليًّا، وتلخّصت مهمته على الجانب السياسي في تولّي المرحلة الانتقالية بعد سقوط الحُكم، بينما على الجانب العسكري كان هدفه تنظيم العمل العسكري المُسلح، ثم تشكّل بعده حكومة انتقالية بسطت سُلطتها على الأراضي التي خرجت عن سيطرة النظام.

استمر القتال ستّة أشهر استطاع الثوار دخول العاصمة الليبية طرابلس، ليعقِبها بشهرين قتل العقيد معمر القذافي 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، في مدينة سرت مسقط رأسه، وبعدها بأيام أعلن المجلس الوطني الانتقالي سقوط النظام وانتهاء الحرب، لكنّ الكتائب والميليشيات رفضت تسليم أسلحتها، واتحدّ بعضها في كيانات موازية للجيش عُرفت باسم «حُرّاس الثورة»، وبدأت مرحلة جديدة رسم السلاح وحده معالمها طيلة سبع سنوات قادمة.

على الجانب الآخر، صدر الإعلان الدستوري المؤقت تزامنًا مع دخول الثوار طرابلس، ليكون وثيقة الحُكم تمهيدًا لكتابة دستور جديد للبلاد، ويتكون من 30 مادة، حددت ملامح انتخاب المؤتمر الوطني العام الذي كان بمثابة مجلس تشريعي مهمّته تنظيم عمل الحكومة المؤقتة وصلاحياتها، كما وضعت مواعيد زمنية معينة للانتخابات تمهيدًا لتسليم السلطة.

تعقد المسار الديمقراطي لعدة عوامل، أبرزها الصراع بين أكبر كتلتين سياسيتين وهما: حزب العدالة والبناء المحسوب على الإخوان المسلمين، وتحالف القوى الوطنية -ليبرالي- بزعامة محمود جبريل رئيس الوزراء آنذاك، بالإضافة إلى استمرار الصراع المسلح بين القبائل.

من الثورة إلى الديمقراطية «المُعطلة»

حدّد المجلس الوطني موعد انتخاب المؤتمر الوطني العام -السُلطة التشريعية المؤقتة- في يوليو (تمّوز) عام 2012، والذي تمثّلت صلاحيته حينها باختيار رئيس الوزراء، والاتفاق على الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، وفي الوقت الذي تصدرت فيه الأحزاب الإسلامية المشهد في كل من تونس ومصر، حصل إخوان ليبيا على 17 مقعدًا فقط، مقابل تحالف القوى الوطنية الليبرالي الذي فاز بـ39 مقعدًا، رغم أنّهم فشلوا في الوصول إلى رئاسة المؤتمر الوطني، وإلى منصب النائب الأول بالمؤتمر، كما لم يحصلوا على رئاسة الوزراء.

كانت الخطوة التالية هي أن يقوم المؤتمر الوطني العام بتشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الذي سيُحدد موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعد أقصاه فبراير عام 2014، لكن الانقسام الداخلي على شكل الدولة الجديد حال دون إصدار الدستور في موعده، بالإضافة إلى الانفلات الأمني، مع عدم استطاعة السلطة المُنتخبة في ليبيا فرض شرعيتها، لذا فحين انتهت فترة المؤتمر، أصدر قرارًا بتمديد ولايته إلى نهاية العام، ولكنه فشل في إنجاز مشروع الدستور فوضع قانونًا لانتخاب مجلس النواب الذي أصبح منوطًا به وضع مشروع الدستور بقرار من المؤتمر.

 

 

تقابلت أقوى كتلتين مرة أخرى في انتخابات البرلمان، لكن حزب العدالة والبناء مُني بهزيمة فادحة حين حصل على 23 مقعدًا من مجموع 200 مقعد في الانتخابات البرلمانية، بينما حصل تحالف القوى الوطنية على المركز الأول بـ39 مقعدًا، ثم أصبح المسار السياسي أكثر تعقيدًا حين أصدرت المحكمة الدستورية العُليا قرارًا قضى ببطلان الانتخابات البرلمانية، وهو ما قوبل بالرفض من التيار الليبرالي الذي اعتبر أن المجلس يحظى باعترافٍ دولي وشرعية قانونية، من جانبٍ آخر، انحاز الإسلاميون لقرار المحكمة لأنه جاء في صالحهم.

في تلك الأثناء كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد نجح في مدّ فروعه إلى ليبيا، مستغلًا الفوضى والفراغ الأمني، إذ استطاع السيطرة على مدن: برقة شرقًا، وصحراء فازان في الجنوب، بالإضافة إلى غرب طرابلس، وهو ما أشعل حربًا أهلية ثانية في ليبيا بين القبائل، والجماعات المُسلّحة التي تتبنّى أيديولوجيات مختلفة، لكن يجمعها هدف واحد: وهو الوصول إلى السلطة، وبذلك دخلت ليبيا عهدًا جديدًا من الفوضى.

السقوط في الفوضى.. القتال على كعكة ليبيا

حين أعلن المؤتمر الوطني تمديد ولايته في فبراير عام 2014، خرجت المظاهرات في الشوارع رافضةً القرار الذي لاقى أيضًا المُعارضة من عدّة قوى، لكن أخطرهم كان قائد الجيش الليبي الجنرال خليفة حفتر الذي قام بمحاولة انقلاب فاشلة، وأعلن تجميد عمل المؤتمر الوطني والحكومة، لكنّ الانقلاب فشل ولم يستطع حفتر دخول طرابلس، بسبب ميليشيات «فجر ليبيا» التابعة للإسلاميين، والتي تشكّلت فعليًّا لصد هجوم حفتر، وبذلك أصبح الشرق الليبي قاعدة للعسكريين، بينما الغرب في سيطرة الإسلاميين.

 

 

بعد ثلاثة أشهر من محاولة الانقلاب، تأتي لحفتر فكرة ملهمة ستتحوّل إلى مشروع سياسي طيلة السنوات اللاحقة؛ فبعدما انتهجت التنظيمات المُسلحة سياسة الاغتيال والفوضى، أطلق حفتر عملية الكرامة تحت شعار «محاربة الإرهاب»، وإعادة الاستقرار، ونجحت خطته في بسط مزيدٍ من الأراضي والمساحات الشاسعة من الشرق الليبي تحت قبضته، حتى أنّ درنة آخر معاقل الإسلاميين التي طالما استعصت على السقوط هَوَت في يوليو الماضي.

أما على المستوى السياسي، فقد انقسمت ليبيا فعليًّا عقب قرار المحكمة الدستورية ببطلان الانتخابات البرلمانية، فمجلِس النوّاب الذي رفض القرار جدد الثقة في حكومة عبد الله الثني، بينما شكّل المؤتمر الوطني حكومة جديدة، وبذلك انقسمت ليبيا فعليًّا إلى ما هو أشبه بالدولتين، وهو ما هدّد المصالح الأوروبية في الداخل، فتدخّلت الأمم المتحدة للتوسط بين جميع الأطراف، وبعد مفاوضات سرية استمرت نحو 20 شهرًا، تم توقيع اتفاق الصخيرات -التسوية السياسية الأهم في تاريخ الأزمة- في ديسمبر (كانون الأول) عام 2015.

نصَّ الاتفاق وقتها على تشكيل حكومة وفاق وطني تحظى باعتراف دولي من الأمم المتحدة، ويكون في صلاحياتها تعيين قادة الجيش، وهو ما رفضه حفتر الذي اعتبر أن الاتفاق يلتهم إنجازاته، كما رفض مجلس النواب الاتفاق، وبذلك تشكلت ثلاث حكومات، أولها حكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فائز السراج، وحكومة الإنقاذ التي يترأسها خليفة الغويل، عضو حزب «العدالة والبناء»، ورغم أنّها لا تحظى بدعم دولي، إلا أنها كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من غرب ليبيا وجنوبها، ويدعم تلك الحكومة الإسلامية قوات «فجر ليبيا» التي يندرج تحت لوائها عدد من الكتائب والقبائل التي تحارب قوات حفتر؛ وفي أقصى الشرق توجد حكومة برلمان طبرق، ويترأسها عبد الله الثني، وتضع ولاءها تحت قيادة المشير حفتر، ورغم أنّ هذه الحكومة فقدت شريعيتها دستوريًّا، إلا أنها حظيت بدعم 21 حكومة ومنظمة دولية.

كانت النتيجة الطبيعية للوضع القائم، استعانة كل طرف بميليشياته، بالإضافة إلى القوى الدولية في صراعه مع الأطراف المنافِسة، فحفتر استعان بمصر لقصف أهدافٍ في درنة، كما تحدّت روسيا قرار الأمم المتحدة بحظر تصدير السلاح، وأعلنت إمكانية توريد أسلحة إلى جيش الجنرال الليبي، وتقرير الأمم المتحدة يكشف جزءًا آخر من القصة؛ فمصر والإمارات هرّبتا أسلحة إلى ليبيا شملت ذخائر وأسلحة خفيفة وثقيلة وحتى طائرات، وعلى الجانب الآخر لم تعترف الحكومة بحفتر قائدًا للجيش، واستعانت بالميليشيات لحماية طرابلس من السقوط.

العودة إلى الاستبداد.. خريطة ليبيا الممزقة تحت السلاح

بعد سبع سنوات عجاف مرّت منذ اندلاع الثورة الليبية عام 2011، لا زالت الصورة القاتمة حاضرة إلى اليوم، ورغم تعدّد أطراف النزاع، إلا أن الانقسام السياسي والصراع العسكري لم يحسِم الخلاف لصالح الطرف الأقوى حتى الآن، كذلك فشلت كافة خطط الأمم المتحدة في الوصول إلى تسوية، ويوجد الآن في ليبيا برلمانان متنافسان، وثلاث حكومات، وبنكان مركزيان، وشركتان نفطيتان وطنيتان، وعشرات الجماعات المُسلحة، واللافت أن كل طرف، بدءًا من حكومة الوفاق الوطني في الغرب، إلى ميليشيات خليفة حفتر في الشرق، منقسمة على نفسها، ولها مصالحها التي تتعارض مع الآخرين.

مدن في الجنوب أبرزها: سَبها والكفرة والجفرة، بالإضافة إلى المناطق الحدودية مع مصر والسودان وتشاد، ومؤخرًا أطلق الجنرال الليبي عملية «فرض القانون» لاستعادة ما تبقى في الجنوب الليبي بمساعدة مصرية إماراتية فرنسية، بحسب تسريبات. وتعتبر المعارضة السياسية أن عملية حفتر ما هي إلا استعدادات منظمة للانتخابات الرئاسية القادمة التي لم يتحدد موعدها بعد.

ولم يعد يتبقى في الخريطة سوى المناطق التي تسيطر عليها حكومة طرابلس في الغرب الليبي، بداية من سرت – شرق طرابلس- التي كانت معقِلًا لتنظيم الدولة، مرورًا بالعاصمة طرابلس ومصراتة وحتى حدود تونس، ولا ينازعها في تلك المناطق سوى «حكومة الإنقاذ الوطني» الإسلامية التي تسيطر على مساحات صغيرة، إضافة إلى وجود بعض المناطق خارج سيطرة الجميع، ويوجد أيضًا قوّات خارج نطاق السيطرة، أبرزها «مجلس شورى أجدابيا» أكبر مدينة في الهلال النفطي، و«سرايا الدفاع عن بنغازي».

وبالرغم من أن طرابلس العاصمة التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًّا، إلا أنّ المدينة تعج بالعصابات والميليشيات المُسلحة التي سبق وأن اشتبكت مرارًا ضمن حرب الصراع على النفوذ والمال في العاصمة، في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من نقص البنزين والكهرباء والمياه والأموال، وهو الوضع الجديد الذي لم يكن في عهد القذافي، المستبد الذي ثاروا عليه.

اجمالي القراءات 871
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق