من أجل الحصول على المعلومات.. هل ينقذنا تعذيب المتهمين من الأعمال «الإرهابية»؟

اضيف الخبر في يوم الخميس ٠٢ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


من أجل الحصول على المعلومات.. هل ينقذنا تعذيب المتهمين من الأعمال «الإرهابية»؟

هل استخدام التعذيب من قبل السلطة للحصول على الاعترافات على مدى التاريخ البشري يجعل منها أداة فعّالة حقًا؟ المقصود هنا هو التعذيب الاستفزازي من أجل الحصول على معلومات مهمة باستخدام أقصى أساليب الترهيب؛ بداية من الإهانة بالصفع على الوجه، ونهاية بالتعرية والانتهاك الجسدي وفوهة المسدّس المصوّبة نحو رأس المحتجز، بحيث لا يعرف أي واحدة ستصيبه.

مقالات متعلقة :

أيًا كانت الإجابة التي سنصل لها، فإن القانون الدولي يحظر التعذيب التعسفي باعتباره أداة مساعدة للحصول على معلومات ذات قيمة، لكن التعذيب يظلّ أداة لها مؤيّدون يصرون على استخدامها في مختلف أنحاء العالم، حتى في البلدان المتقدمة تحت أسماء وتبريرات مختلفة. فهل يؤدي التعذيب غرضه النهائيّ بالفعل؟

التعذيب.. وسائل كثيرة ونتائج متشابهة

يمكنك دائمًا إجبار أي شخص على التحدث، المشكلة هي ما سيقوله. *أحد معتقلي صدام حسين خلال مقابلة في سجن كردي عام 2003.

تستخدم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» ومعها عدد من المخابرات المعروفة دوليًا برنامج تعذيب يتم تنفيذه بعناية، مع الاعتقاد بفاعليته لاستجواب المعتقلين على المدى الطويل، ويتضمن البرنامج أساليب مثل الحرمان من الأوكسجين بإغراق المعتقل في الماء، والخنق، والتقييد، والحرمان من النوم لفترة طويلة، والتجميد والتبريد والتجويع، والضغط على الحواس بالإضاءة العالية والضوضاء، والتعرية، والصفع والركل، وفرض ارتداء حفاضات للكبار، والعزلة عن البقية، والحبس في صناديق ضيقة والتهديد بكلاب مفترسة، والتهديد بالاعتداء على الأقارب.

ووصف المدافعون عن التعذيب ما حققته وكالة المخابرات المركزية بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) واستخدام التعذيب الاستفزازي ضد المتهمين بالإرهاب بـ«النجاح الباهر». ولكن في تقريرها حول الاستجواب والاعتقال لدى وكالة المخابرات المركزية، أظهرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أن فاعلية تكتيكات التعذيب التي استخدمتها الوكالة كانت أقل مما تحتاجه أمريكا في مثل هذا الوقت، فلم تسفر عن معلومات مفيدة، ولم تنقذ روحًا كان من الممكن إنقاذها باستخدام وسائل أفضل.

الخيال أداة للهروب من التعذيب

فاعلية التعذيب هي شرط لازم لتبرير استخدام العنف عند المؤيدين النفعيين للعنف في الاستجوابات، وفي ذلك أكد شين أومارا، أستاذ علم الأعصاب في كلية ترينيتي في دبلن، أنه يمكن إجبار الناس على الاعتراف بجرائم، وحتى الكفر بدياناتهم وتغيير معتقداتهم السياسية تحت تأثير التعذيب، لكن هناك فرقًا بين إجبارهم على قول كلام وإجبارهم على قول الحقيقة، وأكد شين على فشل أساليب الاستجواب المعتمدة على إلحاق الأذى البدني والنفسي، معتمدًا على ما أظهرته تجارب العلوم العصبية عند إساءة معاملة السجناء.

 

 

وأضاف أومارا أنه يمكن للتعذيب التأثير على الذاكرة والوظائف المعرفية التي يستخدمها المستجوَب من أجل الوصول للمعلومات التي يريدها، وذلك دون النظر لتأثير التوتر والخوف الزائد على بنية الدماغ وعملها، هذا في حالة الافتراض اليقيني الكامل بأن المحققين الذين يديرون جلسة الاستجواب على قدر كبير من المعرفة اللازمة للتمييز بين المذنب والبريء، وسيعرفون إن كان المعتقل لا يدلي بمعلومات لأنه قوي وسيتحمل التعذيب، أم لأنه لا يعرفها من البداية؛ خاصة أنه مع ظهور اختبار الحمض النووي واستخدامه في التحقيقات في الولايات المتحدة الأمريكية، سُجّل ارتفاع ملحوظ بنسبة 20% في عدد الإدانات الخاطئة، في تفريغ كامل لمعنى العدالة الناجمة عن استخدام الشرطة لأساليب التعذيب التي تنتج اعترافات كاذبة بنسبة كبيرة.

وفي قصة تدعم وجهة النظر هذه، دفعت أساليب التعذيب التعسفي والإيهام بالغرق خوسيه باديلا عضو عصابة سابق في كاليفورنيا، خلال التحقيقات معه عام 2002 للكذب وإثارة ذعر حول كذبة قنبلة واسعة المدى تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدما أصاب خوسيه هدفه لاستراحة قصيرة من التعذيب تبين بأن خوسيه قد كتب تصورًا عن مؤامرة افتراضية على الإنترنت قديمًا، واستند إلى هذا المنشور في كذبته فقط من أجل الحصول على بعض الوقت بدون تعذيب.

إدارة الرئيس بوش تدفع كرة الثلج

ينتهك التعذيب قيمنا الأساسية بوصفنا أمة. إن أعظم قوة لدينا هي التزامنا بسيادة القانون والمبادئ المضمنة في دستورنا. *جزء من بيان لـ42 جنرالًا وأدميرالًا متقاعدًا.

سمحت إدارة جورج دبليو بوش باستخدام التعذيب التعسفي في مراكز الاعتقال التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وفي أماكن أخرى تابعة لها في الفترة بين 2002 و2008، وذلك مع بداية عملياتها في «الحرب على الإرهاب»، وحرب العراق والاستمرار في شن الهجمات على الجماعات الإسلامية المسلّحة، ومع استمرار شعور الحكومة الأمريكية بالتهديد في أماكن متعددة في العالم.

تحكي بعض المصادر أن الإدارة الأمريكية قد تبنت هذا النهج تأثرًا بفيلم «معركة الجزائر» لجيلو بونتيكورفو، والذي يحكي عن استخدام القوات الفرنسية للتعذيب ضد الثوار الجزائريين في شمال أفريقيا عام 1956 لإجبارهم على الإفصاح بمعلومات، حتى أن البنتاجون نظّم عرضًا بداخله للفيلم في عام 2003.

شاهد الفيلم نفسه كبار ضباط وجنود وزارة الدفاع الأمريكية بعد عدة سنوات من بدء الحرب على الإرهاب، وأدركوا أن الفرنسيين استخدموا التعذيب وحققوا في مقابله نصرًا قصير المدى، وخسارة على المستوى البعيد؛ بدأت بهزيمتهم في الجزائر بعد ست سنوات، وذلك بعدما أصيب الآلاف من أفراد الجيش بصدمة نفسية، وتوقف الدعم المحلي الفرنسي للجيش، وشُوهت صورة فرنسا باعتبارها دولة حاملة للواء الديموقراطية، وأعاق ذلك إقامة علاقات دبلوماسية فرنسية جيدة مع دول تحررت حديثًا في ذلك الوقت وأولها كانت الجزائر، في مشاهد أدرك القادة من المشاهدين أنها قريبة جدًا مما يمكن أن يحدث للولايات المتحدة لاحقًا.

كيف يرى الخبراء والعسكريون نتائج التعذيب؟

بعد خسارة أمريكا في الحرب على الإرهاب مع انتهاء إدارة جورج دبليو بوش، لم تعد المنظمات الحقوقية وحدها تؤمن بانعدام جدوى التعذيب من أجل الحصول على المعلومات، ولكن يشاركها عشرات المحققين وخبراء الاستخبارات والجنرالات المتقاعدين، مع إيمان راسخ في أن أساليب الاستجواب التي تراعي حماية حقوق الإنسان قد أثبتت نجاحًا أكبر في الحصول على معلومات هامة من أشخاص مشتبه في كونهم إرهابيين.

يؤمن هؤلاء أن استنباط معلومات موثوق بها من المتهمين لا يأتي باستخدام التعذيب، وفقًا لبيان صادر عن 25 محققًا سابقًا وخبيرًا استخباراتيًّا في الجيش الأمريكي والسي آي إيه ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وإدارة مكافحة المخدرات، مؤكدين على أن استخدام العنف البدني والنفسي يمكنه دفع ضحية التعذيب إلى قول أي شيء لإنهاء الألم المرير الذي يشعر به كلما أنكر معرفته بشيء، وهي نتيجة لا تتوافق مع غرض الاستجواب الذي يهدف إلى الوصول لمعلومات سليمة ودقيقة.

 

 

من واقع خبراتهما، يقول تشارلز كرولاك قائد القوات البحرية الأمريكية السابق، والجنرال جوزيف بي هوار القائد السابق للقيادة المركزية، إن الوصول والتأكد من معلومات دقيقة من المتهمين هو الطريق الأسرع لتعطيل المؤامرات والخطط الهجومية، وإن التعذيب هنا ليس هو الوسيلة، بدون أية استثناءات مع الأوضاع الخطرة، لكنه في مثل هذه الحالات سيكون مثل إشعال النار في الهشيم، وسيصبح كل متهم يُقبض عليه ويودع في السجن مثل قنبلة موقوتة منزوعة الفتيل، وبسرعة تتحول الاستثناءات إلى قاعدة. تجلت هذه الحقائق في النتائج التي خلفتها تلك الانتهاكات التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي وفرت لأعدائها فرصة لتجميع مناصرين وتجنيد أتباع جدد، مثلما حدث بعد فضيحتي سجن أبو غريب ومعتقل جوانتانامو.

طريق آخر ناجح.. أبو زبيدة القاعدي نموذجًا

يقول دكتور شين أومارا بأن هناك طرقًا أفضل لجمع المعلومات من المعتقلين بدلًا من تعذيبهم، وأولها وضع مهمة استجوابهم في يد أساتذة العلوم السلوكية والدماغية، ومنح العلم السلوكي المعاصر دورًا مركزيًا في أقسام الشرطة والمخابرات، وتبدو نتائج هذه الخطوة إيجابية، إذ كشف عدد من المحققين المحترفين بالولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى في استقصاء عن فعالية التعذيب، بأن أساليب الاستجواب المعتمدة على التفاعل الإنساني أكثر فاعلية من التعذيب، وشملت أساليب هؤلاء إيجاد أرضية مشتركة للحديث مع المتهم، وإظهار المعاملة الحسنة والاحترام، وتلبية احتياجاته الأساسية مثل الطعام والشراب والنوم، والاطمئنان على سلامة أسرته.

وقام علماء النفس جيني ميلر وكريستوفر كيلي وأليسون ريدليتش بنشر دراسة لهم في مجلة «علم النفس المعرفي التطبيقي»، قاموا فيها باستقصاء رأي 152 محققًا عسكريًّا وفيدراليًّا أمريكيًّا محترفًا، حول فعالية التعذيب باعتباره أسلوب ضغط، وشمل المبحوثين أعضاء من السي آي إيه والجيش، وشرطة الولاية أو الشرطة المحلية، والتحقيق الجنائي العسكري، ووزارة الأمن الداخلي، ووكالة الاستخبارات الدفاعية.

أجمع المبحوثون على أن هدفهم ليس إجبار المحتجزين على قول أي شيء، لأن المعلومات الزائفة تنهك الشرطة أكثر من أي شيء آخر، وتؤدي لعواقب قد تكون كارثية، مثل ما حدث في حرب العراق. ووجدت الدراسة أن تقنيات التفاعل الإنساني وبناء علاقة جيدة مع المستجوب كانت الأكثر فاعلية في الحصول على معلومات جيدة، وعلى عكس ذلك كان استخدام أساليب التعذيب أقل فاعلية وفائدة عندما استخدمها المحققون المحترفون.

بهذه الطريقة استطاع علي صوفان، أحد محققي مكتب التحقيقات الفدرالي الرئيسي، النجاح في التحقيقات مع أبو زبيدة أحد أكبر المسؤولين في القاعدة، واستطاع الوصول لمعلومات خطيرة مثل اسم العقل المدبر لمخطط هجوم 11 سبتمبر (أيلول)، وهو خالد شيخ محمد. ورغم اعتبار وكالة الاستخبارات الأمريكية الأسلوب الذي استخدمه صوفان ضعفًا، فاستبدلوه بمحققين محترفين في استخدام أدوات التعذيب والإيهام بالغرق والقتل، إلا أن تحدياتهم أثبتت نجاح أسلوب صوفان بالنهاية.

بعد صوفان، فشلت وكالة الاستخبارات الأمريكية في التعامل مع خالد شيخ محمد، وثبت بالدليل القاطع أن تعذيب المشتبه به من القاعدة بالغمر في الماء عشرات المرات، لم يدفعه للاعتراف بالتخطيط والقتل، كما قالت لجنة بمجلس الشيوخ وكذبت ادعاءات وكالة الاستخبارات المركزية بأنه اعترف تحت التعذيب.

وفي دراسة أخرى نشرتها مجلة «علم النفس المعرفي التطبيقي» أيضًا بعنوان «مقابلة محتجزين ذوي أهمية قصوى: التعاون والإفصاح» جاء أنه عندما استخدم المحققون وسائل إنسانية مع المحتجزين خلال الاستجواب، زادت نسبة الوصول لمعلومات من التحقيق من أول مرة حتى 14 ضعفًا عندما اعتمد المحققون على بناء علاقة شخصية مع المتهمين، مقارنة مع المتهمين الذين لم يدشن المحققون فيها علاقة شخصية مع المتهمين.

في هذه الدراسة قابل الباحثون من جامعة تشارلز ستورت الأسترالية وجامعة ميدلسيكس البريطانية المحتجزين ذوي الأهمية، وكانوا 64 شخصًا من خمسة بلدان مختلفة، تم استجوابهم بعد احتجازهم بسبب اتهامهم بممارسة نشاطات لجماعات إرهابية، وخلص العلماء إلى أن استراتيجيات التعذيب التعسفي لم تأت بأي تأثير على تعاون المعتقلين مع الاستخبارات، مقابل تعاونهم عند استخدام أساليب قائمة على التعامل الإنساني واحترام حقوقهم، واستجواب المشتبه به في وضع مادي ونفسي مريح.

اجمالي القراءات 788
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more