لماذا قد تفشل استراتيجية الأمن المغربي في صد هجمات ذئاب «داعش» المنفردة؟

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


لماذا قد تفشل استراتيجية الأمن المغربي في صد هجمات ذئاب «داعش» المنفردة؟

في الآونة الأخيرة، اعتادت وسائل الإعلام المغربية نشر أخبار عن تمكن الأمن المغربي من تفكيك خلية وراء الأخرى تابعة لـ«تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»»، كانت بصدد ارتكاب هجوم ما داخل الأراضي المغربية، وهو جهد يتزامن مع تحركات أخرى تقوم بها المغرب، تتمثل في بناء سياج حدودي مع الجزائر أو إصدار قوانين تعاقب المنتمين لهذا التنظيم في المغرب، بشدة.

لكن جريمة تمخض عنها ذبح سائحتين على أرض المغرب قبل أيام، كانت ضربة قاصمة للأمن المغربي؛ إذ كشفت الجريمة اتِّباع التنظيم لاستراتيجية جديدة من أجل التغلب على خطوات الأمن المغربي، وهي استراتيجية  تعتمد بشكل كبير على ما يعرف بـ«الذئاب المنفردة» التي يصعب ملاحقتها ومنعها من ارتكاب الهجمات.

ذئاب «داعش» تحول جولة سائحتين لفاجعة في المغرب

«أصدقائي الأعزاء، سأسافر إلى المغرب في ديسمبر (كانون الأول)، هل سيكون أي منكم قريبًا حينها؟ أو هل يعلم أحد من محبي تسلق الجبال شيئاً عن جبل توبقال؟»، هذا ما كتبته الدنماركية  لويزا جيسبرسن (24 عامًا) وهي تخطط لقضاء أجازة مع صديقتها النرويجية إيرين بولاند (28 عامًا) في المغرب.

 

 

وبالفعل وصلت السائحتان إلى قرية إمليل جنوبي المغرب، وأقامتا هناك في موقع تخييم معزول، وتُظهر الصور الفوتوغرافية التي التقطت أن الفتاتين كانتا سعيدتين بين مسارات التجوال والأنهار والمناطق المرتفعة في هذه المنطقة؛ إذ لمست لويزا واقعيًا ما تعلمته في برنامج «نشاطات الهواء الطلق والإرشاد الثقافي» التابع لجامعة جنوب شرقي النرويج.

المكان الأكثر إثارة للويزا وإيرين كان منطقة جبال أطلس، وقمة «توبقال» المعروفة لدى محبي التسلق باعتبارها أعلى قمة في شمال أفريقيا، في ركن قريب من هذه المنطقة خيمت الفتاتان، وبالقرب منهما نصب ثلاثة رجال وصفهم سكان المنطقة بأنهم «مشردون» خيمة تبعد 600 ياردة عن الفتاتين.

وفي العاشر من ديسمبر الجاري، عُثر على جثتي الفتاتين، واحدة داخل الخيمة، والأخرى أمامها، بعدما قام الرجال الثلاثة بمهاجمة السائحتين أثناء نومهما؛ ليكشف مقطع فيديو مصور بشاعة التفاصيل التي وقعت بحق السائحتين؛ إذ طُعنتا وذُبحتا حتى فصل الرأس عن الجسد، تارة بسكين حاد، وأخرى بساطور على وقع كلمات احتفاء من قِبل الجناة، وصراخ من قبل الفتاتين، قبل أن يصمتا حين جزُّت رقبتيهما، وأظهر المقطع المصور ما قاله أحدهما: «هذا لأجل سوريا، هذه هي رؤوس آلهتكم».

وقد قاد إلى سرعة الوصول لهؤلاء الرجال بطاقة هوية تركها أحدهم خطأً في الخيمة، وسرعان ما تأكدت المعلومات الأولى بأن مجموعات إرهابية منظَّمة وراء العملية، وتحديدًا موالين لـ«داعش»، سبق وأن بايعوا التنظيم عن طريق الإنترنت. وفيما نقلت طائرة يوم الحادي والعشرين من الشهر الحالي جثماني السائحتين من مطار الدار البيضاء إلى كوبنهاجن، هبط تحدٍّ كبير أمام الحكومة المغربية لا يتوقف عن أهمية الكشف عن تفاصيل الحادث وتبعياته، بل يتجاوز ذلك نحو احتمالية وقوع المزيد من الجرائم في ضواحي مدينة مراكش، الوجهة الأكثر استقبالًا للسياح بالمغرب.

الذئاب المنفردة.. وسيلة «داعش» لتحقيق أهدافها في المغرب

إننا نقول لخليفة المسلمين: إن له جنودًا في المغرب الأقصى، لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وأنهم ماضون لنصرة دين الله. *قولًا تلاه المغاربة الذين قتلوا السائحتين في شريط البيعة لـ«داعش».

أسلحة صادرها الأمن المغربي حاول المشتبه بهم إخفاءها  (المصدر :صحيفة الصن البريطانية)

وتدرك الحكومة المغربية أن خطورة كبيرة تحيط بالبلاد تتمثل في تطوير «داعش» لاستراتيجية ترتكز على الاستفادة أكبر مما يعرف بـ«الذئاب المنفردة» التي تؤكد أن التنظيم قادر على الهجوم في كل زمان ومكان، وقادر على إشاعة الرعب لتحقيق أهداف عدة، وتظهر حادثة مقتل لويزا وصديقتها إيرين اعتماد المتورطين على استراتيجية الذئاب المنفردة؛ إذ يتم تجنيد الخلية بشكل غير منظم، وتقوم بالتخطيط بشكل مستقل، وبتمويل ذاتي لهجمات تخدم أهداف التنظيم، ويحدث ذلك بعد مضي وقت في التواصل بين عناصر داخل البلاد مع آخرين خارجها.

ومن المعروف لدى خبراء التنظيمات الإرهابية أن خلايا الذئاب المنفردة لا يتجاوز عدد عناصرها في العملية الواحدة ثلاثة أفراد على الأقصى، تجمعهم الفكرة والتوجه الإرهابي؛ مما يصعب على الأجهزة الأمنية مراقبة أو متابعة هذه الخلايا، ويعود انتشار أسلوب هذه الخلايا لتفادي تضيق الأجهزة الأمنية عليها؛ إذ توفر هذه الاستراتيجية سرية التحرك، وتحقق صعوبة أمام رصدها من قبل الأجهزة الأمنية، وهو أسلوب تفاقم بعد عودة  المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية عقب هزيمة التنظيم في العراق وسوريا.

يقول الباحث المختص في قضايا الإرهاب محمد الشريف: «تنظيم داعش لم ييأس من اختراق المغرب وبدأ استراتيجية جديدة بالابتعاد على المدن الرئيسة والتركيز على بعض المدن الصغيرة والهادئة للتحرك بحرية أكثر بعيدًا عن المراقبة الأمنية المشددة في مدن مثل الرباط والدار البيضاء، كما بدأ منذ فترة يركز على شمال المغرب القريب من أوروبا باعتباره نقطة انطلاق وتجمع المتشددين وبدأ مخططاتهم الموجهة لأوروبا»،   ويضيف الشريف لوكالة «سبوتنيك» الروسية: ««داعش» لم تغيّر طريقة استقطاب عناصر الخلايا في المغرب، فهم جميعًا من السلفيين المتشددين ينحدرون من أوساط شعبية فقيرة، كما أن مستواهم الدراسي والمعرفي متوسط، ومتشبعون بحردة كبيرة بالفكر المتطرف ونهج «داعش»».

الأخطر الأكبر.. العائدون من «داعش» والحدود الجزائرية

في يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلن الأمن المغربي عن تفكيك خلية جديدة لعناصر من «داعش» في مدن الجديدة وسلا والكارة وتازة، كان عدد هؤلاء سبعة بحوزتهم مسدسات وأحزمة ناسفة وأجهزة اتصالات لاسلكية وواقيات من الرصاص.

 

 

حرس القوات الخاصة المغربية خارج مبنى المكتب المركزي للتحقيقات القضائية

هذه الخلية كغيرها كانت على استعداد لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف مقرات دبلوماسية ومواقع سياحية في المغرب، فيما يواصل الأمن المغربي عمليات تفكيك الخلايا  المرتبطة بداعش التي تسعى لإقامة قواعد أذرع تنظيمية هناك؛ إذ ارتفع عدد الخلايا التي تم تفكيكها منذ أحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية (الذراع القضائي للمخابرات) عام 2015 إلى 63 خلية، منها 21 خلية تم تفكيكها عام 2015، و19 خلية في 2016، و18 خلية عام 2017، وخمس خلايا خلال العام الجاري. وينظر الأمن المغربي بحذر شديد إلى العناصر العائدة من سوريا والعراق؛ كونها عناصر تمتلك خبرة كبيرة في استعمال الأسلحة والمتفجرات وارتباطها بأجندات «داعش»، فالقضاء على التنظيم بسوريا والعراق يشكل محطة لولادة جديدة له بمناطق أخرى، وخصوصًا بليبيا، ومنطقة الساحل، والصحراء الكبرى، وغرب أفريقيا، والقرن الأفريقي.

كذلك ينظر الأمن المغربي بريبة دائمًا إلى التهديدات التي كان يطلقها عناصر التنظيم المغاربة المنضمين للتنظيم خارج المملكة؛ إذ يوجد قرابة 1623 عنصر مغربي في التنظيم، يتولى عدد منهم مناصب قيادية، وبحسب الأمن المغربي تمكن نحو 78 عنصر من هؤلاء من العودة للمغرب، واعتقلوا وأحيلوا إلى القضاء طبقًا للقوانين المغربية.

ويضع الأمن المغربي الجزائر ضمن استراتيجية التصدي الاستباقي لتحركات التنظيم، ففي الخلية آنفة الذكر، تم إدخال الأسلحة المصادرة منها عبر الحدود الجزائرية المغربية (والتي تبلغ 1560 كيلومترًا) بتوجيه من قيادات التنظيم في العراق وسوريا، كذلك أعلنت المغرب ضمن الجهود التي بدأت عام 2014 عن تسييج الحدود الشرقية لأكثر من 30 كيلومتر مع الجزائر، ويبلغ السياج الحديدي الذي يسيج مقاطع متفرقة، حوالي 70 كيلومترًا، وذلك من مدينة السعيدية التي تطل على البحر المتوسط إلى قبيلة بني حمدون، بمحافظة جرادة.

وبشكل عام يتسبب التقارب الجغرافي مع دول الساحل، التي تعاني من انعدام الأمن بشكل عميق في تأثير سلبي على دول شمال أفريقيا، حيث تبقى هذه المناطق مصدر قلق لدول المغرب العربي.

هذه الأسباب تعيق جهود المغرب في اجتثاث خلايا «داعش»

بالنظر إلى عدد الخلايا التي تمكن الأمن المغربي من تفكيكها خلال السنوات الأخيرة الماضية، يمكن القول إن استراتيجية الأجهزة الأمنية المغربية حققت حصيلة إيجابية بدليل عدم وقوع عمليات إرهابية منذ نحو سبع سنوات، وتحديدًا منذ وقوع تفجير «مقهى أركانة» بمدينة مراكش العام 2011، الذي راح ضحيته 16 شخصًا.

 

 

عضو في خلية لتوظيف متطوعين مغاربة متجهين إلى العراق

ويمكن القول إنه، وبالرغم من الجهود الحثيثة من قبل الأمن المغربي لاجتثاث خلايا «داعش» داخل البلاد، إلا أن المراقبين يعدون أسبابًا تعوق هذا الجهد، من أبرزها أن وصول تلك العناصر إلى المناطق النائية في المغرب سببه الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لهذه المناطق، لذلك يرجح استمرار بروز خلايا ارهابية في جميع بلدان المغرب العربي بسبب عدم المساواة الاقتصادية، والافتقار إلى الفرص المهنية، والتهميش السياسي والقمع.

وكما تؤكد دراسة حديثة لمجموعة الأزمات الدولية «كريسيس جروب، أن «التصدي لموجات جديدة من الجهاديين المغاربة العائدين إلى بلدانهم مرهون بمدى قدرة حكومات المنطقة على تهدئة التوترات الداخلية»، ولذلك نصحت الدراسة دول المغرب العربي أجمع بالعمل على «إيجاد مسارات مناسبة للتوترات بعيدًا عن العنف، وعدم الاكتفاء باستخدام المقاربات الأمنية التي تلي الأحداث».

كذلك ينتقد الخبراء قانون الإرهاب الذي تبنته المغرب عام 2015 لمواجهة ظاهرة المقاتلين العائدين من بؤر التوتر بالعراق وسوريا، والذي ينص على عقوبات بالسجن تتراوح بين 10 إلى 15 سنة؛ إذ إن «الإفراط في توظيف المقاربة القانونية الأمنية القائمة على التجريم والعقاب غالبًا ما تعطي نتائج عكسية، وبالتالي يفضل المزاوجة بين أسلوب العقاب من جهة، والإدماج والانصهار داخل المجتمع من جهة ثانية»، كما يقول الخبير المغربي في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، الدكتور محمد لعروسي، مضيفًا لـ«العربي الجديد»: «العديد من المتطرفين خرجوا من السجون المغربية لتنفيذ عمليات إرهابية انفرادية، ويسمون الذئاب المنفردة، واعتبارهم الدولة العدو الأول لهم، هذا الإحساس المتضخم بالمظلومية والشعور بالاضطهاد يدفع هؤلاء إلى العيش على هامش المجتمع الذي ينظر إليهم نظرة ارتياب وتخوين».

وتلام الحكومة المغربية لافتقارها إلى برنامج لإعادة إدماج العائدين في الحياة الاجتماعية العادية، فخضوعهم لأحكام قضائية قاسية يؤثر سلبًا عليهم، كما أن تكتم السلطات الرسمية على معلومات حول هؤلاء يحول دون تمكن الجمعيات الحقوقية من العمل على تأطير العائدات والعائدين من بؤر التوتر.

اجمالي القراءات 1362
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق