رمضان في غزة 2018.. 30 يوم من الحرمان

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٢ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


رمضان في غزة 2018.. 30 يوم من الحرمان

فيما باتت البيوت الفلسطينية بغزة الليالي الماضية تتحدث عن أحوال ذوي شهداء وجرحى مسيرات العودة، خرج شاب فلسطيني من سكان منطقة «أبو اسكندر» الواقعة شمال شرق مدينة غزة في عتمة الليل، ثم سكب على نفسه البنزين محاولًا الانتحار  بالحرق.

هذه الحادثة التي أصبحت حديث الشارع تقف وراءها الظروف الاقتصادية الصعبة، فالفقر  وفقدان كافة مقومات الحياة دفعتا الشاب ذا السابعة والعشرين من العمر للانتحار كوسيلة للاحتجاج على ظروفه القاهرة، وفيما نقل هو لتلقي العلاج من حروقه، انكب السكان يتحدثون بألم عن واقع الظروف الخطير في غزة، والتي حرمت بسببها من أية بهجة في استقبال شهر رمضان.

سوف لن نشتري هذا الشهر فانوسًا.. رمضان بعد قطع المرتبات

«الوضع صعب للغاية، نفتقد الكثير من الأشياء العادية، كالعصائر، والأغذية الخاصة بالسحور، كم يشتهي أبنائي الارتواء بالعصير بعد صيام يوم طويل، لكننا بالكاد نوفر طعامًا بسيطًا للإفطار»، بهذه الكلمات حاولت السيدة «أم إيهاب» الحديث عن يومها الرمضاني هذا العام.

السيدة التي تقطن حي «الشواهين» بشمال قطاع غزة، مرت خمسة أعوام على بطالة زوجها، العامل في مجال الحياكة، وهم الآن لا يستطيعون شراء اللحم، أو الدجاج، ولو لمرة واحدة شهريًا، وكل ما عليها هو الاعتماد كليًة على الحبوب والمعونات الأساسية التي تستلمها بشكل دوري من «وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين (الأونروا)».

 

تقول السيدة لـ«ساسة بوست»: إن لديها خمسة أبناء، أكبرهم في الثالثة عشر من العمر، استوعب ظروف والده، ولم يعد يطلب كأبناء جيله الكثير من الأشياء، لكنها عاجزة اليوم عن إرضاء «سارة» التي تبلغ من العمر ست سنوات، وتريد فانوسًا أسوة بصديقتها في الحي، وتضيف السيدة: «لدينا أزمة في توفير غاز الطهي والماء الصالح للشرب، وبينما أنا أفكر في تدبير هذه الأمور تأتي طفلتي تريد المسليات والفوانيس والألعاب، فلا أحتمل مطالبها».

لقد تراجعت القدرة الشرائية للعائلات في قطاع غزة، وعجز رب الأسرة عن توفير احتياجاتهم الرمضانية؛ إذ كانت الأوضاع الاقتصادية حتى شهر رمضان الماضي تعتمد على رواتب موظفي السلطة الفلسطينية (رام الله) الذين يعيلون عائلات بأكملها، ويحركون سوق الطلب لدي الحرفيين؛ فقد تسبب قرار السلطة بوقف الرواتب وتخفيضها في جعل الحركة في الأسواق الغزية شبه معدومة، وأصبح هؤلاء الموظفون غير قادرين على توفير احتياجات منازلهم، فعدم صرف الرواتب كاملة أثر على توفير الاحتياجات الأساسية، سواء للموظف الذي كان يتلقى راتبه، أو للعامل الذي كان يعتمد في توفير دخله على حركة رواتب الموظفين الحكوميين في السوق الفلسطيني.

يقول الموظف في السلطة الفلسطينية «أمجد النباهين»، وهو أب لخمس أبناء: إنه «لا يستطيع أن يوفر كل احتياجات المنزل في ظل الظروف الحالية، ويعاني أيضًا من إمكانية التوجه للأسواق بشكل يومي لتوفير كل ما يحتاجه المنزل في رمضان»، وتابع القول لصحفية «القدس» المحلية: «الظروف ستدفعنا للتدبر والاقتصاد كثيرًا في شراء الحاجيات، وقد استغنى عن بعض السلع الأساسية خلال شهر رمضان».

الركود الكبير.. أسواق غزة بلا مشترين 

«الكثير من الأمنيات البسيطة لا أستطيع تحقيقها، مررت بالسوق، وكنت أتمنى أن اشتري كيلو واحد من الكوسة لأطهو شوربة خضار، لكني وجدت سعر الكيلو الواحد أربعة شواكل (الدولار= 3.5 شيكل) ، فأعرضت عن شرائها»، هذا ما قالته السيدة «انتصار» التي كانت تمر مع طفلها «محمد» ذي السابعة من العمر في سوق حي «الشيخ رضوان».

أشارت لنا بأن ننظر إلى السوق، ثم قالت لـ«ساسة بوست»: «كما ترين المتسولين والباعة أكثر من عدد المشترين في السوق، تجنبت أن أمر من أمام بائع الفوانيس؛ حتى لا يحرجني ابني ويطلب شراء واحد منها له، فأنا لا أملك ثمن الفانوس الذي يباع بشيكل أو اثنين من الشواكل، جئت هنا لشراء البطاطس والطماطم فقط، فالوضع صعب على الجميع».

وتشهد أسواق قطاع غزة حالة من الركود الاقتصادي في حركة البيع، إذ إن هناك انخفاضًا كبيرًا في القدرة الشرائية لدى المواطنين، فحتى مع مراعاة التجار لظروف القطاع وعدم جلب المواد التموينية بالكميات المعتادة سنويًا، إلا أن حركة الشراء شبه ميتة، والمقبلين على الشراء يأتون للحصول على المنتجات الضرورية للغاية، وهم يتحسرون لعدم قدرتهم على شراء أصناف ومواد خاصة بشهر رمضان.

ويعود ضعف القوة الشرائية لتراجع مدخولات الأفراد، وارتفاع البطالة والفقر ونتيجة لأزمة رواتب موظفي السلطة، ومعارتفاع معدلات الاستهلاك في شهر رمضان، تزيد أعباء الأسرة الفلسطينية محدودة أو ومعدومة الدخل؛ الأمر الذي جعلالحياة شبه معدومة لآلاف العائلات التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وهذا الواقع جعل أحد التجار يقول: «المتسوق ينظر بعينيه فقط ولا يتقدم للشراء»، أما تاجر آخر من غزة فقال: «في الصباح شاهدت رجلًا كان كل عام يشتري مني عشرات كراتين التمر ويوزعها على المساجد لإفطار الصائمين، ومر هذا الرجل دون أن يلقي ولو نظرة على البضاعة، وحين سألت عن أحواله عرفت أنه معسر، وبالكاد يوفر قوت عائلته».

 

فتاة صغيرة تنظر إلى الفوانيس المعروضة في أسواق غزة (المصدر: شبكات التواصل الاجتماعي)

يقول المختص في الشأن الاقتصادي «أمين أبو عيشة»: إن «الحديث بات الآن عن انعدام مستوى السيولة النقدية، في وقت كنا نتحدث فيه سابقًا عن انخفاض معدلات السيولة، فالوصول لمعدلات انعدام السيولة النقدية يعني توقف الحركة الشرائية بالكامل بفعل افتقار المواطنين للنقود».

ويضيف في حوار لصحيفة «الرسالة» المحلية: «فاتورة رواتب السلطة تقدر بـ66 مليون دولار شهريًا، وهذا ما يفتقده القطاع منذ شهرين، فالقطاع الحكومي هو المحرك للاقتصاد المحلي في غزة في ظل توقف القطاع الخاص بفعل الحصار والحروب»، ويضيف «أبو عيشة»: «جميع المؤشرات سابقة الذكر تضع رؤوس التجار تحت المقصلة وتجبرهم على تقليص الاستيراد، وعمل حملات شرائية للمواطنين بأسعار أقل من التكلفة للتخلص من المخزون والتغلب على أزمة السيولة النقدية».

الجمعيات لا تستطيع تخفيف معاناة غزة

أمام باب لإحدى الجمعيات الخيرية، وجدنا «أم يوسف» العشرينية تسأل سيدة أخرى عما تقدمه هذه الجمعية من مساعدات للأسر الفقيرة، لقد جاءت وكلها أمل أن تنال وجبة إفطار يومية تكفي أسرتها التي تتكون من أربع أفراد، فزوجها الذي كان يملك فرشًا صغيرًا لبيع الفاكهة تراكمت ديونه، وفقد القدرة على مواصلة العمل في ظل ضعف القدرة الشرائية لسكان مخيم المغازي الذي يقع وسط قطاع غزة.

 

تقول السيدة لـ«ساسة بوست»: «العام الماضي حظيت بوجبة إفطار يومية من تلك الجمعية، وقد توقعت أن يكون رمضان هذا مماثلًا، لكني حتى الآن لم أحصل على وجبة طعام، وهو ما يجعل أمور بيتي صعبة للغاية، فأنا حتى اليوم لم أتناول الإفطار في منزلي، بل في بيت حماتي بسبب فقرنا»، كان لدى أم يوسف طلب آخر، فهي تأمل أن تتكفل الجمعية بترميم مطبخها وحمام بيتها الفقير، تقول: «هذا حلم كبير لي أن يتم ترميم مرافق بيتي، فأنا منذ تمكنت من الاستقلال عن بيت عائلة زوجها، وأنا أتمنى أن يستكمل بناء بيتي، خاصة المطبخ والحمام».

وتبذل الجمعيات الخيرية في قطاع غزة جهودًا كبيرة لتوفير مساعدات للمحتاجين خلال شهر رمضان المبارك، إذ إن العديد من الأسر الفقيرة تنتظر من هذه الجمعيات تقديم الوجبات والطرود الغذائية والمساعدات المالية وغيرها، إلا أن هذه الجمعيات تعرضت للكثير من الضغوطات التي أدت في المحصلة لعدم مقدرتها على مساعدة الفئات المهمشة وتخفيف معاناتها.

فالتمويل الخارجي الموجه للجمعيات الخيرية بغزة تقلص بنسبة 70%، وتأثر عشرات آلاف العائلات المعتمدة على المساعدات الإغاثية بسبب ذلك، وكذلك أثرت الخصومات التي فرضها الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» على حالة المشاريع الخيرية والإنسانية التي تراجعت بسبب اعتمادها على تلقي مساعدات من هؤلاء الموظفين في ظل حالة التكافل المعروفة داخل المجتمع الفلسطيني. فقد تسببت الخصومات في حرمان فئات مهمشة من مساعدات عينية ونقدية كانت تتلقاها من جهات خيرية عديدة.

بالأرقام.. الوضع كارثي

وصلت معاناة سكان قطاع غزة إلى مرحلة غير مسبوقة؛ إذ يعاني القطاع من حصار إسرائيلي خانق منذ 12 عام على التوالي، فيما تسببت الاجراءات التي اتخذها  الرئيس عباس في أبريل (نيسان) 2017، بالكثير من المعاناة، إذ اقتطع ما بين 30-50% من الرواتب الأساسية لموظفي غزة، إضافة إلى قيامه بتقليص كمية الكهرباء، والتحويلات الطبية، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري.

 

طفل يرفع شعار احتجاجًا على حصار غزة (المصدر: فرانس برس)

وتظهر الأرقام أن 80% من سكان غزة يقبعون تحت خط الفقر، فيما فقد نحو ربع مليون عامل عملهم، أما معدلات البطالة بين الشباب فتقترب من 60%، ويعيش مليون ونصف على المساعدات، منهم مليون لاجئ مهددون مع كل اللاجئين في حال استمرت أزمة (الأونروا)، فيما بلغت نسبة البطالة بين الخريجين الجامعيين في الفئة العمرية من 20-29 عامًا 64%، ومعدلات الفقر 53%، وأما معدلات الفقر المدقع فبلغت 33%، وكذلك بلغت معدلات انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في القطاع 72%، كما انعدامت القدرة الشرائية وانخفضت الواردات بنسبة 15%.

اجمالي القراءات 1137
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more