لا يمشون بجوار السادة ولا يتزوجون دون إذنهم.. هكذا يعيش «العبيد» في صعيد مصر

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٠٣ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


لا يمشون بجوار السادة ولا يتزوجون دون إذنهم.. هكذا يعيش «العبيد» في صعيد مصر

في محافظة أسوان بصعيد مصر تُخبر نجلاء، المرأة الصعيدية الستينية أحفادها، أن بيوت «ناس العبيد» جيرانهم بها الكثير من الفئران والحشرات لقلة نظافتهم، وحينما يلوح في الأفق فأر يجري بين جنبات منزلها الطيني تدعو على «ناس العبيد» الذين يؤرقونهم بمجاورتهم لهم، وتنتشر القوارض والزواحف والحشرات في منزلها ومنازل الجيران بسبب وجود هؤلاء معهم في نفس الشارع.

لا يملكون حق الاختيار

أحيانًا أخرى تُخيف نجلاء أحفادها بسواد بشرة جيرانها، وحينما تظهر جارتهم في شباك منزلها ويرى الأحفاد لونها يتغامزون ويلقون على مسامعها كلمات استهزاء قائلين: «شوف الست الوحشة»، يقصد الدميمة السوداء، وتقول نجلاء لـ«ساسة بوست»: «منذ وُلدنا وهؤلاء يعيشون بيننا، لا نتعامل معهم كثيرًا، هم أكثر ناس ربما لا يلقي عليهم أحد السلام، نعرف أن أصولهم وجدودهم كانوا عبيد، ورغم أنهم الآن يعيشون مثلنا وبيتهم مثل بيوتنا، إلا أن اسمهم الشائع بيننا الذي لم يتغير هو «ناس العبيد»، يتعلمون ويتوظفون في الوظائف المُختلفة، ولكن عند الزواج لا تجد من يوافق أن يزوج بناته لهم، أو يزوج ولده لبناتهم».

ربما كان حظ «ناس العبيد» في أسوان الذين تتحدث عنهم نجلاء أفضل كثيرًا من غيرهم، فهم أفضل حالًا منالعبيد الذين لا زالوا يخدمون في بيوت العائلات الكبرى بالمُحافظة نفسها إلى الآن، هؤلاء العبيد يعملون لدى أسيادهم في مقابل السكن والطعام فقط، ولا يحصلون على أي مُقابل مادي، كما لا يحق لهم الزواج دون إذن أسيادهم الذين يختارون لهم الزوجة أو الزوج المُناسب من وجهة نظرهم؛ إذ لا يملك العبد حق الاختيار.

كما لا يجرؤ العبد على النظر إلى فتيات العائلات ولا يحق له الارتباط بهن، فلا يتزوج إلا عبدة مثله سواء من نفس البلد أو من بلد أخرى، ومن يخالف هذه القواعد ويتزوج في السر دون علم سيده وينكشف أمره يضطر للانفصال، كما أن جزاء التمرد ورفض الطاعة العمياء للأوامر قد يكون القتل أو في أفضل الأحوال الطرد التام والنهائي من البلدة بأكملها.

 

هذه الدولة العربية ما زال بعض الناس يستعبدون السود فيها!

مهام العبيد في صعيد مصر.. شقاءٌ دائم

الأمر لا يقتصر على أسوان وحدها، ففي الكثير من مُحافظات صعيد مصر يوجد الكثير من العبيد فعلًا، تتملكهم بعض العائلات التي تملك المال أو النفوذ أو السلطة، فيحتفظون بعبيدهم داخل منازلهم، يخدمونهم دون مُقابل، أحيانًا يكون كل المُقابل الذي يحصل عليه العبد هو المأوى والمأكل، وكل جهده وعمره ووقته من حق سيده، ويؤدي العبد العديد من المهام فهو حارس للبيوت والمواشي والأراضي الزراعية الخاصة بالسيد، ومزارع وحمّال وخادم ويصنع المشروبات ويشترى الخضار من الأسواق، ويتحرك مع أفراد العائلة أينما ذهبوا، وفي الطُرقات والشوارع يواجهون الكثير من التعليقات الساخرة من الكبار والأطفال.

فيديو عن العبيد في مصر

لا يوجد وقت خاص بالعبد يقضيه بحرية، سوى وقت نومه وأحلامه، وليس من حق العبد أن يفعل أي نشاط دون أن يسمح له سيده بهذا، وبالطبع ليس لديه أيام اجازات أو عطلات، فهو ليس أجير أو عامل، هو عبد، وليس للعبد في نظر السيد هذه الحقوق، كل ما سبق بخلاف ما يتحمله العبد من إهانات لا تتوقف، ولعنات مستمرة، وعنفًا قد يؤدى لكدمات فى جسده.

وكشف المؤشر العالمى للعبودية عام 2018 أن عدد العبيد في مصر يصل إلى نحو 518 ألف عبد، وتكشف الدراسات أن هذا العدد بصفة خاصة يتواجد في محافظات صعيد مصر، تحديدًا بشكل كبير في أسيوط وسوهاج وقنا وفى أجزاء من أسوان، ويوجد أيضًا في المنيا، ولكن بعدد أقل من المُحافظات السابقة، بينما لا تعرف محافظات الوجه البحري ظاهرة العبيد باستثناء بعض مدن الشرقية، وخاصة المناطق التي تقطنها قبائل وعائلات تنحدر من أصول عربية.

قديمًا كانت مترجم: استعباد باسم الله.. لماذا تمتلك موريتانيا أعلى نسبة من العبيد في العالم؟

تاريخ الرق في مصر

بدأت إرهاصات مكافحة العبودية مع بدايات القرن التاسع عشر، عندما بدأ الخديوي عباس حلمي الأول التقليل من حدود الرق والاسترقاق، وتعيين من كانوا عبيدًا فى وظائف هامة بالدولة، وحذا حذوه الخديوي سعيد باشا والذي قرر حظر الاسترقاق وتجارة الرقيق، وقرر تعيين الرقيق البيض ضباطًا في الجيش والسود جنودًا – وإن كان الأمر ينطوي على عنصرية للعرق واللون ولكنه كان خطوة أولى لإنهاء الرق وتجارته في مصر – وكان ذلك قبل توقيع اتفاقية منع وتجريم تجارة الرقيق بين حكومة الاحتلال البريطاني والحكومة المصرية بالإسكندرية في الرابع من أغسطس (آب) عام 1877، وتم فرض عقوبات مشددة على هذه التجارة، هذه الاتفاقية تمت قبل توقيع اتفاقية إلغاء الرق والعبودية في جنيف في 25 سبتمبر (أيلول)  1926.

العبيد في صعيد مصر

وفي منتصف القرن التاسع عشر صدر فرمان من الخديوى إسماعيل بتحريم تجارة الرق ومنعها فى مُختلف أنحاء مصر، وتسبب هذا الفرمان فى صدمة لدى المجتمع المصرى آنذاك، وحاولت العائلات الكبيرة التى تمتلك عبيدًا التصدي لهذا الفرمان والتحايل عليه، حتى لا يضطروا للاستغناء عن العبيد الذين تداخلوا مع أسرهم وعرفوا أسرار هذه العائلات، وكان إطلاق سراحهم بمثابة إعلان لأسرار هذه العائلات وفضحها أمام الجميع.

لكن العائلات الكبرى ليست وحدها التي تصدّت للأمر، فالعبيد أنفسهم لم يستجيبوا لهذا الفرمان، وخافوا من التشرد والبطالة فى حال تركوا منازل العائلات الكبرى، فقرروا البقاء بنفس الوضع، لحين إشعار آخر، وظلت العائلات الكبرى فى صعيد مصر تتوارث العبيد على مدار قرن ونصف القرن فى هدوء شديد ودون صخب كى لا يصطدموا بالقوانين.

«راضون بقسمتهم»

كريمة فتاة لم تتجاوز التاسعة والعشرين عامًا من عُمرها بعد، وُلدت وعاشت سنوات عمرها في إحدى قرى محافظة سوهاج بصعيد مصر، تعمل مُدرسة، لكنها ليست مثل أي فتاة بقريتها، فهي ابنة العُمدة، وهي من عائلة كبيرة يعرف الجميع أصولها ونفوذها وحدود أملاك عقاراتها وأراضيها، يعرف جميع أهل القرية أيضًا أن هذه العائلة لم يخل بيتها يومًا من العبيد، منذ أجداد جدودهم، ومنذ أن دخل أول عبد بيتهم، يتوارثونهم ويتوارثون نسلهم، ويحرصون على عدم خروجهم للتعليم ليضمنوا أنهم لن يتركوهم يومًا.

العبيد في صعيد مصر

تقول كريمة لـ«ساسة بوست»: «ربما لا أقتنع أنا ولا تقتنع أختي بموضوع العبيد هذا، وإن كان أبي وعمي يُصرّون عليه، وما يشفع لهم أننا لم نراهم أبدًا يضربون عبد أو يهينونه، هم يوفرون لهم المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية، ويطلبون منهم خدمات ومهام معينة».

ترى كريمة أن الأمر توزيع أقدار، تقول: «العبد إن خرج من بيتنا سيموت من الجوع، ولن يجد عملًا ولا طعامًا، خاصة أن منهم من تجاوز الستين عامًا، كذلك هم يُحبون والدي وعائلتي جدًا، وهم أنفسهم لا يحبون الخروج عليهم، أما عن تعليم الأبناء فأبي هو الذي يصرّ على عدم تعليمهم، هو يرى أنه ليس من حقهم أن يتعلموا فيتمردوا على حياة أهاليهم أو يشعرون بالعار أن أهاليهم من العبيد، أو يطمعون بالزواج من العائلات الكُبرى فقط؛ لأنهم حصلوا على قسط من التعليم فينسون أصلهم».

يردد والد كريمة دائمًا عن أبناء العبيد أن عليهم الرضا بقسمتهم، والعيش في حدود المقسوم لهم، لا تقتنع كريمة كثيرًا بكلام الأب، فتلجأ إلى تعليم الأبناء في السر ما استطاعت إليه سبيلًا، ومن شاء منهم أن يستزيد فليخرج ويتعلم عندما يكبر، هكذا تقول كريمة، وهكذا تشعر أنها تقوم بما يرضي ضميرها.

وبالنسبة لأبناء العبيد فإن السادة يتعمدون إطلاق الأسماء التي تحمل معاني السعد والبشر والسرور والبخت والتفاؤل عليهم، فتجد أسماءهم مثل سرور وبخيت، بعكس أسماء أبناء العائلات أنفسهم التي كثيرًا ما تحمل معاني القسوة والبطش والإقدام مثل: فزاع وهزاع وشداد وهمام، وهو ما يُفسره ربما قول أحد العرب في الجاهلية، حيث قال عن هذا: «نحن نُسمي عبيدنا لنا ونُسمي أبناءنا لأعدائنا»، أي لأن الأبناء هم الذين يخوضون المعارك ويُقاتلون العدو فلابد من إرهاب العدو ولو بالأسماء.

منذ قرون ماضية وعائلات مُحافظة سوهاج تمتلك العبيد، منذ أن كانت هذه الملكية تتم بشكل قانوني، حينما كانت العبودية واقعًا اجتماعيًا تُجيزه الأعراف والقوانين والشرائع، قبل صدور التشريعات والقوانين الدولية التي ألغت ظاهرة الرقيق وحرمت تجارتها.

تنحدر أصول عبيد سوهاج من الحبشة وجنوب السودان وأواسط أفريقيا، ويفضّل العبد فى سوهاج، الذى ينتمى لأصول حبشية، أن يموت ولا يُمس سيده سوء؛ فهو يرى أن من الشرف الموت من أجل الدفاع عن السادة وصد العدوان عليهم، تبدأ النزاعات والخلافات بين العائلات إذا تعرَّض أحد أفراد عائلة أو أحد عبيدها لسوء، حينها يشترك العبيد مع سادتهم فى المعارك والشجارات، لتثبت كل عائلة قدرتها على القتال وتُظهر قوتها أمام العائلة الأخرى.

يجلسون بعيدًا على الأرض

سيد حسن، أحد أعيان مُحافظة أسيوط، تمتلك عائلته بعض العبيد منذ زمن بعيد، يقول في حوار مع مجلة «روز اليوسف» المصرية عن علاقة عائلته بعبيدها: «العبد يخدم سيده ويُنفذ كل مطالبه أيًا كانت، فالعبد لا يملك شيئًا فى نفسه، هو ملك سيده مهما حدث، ولابد أن يدين بالولاء للعائلة ويُظهر احترامًا شديدًا لأفرادها، فلا يجوز أن يتخطى العبد سيده أثناء السير أو يسير بجانبه، لابد أن يسير وراءه، ولا يجوز للعبد أن يجلس على أريكة بجوار سيده، العبد يجلس على الأرض أو يقف بعيدًا مُنتظرًا الأوامر».

ويضيف قائلًا: «أما السيد فيتكفل بالعبد تمامًا، يُوفر له السكن ومُتطلبات المعيشة كاملة له ولأولاده من طعام وشراب وملبس، أو يُوفر له مصدر رزق يكفيه، حيث يُعدّ من العار لدى الكثير من العائلات أن يمدّ العبد يده لأحد من خارجها، ويتكفل السيد بزواج العبد أيضًا، أو زواجها إن كانت أنثى، ويُوفر لهم السكن ويتقدم كوكيل عن العبد أثناء إجراء مراسم الزواج، وقد يُورثه أو يُخصص له أرضًا ينتفع منها دون أن يمتلكها، كما يتكفل السيد بحماية عبده ضد أى اعتداء، ومن المُتعارف عليه أن التعدي على العبد هو تعدي على العائلة ولا يمكن السكوت عنه، وهناك صراعات عائلية فى الصعيد وقعت بسبب الاعتداء على العبيد بالأساس».

العبيد الموجودون الآن فى أسيوط لا يمكن حصر أعدادهم، خصوصًا فى ظل عدم اعتراف الدولة بوجود هذه الظاهرة حتى الآن. ويمكن القول إنه في ظل حالة التجاهل (وربما الرضا) بالوضع الذي يعيشه «العبيد» في صعيد مصر،  فإن العبودية لن تختفي في القريب العاجل.

اجمالي القراءات 2452
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   مصطفى اسماعيل حماد     في   الثلاثاء ٠٤ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[89746]

من الذاكرة


فى بداية سبعينيات القرن الماضى كنت طالبا فى كلية طب الفصر العينى وكان معنا طلبة وافدون من الدول الإفريقية -أيام كانت كلياتنا كعبة للعلم-وكنا نتناقش فى طبائع الشعوب وخصائص البلدان واعترف لى الكثير منهم بأنهم لايسيرون مرفوعى الرأس فى أى دولة فى العالم إلافى مصر بل أكد لى أحد السودانيين أنه لا يشعر بأى دونية عند التعامل مع المصريين- حتى شديدى البياض منهم-مثلما يشعر عندما يتعامل مع سودانى أفتح منه قليلا.هذا أمر لمسته بنفسى حتى لايتمادى المصريون فى جلد أنفسهم,وشكرا



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق