شجر الزيتون.. حكاية «الذهب السائل» ورمز السلام في الدين والأدب

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٤ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


شجر الزيتون.. حكاية «الذهب السائل» ورمز السلام في الدين والأدب

كانت الأشجار تمثل للبشر لغة صمت عميقة يمكن الإنصات إليها، وفي حضارات كثيرة اعتُبرت شجرة الزيتون ملكة الأشجار، مثّل شجر الزيتون دائمًا المقاومة والصمود في قصائد الشعراء وحكايات الأدباء، وصار بقدرته على التكيف والعيش طويلًا في ظروف قاسية مثالًا على الثبات والقدرة على التحمل، وقد عرفه الإنسان في أعرق الحضارات، وحازت الشجرة التي اكتُشف في مملكة إيبلا بسوريا مكانة رفيعة، وقدّسها الناس لإمكانية الاستفادة من زيتونها وزيتها وخشبها وورقها.

وعُثر على مخطوطات كثيرة تحكي عن فوائد زيت الزيتون، وكيف أنه كان يُقدم قربانًا للآلهة، وهدايا للملوك، وإلى أبطال الرياضة، كما أشارت إليه قصائد وكتابات اليونانيين القدامى، في الثقافة المتوسطية كان الزيتون هو «الذهب السائل»  طوال آلاف السنين، وجزء مشترك من هوية شعوبها، ومصدر إلهام الأدباء والشعراء، وحتى اليوم لا تزال الشجرة تحتل مكانة رفيعة، ويستخدم شعارها رمزًا للسلام.

سوريا.. الموطن الأول

تعد المنطقة بين أضنة وشمال غرب سوريا، هي الموطن الأول لشجرة الزيتون. وتمتد إلى سلسلة الجبال الساحلية السورية، وصولًا إلى منطقة جبال نابلس في فلسطين جنوبًا، وانتقلت زراعة الزيتون في القرن السادس قبل الميلاد من بلاد الشام إلى شواطئ البحر المتوسط عبر الشواطئ الليبية والتونسية وساهم الرومان في نشرها بحوض المتوسط، ثم نقلوه إلى شبه الجزيرة الأيبيرية وجنوب فرنسا.

طوّر العرب المسلمون زراعة الزيتون في الأندلس هناك؛ فنقلوا أصنافًا عديدة منه إلى ضفاف المتوسط الأوروبية، حتى أن كلمة الزيتون في اللغة الإسبانية (aceituna) مأخوذة عن العربية منذ تلك الفترة، وازدهرت تجارة زيت الزيتون، ولاحقًا نقل المكتشفون الإسبان زراعة الزيتون إلى أمريكا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، وابتداءً من عام 1560 بدأت بالظهور في أمريكا الجنوبية.

شجرة الزيتون معمرة دائمة الخضرة، تستمر في طرح ثمارها لأكثر من 1000 عام، واليوم يقدر عدد أشجار الزيتون عالميًا بـ800 مليون شجرة، تنتمي إلى 400 صنف مختلف، وهي تنمو ببطء، لكنها تعيش فترات طويلة جدًا. وهناك الكثير من أشجار الزيتون المعمّرة في سوريا، ومنطقة شرق المتوسط. كما توجد في القدس أشجار يُقدّر عمرها بألفي سنة، وأخرى يقدر عمرها بما يقارب الـ5500 سنة. وفي كرواتيا يقدّر عمر إحدى اشجار الزيتون بـ1600 عام، بينما يقدر عمر زيتونة أخرى في منطقة بإيطاليا بـ3000 سنة.

في الحضارات القديمة

مثّل الزيتون في الحضارات القديمة الحكمة والسلام والنصر ومصدر الثروة والطعام، حتى أنه في الأساطير الرومانية كان يُعتبر طعام الآلهة، وعُثر على أوراقه في طبقات صخرية من العصر الحجري القديم، كما عُثر على عبوات تحتوي على زيت الزيتون بين القبور المصرية القديمة، واستُخدم في الطبخ والإضاءة، ودخل في مكونات المراهم الطبية، وعُثر على تيجان مصنوعة من أغصان الزيتون في قبر الملك توت عنخ آمون، ونسب المصريون القدماء الفضل في تعلّم الإنسان زراعة الزيتون إلى الإلهة إيزيس.

في اليونان القديمة كان لشجرة الزيتون مكانة مميزة، واستخدمت في زخرفة الحلي والأواني، وكان استخدام زيتها يشير إلى الطبقة الاجتماعية؛ إذ لم تتمكن الطبقات الفقيرة من استهلاكها كثيرًا، بينما استخدمتها الطبقات الأعلى في الطبخ والعلاج وتدليك الجسم، وكانت شجرة الزيتون تزين الحدائق في أثينا، وكان لمسها ممنوعًا، ويعاقب من يقترب منها بالنفي.

 

مصدر الصورة

كانت أول شعلة أولمبية غصنَ زيتون مشتعل، واستخدم الرياضيون الأوائل زيت الزيتون لتدليك أجسامهم، وكانت أوراقها رمزًا للنصر أيضًا؛ فقد وضعها المحاربون المنتصرون في المعارك، والأبطال الرياضيون في أثينا.

وتحكي الأسطورة اليونانية أنه بعد معركة ترموبيل التي دخلت على إثرها قوات الفرس إلى أثينا وأحرقتها، وجد الأثينيون مدينتهم أنقاضًا، لكن شجرة الزيتون بقيت رغم الحرائق، وأثمرت براعم خضراء هدّأت غضبهم وخففت حسرتهم، ولعلها إحدى الشجيرات التي يمر السياح أمامها عابرين إلى الآثار الحجرية، دون أن يلتفتوا إلى أنهم تركوا الأثر الأقدم دون تأمل.

في الأندلس طوّر العرب زراعة الزيتون، واستخدموا زيته في إنارة المساجد، وقيل إن العرب كانوا يجدون السعادة حيث تنبت شجرة الزيتون.

الشجرة المباركة

في تاريخ الأديان كان الزيتون حاضرًا أيضًا؛ في قصة النبي نوح عليه السلام، بعد الطوفان، حين استقرت السفينة على جبل الجودي ضمن سلسلة جبال آرارات التركية، أرسل النبي نوح حمامة لتستطلع الأرض، وترى إذا ما كان الفيضان قد انقشع أم لا. فخرجت الحمامة واستطلعت الأرض، وكان الطوفان قد انتهى، فهبطت إلى الأرض والتقطت غصن الزيتون؛ وحملته بشارة إلى سيدنا نوح، ودليلًا على انتهاء الطوفان، وهذه هي الحمامة وغصن الزيتون التي اتخذت منها الأمم المتحدة شعارًا لها.

وفي المسيحية هي الشجرة التي صُلب عليها المسيح، وذُكر في الكتاب المقدس أن المسيح عليه السلام صّلى فوق جبل الزيتون، وأنها شجرة مقدسة؛ إذ يضيء زيتها ظلام المعابد والبيوت. وفي سِفر القضاة في الكتاب المقدس تحكي قصة خيالية أن الأشجار تحركت معًا لتقيم لها ملكًا، واختارت شجرة الزيتون لتكون الملكة عليهم، لكنها قالت: «أأترك دهني الذي يفرح الله والناس وأذهب لكيّ أملك الأشجار؟».

 وفي الإسلام كانت شجرة الزيتون مثالًا للنور الإلهي، إذ يقول تعالى في سورة النور «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ».

في قصائد الشعراء

هذي بلاد الشام
كيف تقوم فيها دولة ربت عدواتها مع الزيتون يا حمقي
ولكن عذركم معكم فأنتم بعدُ ما زلتم غزاة محدثين
قصيدة في القدس للشاعر تميم البرغوثي

ترك الزيتون بصمة كبيرة على الأدب، وارتبط في اللغة العربية بالأرض، وكان الصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، في الشعر الفلسطيني يمثل الزيتون وطنًا كاملًا، ورمزًا للسلام والحياة والمقاومة المستمرة في الأرض المغتصبة.

كما تعتبر إسبانيا الزيتون جزءًا من تاريخها وحضارتها، وأشار إليه كبار أدبائها، مثل: سيرفانتس، ولوبي دي بيغا،  ونجده رمزًا للحرية والصمود في قصائد أشهر شعراء اللغة الإسبانية في القرن العشرين، وأبرزهم: فيديريكو جارسيا لوركا، الذي كتب عنه قصيدة «يا شجرة»، ورافائيل ألبيرتي «ما هو شجرة زيتون؟»، وبابلو نيرودا «قصيدة الزيتون»، و«زارع الزيتون» لميجيل هيرناندث.

Federico García Lorca

لعقود ساد الاعتقاد بأن الشاعر الإسباني فيديريكو جارثيا لوركا دُفن تحت شجرة زيتون في ألفاكار بغرناطة –مصدر الصورة

تزين أشجار زيتون معمرة ضربت جذورها في الأرض منذ آلاف السنين عددًا كبيرًا من ساحات إسبانيا وحدائقها المهمة والمراكز الرسمية الثقافية، وأنشات إسبانيا متحفًا يقدم تاريخ الزيتون في البلاد، وكيف يتم تصنيعه.

في عام 2006 قدم الكاتب والناقد الأدبي فرانسيسكو فيليث نييتو كتابًا قدم فيه مجموعة من القصائد والأغاني التي رافقت البشر في علاقتهم مع الشجرة الألفية، ويقدم صورتها في الذاكرة البشرية في لغات مختلفة، وقدم خوسيه أنطونيو سانتانو في كتابه «مختارات شجرة مباركة» مجموعة من الأعمال الأدبية التي أشارت إلى شجرة الزيتون رمزًا لثقافة البحر الأبيض المتوسط، مؤكدًا أن تاريخ البشرية – طبقًا لأقدم الكتابات التي وصلتنا – سُقي بالزيت.

لو يذكر الزيتون غارسهُ.. لصار الزيت دمعًا
يا حكمة الأجدادِ.. لو من لحمنا نعطيك درعًا
لكن سهل الريح.. لا يعطي عبيد الريح زرعًا
سنظل في الزيتون خضرته.. وحول الأرض درعًا
قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش

في الأمثال الشعبية.. عمود البيت

في الأمثال العربية يرتبط الزيت بالبركة «الزيت عمود البيت»، و«الطحين والزيت سبعين من البيت»، و«إذا عندي طحين وزيت صفّقت وغنيت» ومن العادات الشعبية الفلسطينية دهن جسم المولود بالزيت ويقول المثل كناية عن فوائده الغنية «اطعم ابنك زيت وارميه في البيت»، والمثل بالمعنى نفسه موجود في اللغة الإسبانية «زيت الزيتون يُبعد كل شر»، وتربط الأمثال الإسبانية غالبًا بين سحر الخمر وسحر زيت الزيتون «الزيت والخمر.. بلسم إلهي».

 

«الزيت عمود البيت» – مصدر الصورة 

كما تجمع أمثال شعبية كثيرة الحكمة القديمة في جمع الزيتون والوقت الأمثل لحصاده وأجود أنواعه والاستعداد لموسم قطفه، في إشارة إلى قطفه قبل موعده يقول المثل الإسباني «من يقطف الزيتون قبل شهر يناير يدع الزيت على الأشجار»،

والفلسطيني يقول: «إذا برز الزيتون في شباط هيؤوله المخباط»، و«أيلول دباغ الزيتون» كما أنه موسم عمل جماعي شاق تشارك فيه كل أفراد العائلة «أيام الزيت أصبحت أمسيت» و«زيت البري طيب بس لقاطه بشيب»، ويرتبط في التراث بالفرح أيضًا؛ يقول الإسبان: «في وقت جمع الزيتون تجد البنات الخطّاب».

وفي فلسطين يتعاون الفلاحون فيما بينهم على جمعه، فيما يُعرف بـ«العونة أو الفزعة»، وهو دور مُتبادل طوال العام، وفي كُل المواسم لدى الفلاحين يقولون عنه «من عاوننا عاونّاه، من عاوننا الله عانه».

اقرأ أيضًا

اجمالي القراءات 4762
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق