النساء في سجون «بشار الأسد».. راقصة ومُناضلة وربة منزل

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٢ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


النساء في سجون «بشار الأسد».. راقصة ومُناضلة وربة منزل

تزخر السجون في سوريا بالآلاف من النساء ممن جرى توقيفهن، وصدر بحقهن قرارات اعتقال، وسيلة لعقابهن على مواقفهن السياسية المناهضة للسلطة الحاكمة سواء كان ذلك قبل الثورة السورية أو بعدها، وهي النسبة الأكبر من بين نساء أخريات صدر بحقهن قرارات اعتقال دون أن يكون لهن صلة بالأحداث.

تحدث عدد من التقارير عن وقائع الانتهاكات الدائمة بحق السوريات، بينما يظل هناك أوجه أخرى للانتهاك غائبة والتي تتمثل في احتجاز آلاف من السوريات اللاتي ليس لهن أنشطة سياسية؛ لتصبح السجون والأفرع العسكرية مستوعبة للجميع، وتحتضن المناضلة التي تمارس أدوارًا على الأرض، والراقصة التي قادها حظها العسر للاعتقال بتهم سياسية، والمواطنة التي قررت أن تتعامل مع الأحداث بلا موقف سياسي.

وحسب إحصاء صادر عن الشبكة السورية، يصل عدد المعتقلات من جانب نظام بشار الأسد إلى أكثر من 8 آلاف سيدة بينهم 300 طفلة دون سن الثامنة عشرة، وهناك نحو ألفين مختفية قسريًا، هذا بالإضافة لآلاف السيدات اللاتي خرجن من المعتقلات.

يرسم التقرير التالي صورة كاملة عن أساليب نظام بشار الأسد القمعية مع النساء السوريات اللاتي شاركن في الثورة السورية، قبل أن يُعممها على جميع النساء حتى وإن كانت علاقتهم بالانتفاضة السورية مُجرد حدث عابر يسمعون أخباره عبر المذياع.

هُنا سجون «الأسد» للنساء.. الاعتقال صُدفة تأتيك من حيث لاتدري

لم تكن «وفاء» تعلم حين هربت من موطنها الأصلي في العراق، بعد اضطراب الأوضاع الأمنية، إلى سوريا لكي تعمل راقصة في أحد الملاهي الليلية بدمشق، أن الأقدار ستنتهي بها إلى الاعتقال في سجون بشار الأسد بتهمة سياسية؛ وهي التي عاشت طيلة حياتها بلا موقف سياسي تجاه ما يحدث حولها سواء في العراق أو سوريا بعدما انتقلت إليها؛ فهي الفتاة التي تود التنقل بهدوء بين الملاهي الليلية لإعالة نفسها وعائلتها في المنفى الذي اختارته لها ولذويها.

 

 

لافتة ترويجية لبشار الأسد

شاءت الظروف أن يكون أحد زبائن «وفاء» في الملهى الليلي الذي اعتادت الرقص فيه، مُنشق عن النظام، والذي واظب على التواصل معها؛ حتى جرى اعتقاله، لتدفع وفاء بعد ذلك ثمن لفعل لم تقترفه؛ وتظل حبيسة في الزنزانة.

لا يختلف حال وفاء كثيرًا عن «آية» المرأة السوريّة التي تعمل في الدعارة منذ سنواتها الأولى بفعل والدتها التي جعلتها تتزوج سبع زيجات لرجال من الخليج بهدف جمع الأموال قبل أن تهرب بعيدًا عن عائلتها، وتجد نفسها وحيدة دون مصدر دخل؛ وتعود من جديد للعمل في الدعارة لتلبية احتياجاتها.

قادها حظها السيىء عبر صديقة لها للتعرف على «زبون» في مدينة القابون يرغب في علاقة جنسية معها؛ قبل أن تكتشف خدعة صديقتها التي فعلت ذلك للإيقاع بها في أيدي الجيش الحر كونها من طائفة «غير سنية»، الذي اعتقلها خمسة أشهر، قبل أن يطلق سراحها بعدما اقترب موعد ولادتها.

خلال سيرها للعودة إلى موطنها الأصلي، اعتقلها جيش بشار الأسد على المنطقة الحدودية للقابون، ووجه لها تهمة «مُمارسة جهاد النكاح مع الإرهابيين»، ليظهرها على التلفزيون الحكومي على أنها داعمة للإرهاب؛ قبل أن يحتجزها في سجن عدرا الذي أنجبت فيه طفلها، لتظل أسيرة السجن هي ورضيعها إلى الآن.

تحول سجن عدرا الذي خصصه النظام السوري للنساء المعتقلات بعد الانتفاضة السورية إلى شاهد على وقائع ما جرى لنساء سوريا بعد الثورة السورية؛ فالوجوه داخله دالة على حجم الانتهاكات التي وقعت لهن على يد نظام الأسد الابن. تحكي ميسا صالح، الإعلامية السورية والناشطة الحقوقية وقائع سبعة أشهر، قضت أربعة منها في الأفرع الأمنية، وهي مقار تتبع جهاز المخابرات السورية، والباقيات في سجن النساء في عدرا، عن تجربتها في مقالة منشورة بموقع الجمهورية، وتصف بعض وجوه من رافقها: «نساءٌ لا يُجِدنَ القراءة أو الكتابة، أمهاتٌ وبناتٌ وزوجاتٌ رهيناتٌ لخيارات الرجال في العائلة، مثل زوجة رجلٍ اختار أن يكون ناشطًا ثوريًا، أو أمٍّ قدّمت طعامًا لابنها الذي أختار أن يكون مقاتلًا، أو حتى بائعة هوى واحدٌ من زبائنها معارضٌ للنظام».

يوميات السجينات داخل زنازين الأسد: الاغتصاب والتعذيب وسيلة انتزاع الاعترافات

لعبت المرأة السورية دورًا مؤثرًا في الحراك السياسي المُناهض لنظام بشار الأسد؛ إذ تبلور هذا الدور في المُشاركة بالحراك الثوري على الأرض، وتشييع جنازات الضحايا، وتقديم المساعدات اللوجستية للثوار، مثل المساعدة في كتابة شعارات مناهضة لنظام الأسد على الجدران أثناء المظاهرات.

 

 

لافتة ترويجية تعرضت للهجوم من جانب معارضي النظام

لا يقف دور المرأة السورية عند هذا الحد؛ بل امتد ليشمل تنظيم الحملات مثل: «حملة أوقفوا القتل»، وحملة: «الأبيض والبنفسجي»، التي تدعم حقوق المعتقلين، فضلًا عن جمع التبرعات لتغطية احتياجات المتضررين في المناطق التي وقعت تحت سيطرة العناصر المتشددة دينيًا أو قوات الأمن السورية.

مؤخرًا؛ ونتيجة للاستهداف الأمني حيال النساء في سوريا؛ تراجعت أدوار المرأة في الحراك على الأرض؛ وانتقلت إلى ساحات الإنترنت عبر تكثيف أنشطتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك والمدونات الإلكترونية، كتأسيس مدونات يسردن فيها أشكال التعذيب الذي تعرضن له، وتوثيق انتهاكات النظام السوري مثل مدونة «طباشير» للناشطة السورية شيرين الحايك.

أمام هذا الدور الفاعل؛ توسعت قوات الأمن السورية في حملات الاعتقال بحق النساء، ومورس بحقهن أشد أنواع التعذيب داخل السجون، عقابًا لهن على هذه الأدوار. واحدة من هؤلاء (أم محمد)، واحدة من سكان الغوطة الشرقية بريف دمشق، التي تعرضت للاعتقال خلال سيرها إلى العمل في عام 2012، لتنتقل بعد ذلك لأحد مراكز الاعتقال، وتتعرض للاستجواب ثلاث مرات، وتُحال من جديد إلى زنزانة انفرادية، عاشت فيها على مدار شهرين ونصف على رغيف خبز وبعض الجبن في اليوم، ما أدى إلى مرضها وانهيارها عصبيًا.

تعرضت السيدة للاغتصاب بعد نزع حجابها وملابسها بالقوة، قبل أن تُودع في غرفة مع سبع سيدات بعد نزع حجابها بالقوة. لم تقف آثار فترة السجن على صحتها النفسية والجسدية بل امتدت لتشمل حياتها الزوجية بعدما قرر ابن عمها، الانفصال عنها بعدما علم بأنها تعرضت للاغتصاب.

تقول في مقابلة لقناة الجزيرة الفضائية: «آثار التعذيب كانت بادية على وجوه النساء المعتقلات، كما شاهدت طفلة في الصف التاسع، تناوب على اغتصابها 6 أشخاص أمام الجميع»، وتُضيف: «كل امرأة تدخل سجون نظام الأسد تتعرض للتحرش والاغتصاب، وقالت إن أصوات التعذيب ما زالت عالقة في ذهنها ولا يمكن نسيانها. ولفتت إلى أن معاناتها استمرت بعد خروجها من السجن أيضًا، إذ تبرأت أسرتها منها».

الأمر ليس حديثًا.. تاريخ اعتقال النساء قبل الثورة السورية

لم تكن عذابات السوريات في السجون أمرًا جديدًا بعد الثورة؛ إذ كانت هذه المُمارسات موجودة قبل الانتفاضة السورية؛ فالاعتقال أصاب كثيرًا من النساء بشكل عشوائي دون تمييز لمهامهم جنبًا للتوسع في اعتقال من تنكشف ميولهن السياسية المعادية لنظام بشار الأسد.

 

 

صورة لبعض النساء السوريات

واحدة من هؤلاء طبيبة الأسنان تهامة معروف، 46 عامًا، والتي صدر بحقها حكمًا من محكمة أمن الدولة العليا عام 1995 لست سنوات، لعضويتها في حزب العمل الشيوعي غير المرخص؛ لتختفي بدورها عن أعين الأجهزة الأمنية على مدار 15 سنة؛ قبل أن تنجح في اعتقالها في السادس من فبراير (شباط) 2010، وتُنقل إلى سجن عدرا لتمضي بقية السنوات الخمسة المتبقية من الحكم.عاشت تهامة أسيرة  مع 12 معتقلة، وبين نحو ما يقدر بـ 7000 سجين بحسبها، وكانت تسمع تحرشًا لفظيًا من جانب الحراس الذكور في السجن، ولا يُسمح لها بمغادرة زنزانتها سوى مرتين في الأسبوع فقط، عقابًا على نشاطها المناهض لنظام بشار الأسد .

بحسب شهادات وثقتها هيومن رايتس ووتش، في تقرير منشور في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 فإن: «تهامة مع بعض النساء محتجزات في جناح في السجن خاضع لإشراف الأمن السياسي، أحد الأجهزة الأمنية في سوريا. يسمح لهن بمغادرة الزنازين مرتين في الأسبوع فقط، وتخضع زيارات عائلاتهن إلى موافقة الأمن السياسي».

وتُعد رواية نيغاتيف، أول كتابٍ من نوعه، تُقدم فيه الكاتبة السورية روزا ياسين شهادات معتقلات سياسيات خُضنَ تجربة الاعتقال قبل الثورة بعقود، وتحكي الكاتبة السورية في الكتاب وقائع ماعاشته 16 امرأة من السجينات السياسيات المعتقلات في السجون السورية،  خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، من عنف وانتهاك مع المعارضة النسائية بشقيها الشيوعي والإسلامي، كما ترسم الرواية صورة كاملة لآثار السجون التي تظل حاضرة داخل من عاشوا تجربة الاحتجاز حتى بعد الخروج منها، وما تفعله السجون من تخريب للروح.

.

استخدام النساء ورقةَ مساومة مع معارضي الأسد

أعاد بشار الأسد استخدام وسيلة ورثها عن والده والمتمثلة في اعتقال النساء لاستخدامهن من أجل الضغط على أقربائهن من الذكور الذين انضموا للمعارضة، باعتبارهن ورقة مُساومة لتسليم أنفسهم مقابل الإفراج عن ذويهم من النساء المعتقلات.

كانت إحدى هؤلاء النسوة امرأة تبلغ من العمر 58 عامًا، من منطقة إدلب، إذ جرى اعتقالها من جانب القوات الحكومية من أجل الضغط على ابنها الذي انشق عن الجيش السوري رفضًا لاستخدام القوة المُسلحة ضد المدنيين، لينتقل بعد ذلك إلى إحدى الجماعات المُسلحة المعارضة.

تلقت أخته اتصالًا هاتفيًا من ضابط سوري عدة مرات، عرف نفسه بأنه الضابط الذي يحتجز والدتها، وطلب منها أن ينقل رسالة إلى أخيها من دون أن يحددها، وهو سيفهم الرسالة. كما كان يسمح لأخته بسماع صوت والدتها للتأكد من أنها لا تزال على قيد الحياة.

 

تقول أخته في مقابلة ضمن تقرير صدر عن الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان: «أخي كان مقتنعًا بأنه سيُقتل فورًا في حال استسلم وأن استسلامه لن يضمن إطلاق سراح والدته، وكُنت أشاطره الرأي؛ لذلك لم أطلب منه الاستسلام رغم قلقي الشديد عليها خصوصًا أنها تبكي خلال تواصلها معها». لم يبق أخوها على قيد الحياة، وقتل في يونيو (حزيران) 2014، في قصف من القوات الحكومية، ومع ذلك لا تزال والدتها رهن الاحتجاز.

واقعة أخرى كاشفة عن الكيفية التي تحول بها الاعتقال السياسي في عهد بشار الأسد الابن من الخصوم السياسيين إلي عموم السكان بمرور الوقت على اندلاع الثورة السورية. (س – ي) ربة منزل سورية اُعتقلت من منزلها في درعا بعد حصاره من جانب القوات الحكومية بثلاث آليات، وذلك على إثر انشقاق شقيقها عن الجيش السوري، وانخراطه في المجلس العسكري الذي أسسه عدد من القيادات العسكرية المنشقة عن نظام بشار الأسد؛ في أكتوبر (تشرين الأول) قُتل شقيقها خلال إحدى العمليات العسكرية؛ ومع ذلك بقيت شقيقته رهن الاحتجاز، دون أي وعد بإطلاق سراحها.

اجمالي القراءات 1591
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق