هل قد تنهار دول الخليج؟ تاريخ «ملوك الطوائف» يُشبههم كثيرًا

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٤ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


هل قد تنهار دول الخليج؟ تاريخ «ملوك الطوائف» يُشبههم كثيرًا

حين سقطت الدولة الأموية عام 132 هـجريًا هام العباسيون في الأرضِ يقتطفون بسيوفهم كل من تبقى من البيت الأموي، وتذكر الروايات أنّ الخليفة أبا العباس السفاح أرسل جيشًا في طلب عبد الرحمن بن معاوية الذي فرّ من الشام وقطع صحراء أفريقيا على فرسه حتى دخل الأندلس وبصحبته خادماه، فقاتل أميرها العربي، ثم أحيا مُلك أجداده في الغرب بعد زواله في الشرق.

مقالات متعلقة :

لكنّ سلالته من بعده لم تكن في مثل قوته؛ فبعد نحو ثلاثة قرون سقطت الخلافة الأموية الأندلسية بخلع الخليفة هشام المُعتد بالله؛ ليبدأ من بعده عهد ملوك الطوائف الأثرياء الذين حكموا الأندلس – والذين كان عددهم 22، مثل عدد الدول العربية حاليًا – واستعانوا بملك قشتالة الإسباني في قتال وحصار بعضهم البعض، وهو ما استغله الملك الإسباني نفسه الذي خاض أول معركة داخل أراضي المُسلمين للاستيلاء على مدينة «طُليطلة»، وكانت بداية التأريخ لسقوط الأندلس.

التاريخ لا يُعيد نفسه.. بل الأخطاء هي التي تتكرر. *محمد حسنين هيكل

قبل أن تنفجر أزمة حصار قطر كان الخليج العربي على موعدٍ وشيك مع أزمة سياسية طاحنة؛ فالسعودية قطعت سنوات من المشاورات والاتفاقات لتحويل مجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول (السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين، وقطر، وعمان) إلى اتحاد خليجي كامل يُشبه الاتحاد الأوروبي، لكنه يتفوق عليه في أنّ أعضاءه الأثرياء يتحكمون في 40% من احتياطي النفط العالمي؛ لكنّ الحُلم لم يكتمل حين عرقله السُلطان قابوس الذي سبق أن هدد عام 2013 بالانسحاب من المجلس في حال أصرّت الدول الأعضاء على الانصهار في تكتل جديد.

وحين اعتلى الملك سلمان بن عبد العزيز العرش خلفًا لأخيه الملك عبد الله، خاض مبادرة جريئة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، عندما ذهب في جولة خليجية -لااستثنى منها عُمانلا- للاتجاه في خطوات بدء إعلان اتحاد خليجي، وإن لم يكن بكامل الأعضاء، وهو الحُلم الذي يضمن للرياض أن تكون أكبر قوة مؤثرة في المنطقة.

لكنّ الترتيبات السرية – السابقة على تولي سلمان – تقاطعت معها عدة أزمات، بداية من أزمة سحب السفراء من قطر عام 2014، ثم لاحقًا بداية التحولات داخل أفراد الأسرة المالكة تمهيدًا لصعود الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، بدلًا عن الأمير محمد بن نايف؛ وفي مايو (أيار) عام 2016، قام الأمير تميم بزيارة إلى الرياض فُسرت وقتها باتفاق البلدين على طي الخلافات جانبًا، ولم يكد يمضي شهرٌ على الزيارة، حتى أعلنت ثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي (السعودية، والإمارات، والبحرين) قطع علاقاتهم مع قطر.

لكنّ المفارقة اللافتة التي توسطت زيارة أمير قطر وانفجار الأزمة، هي زيارة الرئيس الأمريكي للرياض؛ ما يعني أنّه – بحسب تحليلات – أعطى الضوء الأخضر لبدء الصراع الذي دخل عامه الثاني، والذي وصفه رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم بأنه سيتسبب في انهيار الخليج، وهو نفسه التهديد الذين ألمح إليه أمير الكويت.

هذا التقرير يعود بك ألف عام إلى الأندلس، حيث هناك قصة شديدة التشابه بين حُكام الخليج وملوك الطوائف، وبين الرئيس الأمريكي وملك قشتالة الإسباني.

الأندلس والجزيرة العربية.. كيف بدت آخر سنوات الخلافة؟

مِمَّا يُزَهِّدُنِي فِي أَرْض أَنْدَلُـسٍ **  أَسْمَاءُ مُعتَمِـدٍ فيهـا وَمُعتضِـدِ

أَلْقَابُ مَملكةٍ فِي غيْرِ مَوضعهَا **  كَالهِرِّ يَحكي انتفاخًا صَولةَ الأَسَدِ

* ابن عمّار الأندلسي

في عام 1534 دخلت جيوش السُلطان العثماني سليمان القانوني أرض بغداد تمهيدًا لإعلانها إمارة تابعة للدولة العثمانية السُنية بعدما انتزعتها من الدولة الصفوية الشيعية، وفي فترة وجيزة كانت الجزيرة العربية، بما فيها الحجاز، والشام، واليمن، عدا عُمان، والبحر الأحمر، والخليج العربي، إضافة إلى مصر، وليبيا، وتونس، ضمن أملاك الخلافة العثمانية التي خاضت حروبًا طويلة ضد الصفويين في العراق وما حولها، وضد المملكة البرتغالية التي احتلت عُمان ضمن حروب السيطرة على المحيط الهندي، ومع الإمبراطورية الروسية في الشرق، ومع الدول الأوروبية في الغرب.

وطيلة أربعة قرون هي مدة التواجد العثماني في أرض الجزيرة، تموّجت أملاك العُثمانيين الجغرافية بين التمدد والانحسار حتى وصلت إلى أوج ضعفها في أواخر القرن التاسع عشر تزامنًا مع ازدياد النفوذ البريطاني؛ وهو ما مهّد لاحقًا لسقوط الخلافة، وتمزق الخريطة العربية.

 

 

قصر الحمراء بمدينة غرناطة- الأندلس

في عام 92 هجريًا (711 ميلاديًا)، وصل المدّ الإسلامي إلى بلاد الأندلس بقيادة طارق بن زياد الذي رفع رايات الدولة الأموية، التي وصلت أقصى اتساع لها في الغرب، وتوالت الحملات العسكرية للمُسلمين حتى وطأت أقدامهم لأول مرة وسط فرنسا وغرب سويسرا، لكنّ الجيش الإسلامي مُني بهزيمة ساحقة في معركة بلاط الشُهداء عام 732 ميلاديًا، وهي التي يؤرخ لها بأنها أنقذت المسيحية في أوروبا من الهلاك.

وبعد 20 عامًا على الحدث الجلل، سقطت دار الخلافة على أيدي العباسيين (عام 132 هـجريًا – 750 ميلاديًا) الذين تتبعوا دابر من تبقى من البيت الأموي بسيوفهم، عدا عبد الرحمن بن معاوية، الذي هرب إلى الأندلس، وخاض معركة فاصلة ضد أميرها العربي يوسف الفهري، ثم أعلن إحياء دولة أجداده التي استمرت نحو ثلاثة قرون، حتى انفرط عقدها في الثمانين عامًا الأخيرة بتعاون الأمراء المُسلمين مع الملوك الأوروبيين لإسقاط بعضهم البعض، وكان ذلك هو السبب الرئيس للفوضى التي أسقطت الدولة الأموية في الأندلس.

بالعودة إلى القصر العثماني مرة أخرى، فقد خُلع السُلطان عبد الحميد الثاني من العرش عام 1909، وتولى من بعده السُلطان محمد الخامس، الذي كان حُكمه صوريًا، وبعدما نشبت الحرب العالمية الأولى، دخل العثمانيون ساحات القتال إلى جانب ألمانيا، والنمسا، على أمل استرداد ما انتزعته منها دول الوفاق: إنجلترا، وفرنسا، وروسيا، وحفاظًا على ما تبقى تحت يديها من ولايات عربية وقعت تحت مُخطط التقسيم، وفي تلك الأثناء كان فيلق الجيش العثماني بقيادة فخر الدين باشا متواجدًا في الحجاز للدفاع عنها، ولم يكن أحد يتوقع أنّ يُطعن ذلك الجيش من الخلف بواسطة أمير عربي مُسلم.

عرض شريف مكة الحُسين بن علي على البريطانيين أثناء الحرب العالمية الأولى أن يشترك معهم في القتال ضد الأتراك، مقابل الاعتراف باستقلاله وأن يكون الخليفة بدلا من الخليفة العثماني، وكذلك فعل مؤسس الدولة السعودية الأولى، عبد العزيز آل سعود، أمير الرياض وقتها؛ إذ تحالف مع بريطانيا ضد الدولة العُثمانية، ودخل في مباحثات سرية أدت في النهاية إلى توقيع معاهدة «دارين» التي حصل بموجبها على اعترافٍ رسمي بدولته الوليدة.

وبالحديث عن بقية المناطق الخليجية مثل عُمان وقطر فقد كانتا خارج السيادة العثمانية منذ وقتٍ طويل، أما الكويت فقد سارعت عام 1899 لتوقيع معاهدة حماية خوفًا من تمدد الدولة العُثمانية، وبقيت السُفن البريطانية مُرابطة في الميناء دفاعًا عن الأسرة الحاكمة، وفيما كان آل سعود يحافظون على أمن الخليج ويؤمنون المواصلات البريطانية جنبًا إلى جنب مع أمراء الكويت وقطر وعُمان، كان الحُسين بن علي الذي تظاهر بولائه للعثمانيين يقوم بالدور الهام في القصة.

ملوك الخليج والطوائف.. نهاية واحدة بعد سقوط الخلافة

النزاع الداخلي بين الأمراء العرب وتربصهم بالدولة العثمانية لم يختلف كثيرًا عن الأحداث التي شهدتها آخر أيام الدولة الأموية في الأندلس. فبعد موت الخليفة القوي الحَكَم المستنصر بالله، وتنصيب ابنه الطفل هشام المؤيد بالله خلفًا له عام 366 هجريًا، بدأت نهاية دولة الأمويين في الأندلس.

لم يكن الخليفة هو الحاكم الفعلي، بل أصبحت مقاليد الأمور في أيدي رجلين اثنين، الحاجب جعفر بن عثمان، وقائد الشرطة محمد بن أبي عامر، وبدأ الصراع بينهما الذي انتهى بمقتل الحاجب، ثم أصبح ابن أبي عامر  الخليفة الفعلي في عهد الطفل الصغير، ولقب نفسه بالملك المنصور، وتأسست الدولة العامرية التي مثّلت الوصاية على الخليفة الأموي. ثم خَلَفَ المنصور في الحجابة ابنه عبد الرحمن شنجول الذي أعلن نفسه وليًا للعهد، وهو ما كان كافيًا للثورة التي شهدتها الأندلس والتي انتهت بقتله وخلع الخليفة وتنصيب محمد المهدي بالله، الذي تصفه المصادر التاريخية بأنه لم يكن جديرًا بالحُكم، وتسببت سياساته الطائشة في اقتتال الأمراء داخل البيت الأموي.

قام محمد المهدي بسجن الخليفة المخلوع المؤيد بالله، ونفى أيضًا ولي عهده، وسجن عددًا من كبار الأسرة الأموية، وقرر تسريح 7 آلاف جندي من الجيش، وحين كثر الخصوم عليه دارت معركة كان النصر فيها حليف المهدي، ليضطر الأمير الأموي المستعين بالله الاستعانة بملك قشتالة الإسباني لهزيمة المهدي والوصول إلى الحُكم. وبالرغم من انتصاره وتنصيبه خليفة، إلا أن فلول جيوش المهدي الهارب اتصلت بملك قشتالة وطلبوا مساعدته نظير دفع مبلغٍ ضخم من النقود الذهبية، وحين انتصر الجيش على المستعين بالله دخلوا قرطبة وحرروا الخليفة المؤيد بالله ليتولى فترة خلافته الثانية.

وفي سياقٍ مُشابه، فكما وصل المهدي والمستعين بالله للعرش الأموي بمساعدة ملك قشتالة؛ أعلن شريف مكة الثورة العربية الكبرى عام 1916، بدعمٍ بريطاني، وبمساندة عسكرية فرنسية، وخاضت قواته معارك في الشام لإسقاط الدولة العُثمانية، ونجحت قواته في تصفية الوجود العسكري التركي في الحجاز باستثناء حامية المدينة التي استبسل في الدفاع عنها فخر الدين باشا، ثم زحفت قواته شمالًا وطعنت الجيش العثماني في الخلف واستولت على ميناء العقبة ثم أسقطت الشام وسلمتها للإنجليز، وفجّر خط السكك الحديدية أهم مشروع عثماني وقتها، وكانت النتيجة أن أعلنت الدولة العثمانية رغبتها في وقف القتال وخسرت مزيدًا من الأراضي، لكنّ الإنجليز خدعوا شريف مكة، فالشام التي حررها كان ممنوعًا من دخولها.

أدرك الخليفة المؤيد بالله أنّ مملكة قشتالة تضرب الأمويين بعضهم ببعض، وأنها خطرًا كبيرًا على مُلكه، ولكثرة الحروب الداخلية التي خاضها لم يكن له طاقة بها، علاوة على أنه لم يستطع أن يرفض طلب الملك الإسباني بإعادة الحصون الحدودية التي فتحها أباه المستنصر بالله ومن بعده الحاجب المنصور، والتي بلغت نحو 200 حصن حتى توسعت حدود المملكة التي لم تقدم شيئًا بالمقابل للمؤيد بالله حين حوصر من البربر الذين أسقطوا مُلكة واستباحة قُرطبة، وعيّنوا المستعين بالله مرة أخرى للخلافة الثانية.

لكنه لم يمض سوى ثلاث سنوات حتى قُتل عام 407 هجريًا، وتولي من بعده أربعة أمراء على التوالي ( المرتضى بالله، والمستظهر بالله، والمستكفي بالله، والمعتد بالله). وفي عام 418، سقطت الدولة الأموية بعدما أغرقتها الدماء وتمزقت أوصالها من كثرة الصراع على الحُكم، وظهرت حقبة ملوك الطوائف بإعلان كل أمير نفسه خليفة لإمارة صغيرة.

بعدما بدا للإنجليز أن سقوط الخلافة العثمانية أصبح وشيكًا، تفاوضت بريطانيا مع فرنسا وروسيا حول إرث رجل أوروبا المريض، وبحسب بنود اتفاقية «سايكس- بيكو» فأملاك الدولة في الجزيرة العربية قُسمت بين فرنسا وبريطانيا، أما آل سعود والحسين بن علي فتعرضوا لخديعةٍ كبرى من بريطانيا التي تركتهما يتقاتلان حتى تحسم القوة وحدها مصير ملك الحجاز.

كان أوّل صدامٍ بينهما في عام 1919 حين أبادت قوات عبدالعزيز بن سعود قوات شريف مكة، وكانت بداية تشكيل الدولة السعودية الحالية التي بدأت بضم حائل ثم الاستيلاء على الطائف والحجاز، حتى اضطر الشريف إلى الهروب من أملاكه القديمة لتتشكل مملكة الحجاز، وبعد ترسيم الحدود الجديدة بين الدول الخليجية، بدأ ما يُمكن أن نسميه عهد ملوك الطوائف الجُدد، والمفارقة التاريخية أن الأندلس تقسّمت بعد سقوط الخلافة إلى سبعة أقاليم رئيسة، و22 إمارة، والدول العربية أيضًا تقسمت إلى 22 دولة، وهو ما بدا بأنه نهاية واحدة.

ألفونسو ودونالد ترامب.. لا فرق بين ملك إسبانيا ورئيس الولايات المتحدة

عليكم دفع الجزية ثمنًا لحمايتكم. * ألفونسو لملوك الطوائف

استمر التعاون بين الأمراء العرب مع بريطانيا حتى بعد سقوط الدولة العثمانية، فكل أميرٍ خشى من أن ينتزع أخاه المُلك منه، لذا عمدوا جميعًا إلى الاستقواء ببريطانيا التي اقنعت الأمير فيصل نجل الشريف حُسين بالتفاوض مع حاييم وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، والذي انتهى بتوقيع اتفاقية «فيصل- وايزمان» عام 1919، والتي جاء فيها: «يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين»، وبعدها أصبح فيصل ملك العراق وسوريا، وبهذا سقطت فلسطين إلى اليوم.

 

 

حين سقطت عاصمة الخلافة الأموية، أصبح في الأندلس 22 عاصمة ثرية يحكمها 22 ملكًا وسُلطانًا لا يرضى بتلك الرقعة الصغيرة، لذا بدأ حكم ملوك الطوائف بالحروب الداخلية سعيًا لتوسيع حدود الممالك الصغيرة، لكنهم كانوا رغم حروبهم الداخلية يدفعون الجزية لملك قشتالة.

وكانت أشهر الحروب بين مملكة «سَرَقُسطة» و«طُليطلة» – أحد أهم مدن الأندلس الثقافية والحضارية – واستعان الطرفان كذلك بالممالك المسيحية المتاخمة لحدودهما، لكنّ القتال لم يُسفر عن سقوط إحداهما، فعمد ألفونسو السادس ملك قشتالة الذي أراد «طُليطلة» إلى خطة ماكرة اقتضت بأن يدعم المعتمد بن عباد ملك إشبيلية وقرطبة في حروبه ضد «طُليطلة»، وبعد أربع سنواتٍ من الغارات لم تصمد المدينة عام 478، لكنّ الجيوش التي دخلتها هذه المرة كانت الجيوش المسيحية التي فرضت حصارًا على المدينة طيلة تلك السنوات دون أن يتحرَّك أحدٌ من المُسلمين لإنقاذها، وبذلك هُدم السور الحصين الذي كان أول علامات سقوط الأندلس.

بعدما خرجت بريطانيا من المشهد، أصبحت الولايات المتحدة هي الصديق الجديد للدول الخليجية، وكما كان لأفونسو السادس حامية عسكرية في بلاد ملوك الطوائف، كانت واشنطن بطلبٍ عربي قد أنشأت عددًا من القواعد العسكرية المتاخمة في دول الخليج، وهو ما يصفه بوضوح وزير الخارجية البحريني بأنه: «لولا الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني؛ لبتنا كخليج عدن»، في إشارة واضحة إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات على اليمن.

وفي العام 1996، فوجئ الأمير القطري حمد بن خليفة بمحاولة انقلاب اشترك فيها الحرس الأميري مع بعض قيادات الجيش المدعومين – بحسب الاتهام الرسمي – من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، ولم ينقذ الأمير سوى القوات الأمريكية التي هرعت لحمايته، وكان درسًا لملوك الطوائف الجدد بأنّه لا يمكن لأحد أن ينتصر بدون مساعدة ملك قشتالة/الإدارة الأمريكية.

بعدما سقطت طليطلة عام 478 هجريًا، أدرك المسلمون في الأندلس بأنهم الهدف القادم، وأنّ دفع الجزية لن يحميهم من سيوف الممالك المسيحية التي استقوت بضعفهم، حتى أن المعتمد بن عبّاد الذي تسبب في سقوط طليطلة كانت مملكته القوية على وشك الذوبان.

وتذكر المصادر التاريخية أنّ أمراء الأندلس رفضوا الاستنصار بأمير دولة المرابطين الإسلامية في المغرب العربي يوسف بن تاشفين خشية أن يسلبهم مُلكهم في حال انتصر على الملك المسيحي وردّه عن «سَرَقُسطة» التي باتت وجهته القادمة، لكنّ المعتمد بن عبّاد باعتباره أقوى ملوك الطوائف أصر على الاستنجاد بالمرابطين حتى ولو أسقطوا دولته، وكانت النتيجة أن انتصر ابن تاشفين وأخَّرَ سقوط الأندلس أربعة قرون.

هناك دول لن تبقى لأسبوع واحد دون حمايتنا وعليهم أن يدفعوا ثمنًا لذلك. * دونالد ترامب

لم تطمئن الممالك الخليجية التي تحكمها «الخلافة الحاكمة» للقواعد العسكرية الأجنبية المترامية في أطرافها، فتشير السجلات الرسمية لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) بأنّ دول مجلس التعاون الخليجي من أكبر مستوردي الأسلحة حول العالم. فقطر التي لا يتجاوز جيشها 15 ألف مقاتل، تصدرت عام 2016 المرتبة الأولى باعتبارها أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية بقيمة 21 مليار و881 مليون دولار، وهو العام نفسه الذي زار فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السعودية وحصل منها على صفقات تجاوزت 400 مليار دولار، ليكون أول رد له تعقيبًا على الأزمة الخليجة هو تأييد دول الحصار ومطالبة قطر بالتخلي عن دعم الإرهاب، قبل أن يتراجع عن ذلك بعد سيلٍ من الصفقات العسكرية وقّعتها الدوحة مع وزارة الدفاع الأمريكية.

وكما فرض ملك قشتالة الجزية على ملوك الطوائف ثمنًا لحمايتهم، فعل الرئيس الأمريكي الأمر نفسه، فدائما ما يُذكّر قادة دول الخليج بأنهم باقون بفضل أمريكا، ويُطالبهم بدفع الأموال ثمنًا لحماية عروشهم. وكما سقطت الأندلس عام 1492 ميلاديًا بسبب حروب الاسترداد التي قادها المسيحيون لاستعادة أملاكهم الضائعة قبل ثمانية قرون، دفع الخوف الدول الخليجية إلى تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 ليكون هدفه الرئيس حفظ استقرار الدول الأعضاء من أخطار الداخل والخارج، وصولًا إلى صيغة من الاتحاد، لكنّ الصراع الداخلي بين الممالك لم ينتهِ إلى اليوم.

خلال القمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في الكويت في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي شهدت تمثيلًا منخفضًا لأغلبية الدول الخليجية، تزامنًا مع قيام السعودية والإمارات بعمل اتفاقات منفصلة خارج المجلس، وهو ما يعتبره مراقبون؛ الخطوات الأولى لانهيار مظلة البيت الواحد في حال طالت الأزمة الخليجية.

اجمالي القراءات 1239
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق