رحلة مصر من الاستبداد إلى الثورة ثم الاستبداد مجددا

اضيف الخبر في يوم الأحد ١٢ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


رحلة مصر من الاستبداد إلى الثورة ثم الاستبداد مجددا

في 2005 وصل ضابط بالجيش المصري في منتصف العمر إلى كارلايل بولاية بنسلفانيا، وأثناء دروسه في الكلية الحربية للجيش الأمريكي، كان الضابط -وهو مسلم متدين- يؤم أحيانا صلاة الجمعة في المسجد المحلي، وخلال مناظرات الحرم الجامعي، عارض من يزعمون أن الإسلام السياسي لا يتوافق مع الديمقراطية، وفي أطروحته الأخيرة، قال إن الديمقراطيات العربية يجب أن تشمل الإسلاميين، حتى "المتشددين".

لذا، عندما فاز "الإخوان المسلمون" -الذين يعدون الحركة الإسلامية الرئيسية في مصر- في أول انتخابات حرة ونزيهة في البلاد في 2011-2012، بدا الضابط "عبدالفتاح السيسي" حريصا على العمل مع الجماعة، وتم تعيينه وزيرا للدفاع وسرعان ما اكتسب ثقة الرئيس الجديد "محمد مرسي"، القيادي في جماعة "الإخوان".

سيظهر "السيسي" بعد ذلك في اجتماعات مع أكمام ملفوفة ويد مبللة، كما لو كان يتوضأ للصلاة، ومع ذلك، بعد أقل من عامين، سيقيل "مرسي" بانقلاب عسكري، ويذبح المئات من أتباعه ويسجن ما تبقى من قيادات "الإخوان".

ثورة غير قابلة للتنبؤ

كانت مصر، التي يعيش فيها ربع العرب، دائما لغزا.

على الرغم من استياء الرأي العام من "حسني مبارك"، الدكتاتور طويل الأمد، إلا أن قلة من الناس تنبأت بثورة 2011 التي وضعت الأساس لانتخاب "مرسي" والانقلاب الذي أعقبه من "السيسي".

"لن يحدث شيء في مصر"، هكذا قال المحررون في نيويورك تايمز لـ"ديفيد كيركباتريك" عندما تسلم مكتب الصحيفة في القاهرة في بداية 2011، وبعد أسابيع من ذلك تم الإطاحة بـ"مبارك" ودخل النظام السياسي في حالة من الفوضى، في السنوات التي تلت ذلك، تنافس الجنود والإسلاميون والليبراليون والنخب القديمة على السلطة، لكن أيا منهم لم يكن من الممكن الوثوق فيه.

في كتابه الجديد "Into the Hands of the Soldiers"، أو "في أيدي العسكر"، يصف "كيركباتريك" هذه الأوقات الصاخبة بتفاصيل مثيرة للاهتمام، مع اعترافات صريحة منه حول مدى صعوبة تفسير الأحداث، وإدراك دوافع الشخصيات مثل "السيسي" و"مرسي" والتنبؤ بالاتجاه الذي تتجه فيه مصر.

واعترف قائلا: "لقد جئت حاملا معي الافتراضات الغربية القياسية، كان كل خطأ تقريبا".

لغز الإسلاميين

"الإخوان المسلمون" هم أكبر لغز في مصر، ويقول "كيركباتريك": " بالنسبة لكونهم مجتمعا شبه سري، كان من السهل كشفهم".

"الإخوان" الذين ينتمون عادة للطبقة المتوسطة ويكونون في منتصف العمر، كانوا يبقون لحاهم مشذبة ويرتدون بنطالا وقميصا بأزرار، لكن قبل الثورة كان من الصعب تمييز نواياهم.

عندما أسس "حسن البنا" الجماعة في عام 1928، كان من غير الواضح ما إذا كان ينبغي أن تكون متشددة أو سلمية أو سياسية أو روحية أو ديمقراطية أو استبدادية، وقام طغاة مصر باضطهادهم أو تقبلهم أو التسامح معهم على التعاقب، وكانت أمريكا التي تقدم المساعدات العسكرية لمصر، تتبع خطوات حكام مصر إزاء التعامل مع "الإخوان".

وحذر معارضو "الإخوان المسلمون" الصحفيين الأجانب من أن الجماعة تريد أسلمة مصر، لكن بالنسبة لـ"كيركباتريك" فإن "الإخوان" كانوا يقولون الحقيقة.

لقد دعوا إلى فصل المسجد والدولة، ودعوا إلى حرية التعبير والمساواة للمرأة وغير المسلمين، كانت هذه الآراء أكثر ليبرالية من آراء المصريين العاديين، علاوة على ذلك -ولتجنب رد فعل عنيف- قالت الجماعة خلال الثورة إنها لن تسعى لأكثر من ثلث المقاعد البرلمانية، وفي وقت لاحق قالت إنها لن تقدم مرشحا للرئاسة بعد الثورة.

ولكن عندما جاءت تلك الانتخابات، تنافس "الإخوان" على معظم المقاعد، وفازوا بما يقرب من نصفها، وكذلك تنافسوا على الرئاسة.

بعد فوز "مرسي"، قام بتثبيت "الإخوان" في مناصب قوية، وبعد عدة أشهر، أصدر قرارا يجعله فوق المراجعة القضائية وأقر دستورا يعارضه الليبراليون.

ولاحقا، خرج الناس إلى الشوارع في 2013 مطالبين "مرسي" بالرحيل، ورأى الليبراليون في مصر تلك الاحتجاجات بمثابة إعادة لثورة 2011 وفرصة أخرى للديمقراطية، حسب تعريفهم.

لكن الأمر لم يكن شيئا من ذلك القبيل، فالليبراليون المصريون لم يستردوا البلاد، لكن الجيش هو الذي فعل.

كان هناك انقلاب بطيء الحركة يدور في الخلفية منذ انتخاب "مرسي"، لم يرغب جنرالات مصر حتى في الاعتراف بانتصاره، وقام قضاة عهد "مبارك" بحل البرلمان على النحو الواجب، واعترف وزير خارجية الرئيس، وهو غير إسلامي، بتسميم حكومات أخرى ضده، في حين عملت أجهزة الاستخبارات سرا على إسقاط جماعة "الإخوان المسلمون" فالإمارات، التي يخشى حكامها السلطويون الديمقراطية -خاصة إذا كانت ذات صبغة إسلامية- دفعت ملايين الدولارات إلى المعارضة الشعبية المفترضة لـ"مرسي"، والكثير منهم دعموا "السيسي".

الدور الأمريكي الملتبس

أربك الانقلاب واشنطن، ومع ترنح "مرسي"، لم تتحدث واشنطن بصوت موحّد ذي مصداقية، كما كتب "كيركباتريك".

فقد عارض "باراك أوباما"، الذي كان حينذاك رئيس الولايات المتحدة، الانقلاب وتحدث إلى "مرسي" ليقدم تنازلات (وبالفعل دعا مرسي المعارضة للمحادثات لكنهم رفضوا)، لكن يبدو أن العديد من المسؤولين الأمريكيين كانوا متقبلين أو حتى مشجعين لاستيلاء العسكر على السلطة، وقد قال "تشاك هاغل"، وزير الدفاع في ذلك الوقت، لـ"السيسي": "أنا لا أعيش في القاهرة، بينما أنت تفعل، يجب عليك حماية أمنك وحماية بلدك"، وقال "جون كيري"، وزير الخارجية في وقت لاحق إن الجنرالات "كانوا يستعيدون الديمقراطية".

لم يستطع المسؤولون الأمريكيون إدراك الحقائق بشكل صحيح، وألقى "جيمس ماتيس"، قائد القوات الأمريكية في المنطقة، باللائمة على جماعة "الإخوان" وحدهم في مشاكل مصر، وادعى لاحقا أن الدستور المدعوم من مرسي "رُفض على الفور من قبل أكثر من 60% من الشعب"، بينما في الواقع، وافق حوالي ثلثا الناخبين على الدستور شديد الشبه بدستور مصر اليوم. و قام كل من "ماتيس" و"مايكل فلين"، رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية، بوضع "الإخوان المسلمون" في نفس السلة مع جهاديي تنظيم "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، على الرغم من أن "الإخوان" قد أدانوا هذه الجماعات مرارا وتكرارا وعارضوا العنف، وتم منح كلا الرجلين مناصب عالية في الحكومة بواسطة "دونالد ترامب".

وسط خصب للتطرف

من الصحيح أن جذور "القاعدة" والجماعات الجهادية الأخرى يمكن إرجاعها إلى السجون المصرية، التي امتلأت بالإسلاميين المستائين في الستينيات، والآن تغص السجون مرة أخرى، لدرجة أنه كان لا بد من بناء سجون جديدة، انضم فيها الليبراليون إلى الإسلاميين بعد أن ملوا حكم "السيسي" القمعي وغير الكفء، وتحتفظ مصر الآن بحوالي 30 ألف سجين سياسي على الأقل، بما في ذلك العديد من الصحفيين.

كما غذى الانقلاب تمردا جهاديا في سيناء يستمر في تمزيق مصر، ومع ذلك، يصر مسؤولون أمريكيون إن الإطاحة بـ"الإخوان المسلمون" كانت أقل الخيارات سوءا.

وقال "جون كيري": "البديل لم يكن ديموقراطيا، أنفقنا نحو 80 مليار دولار في مصر، في معظم الأحيان، هذا هو نوع الحكومة التي كانوا يمتلكونها والواقع هو أنه بغض النظر عن تمنياتي فلن يكون الأمر مختلفا غدا".

ولا تريد الإدارة الأمريكية الحالية حتى أن تكون الحكومة مختلفة، بالنسبة لهم، يردد "السيسي" كل ما يرغبون في سماعه، وهو يريد أن يجعل الإسلام "معتدلا" ويصلح الاقتصاد، ويصف "ترامب" بأنه "شخصية فريدة قادرة على القيام بالمستحيل"، ويحتفي "ترامب" بدوره بقيادة "السيسي" القاسية ويصفه بأنه "شخص رائع". ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي غير مكترث بأن الحكم الاستبدادي يرعى مرة أخرى البؤس والتطرف في مصر.

اجمالي القراءات 1204
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق